مقالات عن اسقاط الطائرة التركية
مواجهة سورية – تركية
عبدالله اسكندر
قد يكون خطأ فنياً من الطيار التركي الذي اخترق المجال الجوي لسورية، او من طاقم الدفاع الجوي السوري الذي أطلق مضاداته على هدف قبل التحقق من هويته، وراء إسقاط الطائرة المقاتلة التركية. واستناداً إلى الردود الأولى من الجانبين، وفي انتظار تحقيقات في شأن الحادث، يبدو ان ثمة رغبة بعدم تصعيد المشكلة والتوجه الى ايجاد صيغة ما لتسويتها.
لكن كل ذلك لا ينفي ان التوتر بين الجارتين ارتفع درجة إضافية، وأنه بات يتحول شيئاً فشيئاً إلى نقطة اللارجوع.
وبغض النظر عن التسوية الممكنة لهذا الحادث، ثمة دلالة كبيرة الأهمية ينطوي عليها اسقاط الطائرة التركية بمضادات سورية.
وترتبط هذه الدلالة بكون هذه الطائرة جزءاً من الترسانة الاطلسية، اضافة الى كونها تركية. وهذا يعني ان سورية رفعت درجة توترها ايضا مع الحلف الاطلسي الذي تتهمه بالتدخل في شؤونها الداخلية، عبر تسليح المعارضة ورعايتها، وتنسب اليه النية بالتدخل العسكري المباشر فوق أراضيها. وبهذا تبعث برسالة الى الحلف مفادها أنها مستعدة للمواجهة، خصوصاً بعدما أثبت دفاعها الجوي قدرته على التصدي لمن يخترق اجواءها. وفي الوقت نفسه تبعث برسالة الى الحامي الروسي المنغمس في مناقشات استراتيجية مع الحلف والمعترض على كثير من خطواته. ومفاد هذه الرسالة التي جاءت في الوقت الذي كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم يبحث في خطة انان مع نظيره الروسي، أن التدخل الخارجي في الشؤون السورية قائم، وأن على موسكو ان تستمر في الدعم العسكري للحكم السوري الذي يواجه الهجوم الاطلسي.
هكذا يبدو ان ثمة سعياً سورياً لربط مباشر بين الازمة الداخلية للحكم وبين العلاقة الروسية-الأطلسية، على نحو يجعل هذه الازمة جزءاً من الموقف الروسي في مواجهة الاطلسي.
في موازاة ذلك، هناك دلالة إقليمية لإسقاط الطائرة التركية، فالقول إن طائرة من دولة مجاورة تخترق المجال الجوي السوري، ينطوي على القول إن مصدر اختراق الأمن الداخلي يأتي من وراء الحدود، تعزيزاً لنظرية الجماعات المسلحة من الخارج والتدخل العسكري الخارجي، خصوصاً الإقليمي، الذي يمنع تطبيق خطة أنان.
فهذه الخطة تترنح، بحسب واضعها المبعوث الدولي-العربي كوفي انان، وبحسب قائد فريق المراقبين الدوليين الجنرال مود، بفعل استمرار العنف الداخلي واستخدام الاسلحة الثقيلة من الحكم، وبفعل استمرار المجازر، حتى لافروف لم يتردد في اعلان انه طلب من الحكم السوري ان يتخذ مزيداً من الإجراءات لإنجاح هذه الخطة. أي أنه اعترف بالجانب الداخلي من الأزمة التي يتعين على هذا الحكم ان ينفذ المطلوب منه.
ومع ترنح الخطة وزيادة المطالبة من الحكم في دمشق بالتعاون لتنفيذ البنود الأخرى منها، تسقط النظرية السورية الرسمية القائلة ان كل العنف مصدره الخارج، وتالياً عليه النظر الى الداخل والتعاون مع الأفكار المطروحة من اجل انتقال سلمي للحكم.
ويأتي التوتر الميداني مع تركيا، لينقل الجدل من ضرورة تنفيذ خطة انان، اي التركيز على الجانب الداخلي للأزمة السورية التي نفاها الحكم مراراً، الى المواجهة الخارجية تعزيزاً لنظرية المؤامرة من الخارج، بما فيه المعارضة السورية. وتاليا عدم البحث في اي من البنود الاخرى من خطة انان التي لم يعد امام مجلس الامن خيارات كثيرة لإنعاشها.
وفي اطار هذا السعي الرسمي السوري، تبدو تركيا مرشحة اكثر من غيرها من دول الجوار لتكون الطرف الآخر في التوتر الاقليمي، فالأردن اتخذ على ما يبدو قراراً استراتيجياً بالحرص على الإبقاء على علاقة طبيعية مع الحكم السوري الى حد استثنائه من العقوبات العربية، ولبنان الدولة أعجز من ان يتخذ موقفاً مناكفاً للخروقات السورية لحدوده الدولية، وإن كانت الأزمة السورية تنعكس تأزماً أهلياً لبنانياً. والعراق الدولة يقف عملياً الى جانب الحكم السوري. تركيا وحدها تناهض هذا الحكم وتعلن معارضتها له، ولديها من الادوات للتأثير. ويحسب الحكم السوري أن أي صدام مع تركيا، خصوصاً حالياً، يعفيه من التزام خطة أنان، وأيضاً يعزز نظرية التدخل الخارجي، وايضاً الموقف الروسي الداعم، بحجة المواجهة المشتركة للأطلسي.
