مقالات عن مفاوضات جنيف
الجمعة
مفاوضات جنيف: رعاية روسية للحل السياسي في سورية؟
راغدة درغام
غداً السبت، وبحضور وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وتركيا والعراق والكويت وقطر وأمين عام كل من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ينطلق في جنيف السباق الجدي بين سكة الحل السياسي في سورية القائم على عملية انتقالية الى ما بعد رئاسة بشار الأسد وبين سكة المواجهة وشد الحبال بين لاعبين كبار على الساحة الدولية. المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان سيبذل قصارى جهده ليعلن استمرارية خطته ذات النقاط الست مهما حدث من تفاهم أو خلاف وافتراق. بإمكانه أن يأخذ نصيبه من التقدير والامتنان لو أدى اجتماع «مجموعة العمل» على هذا المستوى الرفيع الى إيضاح معالم «خريطة الطريق» التي يبلورها أنان والى إطلاق التفاهم الدولي والإقليمي على آليات العملية السياسية الانتقالية في سورية. وهو في هذا المسعى في حاجة ماسة الى مواقف وإجراءات روسية تكف عن أسلوب تقطير الاستعداد للحل السياسي بالأقوال يرافقه التصعيد بالأفعال عبر إيفاد السفن المحملة بالسلاح والمروحيات الى النظام في دمشق. أي ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف هما من يضع الآن كوفي أنان على المحك ويهددان مهمته بالفشل، إذا استمرا في تسخير مهمة أنان لخدمة موقف روسيا التفاوضي بإفراط وبلا أفق زمني. وكوفي أنان نفسه يعرّض خطته ومهمته الى الخطر اذا استمر في الإبحار لصياغة علاقات الدول الكبرى فيما الأوضاع الميدانية في سورية تتدهور وتستمر المجازر ويزداد الحل الأمني دموية. ثم ان التطورات الميدانية أتت هذا الأسبوع بعنصر جديد ليس فقط في العلاقة التركية – السورية وانما أيضاً في تطور العلاقة التركية – الروسية في اتجاه الاختلاف وليس في اتجاه التفاهم. كل هذا التصعيد يمكن ان يكون جزءاً من بدء العد العكسي الى التفاهمات والصفقات الكبرى بين كبار اللاعبين الدوليين والإقليميين. انما هذا لا يلغي إمكانية انهيار السكة الديبلوماسية للحل السياسي عبر عملية انتقالية منظمة وترجيح كفة السكة العسكرية للحسم العسكري عبر حرب استنزاف وتكثيف الاستعدادات الجارية لنقلة نوعية في الأدوار الخارجية دعماً للمعارضة السورية في مواجهة الدعم الروسي للمؤسسة الحاكمة في دمشق. فشراء الوقت عبر المماطلة والمراوغة أو عبر خطة أنان المطاطية كان مطلباً شبه متفق عليه بين واشنطن التي تريد تجميد كل شيء وإيقاف الزمن الى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية وبين موسكو التي تريد إطالة عمر النظام في سورية وتسعى وراء تنازلات جذرية من أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية. لكن الزمن يداهم صنّاع القرار رغم أنفهم ويفرض عليهم الكف عن التنزه في حدائق الديبلوماسية فيما شوارع سورية تزداد تكديساً للجثث وتدميراً للنسيج الاجتماعي.
كوفي أنان، منذ البداية، اعتبر ان المهمة الموكلة اليه كمبعوث للأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية لمعالجة الأزمة السورية أنها ليست محض محلية أو إقليمية. فهو نظر الى ولايته من منظار أوسع يرقى الى منصبه ومكانته كأمين عام سابق للأمم المتحدة. وعليه، قرر كوفي أنان ان مهمته الأولى هي التوفيق بين المواقف الأميركية والروسية أولاً ثم بين روسيا والصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بصفتها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. كذلك، ومنذ البداية، حرص كوفي أنان على الاّ يُعامَل كمجرد مبعوث وهو الرجل الذي عيَّن المبعوثين وكانوا يأتون اليه كأمين عام للأمم المتحدة، وأراد أن يكون مبعوثاً فوق العادة.
وبالتالي، خلق كوفي أنان لنفسه مهمة فوق العادة وأخذ الى ترجمة وتفسير ما أوكل اليه ليتناسب مع ما قرر أن يكون نهجه. فالعملية السياسية الانتقالية كانت أساساً في صلب المهام الموكلة اليه، علماً أن ولاية كوفي أنان مبنية أيضاً على قرارات جامعة الدول العربية بما فيها القرار الذي دعا الرئيس بشار الأسد لتسليم السلطة الى نائبه فاروق الشرع في عملية انتقالية سياسية تؤدي الى انتخابات ونظام جديد في دمشق. كوفي أنان وضع هذه الناحية من ولايته مؤقتاً في الثلاجة الى حين تمكنه من المساهمة في صياغة تفاهم بين الدول الخمس على نهج في هذا الاتجاه باعتبار الفيتو الروسي – الصيني عائقاً أساسياً أمام تنفيذه.
لذلك، عكف كوفي أنان على نسج علاقة توافقية بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن، كأولوية، وفي خضم هذا النسج، بل وكأساس له، ركّز كوفي أنان على إرضاء واسترضاء روسيا لدرجة ان السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين قال ذات مرة ان خطة كوفي أنان خطتنا ونهجه هو النهج الصحيح الوحيد.
يمكن كوفي أنان أن يقول اليوم إن أسلوبه هو الذي أدى الى التغيير الجذري في الموقف الروسي من داعم قاطع لاستمرارية النظام وبقاء بشار الأسد في السلطة الى مُوافِقٍ على العملية السياسية الانتقالية والباحث عن حل على نسق النموذج اليمني القائم على التنحي طوعاً بحماية وحصانة وضمانات. هذا ادعاء في محله. بل وقد يصيب كوفي أنان ويدخل التاريخ كصاحب الحل الديبلوماسي في سورية، إذا أسفرت مفاوضات جنيف وما سيليها عن رعاية روسية للحل السياسي وقيامها بلعب دور العراب للمرحلة الانتقالية وما يتبعها.
أما إذا خذلت القيادة الروسية التوقعات والرهانات على صدقها وعزمها على تنفيذ ما توحي به منذ أسابيع عدة، عندئذ تكون ورّطت كوفي أنان. وعليه ان يختار بين الاستمرار في الإبحار وبين ما تستدعيه القيادة الأخلاقية المنوطة به إذا استنتج أنه وديبلوماسيته استخُدِما. وكل هذا لن يُحسَم في أول لقاء لـ «مجموعة الاتصال» التي أنشأها أنان واستدعاها الى مقره في جنيف. فهذه بداية عملية أخرى، وليست النهاية. ولذلك تمضي الاستعدادات في سكة اتخاذ الإجراءات اللازمة في حال وقوع سورية في أحضان «عملية» مفتوحة الأفق رهن المساومات والمقايضات.
المفاوضات عسيرة، بالتأكيد، لا سيما انها لا تنحصر سورياً وإقليمياً بل هي أيضاً ثنائية ودولية. إيران تتصدر مرتبة التقاطع بين المقايضات والمساومات الدولية والإقليمية والمحلية. فلاديمير بوتين يريد حضور إيران طاولة «مجموعة الاتصال» وكوفي أنان يؤيده في ذلك لكنه يحاول ألا يقع في مواجهة مع الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية التي ترفض وجود إيران لأسباب متعددة.
بوتين وأنان يعتبران ايران جزءاً من الحل في سورية ويجب إشراكها في المحادثات على هذا الأساس. الغرب والدول الخليجية النافذة تعتبر إيران جزءاً من المشكلة وتشير الى دورها المشارك مع النظام في دمشق في قمع الانتفاضة السورية بدموية.
