مقالات تناولت موقف الإدارة الأميركية من الانتفاضة السورية
أوباما أمام امتحان الخروج من البقعة الرمادية/ راغدة درغام
يصرّ الرئيس باراك أوباما على تأبّط الغموض، بنّاءً كان أو مدمِّراً، كركيزة لسياساته لأنه يرتاح إلى البقعة الرمادية. البعض يرى فيه رئيساً واعياً لرغبات الأميركيين المتقلِّبة والمتناقضة ويدعم أساليب اللاوضوح واللالتزام بالذات في السياسة الأميركية الخارجية. البعض الآخر يعارض أن يكون الرئيس الأميركي في صميمه متردداً، يختبئ وراء الغموض، يخشى الحسم. استقالة وزير الدفاع – تشاك هاغل – أو إقالته – وُضِعَت في إطار المعارضين لأنماط اللاحسم التي يتبناها الرئيس أوباما بإصراره في مسألة أساسية كالحرب على «داعش» أن يكون غامضاً في شقّها المتعلق بالرئيس السوري بشار الأسد. وزير الخارجية جون كيري الذي يتقن الإِبحار على حركة البوصلة المتحركة للرئيس أوباما، يمكن وصفه اليوم بأنه الديبلوماسي البارع في تشكيل أي مشهد سياسي وتلوينه كما يبتغيه الرئيس. لذلك، لوّن كيري تمديد المفاوضات النووية مع إيران بالإنجازات، وهو يعلم جيداً أن الفجوة ربما ضاقت لكنها ما زالت على عمقها. كذلك، فعل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ليس دعماً للرئيس الأميركي وإنما سنداً للرئيس حسن روحاني الذي تم تسويقه على الساحة العالمية بأنه منقذ إيران من التطرف والتشدد. فالاعتدال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يُحاكم اليوم على أنغام المفاوضات النووية بينما يستفيد التشدد، عملياً، من تخفيف العقوبات بموجب المفاوضات. الأشهر السبعة المقبلة لن تكون سهلة على الرئيس باراك أوباما وهو يقفز بين المفاوضات النووية والكونغرس الجمهوري الذي يتربَّص لطهران… بين نيران الحرب على «داعش» وطلقات الرصاص من أقطاب «التحالف» الدولي على القيادة الأميركية لهذه الحرب. الأشهر السبعة المقبلة ستكون مسرحاً للعنجهيّات بمختلف أنواعها – تلك التي تميّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو التركي رجب طيب أردوغان، أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو – وستكون أيضاً المساحة لإفرازات وتداعيات الغموض ونقيضه.
تظاهر المدن الأميركية احتجاجاً على تبرئة هيئة محلفين شرطياً أبيض قتل شاباً أسود امتدت من مدينة فيرغسون في ولاية ميسوري إلى أوكلاند في كاليفورنيا. وهذه التظاهرات التي عمّت أكثر من 170 مدينة تحت عنوان معارضة «العنصرية» ستسيطر على انتباه الإعلام الأميركي الذي ينصبّ تقليدياً على مسألة تلو الأخرى، وستزيد المراقبة على الرئيس أوباما، لكنها لن تستحوذ حصراً على كامل السياسة الأميركية، الداخلية أو الخارجية. توقيتها الذي تزامن مع استقالة وزير الدفاع ومع انتهاء المفاوضات النووية بين اللانجاح واللافشل، زاد الضغوط على باراك أوباما، لا سيما وهو يستعد لمعارك ضارية مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون الآن بعد الانتخابات النصفية. فهذا الكونغرس الجمهوري سيتربّص بالرئيس الديموقراطي في كل شاردة وواردة – وعلى رأسها في السياسة الخارجية، المفاوضات مع إيران، والحرب على «داعش» بشقيها العراقي والسوري، ومصير العملية التفاوضية بين فلسطين وإسرائيل.
إيرانياً، يعتزم الكونغرس الجمهوري قطع الطريق على تنازلات أميركية في المسألة النووية كما يعتزم إدخال قوانين إضافية تضاعف العقوبات على إيران وتوسّعها لتعاقبها على أدوارها الإقليمية خارج حدودها. إدارة أوباما ستسعى للحد من اللهجة العقابية وإجراءات العقوبات لأن أوباما ما زال يأمل بأن تقترن إنجازاته وتركته بالاتفاق مع إيران. لكن أوباما أيضاً بات يدرك اليوم صعوبة الاتفاق مع إيران على المسألة النووية كما على طموحاتها الإقليمية، وبات يعي أن المعركة بين قوى الاعتدال وقوى التشدد في طهران قد لا تنتهي كما تصوّر.
عدم انهيار المفاوضات النووية لاقى ترحيباً عالمياً، بما في ذلك من الدول الخليجية التي ارتاحت لقرار التمديد لأن البديل كان المواجهة وتصاعد التوتر مع إيران في ظروف تفرض التركيز على الحرب ضد «داعش» وهو على الأبواب الخليجية.
القمة الخليجية التي ستُعقَد في الدوحة في غضون أسبوعين ستعكس أجواء الترحيب بالتمديد والارتياح له بدلاً من نبرة الشماتة أو دعم التصعيد. صحيح أن الدول الخليجية مستفيدة من «حشر» الكونغرس الجمهوري للرئيس أوباما في الزاوية كي لا يتهاون مع إيران، لكنها لا تريد أن تكون عصاه وهو يهدد إيران في المسألة النووية. فالدول الخليجية منفتحة على التفاهمات إذا برزت في الأفق الإيراني قوى اعتدال قادرة على إبرام التفاهمات.
الانقسام داخل إيران واضح، برز بعضه في أعقاب التمديد للمفاوضات النووية وتمثّل في التصريحات على مستوى مرشد الجمهورية علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، حيث إن الأوّل شن حملة على الغرب، والثاني أبرز فوائد المفاوضات.