الحياة
“سيــــادة”
صالــح حـديـفـة
بغضّ النظر عن تفاصيل ما حصل في قضية فقدان الطائرة التركية الحربية قرب الحدود مع سوريا، وبعيداً عن الغرق في تحليل أبعاد الحادثة وتوقّع تداعياتها، والغوص في قراءة المعطيات المتوفّرة حولها، وبعيداً عن الاستدلال من الطريقة التي تعاطَت بها كلٌّ من تركيا وسوريا مع ما حصل، وما يمكن البناء عليه للمرحلة المقبلة، وما يمكن رؤيته في الحادث من مؤشّرات حول جدّية أو عدم جدّية الكلام عن تدخل تركي في سوريا لطالما حفِلت المقالات والتسريبات والتحليلات بالإشارة تلميحاً وجهاراً إليه، فإنّ ما استوقف كثيرون من المتابعين رغم كل ذلك هو ما أوردته قناة “المنار” في نشرتها الإخبارية مساء الجمعة 22 حزيران 2012 حول حادثة سقوط الطائرة التركية بالتحديد.
وممّا ورد في نشرة أخبار “المنار” مساء الجمعة على لسان مراسلها في دمشق، ما معناه: “هناك اتصالات تركية سورية تجرَي لاحتواء الحادث، خصوصًا وأن الرسالة السورية وصلت بأنها لن تسمح باختراق سيادتها وأراضيها ومياهها”.
…. ليس في الأمر ربما ما تُعيَّب عليه قناة “المنار”، فمراسلُها في دمشق كان ينقل أجواء مصادر عسكرية وأمنية سورية. بل في الأمر مثار استغراب كبير لناحية القول إن “رسالة سوريا وصلت بأنها لن تسمح باختراق سيادتها وأراضيها ومياهها”. السؤال هنا ليس لماذا تريد سوريا إيصال ذلك، فهذا حقُّها الطبيعي كدولة بغضّ النظر عن السلطة السورية الحالية ومدى شرعيتها من عدمها. لكن الغريب والمُستغرَب، هو أين كان هذا الحرص من النظام السوري على سيادة سوريا وأراضيها ومياهها في محطات أخرى أكثر أهمية من حادثة الطائرة التركية؟
ولتذكير من يتناسى أو ربما نَسي، فإننا نورد التالي إستناداً إلى جولةٍ سريعة في متصفّحات البحث على الشبكة العنكبوتية:
– في عام 2001 قصف الطيران الحربي الإسرائيلي محطة رادار سوريّة في لبنان إبّان فترة وجود الجيش السوري في الأراضي اللبنانية، ولم يحصل أي ردّ سوري.
– 5 تشرين الأول 2003: سلاح الجو الإسرائيلي يشنّ غارة جوية على موقع عين الصاحب، على مسافة 15 كيلومتراً شمال غرب دمشق، ولم يحصل أي ردّ سوري.
– في عام 2005 اخترق الطيران الإسرائيلي الأجواء السورية وقصف مواقع قرب دمشق، ولم يحصل أي ردّ سوري.
– 28 حزيران 2006: أربع طائرات حربية إسرائيلية تنتهك الأجواء السورية وتحلّق فوق قصر الرئيس السوري بشار الأسد في بلدة القرداحة قرب مدينة اللاذقية.
– الأول من آب 2006: أغار الطيران الحربي الإسرائيلي فجراً على مواقع عند الحدود اللبنانية – السورية ضمن ما عرف بحرب تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان، ولم يحصل أي ردّ سوري.
– 6 أيلول 2007: طائرات حربية اسرائيلية دخلت أجواء سوريا وصولاً حتى دير الزور. وردّ الناطق العسكري السوري بالقول إن “الدفاعات الجوية السورية أجبرت طائرات العدو على المغادرة”، واحتفظ بحقّ الردّ.
– في عام 2008 اغتيل العميد محمد سليمان في طرطوس واتّهمت سوريا أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالوقوف وراء الاغتيال، ولم يحصل أي ردّ سوري.
– في عام 2008 قصفت المقاتلات الأميركية أهدافاً في مدينة “البوكمال” السورية وأوقعت 8 قتلى، ولم يحصل أي رد سوري.
– في 12 شباط 2008 اغتيل القيادي في “حزب الله” عماد مغنية في قلب دمشق واتّهمت سوريا رجال الموساد الاسرائيلي، دون أي ردّ.
– في عام 2009 حلّق سلاح الجو الاسرائيلي فوق قصر الشعب في دمشق قادماً من ناحية الجولان السوري المحتلّ، ولم يحصل أي ردّ سوري.
– في عام 2010 حلقت طائرات إستطلاع إسرائيلية فوق سوريا ذهابا وإياباً، ولم تردّ سوريا.
– في شباط عام 2012 الحالي قصفت طائرة استطلاع اسرائيلية بدون طيار معملاً يشتبه به في إنتاج أسلحة كيماوية في سوريا قرب الحدود اللبنانية، ولم تردّ دمشق.
على ضوء كل ذلك، حبّذا لو يُعلِن أحدٌ من المعنيين أين كانت سيادة سوريا وسيادة أرضها وأجوائها ومياهها في كل تلك المحطات؟ وأين كانت رسائل الحرص السورية على السيادة؟ السؤال الأكبر هل سيُقيّض للشعب السوري أن يُعيد للسيادة معناها الحقيقي على كامل مساحة سوريا؟ … هضبة الجولان المحتلّة تنتظر الإجابة.
لبنان الآن
اسقاط الطائرة التركية: اربع رسائل سورية
عبد الباري عطوان
المشهد السوري يتطور بشكل متسارع نحو التصعيد، سواء على الارض او في السماء، فبعد انشغال الرأي العام العربي والعالمي بلجوء طيار سوري بطائرته الى الاردن يوم امس الاول، ها هي الانباء تتوارد منذ يوم امس عن اسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة فانتوم تركية ـ امريكية الصنع، كانت في مهمة غامضة قرب الحدود بين البلدين.