إصرار بوتين ورغبة أنان في إشراك إيران في الحل السياسي يلقيان الرفض الغربي والعربي لأسباب عدة أبرزها: أولاً: الخشية من ان تصبح إيران أداة أخرى إضافية من أدوات المماطلة والمساومة دعماً لاستمرارية النظام ومن ان يستخدمها اللاعب الروسي للتراجع عن التزاماته وإيحاءاته بالتغيير نحو عملية انتقالية سياسية. ثانياً، إضفاء الشرعية الدولية على إصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن تكون لاعباً إقليمياً كبيراً خارج حدودها وبالذات على الساحة العربية لتخوض معارك نفوذ وتأثير وتجييش لصالحها عقائدياً وهيمنة. وهذا مرفوض خليجياً وسعودياً بالذات لما ينطوي عليه من دلالات وأبعاد تتعدى سورية التي أصبحت أهم حلبة حالياً للتنازع السعودي – الإيراني حول هوية المنطقة العربية والتنازع على النفوذ الإقليمي. ثالثاً، تخشى الدول الغربية والعربية من ان تكون دعوة إيران الى «مجموعة الاتصال» المعنية بسورية عبارة عن تشريع لدورها داخل سورية بكل ما ينطوي عليه من تحالف عسكري وسياسي مع النظام ومكافأة لطهران على الدور الذي لعبته في دعم النظام والدور الذي تريد ان تلعبه في منع تنحيته أو إسقاطه.
فلاديمير بوتين حريص على ان تكون إيران في صميم صياغة النظام الإقليمي الجديد لتكون عوناً له في التصدي لكل من حلف «الناتو» ومجلس التعاون الخليجي. ولأنه يرى في سورية ساحته الأهم لفرض نفوذه وجبروته، يرى بوتين ان مصلحته تقتضي إدخال إيران عضواً في «مجلس الأمن الدولي فوق العادة» الذي أعدّه كوفي أنان عبر «مجموعة الاتصال» المكلفة بالملف السوري.
روسيا بوتين تسير على حبلين مشدودين: احدهما في اتجاه التفاهم مع أعضاء حلف شمال الأطلسي حول سورية والنظام الإقليمي الجديد حتى لو أدى الى قليل من الاستغناء عن إيران وطموحاتها الإقليمية. والآخر في اتجاه العناد في المواجهة مع كل من حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي بما في ذلك المواجهة مع تركيا العضو في الناتو والتي تنسق مواقفها حالياً مع مجلس التعاون الخليجي..
القيادة الروسية تعلم جيداً ان سكة التجهيز والاستعداد للحسم العسكري جارية بالموازاة مع استمرار موسكو في توفير المعونات العسكرية للنظام في دمشق بحجة تنفيذ العقود المبرمة. حادثة إسقاط الطائرة التركية في المياه الإقليمية فتحت العيون على احتمال قيام روسيا وليس سورية بإسقاط الطائرة بتحدٍ لكل من تركيا وحلف شمال الأطلسي استباقاً وانذاراً وأيضاً كورقة استقواء عشية الدخول في المساومات والمقايضات.
المرحلة الحالية من التداخل بين التفاوض والمواجهة دقيقة وحرجة بسبب استمرار التشكيك وافتقاد الثقة. حتى الآن، الأمل أكبر بانطلاق ملموس للسكة السياسية بناءً على مؤشرات قوية في هذا الاتجاه. انما لا شيء مضمون قبل حدوثه حقاً. لذلك فالسباق مستمر بين السكتين السياسية والعسكرية في صياغة المستقبل في سورية.
الحياة
الجمعة
قطع طريق جنيف؟
ساطع نور الدين
أيا كان تبرير استبعاد لبنان من حضور مؤتمر جنيف الخاص بالأزمة السورية غداً، فإنه موقف يرقى الى مستوى التهديد أكثر مما يعبر عن استخفاف عربي ودولي باللبنانيين على اختلاف ميولهم السورية المتناقضة الى حد الاشتباك.
هو مؤتمر لدول الجوار السوري، يشبه الى حد بعيد مؤتمرات دول الجوار العراقي التي انعقدت في السنوات السابقة للانسحاب الاميركي من العراق العام الماضي، والتي هدفت الى توفير غطاء سياسي للقوات الاميركية المنسحبة وتأمين شراكة عربية وإيرانية وتركية في العراق. وهو ما لم يحصل ولن يحصل أبدا.
الفارق الوحيد بين تلك المؤتمرات العراقية التي لم تعد تنعقد لانه لم يعد لها دور في الاشراف على المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العراقي، وبين مؤتمر جنيف السوري هو ان الدول المجاورة لسوريا مدعوة الى تخطيط وتنظيم المرحلة الانتقالية السورية التي يفترض ان تختتم بتغيير النظام الحالي، اي الى بناء نظام سوري جديد.
لا يمكن أحداً ان يزعم ان لبنان مؤهل لأن يصبح شريكا في مثل هذه العملية السياسية المهمة التي ستكون حاسمة في تغيير وتشكيل نظامه السياسي المقبل، بلا أدنى شك. لكن مجرد الاعتراف في المقام الاول بأن لبنان هو احدى دول الجوار السوري، يوفر له نوعا من التغطية الدولية المطلوبة والمرغوبة في هذه المرحلة، بدلا من ان يتم التعامل معه باعتباره فناء خلفيا للازمة السورية ومقرا وممرا للنظام السوري ومعارضيه.
صحيح ان مثل هذا الاعتراف يمكن ان يستفز بعض الرؤوس اللبنانية الحامية، سواء تلك التي لم تلاحظ أن النظام السوري هو في طور السقوط او تلك التي لم تدرك انه لن يسقط بإرادتها او لحسابها… لكن الذهاب الى مؤتمر جنيف، على الأقل بصفة شهود او مراقبين، يمكن ان يزجر اللبنانيين ويمنعهم من الدخول في مرحلة تجريبية قد تكون أصعب من المرحلة الانتقالية السورية، بدليل ما تشهد الشوارع اللبنانية المقطعة من اضطرابات لا تقل خطورة عما تشهده الغرف اللبنانية المغلقة، وكل ذلك من علامات الثمن الباهظ الذي سيدفعه لبنان نتيـــجة تغيير نظام كـــان علة وجوده ومحـور تــوازناته طوال العقود الاربعة الماضــية.
لم يسقط اسم لبنان سهوا من لائحة المدعوين الى مؤتمر جنيف السوري. ولا بأس اذا كان السبب هو ان أحدا من المنظمين لا يأخذه على محمل الجد. اما اذا كان استثناؤه ناجما عن الاقتناع بأنه ما زال رديفا للنظام السوري او صار حليفا للمعارضة الســورية، فإن الخطر يصبح مضاعفا على بلد لم يصمد يوما في تاريخه الا بفـعل الغطاء الخارجي.
السبت
مؤتمر جنيف السوري مهدد بالفشل
رأي القدس
سقوط ما يقرب من المئتي قتيل في مختلف انحاء سورية يوم امس، معظمهم برصاص قوات الامن والجيش السوري يحتم بذل كل الجهود الممكنة من قبل المشاركين في مؤتمر جنيف الذي سيبدأ اعماله اليوم لوقف المجازر وسفك الدماء في هذا البلد المنكوب.
يصعب علينا ان نغرق في التفاؤل بامكانية حدوث ذلك، اي وقف اعمال العنف، ليس لان لقاءات مماثلة، سواء داخل اروقة الجامعة العربية او مجلس الامن الدولي فشلت في تحقيق هذا الهدف بل ايضا لان كوفي انان المبعوث الدولي قدم صورة متشائمة في الاطار نفسه.
ففي مقال في صحيفة ‘الواشنطن بوست’ الامريكية نشرته امس قال المبعوث الدولي ان هناك العديد من القوى الخارجية تسعى بشدة لتقويض مهمته لارساء السلام في سورية، واتهمها ‘بتشجيع الحكومة السورية وقسم من المعارضة، عمدا او دون قصد، باللجوء الى استخدام القوة باعتبارها الخيار الوحيد’.
السيد انان لم يحدد هذه الدول بالاسم، ولكن من الواضح انه يشير الى دول عربية تدعم المعارضة السورية وتزودها بالمال والسلاح مثل المملكة العربية السعودية وقطر، ودول اخرى مثل ايران وروسيا والصين تدعم النظام السوري سواء في الامم المتحدة باستخدام حق النقض ‘الفيتو’ من اي قرار بفرض عقوبات اقتصادية ضده، او بارسال الاسلحة الحديثة والمتطورة من بينها طائرات عمودية وصواريخ مضادة للطائرات.
فرص نجاح مؤتمر جنيف تبدو محدودة لان طرفي الصراع، الحكومة والمعارضة، يرفضان مبدأ الحوار مع بعضهما البعض اولا، ويختلفان على صيغة التسوية المقترحة وابرز بنودها تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير الامور في المرحلة الانتقالية وتضم شخصيات من الجانبين.
