مقالات لكتاب سوريين تناولت المجزرة التي ارتكبت في حق مجلة “شارلي إيبدو”
جريمة باريس والـ”لكن” البليغة/ صبحي حديدي
تعليقاً على المجزرة الإرهابية البشعة التي استهدفت صحافيي “شارلي إيبدو”، في باريس، الأسبوع الماضي؛ كتب المخرج السينمائي الفرنسي لوك بيسون رسالة مفتوحة إلى شباب فرنسا المسلمين؛ أخال، شخصياً، أنّ طرازَين من المعلّقين العرب لن يرغبوا في كتابة مثلها، أو بالأحرى: لن يتجاسروا على ذلك، حتى إذا رغبوا.
الطراز الأوّل هو ذاك المعلّق الذي أدمن، وأتقن جيداً، الإمساك بالعصا من منتصفها؛ فقرأنا له آراء سطحية مسطحة، معلّبة أو تكاد، حول التفريق بين حرّية التعبير والإساءة إلى الرسول الكريم، وبين الإسلام السمح والإرهاب الدخيل على الدين؛ ثمّ المقارنة، بالطبع، بين جرأة الإعلام الغربي على النيل من المقدسات الإسلامية، وجبن الإعلام ذاته إزاء المقدسات اليهودية. وهذا معلّق سوف يدين مجزرة باريس، لا ريب، بل قد يذرف الدموع مدرارة على الضحايا “الزملاء”؛ ثمّ يتباكى، بمقادير أكبر غالباً، على انتهاك حرمة الرموز الروحية. لكنك لن تفلح في العثور، عنده، على مفردة واحدة يمكن أن تثير غضب فقهاء التشدد، أو تستفزّ أئمة التكفير؛ حتى من زاوية الإتيان على كلمة حقّ يُراد لها الباطل (كأنْ يقول، مثلاً، إنّ الرسول الكريم براء من هؤلاء “المدافعين” عنه؛ أو يعلن أنه لا يستسيغ الرسومات الكاريكاتورية، ويجدها سخيفة وجاهلة وتنميطية واستفزازية، لكنه يحفظ للرسام حقه في التعبير، حتى ضمن هوامش الزلل والخطل).
الطراز الثاني هو ذاك المعلّق الذي يأنس في نفسه شحنات ليبرالية عارمة، جارفة وكاسحة وماحقة، لا تدفعه إلى إدانة جريمة باريس دون قيد أو شرط، كما فعل الكثيرون سواه في الواقع؛ أو إلصاق لافتة “أنا شارلي” على صدره بفخار مشبوب، أسوة بملايين الآخرين أيضاً، فحسب؛ بل تخوّله، ذاتياً، ترخيصاً بتأثيم أية إدانة للجريمة يمكن أن تسعى إلى البحث في جذورها التربوية، ودوافعها العقائدية، أو تقترن بـ”.. ولكن”، لأنّ هذه الـ”لكن” تعني التواطؤ مع الإرهاب، وتبريره، وتشجيعه! الطريف، والمضحك قبل أن يكون مأساوياً، هو أنك ستجد في تعليقه الدموع المدرارة ذاتها، على قداسة حرّية التعبير، وتخلّف العقل العربي القاصر عن إدراك هذا الحقّ، والفارق بين مقدسات قابلة للنقد وأخرى ليست كذلك لأسباب قانونية (!). ولكنك، كما كانت عليه حالك مع النموذج الأوّل، عاجز عن العثور في مرافعاته على مفردة واحدة يمكن أن تغضب فقهاء الليبرالية، أو تستفزّ أئمة جلد الذات؛ حتى ـ هنا ايضاً، وفي المقابل ـ من زاوية حقّ يُراد به الباطل (كأن يغوص، قليلاً، في جذور الإرهاب التي ليست ظاهرة على السطح، بل ضاربة في الأعماق؛ أو أن يتبصر في سياقات اجتماعية صرفة، وليست دينية خالصة، تكمن في خلفية الجريمة).
والحال أنّ بيسون بدأ من هذا الاعتبار تحديداً، وليس من أيّ معطى جاهز مسبق الصنع، يختزل الإرهاب في قوالب ومقولات وأنماط، ولا يقبل بأيّ “.. لكن” تعقب الإدانة. “لنبدأ من البداية. ما المجتمع الذي نعرضه عليك”، يتساءل بيسون، في السطور الأولى من رسالته، مطلقاً صفة “أخي” على المسلم الفرنسي الشاب. فرنسا، يتابع الرجل، مجتمع قائم على المال، والربح، والتمييز والعنصرية. في بعض الضواحي، تبلغ نسبة البطالة 50% لمّن هم تحت سنّ العشرين. أنت مهمّش بسبب من لون بشرتك أو اسمك الأوّل. تُفتّش 10 مرّات في اليوم، وتعيش في مساكن مزدحمة، ولا أحد يمثّلك. مَن في وسعه العيش في ظروف كهذه؟” يسأل بيسون.
ذلك جذر أوّل، إذاً، بل هو مفردة “.. لكن” أولى لا غنى عنها؛ كي يمتلك بيسون الحقّ في الذهاب أبعد، وأعمق، لجهة نبش الجذور الأخرى للإرهاب: الكلاشنيكوف يكلّف 250 يورو، وأمّا القلم فلا يكلّف أكثر من 2 يورو، فلماذا لا تقبض على مصيرك بالقلم بدلاً من البندقية، خاصة وأنّ الديمقراطية تمنحك أدوات نبيلة لصياغة أقدارك، أنت الذي تعلم أنّ الإرهاب منهزم حتماً في نهاية المطاف؟ لماذا تسمح لوعّاظ، يتاجرون بدينك، أن يمارسوا عليك السلطة بدل أن تقبض على السلطة بنفسك ولنفسك؟ وتذكّر أنّ القاتلَين “ليسا في أسوأ الأحوال سوى فردين ضعيفَيْ العقل، أهملهما المجتمع واستغلهما واعظ باع لهما الخلود”…
هي، إذاً، “لكن” بليغة ونزيهة وبنّاءة؛ لعلّ شبّان العالم العربي بحاجة ماسة إليها، من معلّقين عرب يمكن أن يقتدوا بهذا الفرنسي الشجاع.