المتشددون هتفوا «الموت لأميركا». وفي مجلس الشورى قال النائب الأصولي حميد رسائي «مرّت سنة على محاولة روحاني أن يغيّر بمفتاحه السحري الطابع المتوحش لأميركا، لكن مفتاح الثقة انكسر في القفل…». نائب رئيس البرلمان، محمد حسن أبو ترابي فرد، اعتبر أن «الدرس المكتسب من المفاوضات النووية الأخيرة يتمثل في عدم إمكان الوثوق بأميركا. ولغة القوة هي الوحيدة التي تفهمها».
لكنّ الملفت هو ما جاء على لسان مستشار وزارة الخارجية الإيرانية، محمد علي سبحاني، متهماً نائب رئيس الجمهورية العراقي الحالي (رئيس الحكومة السابق) نوري المالكي باتباع سياسات مذهبية خلال فترة رئاسة حكومته، ما أدى إلى تشكيل حاضنة لتنظيم «داعش». هذا ما نقله عنه موقع إلكتروني إيراني «نامة نيوز»، إذ أضاف: «لولا سياسة حكومة المالكي الإقصائية ضد المجموعات السنّية في البلاد، لما وَجَد التنظيم حاضنة شعبية له بين أهل السنّة». ووفق الموقع نفسه، وجه سبحاني انتقادات إلى نظام الأسد قائلاً: «إن الشعب السوري عبّر في البداية عن مطالبه المشروعة بالطرق السلمية، إلا أن نظام الأسد حاول كبت التظاهرات بالقوة المفرطة، ما أدى إلى ظهور مجموعات مسلحة في ما بعد»، مضيفاً أنه «لو اتخذت الدولة السورية في بداية التظاهرات خطوات لتهدئتها، لما وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم».
إذا كان النقاش داخل إيران على نسق هذه التصريحات، وتلك التي داخل مجلس الشورى، فما ستشهده الأشهر المقبلة على الأرجح هو مراجعة جديّة للمسيرة الإيرانية ستؤثر حتماً في السياسات الإيرانية الإقليمية، وليس فقط على الداخل الإيراني.
الأرجح أن تتأزم الساحة السورية وتزداد تعقيداً ودموية في الفترة الآتية لأنها ساحة للمد والجزر بين القوى الإقليمية والدولية ولأنها أيضاً بوتقة امتحان الغموض كما يمارسه الرئيسان أوباما وبوتين مقابل الوضوح الفاقع كما يعبر عنه الرئيس أردوغان.
الانقسامات الإيرانية ستنعكس بالتأكيد على مصير سورية، عاجلاً أم آجلاً، نظراً إلى عمق التورط الإيراني المباشر وغير المباشر في الساحة السورية. فالعقوبات الاقتصادية تقيّد أيدي القوى المتشددة التي استفادت من رفع بعض العقوبات انتقالياً، لكنها الآن ستعاني جدياً. هذه القوى المتشددة راهنت – وهي تظن أن حنكتها بارعة – على قوى الاعتدال في مفاوضاتها النووية لأن نجاحها يؤدي إلى رفع العقوبات. أصرت القوى المتشددة على معارضة التدريجية في رفع العقوبات لأنها المستفيد الأكبر من الرفع المباشر للعقوبات لأنه يضع الأموال فوراً في أيديها. وهذا يمكنها من تنفيذ سياساتها في سورية والعراق واليمن ولبنان فيما يمكنها أيضاً من الاستقواء على قوى الاعتدال.
لذلك، قد يبدو تيار الاعتدال الخاسر الأكبر من اللانجاح في المفاوضات النووية. واقع الأمر، هو أن تيار التشدد والتطرف هو الخاسر الجدي لأن عدم رفع العقوبات يساهم في إفشال مشاريعه الإقليمية ويقطع الطريق على تصاميمه للانقلاب على قوى الاعتدال بعدما تحصل على رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية.
قد تؤدي هذه الحالة إلى سياسات تلطيفية لطهران كي لا تتوسّع في التورط إن كان في سورية أو اليمن أو العراق أو لبنان، لا سيما أن تنظيم «داعش» دخل الحلبة، وإلحاق الهزيمة به يتطلب قطعاً مشاركة القوى السنّية. أسعار النفط تلعب دورها في نهج تلطيف السياسات اضطراراً، لأن التوسّع مكلف مادياً ومالياً ولأن الداخل الإيراني يعاني اقتصادياً.
لعل لبنان يستفيد من فسحة التلطيف فيتم التفاهم على إخراجه من الفراغ الرئاسي في الأشهر القليلة المقبلة، ولربما أكثر عاجلاً مما هو آجلاً. العراق يشهد تجربة في التوافق والتلطيف، إذ إنه يحسّن علاقاته خليجياً. اليمن بقعة كبيرة جداً على أي من الفاعلين فيها، ولذلك لن تستطيع قوى التشدد الإيراني بسط السيطرة على اليمن حتى وإن بدا ذلك ممكناً انتقالياً. أما سورية، فإنها الساحة المفتوحة على الاحتمالات.
قد يضطر الرئيس باراك أوباما إلى الابتعاد قليلاً عن سياسة اللاوضوح لأنه لن يكون قادراً على ربح الحرب التي أعلنها على «داعش» وهو يتأبط الغموض. هذا ما أبلغه به وزيره المستقيل تشاك هاغل، وهذا ما سيصر عليه أي عاقل ليوافق على تولي مهام وزارة الدفاع الأميركية في هذه المرحلة من مسيرة الرئيس أوباما.
الحياة
رحيل هاغل… ماذا يعني لسياسة أمريكا تجاه العرب؟
رأي القدس
وسط تكهنات متضاربة بالاقالة او الاستقالة، ترك وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل منصبه قبل يومين، بعد مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس باراك اوباما، لم يتبادلا فيه النظرات، في تعبير واضح عن الخلاف بين الرجلين.