المعارضة السورية تقول انها لن تقبل بأي خطة لا تنص صراحة على رحيل الرئيس بشار الاسد، بينما تعارض السلطات السورية اي حل يتم فرضه من قبل قوى خارجية.
المهمة الرئيسية للسيد انان تتمثل في حتمية وقف اعمال العنف اولا كشرط اساسي للبدء في بحث او تطبيق اي حل سلمي للازمة، لانه من اللافت ان هذه الاحداث تفاقمت في الفترة الاخيرة وتضاعفت اعداد الضحايا عدة مرات.
التقارير الميدانية تشير الى ان النظام السوري بدأ يفقد سيطرته على مناطق كثيرة داخل سورية، وان هجمات الجيش السوري الحر وصلت الى قلب العاصمة السورية دمشق، من بينها مهاجمة قاعدة للحرس الجمهوري، وتدمير مؤسسة عدلية، واختطاف لواء طيار من بيته.
روبرت فيسك الصحافي البريطاني الشهير كتب مقالا يوم امس في صحيفة ‘اندبندنت’ قال فيه ان عمليات الجيش السوري الحر باتت اكثر فاعلية بعد تزويد الجيش بأسلحة حديثة ومتطورة لضرب الدروع، واشار الى ان حوالي 6000 جندي سوري قتلوا بسبب هذه العمليات.
مؤتمر جنيف، ورغم الصعوبات التي يواجهها، قد يكون فرصة اخيرة لايجاد مخرج سلمي من الازمة السورية بعد انهيار مبادرة انان الاولى وتجميد اعمال فريق المراقبين الدوليين بسبب تفاقم احداث العنف وتعرض عناصره لاطلاق نار.
تشكيل حكومة انقاذ وطني تضم عناصر من الجانبين ومقبولة شعبيا قد يمثل طوق نجاة للجميع، شريطة ان يأتي ذلك في اطار خطة طريق واضحة نحو التغيير الديمقراطي المأمول، والا فان البديل ليس حربا اهلية طائفية، وانما حرب اقليمية او حتى دولية بسبب حالة الاستقطاب الطائفي والاممي حول هذه الازمة.
السبت
القمة الأميركية الروسية تظلل اجتماع جنيف
جنيف ليست سوى محطة في الطريق إلى موسكو!
بعد وضع الولايات المتحدة «فيتو» على مشاركة إيران في مؤتمر جنيف، اعتبرت روسيا أن المؤتمر هو مجرد «محطة»، يمهّد الطريق لاجتماع في موسكو، سيحضره أطراف الأزمة السورية. بعد التزام الرئيس الأميركي باراك أوباما بمفهوم «روحية العمل المشترك» مع الرئيس بشار الاسد والمعارضة
ناصر شرارة
تمّ تجاوز الخلاف، في نهاية المطاف، في شأن إشراك إيران في مؤتمر جنيف، الخاص بالأزمة السورية. مع التشديد على تعبير «تجاوز»، بمعنى انه لم يخضع لأي تسوية بين موسكو وواشنطن. فقد وقف كل طرف حيال هذه القضية عند رأيه بثبات. ويروي دبلوماسي عربي جوانب من الوقائع، التي جرت في الكواليس الدولية خلال الاسبوعين الماضيين، المتصلة بمسألة البحث عن حلّ لمسألة إشراك ايران في مؤمر جنيف، وسط تضارب موقفي واشنطن المعارض بجزم لإشراكها، وموقف موسكو الداعي بحماسة إلى حضورها.
لقد تمسكت واشنطن برفض حضور طهران مؤتمر جنيف، وقدمت تبريرها لذلك، بالقول إن اشراكها فيه سيعدّ بمثابة مكافأة لها على دورها الميداني المؤيد للنظام السوري ضد المعارضة. بالمقابل، ردّت موسكو بابراز أمرين اثنين على هذا الصعيد، أنّه أولاً، يجب صياغة لائحة المشاركين في مؤتمر جنيف بشكل عادل، ولذلك يجب ضم ايران. ثانياً، رأت موسكو أنّ التبرير الذي تقدمه واشنطن لعدم اشراك ايران، لا يتناسب مع طرق سابقة قامت بها دبلوماسيتها لحلّ أزمات ساخنة، «فمثلاً، عندما احتاج الاميركيون إلى توفير اجراءات أمنية إضافية لقواتهم في العراق وأفغانستان، قاموا من دون تلكؤ بالاتصال بالايرانيين، واتفقوا معهم على معالجات محددة، اثر محادثات مغلقة عقدت بين الطرفين».
وخلال الايام الاخيرة، وصل النقاش حول هذا الموضوع إلى ذروته، سواء في كواليس مجلس الأمن، أو عبر اتصالات مكوكية بين عواصم فاعلة، أدارها المبعوث الدولي إلى سوريا كوفي انان. وبنتيجته، أعلنت واشنطن موقفها النهائي والحاسم، ومفاده «بأنه في حال حضرت إيران مؤتمر جنيف، فإنها لن تشارك في المؤتمر».
وبالمقابل، صاغت موسكو موقفها النهائي، وهو أن عقد المؤتمر من دون ايران سيجعلها تبحث خلاله عن آليات العمل الفعالة لحل الأزمة السورية، وليس عن جوهر مقتضيات التوصل الى حل. ويعتبر توجّه روسيا هذا، لخفض مستوى عمق الحوار داخل المؤتمر، بمثابة موقف عملي منها يحفظ لإيران دورها في مساعي الحلّ الجدي للأزمة السورية، عبر إظهار أن لغيابها أثراً سلبياً وضاراً لفرص التوصل إلى خريطة اهداف عملية نحو الحل.
وعلى خط آخر، لا يزال أنان يحاول جسر الهوة الاميركية ــ الروسية حول مسألة إشراك ايران في مؤتمر جنيف، وتأمين إخراج له يحول دون أن يؤثر هذا الخلاف على نوعية ونتائج اجتماع جنيف وجدية النقاش فيه. ومن الصيغ التي ارتآها انان لانجاز هدفه، اعلانه، يوم أمس، الالتزام باطلاع ايران على نتائج مؤتمر جنيف لضمان استمرار جهودها في المساعي المستقبلية الهادفة لإنتاج تسوية للازمة السورية. والمقصود بهذا الاعلان تقديم اعتراف دولي، بلسان أنان، بأن الدور الإيراني في الجهد الدولي محفوظ.
ولم يصدر عن موسكو ما يوحي بأنهم سيكتفون بالتعويض الذي قدمه انان لتجاوز عقدة تمثيل ايران. لكن موسكو، بحسب الدبلوماسي عينه، حددت منذ الآن رؤيتها لعناوين جدول أعمال المؤتمر:
أولاً: موضوع عدم التدخل الخارجي. ثانياً: النقاش حول فكرة جعل السوريين يجلسون حول طاولة حوار. ثالثاً: الإقرار بعدم جدوى الوصول الى أي اتفاقية بخصوص حل الأزمة السورية بمعزل عن السوريين انفسهم.
ويكشف الدبلوماسي العربي، أن العناوين الثلاثة توضّح أن موسكو لن تسمح بتظهير اتفاق تفصيلي لحلّ الأزمة في مؤتمر جنيف، طالما أن الطرف المعني بها (أي الدولة السورية) ليست موجودة فيه.
ومقابل ذلك، يطرح الأميركيون أن يكون للمؤتمر بند واحد فقط، وهو البحث في تفاصيل عملية انتقال السلطة في سوريا. لكن الدبلوماسي، عينه، يتساءل هل واشنطن تسير فعلاً باتجاه جعل مؤتمر جنيف محكوماً بنقاش هذا البند لا غير؟ ويجيب، أنه بالاستناد الى مسارات النقاشات الدولية التي جرت مؤخراً على أعلى المستويات بين مسؤولي دول القرار، فإنه يتّضح التالي: في المدى المنظور، أقله حتى اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية، يظل اللقاء، الذي جرى في المكسيك بين الرئيسين الاميركي والروسي، هو سقف النقاش الدولي حول الازمة السورية، وكل ما يتفاعل حوله هو نوع من شراء وقت، وبأحسن الأحوال هو نوع من جسّ نبض امكانية إنشاء أفكار جديدة للحلّ.
ولقد توفرت مؤخراً وقائع جديدة عن لقاء بوتين ــ أوباما، يمكن تلخيصها من حيث الشكل والمضمون، بالوقائع التالية:
– ثلاثون بالمئة من وقت اللقاء استهلكه الموضوع السوري، علماً أن الاجتماع استمر لساعتين، متجاوزاً الوقت المحدد له مسبقاً، وهو ساعة و15 دقيقة.