المعلومات المتوفرة عن العملية ضئيلة، فالطرفان التركي والسوري يتحفظان في التصريحات، لكن دعوة رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي ‘لاجتماع ازمة’ مع قائد اركان الجيش ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية ورئيس الاستخبارات العامة، توحي بان الأمر خطير للغاية ويستدعي ‘ردا ما’.
العلاقات التركية ـ السورية شهدت توترا في مراحل عديدة طوال العقود الاربعة الماضية، ولكنها لم تصل مطلقا الى درجة اسقاط طائرات، واذا صحّت التسريبات التي اذاعتها محطات تلفزة قريبة من دمشق، مثل محطتي ‘المنار’ و’الميادين’، بأن الدفاعات السورية هي التي اسقطتها، فإن هذا يعني اننا ربما نقف على اعتاب حرب اقليمية.
القيادة السورية ربما تكون ارادت ارسال رسائل قوية الى عدة اطراف، وليس الى طرف واحد فقط، انها ليست ضعيفة ولا تخشى الحرب:
الرسالة الاولى: الى تركيا تحذرها من التمادي في دعم المعارضة السورية وتزويدها بالأسلحة والعتاد العسكري المتطور، علاوة على تحويل الاراضي التركية الى ممر للمقاتلين الاسلاميين المتشددين الراغبين في القتال لاسقاط النظام في دمشق.
الرسالة الثانية: الى حلف الناتو، والولايات المتحدة الامريكية على وجه الخصوص، تريد التأكيد بأن سورية ليست ليبيا وان اي لجوء لاستخدام القوة ضدها، بما في ذلك القصف السجادي الجوي، لن يكون مأمون العواقب.
الرسالة الثالثة: الى بعض الدول العربية، ،والخليجية على وجه الخصوص، التي ترسل اسلحة ومعدات متقدمة الى الثورة السورية من خلال الاراضي التركية.
الرسالة الرابعة: الى الداخل السوري من حيث التغطية على انشقاق الطائرة ‘ميغ 21’ الى الاردن، والتأكيد بان النظام ما زال متماسكا ومستعدا للتصدي ‘للمؤامرة الخارجية’ التي تستهدف اطاحته.
‘ ‘ ‘
من المؤكد ان القيادة السورية لم تذهب بعيدا في خطوتها التصعيدية هذه دون التنسيق مع نظيرتها السوفييتية، وأخذ الضوء الاخضر منها، وقبل اقل من اسبوع من انعقاد اللقاء الحاسم لمنظومة اصدقاء سورية في باريس اواخر هذا الشهر.
النظام السوري ‘يتحرش’ بتركيا لأنها تشكل رأس الحربة في اي تدخل عسكري خارجي لاسقاطه، وهو يدرك جيدا ان الادارة الامريكية لا تحبذ مثل هذا التدخل، في ظل الحملة الانتخابية الرئاسية التي تسير على قدم وساق حاليا، ولذلك قرر استفزازها وحليفتها التركية.
السؤال هو: هل تنجح القيادة السورية في جرّ تركيا، والولايات المتحدة بالتالي، الى حرب استباقية في توقيت لا تريدانه، بل تتجنبانه بكل الطرق والوسائل، ريثما تنتهي انتخابات الرئاسة ويبدأ التحضير لضرب المنشآت النووية الايرانية؟
اللافت ان الردّ التركي على اسقاط الطائرة جاء مرتبكا، مثلما كان الحال كذلك تجاه الدعم السوري المكثف لحزب العمال الكردستاني الذي تصاعدت هجماته ضد القوات التركية في الآونة الاخيرة، مثلما تصاعدت معها ارقام الجنود القتلى والجرحى، الامر الذي شكل ضغطا بل احراجا لحكومة اردوغان، ودفع بعض صحف المعارضة الى تحميله مسؤولية هذا التصعيد بسبب موقفه الداعم للثورة السورية.
النظام السوري يتصرف حاليا مثل ‘النمر الجريح’، وربما أراد من خلال اسقاط الطائرة التركية ان يصدّر أزماته الى الخارج، بعد ان تفاقمت نظيراتها في الداخل، بفعل هجمات الجماعات المسلحة وتراخي قبضته الامنية تدريجيا، ووصول الهجمات الى قلب العاصمة السياسية دمشق، والتجارية حلب.
التقارير الاخبارية الواردة من سورية تؤكد ارتفاعا ملحوظا في اعداد القتلى في صفوف قوات النظام والميليشيات التابعة له، فقد اشارت بيانات المرصد السوري الى سقوط اعداد كبيرة من العسكريين السوريين والشبيحة، كان آخرهم 25 شبيحا يوم امس فقط.
‘ ‘ ‘
في ظل انهيار مبادرة كوفي عنان بعد فشلها في وقف العمليات العسكرية، وانهيار مهمة المراقبين الدوليين المنبثقة عنها، باتت الحرب الاقليمية اقرب من اي وقت مضى، ان لم تكن قد بدأت فعلا، فسورية تشهد حاليا حربا بالوكالة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وروسيا وحلفائها في الجهة المقابلة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر بقاء النظام السوري معركته الشخصية، ولهذا قاوم كل الضغوط الامريكية للتخلي ليس فقط عن النظام السوري، بل رأسه ايضا، رغم المغريات الاقتصادية العديدة التي عرضها الامريكان ودول الخليج الغنية.