وقالت صحف امريكية ان الوزير وجه انتقادات للادارة بشأن أزمات دولية كتلك التي تعصف بالعراق أو سوريا أو أفغانستان، وأنه واجه خلافات متزايدة مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ومع وزير الخارجية جون كيري، وخاصة في أعقاب إعداد هاغل تقريرا انتقد فيه السياسات الأمريكية في سوريا ومناطق أخرى.
ومن المتوقع ان تصبح الادارة الأمريكية «اكثر تجانسا» بعد تعيين خليفة لهاغل اقرب إلى الحزب الديمقراطي، الا ان الاسئلة الأهم ان كانت ستكون اكثر «فاعلية»، ام ستواصل الاندفاع في مسار الفشل الذي اقر به اوباما ضمنيا عبر الاضطرار إلى تغيير وزير دفاعه في وسط حرب كبرى تخوضها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط؟ ثم كيف ستؤثر مغادرة هاغل على اجندة التدخل الأمريكي في العراق وسوريا بشكل خاص؟ وكيف ستؤثر على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة بشكل عام؟
وللاجابة عن هذه الاسئلة ينبغي العودة قليلا إلى الوراء، حيث ان تعيين هاغل كان يهدف اساسا إلى منع عودة امريكا إلى التورط في حروب بالشرق الاوسط وليس العكس، بل ان التقارب الشخصي بين هاغل واوباما يعود إلى عملهما في مجلس الشيوخ اثناء عهد جورج دبليو بوش، ضد الغزو الأمريكي للعراق.
ومن هذا المنطلق فان اوباما سيجد دعما اكبر من البنتاغون خلال المرحلة المقبلة لزيادة عدد القوات الأمريكية في العراق. الا ان التأثير قد يكون مغايرا في سوريا، حيث ان هاغل كان مساندا للنظرية التي تعتبر ان القضاء على داعش يتطلب اسقاط نظام بشار الاسد اولا، لمنعه من الاستفادة من النتائج. اما اوباما فيعتبر ان الاسد فقد شرعيته، لكن تدخلا عسكريا لاسقاطه سيحتاج إلى قرار واضح من مجلس الامن، والا فان تدخلا احاديا من جانب واشنطن سيفتقد إلى الدعم الدولي الكافي وقد يشعل حربا او حروبا اقليمية لا يمكن توقع نتائجها.
ويبدو ان اوباما سيكون القائد العسكري الحقيقي للحرب ضد داعش، خاصة ان صدقت التوقعات بتعيين ميشيل فلورونوي المساعدة السابقة لوزير الدفاع وهي الأوفر حظا في خلافة هاغل على رأس البنتاغون، في سابقة من نوعها في التاريخ العسكري الأمريكي.
وكانت فلورونوي المرأة الأولى التي تشغل منصب مساعدة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون السياسات، والتحقت بوزارة الدفاع في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون حيث عملت على تقديم دراسات تهم الاستراتيجية الأمنية الأمريكية.
كما ستتيح مغادرة هاغل للرئيس الأمريكي ان يشعر بحرج اقل فيما يتجه إلى مزيد من التقارب مع ايران سعيا إلى تعاون امني على الارض لمحاربة داعش، خاصة اذا نجح في التوصل لاتفاق نووي مع طهران قبل منتصف العام المقبل.
اما على صعيد العلاقات مع مصر، فقد خسرت القاهرة «صديقا مهما» في الادارة الأمريكية، اذ كان هاغل من المعارضين لقرار تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية العام الماضي، كما ساعد في احتواء خلافات ثنائية عديدة عندما فتح قناة اتصال غير مباشرة بين الرئيسين السيسي واوباما خلال الفترة التي اعقبت عزل الرئيس محمد مرسي، وحتى اجراء الانتخابات الرئاسية في مصر الصيف الماضي.
وبالنسبة إلى دول الخليج، فان مغادرة هاغل تشكل خبرا سيئا ايضا، اذ يعتبره مسؤولون خليجيون «اكثر تفهما من غيره لمخاوفهم من عواقب التقارب الأمريكي مع ايران».
اما تجاه اسرائيل فمن المستبعد ان يعني رحيل هاغل كثيرا، حيث ان الادارة الأمريكية وصلت إلى نهاية الطريق المسدود بالفعل فيما يتعلق بدورها في احياء عملية السلام، ولا يمكن الا ان تغير هذا الواقع خاصة بعد الانتخابات النصفية للكونغرس التي منحت اصدقاء اسرائيل اغلبية متحفزة في المجلسين ضد اي سياسة تميل إلى الاعتدال او التوازن بهذا الشأن.
وعلى اي حال يبقى مستبعدا ان ينجح اوباما في تعديل صورة ادارته في الشرق الاوسط، التي يمثل الضعف والتردد وفقدان المصداقية سماتها الرئيسية.
القدس العربي
كيري… يستقيل بعد هيغل؟/ راجح الخوري
سواء كان تشاك هيغل قد استقال من وزارة الدفاع الاميركية ام أُقيل منها، فقد كان واضحاً منذ اربعة اشهر على الأقل، أنه لم يعد يطيق البقاء في قفص باراك (اوماما)، الذي تديره سوزان رايس، حيث يتم تقرير كل شؤون السياسة الخارجية والدفاعية وراء ابواب مغلقة، طالما نظر هيغل اليها على انها عقول مغلقة!
قبل اسابيع كشف مسؤولون في “البنتاغون” لصحيفة “النيويورك تايمس” ان هيغل وجّه مذكرة الى رايس انتقد فيها الاستراتيجية الاميركية في سوريا، وقال ان على واشنطن ان توضّح موقفها من نظام الاسد، وعندما سئل عن الأمر رد بطريقة تنطوي على انتقاد ضمني لأوباما: “علينا ان نقدم الى الرئيس ومجلس الأمن القومي افضل ما نفكر فيه في هذا الشأن… يجب ان يتسم الأمر بالنزاهة والصدق”!