– شرح بوتين، خلال اللقاء، رؤيته للاحداث في سوريا ولدور بلده فيها. وكان دبلوماسي في الخارجية الروسية قد لخصها على النحو التالي: تعتبر موسكو أن موقفها من الأزمة السورية عادل وشفاف، فما يحدث في ذلك البلد سيؤثر على النظام الدولي الجديد، لأنه يعبّر عن أزمة جيو – سياسية جدية، ومن الضروري حلها بشكل مرن. وتتوجس روسيا من أن نهج الغرب المسهل لمجيء متطرفين إسلاميين الى السلطة في المنطقة، سيقضي في حال تطبيقه على سوريا، على التعددية في هذا البلد.
– شدد بوتين، خلال اللقاء، على أنه يجب على اللاعبين من الخارج فوق المسرح السوري، أن يعملوا بجدية مع القوى السورية المتصارعة لجعلها تجلس جميعها على طاولة المفاوضات، لكي تتخذ هي بنفسها القرار حول شكل النظام القادم. – لم يتم خلال اللقاء استعراض خطة محددة وواضحة لتسوية شاملة للوضع السوري، بل طرح بوتين اقتراحاً لقيَ «اهتماماً» من أوباما، مفاده ضرورة «تعزيز العمل المشترك مع الرئيس الاسد ومع المعارضة» لإنضاج حل مقبول. كذلك خرج اللقاء بانطباع آخر مشترك، وهو أنّ مجلس الامن لن يصادق على تدخل خارجي، وأنّه ليس جائزاً فرض التغيير على السوريين من الخارج. وبحسب الدبلوماسي عينه، فإنه بعد اللقاء، أطلعت موسكو النظام السوري على نتائجه، وخلال جلسات تقويم روسية ــ سورية مشتركة له، وجد الطرفان أن «اهتمام» أوباما باقتراح بوتين بتعزيز العمل المشترك مع الاسد والمعارضة، يفتح كوة في الجدار الدولي الموصد. وبدا أن المداولات الروسية ــ السورية الاخيرة، بخصوص «تعزيز التعاون الروسي ــ الأميركي المشترك مع الاسد والمعارضة»، خلصت الى عدم وضع موانع بوجه امكانية أن يضطلع فاروق الشرع، أو غيره، مفوضاً من الحكومة السورية، بإجراء اتصالات من أي نوع مع المعارضة. وبرأي المصدر ذاته، فإن إدانة أوباما للهجوم الذي نفذته المعارضة ضد «الإخبارية السورية»، أول من أمس، يعطي تلميحاً يترجم ما يمكن تسميته بالروحية الجديدة للموقف الأميركية تجاه الأزمة السورية، بعد قمة الرئيسين الأميركي والروسي في المكسيك، مع التشديد على أن هذه القمة لم تخرج بنتائج، بل بروحية عبّر عنها «مفهوم التعاون المشترك» بين واشنطن وموسكو.
ضمن هذا السياق، ليس منتظراً أن يكون لقاء جنيف أكثر من محطة، تمهّد الطريق لاجتماع، في موسكو، سيكون استتباعاً للقاء المكسيك، تحضّر روسيا لأن تدعو اليه، في أوائل شهر آب المقبل، جميع أطراف الأزمة السورية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالاضافة الى دول الجوار لسوريا. وينتظر انضاج الدعوة لهذا المؤتمر مدى حقيقة التزام أوباما بمفهوم روحية العمل المشترك مع الرئيس الاسد والمعارضة لحلّ الأزمة، فوق طاولة حوار سورية من دون شروط مسبقة.
الاخبار
السبت
جنيف… بين النجاح والفشل!
صالح القلاب
من المفترض أن تلتقي مجموعة العمل الدولية المتعلقة بالأزمة السورية، التي تم الاتفاق على تشكيلها بعد “شق الأنفس”، والتي تضم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى كلٍّ من تركيا وأيضاً قطر والكويت والعراق عن المجموعة العربية، وتسود قناعة متأرجحة أنه إذا تم هذا الاجتماع اليوم (السبت) في جنيف فإنه سيشكل محطة رئيسية لحل هذه الأزمة المتفجرة على أساس التفاهم على “خريطة طريق”، لتطبيق خطة كوفي أنان ببنودها الستة، وأهمها البند الذي ينص على انتقال السلطة بصورة سلمية.
لم يكن التفاهم على تشكيل هذه المجموعة سهلاً، فروسيا بقيت تُصرّ على ضرورة مشاركة إيران، بحجة أن وجودها ضروري كلاعب رئيسي بالنسبة لما يجري في سورية وفي المنطقة، ثم بعد محاولات مضنية وافقت على استثنائها واستثناء المملكة العربية السعودية، مع تجاوز اقتراح آخر يدعو إلى تمثيل كل دول الجوار، والاتفاق في النهاية على هذه التركيبة المكونة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أي الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا، بالإضافة إلى تركيا وكلٍّ من قطر والعراق والكويت عن جامعة الدول العربية.
ولهذا فإنه غير مضمون نجاح اجتماع اليوم نظراً إلى أن الموقف الروسي لا يزال على ما هو عليه، ولأن الصيغة التي تم التفاهم عليها هي مجرد بنود عامة تجعلها حمّالة أوجه باستطاعة أي دولة أن تفسرها وفقاً لانحيازها إلى هذا الطرف أو ذاك، ولأن ما أصبح مؤكداً وواضحاً أن الرئيس بشار الأسد ليس بوارد التنحي بطريقة سلمية من خلال تفاهم سياسي دولي، يضمن له ولعائلته مغادرة البلاد إلى أي وجهةٍ تُبدي استعداداً لاستقباله، وأنه سيواصل القتال و”عليَّ وعلى أعدائي” حتى لو لم يبقَ حجرٌ على حجر في سورية.
هناك كلام عن صيغة “مُواربة” لانتقال سياسي وسلمي للسلطة ومسؤولية الحكم من هذا الرئيس إلى رئيس مرحلة انتقالية، لكن ما فعله الروس خلال أكثر من خمسة عشر شهراً يؤكد أنهم سيحاولون التلاعب بعامل الوقت مجدداً، وأنهم سيستخدمون هذه “التفاهمات” الضبابية لإعطاء بشار الأسد مهلة جديدة للتهرب ولمواصلة حلول العنف والقوة العسكرية الغاشمة التي لجأ إليها منذ اليوم الأول، واستمر في تصعيدها إلى أن اتخذت طابع التطهير الطائفي والإبادة الجماعية وسحق المدن والقرى بجنازير الدبابات وقذائف المدفعية.
إنها محاولة، والواضح أن كوفي أنان لديه استعداد لا حدود له للمساومة على بنود خطته، وبخاصة هذا البند الآنف المتعلق بالانتقال السياسي والسلمي للسلطة والحكم، وأن الروس مازالوا يتمسكون بموقفهم الرافض لتنحي بشار الأسد كشرط مسبق لهذا الحل المطروح والرافض حتى لمجرد ذكر اسمه في صيغة التفاهم التي يجري الحديث عنها، والتي من المفترض أن تجري مناقشتها في اجتماع اليوم، ولهذا فإنها مغامرة كبيرة أن يتم استباق هذا الاجتماع بإضفاء أجواء من التفاؤل، والذهاب بعيداً في المراهنة على أن الأزمة السورية المتفاقمة قد وضعت أقدامها على طريق بداية النهاية السياسية والسلمية.
الجريدة
السبت
فشل أنان أفضل من انتظار نجاحه!
راجح الخوري
ليس في “اللاورقة” التي اعدها كوفي انان وسيتم بحثها اليوم في جنيف اي شيء جديد. انها مجرد اعادة صياغة للمبادرة التي اعلنتها الجامعة العربية في 22 كانون الثاني الماضي ولكن بأسلوب التوائي. فبدلاً من الدعوة صراحة الى اعتماد الحل اليمني بتشكيل حكومة انتقالية يرأسها نائب الرئيس بشار الاسد، تقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تضم عناصر من الحكومة الحالية والمعارضة وسواهما من المجموعات على “ان تستثني اولئك الذين يشكل استمرار وجودهم تقويضاً لصدقية العملية الانتقالية وزعزعة للاستقرار والمصالحة”.