الطائرة سقطت او اسقطت قرب القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، ولا نستبعد ان تكون الدفاعات الروسية هي التي تصدت لها عندما اقتربت منها، في محاولة لجس النبض او اطلاق بالون اختبار لرصد رد الفعل الروسي.
النظام السوري يلعب بالنار، وكذلك نظيره التركي ايضا، ومعهما كل الاطراف العربية والاجنبية المتورطة في مستنقع الحرب الاهلية الطائفية المتفاقمة في سورية، وهي حرب تجتمع الحكومة والمعارضة على انكار وجودها.
نظرية اردوغان التي تقوم على ‘صفر مشاكل’ مع الجيران، التي جعلت من تركيا تحتل المرتبة السابعة عشرة كأقوى اقتصاد في العالم، بدأت تنهار تدريجيا ابتداء من سورية، وربما تصل الى القاع اذا ما تطورت حادثة اسقاط الطائرة الى مواجهات عسكرية.
الامر المؤكد ان سورية ليست ليبيا، وبشار الاسد ليس معمر القذافي، فالاول يملك ترسانة اسلحة قوية تتضمن صواريخ ‘اس 300’ المضادة للطائرات، تستطيع التصدي لأي طائرات مغيرة، بينما لم يستطع الاخير اسقاط طائرة واحدة للغرب باستثناء طائرة لوكربي، هذا اذا كان هو الذي اسقطها فعلا.
القدس العربي
سوريا.. الأزمة وصلت «عنان» السماء!
طارق الحميد
عملية إسقاط المقاتلة التركية من قبل الدفاعات الجوية الأسدية، عبارة عن رسالة مهمة لكل من أنقرة والمجتمع الدولي، بأن النظام الأسدي، ومن يقف خلفه، مستعدون لخوض المعركة إلى آخر المطاف، وليس حتى خراب سوريا وحسب، بل والمنطقة كلها، كما أنها مؤشر واضح على حالة اليأس التي وصل إليها طاغية دمشق.
ترتيب الأخبار، حسب حدوثها، يساهم في توضيح الصورة بشكل أكبر؛ فعملية إسقاط المقاتلة التركية تمت من قبل قوات طاغية دمشق الجوية، بينما الإعلان عن ذلك تم عبر محطة «المنار» التابعة لحزب الله الإيراني في لبنان، ثم بادر النظام الأسدي على الفور بالاعتذار لأنقرة عن ذلك، ومن هنا يتضح التناغم التام بين النظام الأسدي وحزب الله الإيراني، والذي يمثل رسالة واضحة للأتراك، وغيرهم، بأن الأسد لن يخوض المعركة وحده، بل معه إيران وحزب الله! لكن هل الأسد قادر على مجابهة القوة التركية؟ بكل تأكيد لا، والدليل أنه سارع إلى الاعتذار فورا، مما يوحي بأنه يريد إرسال رسالة الخيار المجنون، وهو خوض الحرب ضد تركيا، لكنه غير قادر على فعلها، ولذلك أسباب أخرى، وهي التي تؤكد أن الأسد بات في حالة يأس.
فحادثة إسقاط المقاتلة التركية ليست برسالة للأتراك وحسب، بل قد تكون أيضا رسالة أسدية داخلية لقواته، فعملية إسقاط المقاتلة التركية تأتي بعد يوم من انشقاق أحد طياري القوات الأسدية وفراره بطائرته إلى الأردن، وطلبه اللجوء السياسي هناك. ويبدو أن ذلك الانشقاق أصاب النظام الأسدي بمقتل، فأراد أن يرد بالقول إن الطائرة بطائرة، من ناحية، كما أراد من ناحية أخرى رفع الروح المعنوية لصفوف قواته الإجرامية. وعادة ما يهرب الدكتاتوريون إلى الأمام في حالة الأزمات، وذلك إما بافتعال أزمة أكبر مما هو حادث، أو بالدخول في حروب من أجل توحيد الصفوف الداخلية، وفعلها صدام حسين من قبل، ومثله النظام الإيراني الخميني. وللتأكد من ذلك في الحالة الأسدية، يكفي تأمل عملية انشقاق الضباط في صفوف القوات الأسدية، وتسارع وتيرتها، وارتفاع الرتب العسكرية المنشقة، ومنها بالطبع انشقاق الطيار بطيارته عن القوات الجوية، وبالأمس كانت هناك عملية انشقاق أربعة ضباط كبار في حلب.
وبالطبع، فإن عمليات الانشقاقات العسكرية، ومعها الطائرة الجوية، توحي بأن أزمة الأسد قد بلغت عنان السماء، مما يؤكد أن خطة أنان فاشلة، بل وميتة، ولا أمل فيها، كما أن عمليات الانشقاق السريعة والمكثفة، تؤكد أنه حان الوقت لتوفير المناطق الآمنة، والمحظورة، على الحدود التركية والأردنية. فمن شأن ذلك أن يسرع بعملية الانهيار المرتقبة للنظام الأسدي، خصوصا مع المعلومات التي تشير إلى اقتراب حدوث انشقاقات بالدوائر المقربة من الأسد نفسه، حيث بادر كثير من المقربين منه بإخراج أموالهم من سوريا، وهذا وارد لا سيما مع تغير الأوضاع على الأرض ضد الطاغية مما جعله يفقد صوابه ويقوم بقتل أعداد مهولة من السوريين. فاليومان الماضيان شهدا قتل ما يفوق مائتي سوري!