الفرق بين هيغل وغيره من المستائين الكثر في ادارة اوباما من سياسته حيال سوريا ان هيغل المقاتل والجريح في فيتنام، يوجّه المذكرات بينما يقف غيره عند حدود التلميحات، لكننا في نهاية الأمر نجد مجموعة واسعة من المسؤولين الحاليين والسابقين يقولون ان سياسة التردد التي اتبعها اوباما في سوريا ساهمت في صنع الارهاب و”داعش”!
أوَلم تتهم هيلاري كلينتون اوباما بأنه ترك فراغاً في سوريا ملأه المتطرفون، وانه لم يستمع قط الى وجهات نظر، وكان يظهر تبرّماً من الدعوة الى اتّباع سياسة اكثر حزماً حيال مذابح النظام؟ أوَلم يستقل روبرت فورد سفيره في سوريا احتجاجاً على هذه السياسة وقد اعلن ذلك مراراً؟ أوَلم يقل وزيرا الدفاع السابقان روبرت غيتس وليون بانيتا هذا الكلام ايّاه؟
ثم هل يمكن ان نتجاهل شريط التلميحات الضمنية المتصاعدة التي يطلقها جون كيري ضد مسار السياسة الأوبامية، منذ تراجع عن توجيه الضربة الى الاسد بعد استخدام السلاح الكيميائي في الغوطتين، اذ قال: “لا يجوز ان ننتقل من سياسة الافراط في التدخل الى سياسة الافراط في الانكفاء”، وهل من الحكمة استبعاد خروج او إخراج كيري من وزارة الخارجية كما حصل مع هيغل، بعدما تسرّبت انباء عن ان اوباما يفكر في استبداله ايضاً؟
ذات يوم كتب المفكر الاميركي جون تشاينبك: “عندما أنظر الى مداخن البيت الأبيض أحسب انه فبركة كبيرة للأوهام”، وقبل فترة وصف انطوني كوردسمان الذي عمل مستشاراً لوزارة الدفاع السياسة الاميركية في سوريا بأنها “فوضى استراتيجية”، رداً على كلام اوباما عن تحديد هذه الاستراتيجية، ومن الواضح ان تشاك هيغل وهو الجمهوري الوحيد في ادارة اوباما الديموقراطية، قرر الهروب من فبركة الأوهام، التي تعرض دائماً رشاقة اوباما الراكض والقافز على السلالم، اكثر مما تعرض من الاستراتيجية والسياسة!
النهار
لماذا لم تنفّذ القرارات الدولية لمكافحة الإرهاب وأين المليارات الخمسة التي طلبها أوباما؟/ اميل خوري
لا شيء يدلّ حتى الآن على أن الولايات المتحدة الأميركية قائدة التحالف الدولي جادة في مكافحة الارهاب بالطريقة التي تعتمدها، وهي طريقة أثارت خلافاً دفع الرئيس باراك أوباما إلى إخراج وزير الدفاع تشاك هيغل، وهو الجمهوري الوحيد، من الحكومة، كما أن هذه الطريقة لا تحظى أيضاً بموافقة كل دول التحالف التي لا يشارك سوى عدد ضئيل منها في الضربات الجويّة وهي ضربات يعترف الجميع بأنها تبقى غير مجدية إذا لم يكن على الأرض قوّة تأخذ مكان الارهابيين عندما يفرّون من مواقعهم بفعل هذه الضربات.
لذلك فإن الادارة الأميركية قد تواجه ارتباطاً إذا ما اشتد الخلاف بين سياسة “البنتاغون” وسياسة الكونغرس حيث الأكثرية فيه باتت للجمهوريين ويصبح القرار المطلوب اتخاذه إما حرب جدية ضد التنظيمات الارهابية براً وبحراً وجواً للقضاء عليها بسرعة، وإما لا تكون مثل هذه الحرب فتطول المواجهة التي ليست لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، أو تجعل المواجهة البطيئة تصبّ في مصلحتها إذا ما وجهت التنظيمات الارهابية وفق ما تقضي به مصالحها في المنطقة، سواء بتغيير أنظمة فيها أو المحافظة عليها.
لقد قرّر المجتمع الدولي خوض حرب ضد الارهاب بقرارات صدرت عنه لكنها لم تمنع ازدياد العنف والاجرام والاغتيال بسبب الخلاف على تحديد مفهوم الارهاب. ففي أيلول 2001 صدر قرار رقمه 1373 حول مكافحة الارهاب أعاد فيه تأكيد قراريه 1269 عام 1999 و1368 بادانة الهجمات الارهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا وأي عمل ارهابي يشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، ودعوة جميع الدول الى العمل معاً وعلى نحو عاجل على منع الاعمال الارهابية والقضاء عليها من خلال التعاون التام والتنفيذ الكامل للاتفاقات الدولية التي توجب على كل دولة الامتناع عن تنظيم أي أعمال ارهابية في دولة أخرى أو المساعدة أو المشاركة فيها أو قبول نشاطات منظمة في أراضيها، وكذلك وقف تمويل الاعمال الارهابية وتجميد الأموال وأي أصول مالية أو موارد اقتصادية لأشخاص يرتكبون أعمالاً ارهابية أو يشاركون فيها أو يسهّلون ارتكابها. وأنشأ مجلس الأمن لجنة مراقبة تنفيذ قرارات مكافحة الارهاب.
وعاد مجلس الأمن الدولي وأصدر القرار 2170 بالاجماع وتحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ما يجعل تنفيذه لمكافحة الارهاب يتمّ بالقوّة العسكرية إذا لزم الأمر، وهو ما تطلّب تشكيل التحالف الدولي.