واضح ان هذا الاستثناء يعني إبعاد الاسد تمهيداً لمباشرة عملية الانتقال السياسي وإنهاء الصراع، الذي يندفع سريعاً نحو حرب اهلية واسعة. لكن اذا كان مفهوماً ان يستبق الاسد اجتماع جنيف برفض اي حل غير سوري “لأن السوريين وحدهم يعرفون كيفية الوصول الى حل”، فليس من المفهوم لماذا لحست روسيا موافقتها على الورقة. في المقابل من المفهوم ان ترفض المعارضة السورية خطة انان التي وجدت فيها وضعاً للعربة امام الحصان، لأنها تقدم تشكيل حكومة تضم ممثلين للنظام على وقف القتل والتدمير المنهجي للمدن والاحياء وقد تجاوز المعدل اليومي للضحايا المئة!
على اساس كل هذا واضح ان الاجتماع في جنيف اليوم لن يقدم او يؤخر، ومن الضروري القول بعد مضي اربعة اشهر على مهمة انان التي سقط خلالها اكثر من ثلاثة آلاف قتيل ودمرت قرى واحياء، ان افضل نجاح يمكن ان تقدمه الخطة هو اعلان فشلها! اسارع الى القول ان فشل انان بعد كل هذا الوقت المستقطع لمزيد من الدم والمآسي هو افضل نجاح ممكن. اولاً لأن الفشل يضع مجلس الأمن والمجتمع الدولي امام مسؤولياتهما، وثانياً لأنه يسقط ذرائع موسكو التي تختبئ وراء انان وترفض اي حل في معزل عن الاسد ويأتي خارج ارادة الشعب السوري، وثالثاً لأن الاعلان عن الفشل سيترك سيرغي لافروف وفلاديمير بوتين غارقين في دماء السوريين الى عنقيهما، وهو ما ارادته واشنطن منذ البداية عندما ابلغت وفداً وزارياً عربياً بعد استعمال روسيا “الفيتو” مرتين في مجلس الامن، ما مفاده “اننا في زمن الانتخابات ولن نتحرك فدعوا الروس يشنقون انفسهم بحبال بشار الاسد”! ومع الفشل المتوقع لاجتماع جنيف يمكن العودة الى ما اعلنته المعارضة منذ البداية من ان مهمة انان هي مجرد رخصة جديدة للقتل ممهورة بتوقيع دولي والدليل:
اولاً: اعلان الاسد ان من الخطأ القول اننا افشلنا انان فخطته جيدة لأنها تدعو الى وقف عنف المجموعات الارهابية وتبقى صالحة لليوم والمستقبل!
ثانياً: اعلان موسكو تمسكها بأنان رغم انها تريد ان ترسم له طريق حل يناسب حساباتها مع شريكها الاسد، ولعل هذا ما يفسر تراجعها عن تأييد “اللاورقة” التي تعرض اليوم، بما يؤكد انها تريد لحركة انان ان تبقى مجرد دخان ديبلوماسي يحجب الدم ويعطي مزيداً من الوقت للحل العسكري المستحيل!
النهار
الجمعة
ماذا إذا لم يخرج اجتماع جنيف بحلّ؟
سوريا تواجه حروب الآخرين بعد لبنان
اميل خوري
هل يمكن القول ان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا عادت وان سوريا أصبحت مثل لبنان سابقاً أرضاً لحروب الآخرين؟
لقد استمرت الحروب في لبنان 15 سنة ولم يستطع اي طرف داخلي حسمها بالانتصار على الطرف الآخر. وعندما حاول الطرف الخارجي حسمها واجهه طرف آخر مطالبا بأن يكون له دور في الحل.
وعندما حاولت الولايات المتحدة زمن الرئيس رونالد ريغان حل الازمة اللبنانية بمعزل عن أزمة الشرق الأوسط تصدى لها الاتحاد السوفياتي فكانت التفجيرات واعمال العنف التي استهدفت السفارة الاميركية في بيروت ومقرات القوات الاميركية والفرنسية التي كانت تتألف منها القوة الدولية المتعددة الجنسية فاضطرت للانسحاب من لبنان تحت ضغط هذه الاعمال، وظل الاتحاد السوفياتي يعرقل اي حل للازمة اللبنانية لئلا يكون نقطة انطلاق لحل شامل لأزمة الشرق الاوسط بمعزل عنه.
وعندما تأكدت الولايات المتحدة ان لا سبيل الى حل الازمة اللبنانية إلا بالتفاهم مع سوريا، عملت على تحقيق هذا التفاهم الذي رأت فيه سوريا عرضاً مغرياً جعلها تتخلى عن تحالفها مع السوفيات وتوافق على دخول قواتها الى لبنان لوقف الاقتتال فيه على رغم معرفتها المسبقة بأنها ستصطدم بتنظيمات لبنانية وفلسطينية مسلحة حليفة للسوفيات.
وهكذا قضت الصفقة الاميركية – السورية المعقودة بموافقة عربية وعدم ممانعة اسرائيلية، بوضع لبنان تحت الوصاية السورية مدة 30 عاما… وعندما انتهت هذه المدة وحاولت سوريا التي استمرأت الوصاية على لبنان تمديدها الى اجل غير معروف، تصدت لها الولايات المتحدة من خلال مجلس الامن الدولي باصدار القرار 1559 الذي دعا الى انسحاب القوات السورية من كل الاراضي اللبنانية. وقد كلف تنفيذ هذا القرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه واغتيال شخصيات اخرى سياسية واعلامية فأشعلت انتفاضة شعبية عرفت بـ”ثورة الارز”.
والسؤال المطروح هو: من ينقذ سوريا من حربها الداخلية ويخرجها من مستنقع الدم، بعدما اخفقت في ذلك الحلول العسكرية التي تولاها الرئيس الاسد ومعها الحلول السياسية بما فيها حل النقاط الست في خطة انان على رغم انها مدعومة من المجتمعين العربي والدولي. وهو الحل الذي لم يتم التوصل الى اتفاق على بديل منه حتى الآن إذ ظل تنفيذه متعذرا، ولاسيما البند المهم فيه المتعلق بوقف النار وسحب الآليات العسكرية من المدن السورية الى ثكنها.
واذا كان الحل العسكري السوري لم ينجح في قمع الثورة الشعبية على النظام ولا الحلول السياسية العربية والدولية بما فيها خطة انان فهل ينجح اجتماع جنيف غدا السبت في ذلك؟ وهل من بديل لخطة انان اذا تأكد المجتمعون من صعوبة تنفيذها، اذا لم يجعل اتفاق على آلية عملية لذلك؟
الواقع ان البديل الناجع هو الحل العسكري تحت اي شكل من الاشكال لكنه حل لن يرى النور اذا لم يحظ بموافقة روسيا تماما كما ان الحل الاميركي للازمة في لبنان لم يكن قابلا للتنفيذ من دون موافقة السوفيات ولو لم توافق سوريا على التزام تنفيذ الحل في لبنان لما كان توقف الاقتتال فيه. ولكان اصابه ما يصيب العراق حاليا او ما يصيب الصومال.
وما دام اي قرار يصدر عن مجلس الامن الدولي يصطدم بـ”الفيتو” الروسي وتتحاشى الولايات المتحدة ومعها دول الغرب القيام بعمل عسكري خارج هذا المجلس لئلا تشتعل المنطقة كلها ولا مصلحة لأحد في اشعالها، فإن الحل الذي لا بد منه كما تبدو الصورة حتى الآن هو في التوصل الى تفاهم اميركي – روسي شبيه بالتفاهم الاميركي السوري الذي ادى الى وقف الاقتتال في لبنان. فهل هذا التفاهم ممكن وكيف؟
الواقع ان روسيا لا تتمسك بالاشخاص ولا بالانظمة بل تتمسك بما يحمي مصالحها ويحافظ عليها في سوريا خصوصا والمنطقة عموما. فعندما يكون بقاء الرئيس الاسد حتى بعد اصلاح النظام مكلفا، فإنها تتخلى عنه لكن شرط ان تختار هي البديل منه ومن النظام، وهي لا تمانع في ان يكون النظام ديموقراطيا لكنها تمانع في ان يكون دينيا خصوصا بعدما اخذ الصعود الاسلامي يظهر في غير دولة عربية وآخرها مصر.