الواضح أننا أمام بداية نهاية الأسد، لكن من يقوم بإطلاق رصاصة الرحمة، أي المناطق الآمنة؟
الشرق الأوسط
ما هي مخاوف تركيا؟
عبد الرحمن الراشد
الأتراك هم أكبر جيران سوريا، ولهم من النفوذ ما لا يستهان به داخل سوريا نفسها، خاصة في مناطقها الشمالية. وأصبح لدى الأتراك شيء من الشرعية للتدخل دفاعا عن مصالحهم، وسيادتهم التي تعرضت للانتهاك مرات عدة، من قبل قوات النظام السوري. ولا ننسى أن ما يحدث في سوريا يهدد أمن تركيا، سواء بقي النظام أو سقط. فهي تخشى من عودة الانفصاليين الأتراك الأكراد ضدها بعد أن تمكنت من سحقهم، الذين كلفوها أكثر من أربعين ألف قتيل في حروب العصابات الماضية. وتخاف أيضا من الجماعات الإرهابية الذين قد يسدون الفراغ الذي يخلفه سقوط النظام، كما تخشى من النظام السوري إن نجا من السقوط فسيتآمر عليها انتقاما.
وعندما أسقطت الدفاعات السورية طائرة عسكرية تركية أول من أمس كان متوقعا أن ترد تركيا عسكريا، خاصة أنها حذرت النظام السوري أنها لن تسكت على كثرة الاعتداءات التي قامت بها قوات سورية عبر الحدود التركية. لكن تركيا خيبت آمال الكثيرين، وسبق أن خيبت آمالهم عندما تعهدت كلاميا أنها لن تترك الشعب السوري يذبح. وتركيا جار ضخم، تملك من الإمكانات العسكرية ما يجعلها قادرة على الانتصار في أي مواجهة عسكرية، وستجد نفسها مرحبا بها من قبل غالبية الشعب السوري كمنقذ من نظام مجرم لم يمر يوم واحد لم يقتل فيه عشرات المدنيين العزل. ما الذي يمنع أن تكون تركيا مثل الولايات المتحدة عندما أنقذت فرنسا من الاحتلال النازي الألماني، أو تفعل للسوريين ما فعلته السعودية وأميركا، حيث أخرجتا قوات صدام المحتلة من الكويت؟ ويمكن أن يلعب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، الدور الذي قام به بيل كلينتون، الرئيس الأميركي الأسبق، في إنقاذ البوسنة والهرسك وكوسوفو. تركيا توحي بأنها راغبة في التدخل لوقف المذابح وإلجام نظام الأسد، إنما تبدو أيضا خائفة، لماذا وهي لديها من القدرة والإمكانية العسكرية ما يجعل فوزها ضد نظام الأسد سهلا، خاصة أن قواته منهكة ومكروهة شعبيا، أو كما قال رئيس وزراء قبرص السابق الذي عندما سئل عن مشروع التسلح قال لا فائدة من ورائه لأن تركيا تملك قوة عسكرية هائلة تمكنها من الفوز علينا في بضع ساعات؟!
السبب في نظري أن الأتراك الذين خاضوا آخر معاركهم الفردية في أغسطس (آب) عام 1974 ضد القبارصة اليونانيين وانتصروا سريعا، لا يرغبون في أن يكونوا طرفا في الحروب إلا تحت علم دولي. وهذا أمر متعذر بسبب «الفيتو» الروسي والصيني، أو أن يكونوا طرفا مع قوات «الناتو»، أي سيناريو ليبيا، لكن حلف الناتو لا يبدو راغبا هو الآخر في خوض المعركة ضد الأسد. الأتراك يفضلون أن يكونوا جزءا من حملة دولية، فتركيا عضو كبير في حلف الناتو، حيث إن قواتها العسكرية البشرية تعد الدولة الثانية، بعد الولايات المتحدة، فجيشها يقارب 750 ألف جندي.
أما لماذا لا توجد لدى الأتراك شهية لقتال النظام السوري رغم ما فعله بهم، وأحرجهم أمام الرأي العام في المنطقة؟ ربما لأن الأتراك يأملون في أحد أمرين: أن ينهار نظام الأسد بسبب استمرار الثورة التي أرهقته، أو أن يضج المجتمع الدولي من جرائمه ويصل إلى اتفاق ضده.. حينها تكون تركيا هي رأس الحربة وتدخل دمشق تحت العلم الدولي. الاحتمال الثاني مستبعد بسبب الموقف الروسي المنحاز تماما للنظام السوري. ومعروفة مخاوف تركيا؛ داخليا هي تخشى أن حربها في سوريا تفتح عليها جبهات مع الجماعات الانفصالية أو المعارضة مثل الكردية والأرمينية، أو أن تشن إيران جبهة ضدها. لكن هذه مبررات واهية لأن تركيا دولة أقوى عسكريا واقتصاديا من إيران، وستحصل على دعم حلف الناتو، ثم إن النظام السوري يترنح مهما بدا رئيسه صامدا. في نظري، تركيا التي ترددت طويلا وسكتت على إهانات النظام السوري وخيبت آمال الذين ظنوها أسدا هصورا، ستصل إلى مرحلة تضطر فيها إلى التدخل حماية لمصالحها، الفارق أنها لو تدخلت الآن فستحصل على دعم شعبي ومعنوي هائل من العرب والكثير من المجتمعات الأخرى الكارهة لجرائم النظام.