لكن روسيا والصين ظلتا خارج هذا التحالف وإن كانتا من حيث المبدأ مع مكافحة الارهاب لكنهما تريدان معرفة التفاصيل وتحديد التنظيمات التي تعتبر ارهابية قبل اتخاذ قرار بضربها مثل “حزب الله” وحركة “حماس” و”الجهاد الاسلامي”و” الحزب الديموقراطي الكردي و”طالبان” وبوكو حرام” وغيرها… لئلا تكون مكافحة الارهاب ذريعة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط واعادة توزيع مناطق النفوذ على أسس جديدة وحدود جديدة بديلاً من التوزيع الذي اعتمده اتفاق “سايكس – بيكو”، وكيف يمكن التوفيق بين اعتبار تنظيمات ارهابية يجب ضربها وبينها من يشارك في حكومات ويتلقى مساعدات.
وكانت روسيا قدمت اقتراحاً لمكافحة الارهاب وافق عليه مجلس الامن عام 2004 يدعو كل الدول إلى التعاون في ذلك وخصوصاً الدول التي تمارس فيها الاعمال الارهابية او يتعرض مواطنوها لأعمال ارهابية. ونص القرار على انشاء مجموعة عمل مؤلفة من اعضاء المجلس تقترح اجراءات عملية ضد أشخاص لهم صلة بنشاطات ارهابية، وصار تحديد 90 يوماً لوضع قرارات مكافحة الارهاب موضع التنفيذ ولا سيما القرار 2170. وكان الرئيس أوباما قد طلب من الكونغرس الموافقة على انشاء صندوق لمكافحة الارهاب بمبلغ خمسة مليارات دولار لتدريب وبناء القدرات والتعاون مع الدول التي تحارب الارهاب. ولم يعرف حتى الآن أين أصبح هذا المبلغ وهل يصرف لمكافحة الارهاب فعلاً أم لشيء آخر، اذ انه منذ أن قام التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب فإن تنظيم “داعش” واخواته لا يزال ناشطاً ومتحركاً في العراق وفي سوريا ولم يتم القضاء نهائياً عليه حتى في بلدة واحدة هي عين العرب الكردية على رغم كل الضربات الجوية والحشد الكردي فيها الذي يتصدى لهذا التنظيم.
فهل يكون الخلاف بين الرئيس أوباما ووزير الدفاع هيغل الذي أدى إلى استقالة الأخير بداية خلاف بين الادارة الاميركية والكونغرس حيث بات للجمهوريين فيه أكثرية؟ فضلاً عن الخلاف داخل التحالف الدولي حول التمييز بين الارهاب والجهاد والمقاومة، ما يجعل الحرب على الارهاب طويلة وغير حاسمة والقرارات التي صدرت عن مجلس الأمن لمكافحة الارهاب تبقى حبراً على ورق إلا إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية التي تكبّر حجم الارهاب وخطره تريد من خلال ضربه ببطء تحقيق اهداف غير مكتوبة وغير معلنة!
النهار
سوريا والخيارات الأميركية الصعبة/ دينيس روس
ليس مفاجئاً أن إدارة أوباما تواصل تعثرها في مساعي حل الأزمة السورية، خصوصاً أنه لا توجد خيارات جيدة في حرب حصدت أرواح أكثر من مائتي ألف شخص وأدت إلى نزوح عشرة ملايين آخرين. والرئيس محق في القول إنه لا توجد حلول سحرية، لكن رغم ذلك فهو يدرك أن تجاهلها ليس بديلا إذا ما كنا بصدد تحقيق هدفه المعلن المتمثل في تقليص قدرات «داعش» وتدميرها في النهاية. فترك ملاذ آمن للتنظيم الإرهابي في سوريا يضمن له القدرة على إحلال الدمار بالعراق ومكاناً عملياتياً يمكنه من التخطيط والتجنيد وتنفيذ الهجمات.
ورغم ذلك، تنطوي كافة الخيارات على مآزق، فالقصف الأميركي لأهداف «داعش» في سوريا أطلق يد نظام الأسد لاستهداف المعارضة الأخرى. وبينما ترى هذه القوى أن الهجمات الأميركية ضد «داعش» تجعلها تدفع ثمناً، فإن واشنطن تخاطر بحشد تلك الجماعات التي تأمل في أن تحل محل «داعش». لكن الإدارة تتفادى مهاجمة أهداف النظام السوري، لأنها تخشى من رد إيراني في العراق أكثر منه في سوريا. ومثلما أخبرني مسؤول رفيع في الإدارة، فإذا هاجمنا مواقع بشار الأسد، فيطلق الإيرانيون المليشيات الشيعية ضد تواجدنا في العراق.
وبالطبع، لابد من الأخذ في الحسبان الرد الإيراني، لكن هل يفوق حرص إيران على نظام الأسد التهديد المباشر الذي يمثله «داعش» على طهران ووكلائها في العراق؟ وهل محاربة إيران للتنظيم في العراق مجرد معروف تسديه لنا؟
من الصعب تصديق أن إيران ستسعى لإضعاف الحرب ضد «داعش». ورغم ذلك ليس ثمة خطأ في أن الإدارة نأت بجانبها عن مهاجة أهداف النظام السوري. وعندما كتب الصحفي هشام ملحم خلال الشهر الجاري أن السبب الحقيقي وراء عدم توجيه الإدارة الأميركية ضربة لمعاقل الأسد هو أن ذلك سيكون له تأثير سلبي على موقف إيران من المفاوضات بشأن القضية النووية، كان يعبر عن آراء كثيرين في المنطقة العربية.