الى ذلك هل يخرج اجتماع جنيف غدا باتفاق على حل للازمة السورية تنفيذا لخطة انان او بتعديل لها بشكل تسوية اميركية – روسية تجعل اميركا تذهب بالاسد وروسيا تأتي بالبديل عنه في اطار مرحلة انتقالية، والا تحولت سوريا ساحة مفتوحة لحروب الآخرين التي قد لا تنتهي الا بانحلالها وتفككها؟
النهار
السبت
رؤى متباينة حول سوريا جنيف: تسعة ضد اثنين!
محمد بلوط
«من الأفضل أن يعقد اجتماع جنيف حول سوريا ويفشل على أن يلغى، حتى من دون اتفاق مسبق على البيان النهائي، والمركزي فيه مستقبل الرئيس بشار الأسد» ديبلوماسي غربي قال ذلك لـ«السفير»، بعد وقت قليل من الإعلان عن فشل الاجتماع التحضيري أمس، فيما اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن هناك «فرصا جيدة جدا» لايجاد ارضية مشتركة في محادثات جنيف بشأن سوريا اليوم، على قاعدة ان «السوريين يقررون بأنفسهم» مستقبلهم.
وقال لافروف، بعد لقائه نظيرته الاميركية هيلاري كلينتون في سان بطرسبورغ، «يمكنني القول بثقة ان امامنا فرصا جيدة جدا غدا (اليوم) في جنيف لايجاد قاسم مشترك وللقيام بخطوة الى الامام»، لافتا الى توافق بين موسكو وواشنطن على ان يقرر «السوريون بأنفسهم» مستقبل بلادهم. وحذر من محاولة فرض النتيجة النهائية مسبقا لأي عملية سياسية في سوريا. وتابع «توافقنا على ايجاد مساحات تفاهم تستند الى وجوب تشجيع الجانب السوري على الحوار الوطني، وإلى ان القرارات حول ماهية الدولة وتوزيع المناصب والمسؤوليات لا يمكن ان يتخذها سوى السوريين انفسهم». وأعلن مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية انه لا يزال هناك اختلافات كبيرة بين الموقفين الروسي والاميركي حيال سوريا.
توقيت خروج الأسد من قصر الشعب وبقاؤه في سوريا، أو عدم بقائه فيها، بعد تنحيه عن السلطة أفشلت الاجتماعات التحضيرية بين خبراء الدول المشاركة في اجتماع مجموعة الاتصال حول سوريا في جنيف، وبقيت البند المعطل في التوصل إلى صفقة روسية ـ غربية تفتح الطريق نحو تطبيق خطة المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي أنان، وتعلن بدء العد العكسي للانتقال بسوريا نحو حل سياسي.
ورفض الموفد الروسي في اللجنة التحضيرية لاجتماع مجموعة الاتصال برئاسة نائب المبعوث الدولي ناصر القدوة، والتي تركت موضوع الحل لاجتماع وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن وتركيا، الاتحاد الأوروبي، قطر، الكويت والعراق بالاضافة الى الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي في جنيف اليوم، أي مساومة حول بقاء الأسد في منصبه، بعد أن كان، بحسب ديبلوماسي غربي تابع الاجتماعات، قد وافق أمس الأول على التخلي عنه وتنحيه، معيدا النقاش حول موقع الرئاسة السورية في الصفقة إلى بدايتها.
وبحسب مصدر ديبلوماسي غربي فإن تغييرا طرأ على موقف المفاوض الروسي في الساعات الأخيرة بهذا الشأن. وكان المفاوضون الروس في جنيف قد ساهموا في تقدم الاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا، تبدأ بتعهدهم بالضغط على الأسد للتنحي عن منصبه لقاء موافقة الغربيين على بقائه في سوريا. وساعد ذلك انان على بلورة الخطة التي أعدها، مثبتا فيها بشكل بنود قابلة للتنفيذ كل النقاط الايجابية التي لقيت موافقة الأطراف خلال الاجتماعات التحضيرية.
وقال ديبلوماسي غربي لـ«السفير» إن انقلابا حدث في الموقف الروسي أدى إلى وقف النقاشات التي كانت تدور على مستوى الخبراء، عندما عاد الروس إلى التمسك ببقاء الأسد في منصبه عامين إضافيين، بشكل أدى إلى وقف النقاشات بعد أن رفض الغربيون مواصلتها، واعتبارهم تنحي الأسد في المرحلة الانتقالية شرطا لا عودة عنه. وأضاف إن انان طلب بعد ذلك الاجتماع مساء بمساعدي وزراء خارجية الدول المدعوة إلى الاجتماع، والذين كانوا قد سبقوا وزراءهم إلى جنيف. وهدد البريطانيون والفرنسيون والأميركيون بمقاطعة الاجتماع اليوم ما لم يحصلوا على موافقة مسبقة من الروس على كامل خطة أنان.
كما ترفض الصين محاولات فرض حلول على الأسد. وقال ديبلوماسي غربي، وهو يغادر الاجتماع، إنهم ما زالوا «تسعة ضد اثنين».
وقال الديبلوماسي الغربي إن الغربيين اعتبروا أن الصفقة تقوم على تنحي الأسد لقاء بقائه في سوريا، برغم مخاوف بشكل خاص من تكرار السابقة اليمنية عندما أدى بقاء الرئيس علي عبد الله صالح في صنعاء بعد استقالته إلى عرقلة العملية الانتقالية. وكانت اللجنة التحضيرية، قبل عودة الخلاف حول مستقبل الأسد، قد توصلت إلى صيغة بيان نهائي، مقبولة من جميع الأطراف، تتضمن «خريطة الطريق الدولية» من اجل مرحلة انتقالية في سوريا. وتعهد القطريون، في جنيف، بإقناع المعارضة في «المجلس الوطني السوري»، الذي يمارسون نفوذا كبيرا على هيئاته، بسحب اعتراضاتهم على الأسماء التكنوقراطية المطروحة.
وبحسب المصدر الديبلوماسي نص البيان النهائي، الذي أعيد إلى طاولة البحث، على تشكيل حكومة وحدة وطنية من المعارضة والنظام، يستبعد منها كل من يمكن أن يؤثر وجوده بشكل سلبي على العملية الانتقالية من دون أن يشير بوضوح إلى إقصاء من تلوثت أيديهم بالدماء. وكان الروس قد طرحوا الإبقاء على بعض أسماء الحلقة الأولى أو الثانية المحيطة بالأسد، واقترحوا بثينة شعبان لأداء دور أساسي فيها. ورفض الأوربيون ذلك، وطالبوا بإقصاء جميع الأسماء التي تحويها لائحة عقوباتهم من أي منصب في حكومة الوحدة الوطنية، وهي لائحة تضم ما يقارب 100 اسم على الأقل.
وقال المصدر إنه تم ترشيح أسماء لرئاسة «حكومة الوحدة الوطنية»، بينها هيثم الجزائري، وهو رجل أعمال ومدير مركز دراسات اقتصادية، مقيم في لندن. وطرح اسم سعد الأزهري وهو سليل عائلة مصرفية سورية لجأت إلى لبنان بعد التأميم في سوريا نهاية الخمسينيات، وأسست مصرف لبنان والمهجر.
ولن تكرر خريطة أنان الانتقالية أخطاء الاحتلال الأميركي في العراق، وابتعدت عن أي تعهد بتطهير الإدارة السورية، التي أدارها حزب البعث أربعة عقود. ونص البيان على تجنب أي عملية استئصالية في سوريا، والإبقاء على كل الأجهزة الأمنية، مع التعهد بأن تطبق عليها معايير الرقابة الديموقراطية. وكان الروس قد أصروا على عدم المساس بالعسكريين السوريين من الرتب العليا التي تقود العمليات، ورفضوا أي ذكر لملاحقات عبر العدالة الدولية.
ورفض الروس تحديد مهلة زمنية للمرحلة الانتقالية، وهو ما طالب به الفرنسيون، لكن ديبلوماسيا غربيا قال إن انان يعتقد أن المرحلة الأولى من العملية الانتقالية يجب ألا تتعدى نهاية العام الحالي، وهي تتضمن وقف العنف وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات تشريعية، وإدخال تعديلات دستورية، وتحقيق قضاء مستقل وعدالة انتقالية.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيانات، «خرج آلاف السوريين في جمعة واثقون بنصر الله إلى الشارع برغم تصاعد اعمال العنف في مناطق مختلفة من البلاد، مطالبين بإسقاط النظام، وووجهت بعض التظاهرات بإطلاق نار واعتقالات». وأضاف «قتل 25 شخصا في قصف واشتباكات في دوما ومعضمية الشام وحمص ودير الزور ودرعا».