الشرق الأوسط
دلالات إسقاط الطائرة التركيَّة
سعود قبيلات
إسقاط الطائرة التركيَّة مقابل السواحل السوريَّة، حدثٌ مهمّ، وله مغزى كبير وحاسم، ويفسِّر الكثير مِنْ أنماط التعامل الدوليّ مع الأزمة السوريَّة. فهذه هي المرَّة الأولى، منذ زمنٍ بعيد، التي تبدو فيها سماء بلدٍ عربيّ مصانة مِنْ أيّ اختراقٍ خارجيّ. ليس هذا فحسب؛ بل أيضاً، هذه هي المرَّة الأولى التي يُبدي فيها بلدٌ عربيّ هذا القدر العالي من الجرأة في الردّ على محاولة فجَّة، كهذه، للاقتراب مِنْ أجوائه واستباحتها.
ولا ننسى، هنا، أنَّ تركيّا عضو أساسيّ في حلف الأطلسيّ، وتحتضن، على أرضها، قاعدة كبيرة للقوّات الجوّيَّة الأمريكيَّة، هي قاعدة أنجرليك. وبالتالي، فإنَّ القرار، الذي أُسقِطَتْ الطائرة التركيَّة بالاستناد إليه، لا يمكن أنْ يكون قراراً عسكريّاً بحتاً وابن لحظته؛ بل من المؤكّد أنَّه قرار سياسيّ مُتَّخذ قبل ذلك بوقتٍ كافٍ، ويستند إلى تقويمٍ متأنٍّ للوضع المحيط بسوريَّة واحتمالاته وقدرات الخصوم والأعداء الموجَّهة ضدَّها، وما هي السبل المناسبة للتعامل مع أفعالهم وردود أفعالهم التي تستهدفها.
لكن، من المؤكّد، أيضاً، أنَّ تركيّا ليست هي المقصودة بذاتها، بهذا الردّ السوريّ القويّ؛ بل، كما هو واضح، توجيه رسالة حازمة لكلّ مَنْ لا يزال يراهن على إمكانيَّة اتِّباع الأسلوب نفسه، الذي استخدمه حلف الأطلسيّ للسيطرة على ليبيا، كي يضع يده أيضاً على سوريَّة. ويبدو أنَّ هذه الرسالة فُهِمَتْ جيّداً مِنْ قِبَل أردوغان؛ فكان ردّه على الحادث هادئاً ومتعقِّلاً، على نحوٍ يتناقض، إلى حدٍّ بعيد، مع اللهجة الاستعلائيَّة المتشدِّدة التي عهدناها في حديثه عن سوريَّة خلال الأشهر الماضية. وقد بلغ هذا التعقّل حدَّ أنْ تطلب السلطات التركيَّة الإذن من السلطات السوريَّة كي تسمح لها بإرسال سفن للبحث عن أجزاء الطائرة المُسْقَطَة وطاقمها. وقد باشرتْ هذا البحث، لاحقاً، سفنٌ تركيَّة وسوريَّة، جنباً إلى جنب.
القدرات العسكريَّة السوريَّة، التي كشفها هذا الحادث، حصلتْ عليها سوريَّة مِنْ روسيا خلال الأشهر الماضية؛ الأمر الذي لم يعد خافياً على المراقبين والمتابعين المدقِّقين. ومؤخّراً، تأكَّد هذا على لسان أكثر مِنْ مسؤول (سياسيّ وعسكريّ) روسيّ. وهو ما أدَّى، إلى جانب عوامل أخرى.. في مقدِّمتها الشعب السوريّ، إلى استبعاد تكرار عمليَّة حلف الأطلسيّ الليبيَّة في سوريَّة، ولجوء الحلف، بدلاً مِنْ ذلك، إلى الاعتماد، بالكامل، على المجموعات المسلَّحة وإمدادها بأحدث أنواع الأسلحة والمعلومات وتكنولوجيا الاتِّصال المتطوِّرة والدعاية الكثيفة والدعم السياسيّ. لكنَّ هذا السيناريو، أيضاً، يتَّجه إلى الفشل، كما هو واضح؛ لذلك، رأينا، مؤخّراً، عدداً من العواصم الأطلسيَّة، يتراجع عن مواقفه السابقة المتشدِّدة ويبحث عن نقاط مشتركة مع الموقف الروسيّ، الذي ظلّ ملتزماً بثوابته، وهي: ضرورة احترام القانون الدوليّ، الذي ينصّ على عدم التدخّل في شؤون الدول الأخرى؛ وإتِّباع الحوار والطرق السلميَّة.. لحلّ المشكل السوريّ؛ وتالياً، اعتبار مصير النظام السوريّ، شأناً يقرِّره الشعب السوريّ، وحده، وليس أيّ طرفٍ آخر خارجيّ.
فلدى زيارة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، منذ مدَّة قريبة، لألمانيا، بدا واضحاً، في المؤتمر الصحافيّ الذي عقده بالاشتراك مع المستشارة الألمانيَّة ميركل، أنَّ الأخيرة استبعدت الإشارة، في كلامها، إلى النقاط الخلافيَّة مع روسيا، بشأن سوريَّة، وأكَّدتْ، للمرَّة الأولى، على دعم الحلّ السلميّ لهذه المشكلة. وهذا نفسه، حدث في لقاء بوتين مع الرئيس الأمريكيّ أوباما؛ حيث غابت، عن هذا اللقاء، المواقف الأمريكيَّة الخلافيَّة المعروفة، وبدلاً مِنْ ذلك، أكَّدا، معاً، على الحلّ السلميّ.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجيَّة الروسيّ، سيرغي لافروف: إنَّه بناء على نتيجة الوضع في سوريَّة سيتحدَّد شكل النظام الدوليّ الجديد. وهذا صحيح، تماماً؛ فملامح النظام الدوليّ متعدِّد الأقطاب بدأت تظهر، بوضوح، على هامش الأزمة السوريَّة وفي المواقف المختلفة منها.