ومرة أخرى، نرى مأزقاً: فالتردد في ضرب الأسد، خصوصاً إذا كان مدفوعاً بالحساسية تجاه مخاوف الإيرانيين، يغذي الاستياء لدى شركائنا من العرب السنة الذين يخشون من أن أي اتفاق نووي مع إيران سيكون على حسابهم، ولا يشعرون بارتياح تجاه الحديث عن أي انفراجة محتملة في العلاقات الأميركية الإيرانية. وبالطبع، ستكون الانفراجة مفيدة لو أحدثت تغييراً على موقف إيران في المنطقة، لكن لسوء الحظ، ليس هناك ما يوحي بأن طهران لديها أية نية لذلك. بل على النقيض، يبدو أن الإيرانيين عازمون على تغيير ميزان القوة الإقليمي لصالحهم، في ضوء حديثهم عن تأثير بارز في أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ونبرة الانتصار هذه تعمق شكوك السنة تجاه الولايات المتحدة. وفي النهاية، يعتبر السنة أكثر أهمية إذا كانت هناك رغبة في هزيمة تنظيم «داعش».
وباختصار، يمكن للسنة وحدهم تجريد «داعش» من أي مصداقية، ولا يمكننا نحن أو إيران أو المليشيات الشيعية فعل ذلك. لذا فإنه إذا تم السماح لنظام الأسد بزيادة هجماته ضد المعارضة غير التابعة لـ«داعش» من دون محاسبة، ومن دون تقديم دعم قوي لتلك المعارضة، فلن يبقى السنة في صفنا. والأسوأ من ذلك أننا نخاطر بجعل «داعش» تبدو حامية حمى السنة.
وعليه، تبدو الخيارة المتبقية صعبة، بينما تنتظر جهود الإدارة الأميركية المعلنة الرامية إلى تدريب وتسليح خمسة آلاف من قوات المعارضة التمويل من الكونجرس، بينما لم تبدأ عملية اختيار هؤلاء المقاتلين. وثمة حدود لما يمكن إنجازه عبر زيادة برنامج التسليح السري الذي تشرف عليه الاستخبارات المركزية الأميركية. ومؤخراً أغارت جبهة «النصرة» على القوات التي يعكف البرنامج على تسليحها، وكان مصير الأسلحة إلى التنظيم التابع لـ«القاعدة». والمسار الحالي في سوريا يعني المخاطرة بفقدان تأييد السنة.
وربما آن الأوان كي تعيد الإدارة التفكير في موقفها من إنشاء منطقة عازلة للمعارضة السورية على طول الحدود التركية، والتي يمكن إنشاؤها بحظر أي طيران سوري في عمق 75 ميلاً من الحدود.
الاتحاد
هل من تغيير في «حروب» أميركا السياسية؟/ محمد مشموشي
لا علاقة مباشرة بين تمديد (أو فشل؟!) المفاوضات بين إيران والدول الست العظمى في العالم، واستقالة (أو إقالة؟!) وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، سوى أنهما حدثا في يوم واحد. ولا علاقة أيضاً بين الحدثين هذين وقرار الرئيس باراك أوباما إبقاء قوات أميركية في أفغانستان حتى نهاية العام المقبل، على رغم تعهده قبل انتخابه الانسحاب الكامل منها ومن العراق. ولا علاقة كذلك بين نتائج الانتخابات النصفية الأميركية وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه، وانفجار أعمال عنف غير مسبوقة في ولاية ميسوري احتجاجاً على تبرئة شرطي أبيض من جريمة قتل مواطن أسود. إلا أنه لا تمكن إقامة جدار عازل بين ذلك كله، وبين ما يقال علناً في واشنطن منذ فترة عن «فشل» إدارة أوباما على أكثر من مستوى محلي ودولي… بخاصة لجهة تراجع دور الولايات المتحدة في العالم.
وقبل أي سؤال آخر، هل من معنى أميركي خاص لما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميسوري، البروفيسور بيفيريل سكواير، من أن العنف العنصري الذي اجتاح الولاية وولايات أميركية أخرى سيكون «جزءاً من النقاش في صناديق اقتراع 2016» (الانتخابات الرئاسية)، وأنه يعتقد «أن المرشحين من الحزبين لن يكونوا قادرين على التهرب من الأسئلة التي يطرحها هذا العنف الآن ويتوقع أن يزداد في المستقبل»؟
ومن دون الدخول في المحليات الأميركية، مثل قضية اللاجئين والرعاية الصحية، لم يعد سراً، لا في واشنطن ولا في أي من عواصم العالم، أن أوباما لم يتمكن من تحقيق أي من وعوده عشية انتخابه، بدءاً من إقفال معتقل غوانتانامو، إلى الانسحاب من العراق الذي تبين أنه كان خطأ بدليل عودته إليه وإن جواً وفي صورة خبراء عسكريين الآن، إلى الانسحاب من أفغانستان الذي أرجئ الآن لمدة عام على الأقل. وفي حين أضيف إلى هذه القضايا مأزق أوباما في أوكرانيا وتعثره في التعامل معها، بدا جلياً في الأسابيع القليلة الماضية شلل (وبعض المعلقين يقول تشرذم) فريقه للأمن القومي المكون من وزيري الخارجية جون كيري والدفاع هاغل ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، فضلاً عن الاستخبارات.
بل إن مجلة «فورين بوليسي» ذهبت إلى حد القول إن استقالة (أو إقالة) هاغل كانت محاولة «تجميع لشظايا البنتاغون»، وإن التشرذم في هذه الوزارة سيبقى بعد رحيله كما كان قبله… بل أكثر، إن المسألة في النهاية تتعلق بـ «البدايات الخاطئة، ونصف الإجراءات، وإدارة البيت الأبيض الفوقية، لحملات الإدارة في كل من العراق وسورية في مواجهة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، ولكن قبل ذلك في الأدلة التي أعطتها على وجود مشكلات أعمق سواء داخل الإدارة أو في طريقة عمل الرئيس نفسه ومجلسه للأمن القومي».