السفير
السبت
أوهـام جنيـف
ساطع نور الدين
لن يشكل مؤتمر جنيف المقرر اليوم منعطفاً في مسار البحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية، بل مجرد مؤشر جديد ان المجتمع الدولي ليس جاهزا بعد لإنهاء تلك الازمة وهو يفتش عن مبررات إضافية لترك السوريين يغرقون بدمائهم.
فكرة المؤتمر هي في المقام الاول تسليم بفشل خطة المبعوث العربي والدولي كوفي أنان وفريق مراقبيه، وبالحاجة الى طرح مبادرة سياسية بديلة، تقفز الى الحل البعيد المدى الذي يقوم على إرساء أسس العملية الانتقالية من النظام الحالي الى نظام تعددي ديموقراطي جديد.. يعرف أبسط المتابعين للصراع الداخلي أنه ما زال حلما، أو حتى خيالا. فالمقابلة التي أجراها الرئيس بشار الاسد مع التلفزيون الايراني بالذات لا توحي بأنه بات مستعدا للتخلي عن الحل الأمني والعسكري، أو للتضحية بمشروعه للاصلاح السياسي، الذي انحدر الى مستوى وزارة للمصالحة الوطنية في الحكومة السورية الجديدة، جاهزة لقبول طلبات المعارضة بالعودة الى الحوار تحت سقف النظام!
الحسم الأمني والعسكري هو الخيار الوحيد للنظام، هذا ما قاله الاسد بالتحديد، وهذا ما يدفع المعارضة ايضا الى اعتبار ذلك الحسم ملاذها ومخرجها الوحيد. وهو ليس موقفا تكتيكيا من الجانبين يسبق مؤتمر جنيف ويسعى الى فرض تعديل شروط التفاوض والتسوية. بل هذا هو الواقع كما يراه الجانبان، بناء على وقائع ومعطيات دقيقة جدا.. لسوء حظ السوريين جميعا.
في ضوء هذا التحليل الثنائي المخيف لطبيعة الصراع الدموي، يصبح مؤتمر جنيف مزحة ديبلوماسية غير ملائمة، من شأنها أن تسهم في تأجيج الصراع.. وفي توضيح مواقف معروفة سلفا، لم يخرقها سوى الخطأ السياسي الفادح الذي ارتكبه المبعوث الدولي كوفي أنان عندما اقترح دعوة ايران الى مؤتمر يفترض أن من وظائفه الرئيسية إنهاء النفوذ الايراني في سوريا.. وهو ما كاد يحول دون انعقاده اليوم، نتيجة الاعتراضات العربية (والتركية) الشديدة على هذا الاقتراح.
لكن من شأن المؤتمر أن يختبر التحول في الموقف الروسي الذي تدرج من الاحتجاج على أي تدخل خارجي في الوضع السوري الى الاكتفاء بالمراقبة المعطلة لجهود ما كان يسمى بـ«أصدقاء سوريا»، الى الانضمام الى مجموعة إقليمية ودولية يفترض أن تؤسس اليوم في جنيف على أن تكون جاهزة لتحديد أطر العملية الانتقالية في سوريا والإشراف على تنفيذها، عندما يفرغ السوريون من تجربة الحسم العسكري والأمني.
ومثل هذا التحول يعني أن موسكو التي سبق أن أصرّت على إشراك ايران في مؤتمر جنيف توسع المسافة التي تفصلها عن طهران ودمشق، من دون أن يؤدي ذلك الى القطيعة التي تحرمها من مهمة إيجاد المخرج من الأزمة السورية التي أوكلت اليها في الفترة الماضية من دون جدوى.
مرة اخرى، ستعاد الأزمة السورية الى جذورها، وسيبذل المجتمع الدولي جهداً جباراً لإبقائها داخل حدودها المحلية، بما يتيح لمؤتمر جنيف ضبط أي أوهام إقليمية أو دولية حول مستقبل سوريا.
السفير
الأحد
سوريا أمام مصير التدويل
عبيدلي العبيدلي
من بين 5084 زائراً شاركوا في استفتاء للرأي قام به موقع “راديو روسيا اليوم”، الإلكتروني حول قراءتهم لمدلول “تحليقات الطائرات التركية قرب الحدود السورية”، كان هناك 26.26% اعتبروها “مقدمة لعملية عسكرية للناتو في سوريا”، في حين وجد فيها 58.79% أنها تدل على “استفزازات لجرّ سوريا إلى مواجهة عسكرية “، بينما رأت فئة أُخرى بلغت حصتها 8.81% أنها “مجرد مناورات اعتيادية”، ووجدت نسبة ضئيلة بلغت 6.14% أنها “أخطاء من جانب الطيارين”. الغالبية العظمى “حوالي 85%”، إذاً، ترجح الصدام العسكري، بين النظام وقوى خارجية. أغفل ذلك المسح احتمالين آخرين ليسا بعيدين عن الخيارات الأربعة التي أوردهما: الأول هو احتمال إرسال قوات دولية بإشراف الأمم المتحدة، مسنودة بقوات من الدول العربية تحت إمرة جامعة الدول العربية، تحت مبرر التدخل من أجل إعادة السلام إلى ربوع سوريا، والثاني تدخل إيراني سافر لحماية النظام السوري الذي لايزال يتمتع بالشرعية الدولية. أول عامل يدفعنا لإضافة هذين الاحتمالين، هو تلك الأحداث التي رافقت تحليق تلك الطائرات وإسقاط واحدة منها على يد القوات المسلحة السورية، وهو الأهم من بينها، كانت دعوة “الوسيط الدولي كوفي عنان في بيان إلى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في جنيف للتباحث حول المسألة السورية والاتفاق على مبادئ (الانتقال السياسي بقيادة سوريا)، وتشارك فيه الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وروسيا”. الملفت للنظر هنا، أنه بينما تم توجيه الدعوة -إضافة إلى الدول التي جئنا على ذكرها- إلى قطر والعراق وتركيا، استثنيت منها كل من إيران والسعودية. فليس هناك ما يشرح تلك الدعوة، وذاك الاستبعاد، سوى حرص المشاركين في ذلك الاجتماع على أن يكون جدول أعماله محصوراً في الشأن السوري المباشر، دون التفرع ومناقشة قضايا أخرى، مصدرها خلافات إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وجدت في الساحة السورية مكاناً لتصفية حساباتها الخاصة بها. إذا ما عُقد ذلك الاجتماع، وهو أمر متوقع، فإن نتائجه -سواء نجحت مساعيه أم فشلت- تقود إلى تدويل القضية السورية. ففي حالة النجاح، وموافقة الأطراف كافة على الحلول التي سيتبناها، ليست هناك من قوة محلية أو دولية منفردة، قادرة على نقل قراراته إلى حيز التنفيذ. حينها لن يجد المجتمعون أمامهم من خيار آخر سوى التدويل، إما بشكل مباشر، باشتراك مجموعة من الدول، بغض النظر عن موافقة سوريا عليها أو رفضها لها، وإما بشكل غير مباشر من خلال مظلة الأمم المتحدة. في الحالتين ستكون المحصلة تدويل القضية السورية، وفي حال الفشل، لن تتردد دول “الناتو” من الإقدام على خطوة مشابهة لما قامت به في ليبيا. فالطائرات التي حلقت لم تعد مجرد تركية، بل جلبت وراءها حلف “الناتو”، الذي اجتمع، لمناقشة الحادث، وخرج بمجموعة من القرارات السريّة التي لم يكشف النقاب عنها بعد، لكنها لن تخرج عن إطار السيناريو الليبي، بعد إضافة ما يلزمه من تحسينات تتلاءم والأوضاع السورية، التي في مقدمتها، متاخمتها لإسرائيل، وعلاقاتها الوثيقة بإيران. ذلك يقود إلى احتمال تدخل “الناتو”، لحسم الأمور في سوريا لصالح المعسكر المناهض للحلف السوري – الإيراني. يعزز من ترشيحنا لهذا الاحتمال، دعوة دولة صغيرة مثل قطر لاجتماع جنيف، واستبعاد دولتين، مهمتين على المستوى الإقليمي هما إيران والسعودية، من قائمة المدعوّين. الخيار الثاني وهو التدخل العسكري الإيراني، المعلن أو غير المباشر، والمطلوب هنا رؤية الوضع السوري من زاوية الاحتمالات المتوقعة المبنية على الحقائق