العرب اليوم
الطائرة التركية: اختبار ورسائل
خورشيد دلي
جاء اسقاط الطائرة التركية في المجال الجوي السوري في توقيت فاصل، سواء لجهة ازدياد حدة التوتر في العلاقات التركية – السورية أو على صعيد وصول الأزمة السورية إلى منعطف حاسم.
بالتأكيد الاختراق التركي للأجواء السورية ليس الأول من نوعه ولكن اسقاط الطائرة التركية كان الأول من نوعه، وهو ما يعني ان العلاقات بين الجانبين دخلت مرحلة شديدة الخطورة خاصة إذا نفذت تركيا تهديداتها بأن مسألة اسقاط الطائرة لن تمر هكذا دون رد.
في الواقع، الصدام الجوي الذي حصل بين البلدين كان ترجمة للتوتر الجاري على الأرض خاصة في ظل احتضان تركيا للمعارضة السورية السياسية والعسكرية، وقد أزدادت حساسية النظام السوري إزاء هذا الأمر بعد نشر صحيفة نيويورك تايمز تقرير يتحدث عن ان تركيا انخرطت في دعم المعارضة السورية بمختلف أنواع الأسلحة وقيام مجموعات من الاستخبارات الأمريكية على الحدود التركية السورية بنشاط ملحوظ وخطوات أمنية تتعلق بالممرات وغيرها. وكل هذا كاف إلى أن يحرك النظام السوري الاصبع الموجود على الزناد ضد أي حركة تأتي من الأراضي التركية سواء من البر أو البحر أو الجو، بل ربما في العمق يطمح إلى جر تركيا إلى حرب إقليمية لقناعته بأن تركيا ستكون رأس الحربة في السيناريوهات الحربية التي تعد لها واشنطن إذا لم يسقط النظام أو يرحل بحلول الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
في الواقع، ربما كان هدف الاختراق الجوي التركي للأجواء السورية هو اختبار قدرة الدفاعات الجوية السورية خاصة بعد الأخبار التي تحدثت في الفترة الأخيرة عن نشر سورية منظومة صاروخية متطورة في المنطقة الحدودية مع تركيا وتحديدا في المنطقة التي جرت فيها اسقاط الطائرة التركية،وإذا كان الأمر كذلك في هذا التوقيت الحساس، فانه لا يمكن النظر إلى حصول ذلك دون تنسيق تركي – أمريكي نظرا للتنسيق الكبير بين الجانبين بخصوص الأزمة السورية والحديث عن سيناريوهات وغرف تخطيط مشتركة بينهما.
دون شك، الرسالة التركية من اختراق الأجواء السورية كانت واضحة وهي أنها بالفعل تحولت إلى رأس حربة لأي حرب مقبلة ضد سورية إذا ما قررت الإدارة الأمريكية ذلك في لحظة ما من فصول الأزمة السورية ، في المقابل، فان الرسالة السورية كانت واضحة وحاسمة،وهي الجهوزية والاستعداد لكل الاحتمالات وأنها لن تكون ليبيا جديدة، وبالنسبة لتركيا تحديدا فكانت أكثر من رسالة، بل في الحقيقة رسالة مزدوجة تراوحت بين التحذير من الاستمرار في الدعم العسكري للمعارضة السورية وبين ضرورة الكف عن القيام بدور المخفر الأمريكي المتقدم المحور السوري – الإيراني – الروسي . انتهى الاختبار الجوي الذي جرى بحسم سوري ينشد ما بعده، مقابل ارتباك تركي وتردد ينشد الاطلسي وينتظر الضوء الأخضر الامريكي الاصفر، فالتصريحات التركية كانت متواترة ومتناقضة، سواء لجهة الإعلان عن إسقاط الطائرة أو سقوطها نتيجة عطل فني، أو لجهة تقديم سورية اعتذار أو عدم تأكد ذلك رسميا، أو حصول اختراق المجال الجوي السوري أو عدمه.
مع التأكيد على ان اسقاط التركية ادخلت العلاقات بين الجانبين مرحلة الحرب، فانه يمكن القول ان التوقيت لم يكن لصالح اللاعب التركي الذي يدرك ان قرار التحرك منفردا ضد النظام السوري سيكون مكلفا جدا في ظل غياب قرار دولي بالتدخل العسكري من جهة، ومن جهة ثانية لعلاقة النظام السوري بكل من اللاعبين المهمين المجاورين لتركيا، أي إيران وروسيا، وبالتالي فان تداعيات حرب إقليمية قد تلحق خسارة استراتيجية كبيرة بتركيا لكن الثابت ان الأخيرة ستزيد من جرعة الدعم للمعارضة السورية إلى ان حين يخضر الضوء الأصفر في واشنطن.
ايلاف
دمشق ـ أنقرة على بوابة تصعيد عسكري
فايز سارة
بغض النظر عن أي تفاصيل في موضوع إسقاط القوات السورية للطائرة الحربية التركية بالقرب من اللاذقية على الساحل السوري، فإن الحادث يضع البلدين على بوابة تصعيد عسكري، لم يسبق للبلدين أن دخلا في حدوده منذ الأزمة الساخنة في التسعينات، يوم هدد الأتراك باجتياح الأراضي السورية وصولا إلى دمشق نتيجة علاقة دمشق مع مسلحي حزب العمال الكردستاني (PKK)، الأمر الذي مهد لتسوية الخلاف، وأدخل علاقات البلدين في تحسن لاحق استمر سنوات قبل أن تتردى على خلفية الأزمة السورية الراهنة.