هكذا، تقول المجلة في تقرير آخر لها، أن أحداً كما يبدو «لا يريد أن يحل محل هاغل في وزارة الدفاع» ما دامت الحال على ما هي عليه (رفض ميشال فلورنوي تولي المنصب).
وحتى في مسألة المفاوضات النووية مع إيران، ورغبة أوباما في تحقيق «إنجاز» فيها يتوج الفترة الثانية من ولايته، لا تكتم التعليقات الأميركية القول إن ما حدث لجهة تمديد التفاوض كان «مأزقاً» جديداً (Impass) له ولإدارته، وحتى لحلفائه الأوروبيين وفي العالم والمنطقة العربية، وإن عليه إذا كان يريد فعلاً مثل هذا «الإنجاز» أن يبدأ بداية جديدة ومختلفة تماماً هذه المرة. فقرار التمديد هو «حكم بالموت» على المفاوضات، يقول مدير برنامج وقف الانتشار النووي شرق آسيا جيفري لويس، ولا يمكن الولايات المتحدة أن تنتظر شهوراً أخرى تتمكن إيران خلالها من أن تنتج المزيد من اليورانيوم.
هل يعني ما سبق أن تغييراً ما في مقاربات أوباما الخارجية، وربما الداخلية أيضاً، سيحدث خلال الشهور القليلة المقبلة؟
في التسريبات الإعلامية أن أوباما، وتحديداً الحزب الديموقراطي الذي ينظر من الآن إلى المعركة الانتخابية بعد عامين، اكتشف أن «حروبه» السياسية في العالم باءت بفشل لم يعد أحد يتجاهله، وأن مقاربة جديدة هي قيد الإعداد في المرحلة الحالية استعداداً للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.
جانب من هذه المقاربة تمثل في قراره قبل أسبوعين دعوة مستشاريه وفريقه للأمن القومي إلى إعادة النظر في استراتيجيته لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، وكذلك بدء جولة محادثات مع تركيا حول موقف الأخيرة من نظام بشار الأسد وإقامة منطقة حظر جوي داخل الأراضي السورية.
ومع أن ذلك لا يعني تغييراً في نظرية أوباما حول «الحروب» السياسية، ولا حتى في طبيعتها على الأرض، إلا أنه لا يعني في الوقت ذاته بقاء مقارباته على حالها كما كانت خلال أعوام ولايته الستة السابقة… لا بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، ولا في ما يتعلق بالوضع في سورية والعراق، ولا قبل ذلك وبعده في مواجهة روسيا فلاديمير بوتين ومواقفها في المنطقة العربية وفي أوكرانيا.
وفي هذه التسريبات، أنه لن يكون مفاجئاً أن يستغل أوباما تهديد الجمهوريين بزيادة العقوبات على إيران ليضغط به عليها، وأن يكون التدني المضطرد في أسعار النفط جزءاً من حربه عليها وعلى روسيا في الوقت ذاته، وحتى أن يتحول الخبراء والمستشارون العسكريون الأميركيون في العراق نواة لقوات دعم من وراء خطوط القتال المباشرة.
هل تصدق مثل هذه المعلومات، وإن بحدودها الدنيا؟
لا جدال في أن أوباما وحزبه يمران بمأزق كبير حالياً، داخل بلادهما كما في ما يخصّ صورتها ودورها في العالم. كذلك لا جدال أيضاً في أنهما يحاولان الآن وسيحاولان في المستقبل الخروج من المأزق، وإن بأقل خسائر ممكنة.
والأسابيع القليلة المقبلة، وربما الأيام فقط، ستكون كفيلة بإعطاء الجواب.
الحياة
خلاف واشنطن وأنقرة وانسداد السياسة الأوبامية/ بشير هلال
ليس عادياً حتى بالنسبة لرئيس تركي كأردوغان، زادت السنون والسلطة ونجاحاته الانتخابية المتتالية علامات نزوعه الأوتوقراطي، أن يصف حليفه الدولي الرئيس بالوقاحة ويرفض «مطالبه اللامتناهية» ويتهمه بلعب دور المشاهد الصامت لطاغية (الأسد) ارتكب جريمة قتل ٣٠٠ ألف مواطن سوري، وأن يتساءل: «لماذا يقطع شخص ما مسافة 12 ألف كيلومتر ليأتي ويبدي اهتمامه بهذه المنطقة؟» في إشارة إلى زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً لإسطنبول. وأضاف أردوغان ذلك إلى تصريح آخر أدلى به بعد يوم من انتهاء الزيارة وتضمن نقداً «يساروياً» تحت عنوان أن النفط «هو الدافع الاستراتيجي الوحيد للأميركيين في المنطقة».
لكن ذلك ليس مفاجئاً تماماً. ففي الزيارة المذكورة حاول بايدن تغيير موقف الحكومة التركية القاضي بالامتناع عن المشاركة في «الحرب على داعش» بقوات برية وبفتح قاعدة إنجرليك لطيران التحالف طالما لم تتحقق شروطها الأربعة (إعلان منطقة حظر جوي وإقامة منطقة آمنة وتدريب وتسليح الجيش الحر وشمول العملية النظامَ السوري أيضاً). وعلى رغم محاولته إشاعة أجواء متفائلة بالتوصل إلى اتفاق فالصيغة التي استعملها لتحديد ماهيته، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع أردوغان، أظهرت مجدداً غموض النظرة الأوبامية إلى الحرب المذكورة وهامشية اهتمامها بتوفير شروط إجبار الأسد على القبول بتسليم السلطة لهيئة حكمٍ انتقالية كاملة الصلاحيات كما ينص جنيف 1. فهو تجنب تماماً الحديث ولو تلميحاً عن تلبية «الشروط التركية» وحصر الاتفاق التركي-الأميركي بـ «دعم المعارضة السورية المعتدلة للسيطرة على المناطق التي ينهزم فيها تنظيم الدولة الإسلامية وضمان مرحلة انتقالية بعيداً من نظام الأسد».