القائمة على الأرض، لا التمنيات العاطفية المملوءة بها القلوب. فاختراق الطائرات التركية للأجواء السورية، واعتراف تركيا، بغض النظر عن التبريرات اللوجستية والفنية، بذلك، يشير إلى أن في ذلك تحذيراً لإيران أكثر منه اختباراً للقوة السورية التي أنهكتها اليوم المعارك الداخلية، التي من الطبيعي أنها “إيران” لن تقف مكتوفة الأيدي بانتظار ضربة مباشرة موجعة لها في عقر دارها. حينها لن تتردد إسرائيل في الإقدام على ضربة وقائية، الأمر الذي يفتح المنطقة، وليس سوريا فحسب أمام مشروع تدويل خطير. إذاً في الحالتين، سواء كان المقصود إزاحة نظام حافظ الأسد فقط، أو إضعاف الحلف الإقليمي غير المعلن الذي يشكل هو إحدى ركائزه في المنطقة، ستكون المحصلة النهائية تدويل القضية السورية، بعد تهدئة جبهاتها العسكرية الداخلية، التي أنهكت قوى المتصارعين فيها معارك ضارية مستمرة لما يزيد على النصف عام، لكنها غير قادرة على حسم الصراع لصالح طرف على طرف آخر. ما يدعو الدول الغربية، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، إلى تدويل القضية السورية ثلاثة عوامل رئيسة هي: 1. فشل القوى المناهضة للنظام، بأجنحتها السياسية والعسكرية المختلفة من حسم الصراع لصالحها مجتمعة أو لصالح طرف واحد فيها، وعدم بروز أي منها من بين صفوفها، كما حصل في ليبيا، ينادي بضرورة الاستعانة بالقوى الخارجية. هذا الفشل، وعدم البروز، يعود إلى تعقيدات الساحة السورية أولاً، وغياب قوة قائدة قادرة على أخذ زمام المبادرة، وتقدم الصفوف وفرض برنامجها للخلاص الوطني ثانياً، وتضارب مصالح القوى الإقليمية، وفي مقدمتها: إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل بشكل حاد ثالثاً. 2. نتائج انتخابات الرئاسة المصرية، ووصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، فبغض النظر عن العلاقات التي ستنشأ بين الإخوان والمجلس العسكري على المستوى الداخلي، والإخوان والغرب على المستوى الخارجي، يبقى وصول الإخوان إلى السلطة في دولة ذات ثقل استراتيجي في الشرق الأوسط مثل مصر، يدفع الغرب إلى أخذ الحيطة، ووضع صمامات الأمان كي لا تتكرر التجربة المصرية، بنسخة سورية في دمشق. فليس هناك من لا يدرك أن الإخوان المسلمين في سوريا أيضاً، بخلاف الجهاز العسكري، هم الأكثر تنظيماً، والأشد حضوراً في ساحة الصراع السورية، ومن ثم، فهناك تخوف لابد من أن يستبقه الغرب، للحيلولة دون سقوط النظام السوري ثمرة ناضجة في أحضان الإخوان المسلمين. 3. نجاح إيران في كسر طوق الحصار الذي حاول الغرب أن يفرضه على النظام هناك، ليس من أجل إسقاطه، بقدر ما كان الهدف منه إضعافه، أدى ذلك إلى تحرك إيراني نجح في تشكيل جبهة عالمية تخفف من ضغوطات ذلك الحصار، وتفسح أمام طهران مجالاً كي تمارس دوراً، وإن كان محدوداً في رسم معالم خارطة الشرق الأوسط الجديد. وليست هناك من خطوة قادرة على تقزيم هذا الدور، من حرمان طهران من أهم نظام حليف لها في المنطقة وهو النظام السوري. أمام هذه الصورة لن تجد طهران وسيلة للدفاع، أفضل من البدء في الهجوم، الأمر الذي يعرّض منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد الخليج العربي، إلى اضطرابات ربما يقود البعض منها لحسم الصراع لصالح الطرف الإيراني، وهو أمر لا تستطيع الأطراف العالمية، بما فيها روسيا أن تقبل به، لكنها لا تستطيع أن تمنع دول “الناتو” من السير في طريق تدويل القضية السورية، درءاً لهذا الاحتمال. إذاً، كل الطرق السالكة تقود إلى تدويل القضية السورية، وهو مصير يشكل بادرة خطيرة ليس على الأوضاع الراهنة في سوريا فحسب، وإنما على معالم خارطة الشرق الأوسط السياسية في المستقبل المنظور
الوطن البحرينية
الأحد
لا نجاح والأسد في سوريا
طارق الحميد
جميل ما قيل في جنيف من قبل معظم القوى الدولية ذات الموقف الحاسم تجاه جرائم بشار الأسد، وحتى ما قاله السيد كوفي أنان، لكن رغم كل ذلك فلا يمكن توقع نجاح أي خطة تجاه الثورة السورية، وبما فيها مؤتمر جنيف، ما دام الأسد نفسه موجودا على الأراضي السورية، وليس في السلطة وحسب.
فحتى لو تجاوبت موسكو مع الضغوط الدولية، وقبلت بتشكيل حكومة وحدة وطنية من دون الأسد، خصوصا أن التصريحات الصادرة من بعض وزراء الخارجية الغربيين، ومنهم وزير الخارجية البريطانية، واضحة وصريحة، وحاسمة، تجاه الأسد؛ حيث يطالب ويليام هيغ بضرورة صدور عقوبات دولية من قبل مجلس الأمن تجاه نظام الأسد، وتحت الفصل السابع. نقول حتى لو تم الاتفاق على ذلك فلا أمل في النجاح ما دام طاغية دمشق لا يزال يقيم على الأراضي السورية، فالأسد يجيد تماما التلاعب بأي اتفاق كان، وتفريغه من مضمونه، فقد فعلها في العراق، وبالطبع في لبنان، والأهم من كل ذلك التسويف والمماطلة، والأكاذيب التي يقوم بها كل يوم في سوريا، منذ انطلاق الثورة.
فمنذ عام ونصف العام تقريبا، عمر الثورة السورية، لم يقدم نظام الطاغية جنديا واحدا، ناهيك من ضابط أو مسؤول، للمحاكمة تجاه ما اقترف من جرائم بحق السوريين، ولم يفِ بوعد واحد من وعوده الإصلاحية، بل إن جميع ما فعله كان تمثيليات خادعة تصب في تكريس نظام حكمه، والتنكيل بالسوريين. وبالطبع فقد قام الأسد بتفريغ مبادرة السيد أنان الأولى من كل محتواها، ولم يلتزم ببند واحد من بنودها، مثل ما فعل مع المبادرات العربية في ذات الشأن، فكيف يمكن تصديق أنه سيسمح لحكومة وحدة وطنية أن تتشكل في سوريا يستبعد هو منها، حتى لو اتفق المجتمع الدولي، وحظي الاتفاق بموافقة موسكو؟ فهل نعتقد أن الأسد سيكون علي عبد الله صالح آخر؟ أمر مشكوك فيه تماما.
ولذا، فإن أي اتفاق لا ينص على الخروج الفوري للأسد من سوريا، وقبل تشكيل حكومة وحدة وطنية أو خلافه، فإنه أمر مشكوك فيه تماما لأنه لا يمكن تخيل أن طاغية دمشق سيكون متعاونا، إلا في حال علم الأسد يقينا أنه في حال فشلت عملية خروجه فإن التدخل العسكري الخارجي سيكون هو الخيار القادم؛ وهذه أيضا مشكوك فيها؛ لأن الواضح أن الأسد رجل منفصل عن الواقع، ناهيك بمنسوب الغرور الطاغي في إدارته للأمور.
ومن هنا فإن ما يجب على الجميع التنبه إليه الآن هو واقع الأمور على الأرض في سوريا، فالواضح أن قوات الطاغية بدأت تشعر بازدياد قوة الجيش السوري الحر. وعليه، فلا بد من مواصلة دعم الثوار السوريين، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى انهيار قوات الطاغية، ناهيك بأنه يرخص الثمن الذي تطلبه موسكو في سوريا، سواء سياسيا، أو اقتصاديا، يوما بعد آخر. أما التفكير في أن الأسد سيدع حكومة وحدة وطنية تتشكل أمام عينيه وهو في سوريا، فهذا أمر يصعب تصديقه، وسيكون مفاجأة لو تحقق!
الشرق الأوسط