ويستمد التصعيد العسكري السوري – التركي الحالي أساسه من ثلاثة أسباب؛ أول هذه الأسباب، واقع الاختلاف السياسي واسع الهوة بين الجانبين في الموقف من الأزمة السورية وسبل حلها، ومختصره، حل سياسي كما ترغب تركيا وعسكري أمني كما تريده دمشق، وترتب على هذا الاختلاف ذهاب كل طرف باتجاه اصطفافات سياسية، يتعلق بعضها بعناصر ومكونات داخلية سورية – تركية ومنها علاقة تركيا بالمعارضة السورية، والتي ردت عليها دمشق بتعزيز علاقتها مع المعارضة التركية، والأهم منها اندراج الطرفين في اصطفافات إقليمية ودولية حادة حول الأزمة في سوريا، والتي لا يستبعد دخولها القريب في عمليات شد وتصادم عسكري.
والسبب الثاني الذي يجعل من حادثة الطائرة التركية بوابة لتصعيد بين سوريا وتركيا، يتمثل في المواجهات التركية – السورية غير المباشرة الحاصلة عبر الحدود، والتي يبدو حدها التركي في تأمين ملاذ آمن ومرور لسوريين وقيادات وعناصر من الجيش السوري الحر في بعض المناطق التركية، وهو أمر يترافق مع اتهامات سورية معلنة لأنقرة بتمرير أسلحة ومقاتلين إلى الأراضي السورية، يقومون بالاشتباك مع القوات العسكرية – الأمنية السورية وخاصة في ريف إدلب المتاخم للحدود التركية، فيما يتمثل الحد السوري في دعم حزب العمال الكردستاني (PKK) وعملياته العسكرية في جنوب شرق الأناضول، وقد لوحظ تطور مهم على عدد ونوعية تلك العمليات في تركيا، وسط اتهامات أنقرة لدمشق بدعم «المتمردين» الأتراك.
أما السبب الثالث، فهو تكرار الحوادث العسكرية عبر الحدود، والتي رصد الأتراك منها حادثتين خطيرتين قبل أن تحصل الحادثة الأخيرة. كانت الأولى عملية إطلاق نار سورية عبر الحدود، أصابت لاجئين سوريين في معسكرات اللجوء التركية، وأوقعت قتلى وجرحى، ثم جرى إطلاق نار وإصابة مروحية زراعية، كانت تقوم بأعمال إطفاء حرائق في الأراضي التركية، ثم جاءت عملية إسقاط طائرة F4 العسكرية الأخيرة لتتوج هذا النسق من الحوادث العسكرية.
وإذا كانت هذه الأسباب كفيلة بوضع تركيا وسوريا على بوابة تصعيد عسكري، فإن ثمة بيئة إقليمية ودولية، تعزز حدوث ذلك. ففي مواجهة انسداد حل أزمة سوريا حلا سياسيا، فإن التوجه إلى خيارات الحل العسكري يتزايد، وبطبيعة الحال، فإن حضور الدول المحيطة في خيارات الحل العسكري أمر مؤكد، ليس بسبب رغباتها الذاتية في إسقاط وتغيير النظام، وهو أمر قد يكون قائما، إنما بفعل ما يمكن أن تتمخض عنه الأزمة وتداعياته على الدول المحيطة، ولها جميعا روابط سياسية وديموغرافية مع الداخل السوري الذي سيفرز تأثيراته على جواره، إذا انخرط في حرب داخلية واسعة، إضافة إلى أن الجوار سيشكل مصدر دعم بشري وتسليحي ولوجستي لأطراف الصراع الداخلي.
ولعل تركيا من أكثر الدول المجاورة، التي يمكن أن تتأثر بحرب داخلية سورية. فهي صاحبة أطول حدود مع سوريا، وتضم هذه الحدود على جانبيها أكرادا يحملون قدرا كبيرا من الحساسية القومية مع السلطتين التركية والسورية، بل إن ثمة تناقضات داخلية كردية في تلك الحساسيات، يمكن أن تقود إلى تفاعلات كردية – كردية، كما أن تركيا مثل سوريا لديها حساسيات طائفية داخل أكثريتها الإسلامية بين السنة والعلويين، وقد تركت هذه الحساسية بصماتها في البلدين في خلال الستة عشر شهرا من عمر الأزمة السورية وتفاعلاتها.
لقد لعبت العوامل السابقة إلى جانب غيرها دور الكابح لتركيا في الدخول إلى صراع عسكري مع سوريا، غير أن تصعيد فرص الصراع في ضوء تطورات الأوضاع بين البلدين وفي المستويين الإقليمي والدولي، سوف يخفف من أثر تلك العوامل، ولعل التحقيق الذي شرعت فيه تركيا حول حادثة سقوط طائرتها، يمكن أن يكون مؤشرا، لما سوف تتطور إليه الأمور، سواء في اتجاه الإبقاء على الوضع الراهن في علاقات سوريا وتركيا، أو الذهاب من خلاله إلى تصعيد نحو مواجهة عسكرية تركية – سورية، وهو أمر محتمل في ضوء ما يحيط بالأزمة السورية من تطورات داخلية وإقليمية مضافة إلى تحركات دولية تستنفد فرص الحل السياسي الممكنة لأزمة صارت أرجحية حلها عسكرية، وهو تطور يراهن البعض من خلاله على إعادة خلط الأوراق، وتغيير وجه الأزمة في سوريا من صراع داخلي إلى أزمة إقليمية – دولية.
الشرق الأوسط