واضحٌ أن عبارة «مرحلة» لا تعني إطلاقاً هيئة الحكم الانتقالية المذكورة. كما أن حصر مهمة «المعارضة المعتدلة» بالسيطرة على المناطق التي ينهزم فيها تنظيم داعش يُظهِر أن دعم هذه المعارضة مشروطٌ بحربها ضده وليس ضد نظام الأسد إلا بصورة استطرادية.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الحديث الأميركي عن لا شرعية الأسد ورحيله صارا منذ ثلاث سنوات ونيِّف مجرَّد غطاء إعلاني أجوف، فإن المغزى الحقيقي للصيغة يتمثل بعدم تضمنه أي تغيير حقيقي في الاستراتيجية الأميركية (أو اللاإستراتيجية وفق بعض المحللين) التي تركز على العراق أولاً وتشترط حتى إشعار آخر عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران في وقتٍ يستثير تمديد المحادثات النووية معها المخاوف من أن تربط الأخيرة أي تنازلات تقدمها في الملف النووي بطلب مكاسب جيوبوليتيكية إضافية في المنطقة. وما يعني بكلام آخر أن ضربات التحالف الذي تقوده واشنطن لا تزال تستهدف، كحدٍ أقصى، إسقاط داعش فيما إشراك المعارضة السورية هدفه سوريّاً تأمين العنصر «الأرضي» اللازم لضرب التنظيم الإرهابي بعد إعادة تشكيلها تقنياً وسياسياً بالمعايير والمهارات والمواصفات الأميركية.
وكتأكيدٍ لهذا المنحى يجدر التذكير بالتخفيف التركي من أهمية الخبر الذي سبق الزيارة بأيام وأعلن فيه رامي الدالاتي، عضو المجلس الأعلى للقيادة العسكرية في «الجيش الحر»، أن تركيا ستقوم رسمياً بتدريب 2000 مقاتل من الجيش السوري الحر بدعم وتمويل أميركيين. إذ أوضحت تركيا أن الاتفاق لم يُوقَّع بعد.
لكن الأكثر دلالة قلة العدد المذكور الذي يُفترَض أن يضاف إلى أعدادٍ محدودة أخرى أُعلن عن تدريبها أو اعتزام تدريبها في بلدان أخرى من المنطقة، ما يؤكد على الهامشية العملانية المفترضة لقوة ولدور «الجيش الحر» من جهة، وعلى طول المهلة الزمنية للتسوية والحل في المنظور الأوبامي من جهة أخرى. كما أن المجازر التي يوالي طيران النظام وبراميله ارتكابها في بعض مناطق عمل قوات التحالف وفي شبه تناوبٍ معها، وآخرها في الرقة، تشير إلى أن واشنطن لا تزال تستبعد أي ربط بين الحرب على داعش وتخفيض مستوى هجومية وعنف النظام.
أما تلويح وزير الخارجية الروسي مؤخراً بأن «واشنطن تسعى بعيداً عن الأضواء إلى إطاحة الرئيس السوري»، فليس الأول، وهو يقع في سياقٍ آخر هو توسع نطاق احتكاكات روسيا وأميركا حول العديد من القضايا وأهمها دور الأولى في العالم ومعادلات النظام الدولي «الجديد» الذي تريد فرضه وتتخذ من الملف السوري ودعم بربرية النظام الأسدي أداة ومثالاً لبلوغه. وهذا ما عبَّر عنه الوزير نفسه بعد الإخراج المُمَسرح لزيارة وفد النظام إلى روسيا ومقابلته الرئيس بوتين في سوتشي، عندما رفض فكرة تنظيم مؤتمر دولي على نمط مؤتمرات جنيف، كما تراجع حتى عن «الحوار» الذي بدا أنه يريد تنظيمه تحت عنوان موسكو-1 بين النظام و»المعارضة» الرسمية وبعض شخصيات المعارضة الأقل جذرية التي زار ممثلوها موسكو مؤخراً، بالقول إن مثل هذا الحوار «ليس بسيطاً ويستغرق وقتاً بسبب نقاط الخلاف التي تراكمت منذ سنوات والمحاولات المستمرة للتدخل الأجنبي في النزاع السوري». وإذ أبدى تأييده لمهمة المبعوث الدولي فإنما على قاعدة فهمه مبادرة الأخير حول تجميد النزاع في مدينة حلب بوصفها تنسج على مثال «المصالحات المحلية» التي يحققها النظام في بعض المناطق، استناداً إلى فائض وحشيته في حصارها وتجويعها وتدميرها، وباعتبار هذه المصالحات «مساراً» سيسمح للآلاف بالعودة إلى «حياة طبيعية».
في المحصلة فإن اشتعال الخلاف الأميركي التركي وتراجع موسكو حتى عن مشروع موسكو-1 يشيران إلى أن دروب تسوية «القضية السورية» بمفهوم القرارات الأممية لا تزال مقفلة، وأن الجهود التي تبذلها بعض دول الخليج وفرنسا مثلاً لتطوير مهمة دي ميستورا باتجاه استثمار مفهوم «تجميد النزاع» انطلاقاً من حلب للتدرج في إنشاء مناطق آمنة، تبقى رهينة تغيير في الموقف الأميركي. وهذا ما أشار إليه لوران فابيوس بقوله: «إننا بصدد العمل على ذلك. ينبغي إقناع العديدين، الأميركيين بالطبع وغيرهم».
وبانتظار انفكاك الانسداد الأوبامي تتحول الحرب ضد الإرهاب سورياً إلى ميزة للنظام الأسدي لتعظيم بربريته وآثارها الفادحة وتحويل المصالحات المحلية القسرية إلى سياق يحاول إزالة الطابع الوطني العمومي للثورة وزيادة تشتتها الفصائلي والمحلي والجهوي، وتالياً استتباعها.
الحياة