موقع 24
عودة “الحشود”/ نارت عبدالكريم
ثمة أمرٌ غامضٌ ومبهم، بغض النظر عن الحدث الجلل الذي أصاب الشعب الفرنسي بسبب جريمة الإرهاب المُدانة، سببه ظهور تلك الحشود الكبيرة، في باريس بالتحديد، السائرة خلف قادتها من السياسيين.
وكان قد سبقها خروج تظاهرات في ألمانيا رداً على الاحتجاجات التي شهدها بعض شوارع المدن الألمانية مناهضة للمسلمين ومنددة بأسلمة المجتمع الألماني الذي يشكل فيها المسلمون ما تقل نسبته عن 10 في المئة من عدد السكان الإجمالي. وقد حمل هؤلاء المتظاهرون ضد العنصرية لافتة جاء فيها «الخوف يأكل الروح».
وبمناسبة الحديث عن الخوف والإرهاب والإسلام لا بدَّ من التذكير بأنَّ الولايات المتحدة شنتْ حرباً عسكرية على أفغانستان، في نهاية 2001، بهدف القضاء على تنظيم «القاعدة» وأتبعتْ ذلك بشن حملة عسكرية كبيرة بمشاركة حلفائها للقضاء على «القاعدة» في العراق، مع بداية عام 2003، استمرتْ حتى 2011 الذي شهد انسحاب آخر جندي أميركي من ذلك البلد العربي. وكانت المحصلة بعد كل تلك الحروب انتشار «القاعدة» من أفغانستان إلى العراق، ومن ثم إلى سورية واليمن وظهور أذرع وفروع لها في بلدان أخرى.
تُرى ما الذي فعلته الولايات المتحدة عند النظر إليه من زاوية النتائج وليس الشعارات، هل هو القضاء على «القاعدة» أم المساعدة على انتشارها؟
تلك النتائج دفعت مايكل بايرز، أستاذ السياسة الدولية والقانون الدولي في جامعة بريتش كولومبيا، للقول: «قد يتسببُ الإرهاب في إحداث الكثير من الدمار والاضطرابات، ولكن الجهود التي تُبذل للقضاء عليه قد تكون أيضاً ستاراً دخانياً يُخفي السعي نحو أهدافٍ أخرى».
تلك الأهداف، أو ما يُشبهها، يدفعني إلى الارتياب عندما أرى تلك «الحشود» التي ظهرت في شوارع باريس وساحاتها وهي تسير وراء حُكامِها وساستها، وكأنّني أتذكر نظام الأسد عندما كان يلوح دائماً بخطر إسرائيل ليعمل على إدخال الشعب كله في حظيرته.
الحياة
سؤال شارلي إيبدو.. سورياً/ علي العائد
تضامن العالم الحر كله مع ضحايا الجريمة التي تعرضت لها أسبوعية شارلي إيبدو الفرنسية. كما تضامن العالم العربي في معظمه مع ضحايا الجريمة، ومع الحرية المهدرة، والأرواح التي اغتالها الإرهابيون الذين يعرفون تماماً ما يفعلون.
ليس مهماً هنا التضامن الرسمي للدول والحكومات مع الحكومة الفرنسية، فهذا يجري ضمن البروتوكول في الأعراف الديبلوماسية، ومن باب تأدية الواجب بالمعنى البسيط للكلمة. المهم هو تضامن الأفراد في فرنسا، وفي العالم، مع الشعب الفرنسي، وهو تضامن مجهولين مع مجهولين من أجل قيم الحرية المعلومة تماماً، خاصة لمن فقدها، أو لم يجد سبيلاً إليها في العالم العربي الذي يتضامن حكامه مع كل حريات الشعوب وينسون شعوبهم.
ليست الحادثة فردية، أو غير مسبوقة. وليست آخر حادثة من هذا النوع، وإن كنا نتمنى ذلك.
اغتال ثلاثة متطرفين اثنا عشر صحافياً، وأصاب رصاصهم عشرين شخصاً آخر، فاشتعلت الحرب الكامنة تحت الرماد ضد الإسلام. صحيح أن السياسيين في فرنسا، وعدد من الحكومات الأوروبية، حرصوا على تكرار عبارات تؤكد أن هؤلاء الإرهابيين لا يمثلون الإسلام، ولا المسلمين، لكن اليمين المتطرف وجد فرصته ليطلق عباراته العنصرية ضد كل ما هو غير أوروبي. بل إن النازيين استيقظوا في غير مكان في أوروبا ليوجهوا الاتهامات، مرة بكلام معاد لـ”الأغراب”، ومرة بالاعتداء على الأشخاص، وعلى المحلات والممتلكات.
حدث ذلك في ألمانيا، كما حدث ويحدث في السويد حتى ما قبل جريمة شارلي إيبدو (شهد عام 2014 إحراق 12 مسجداً في السويد).
مليونية باريس الرسمية والشعبية، الأحد، ضمت 3.7 مليون شخص، وكانت في جانب منها كرنفالاً للسياسيين، وفي جانب آخر تجمع للخائفين الذين عليهم إثبات “آدميتهم” أمام المشككين في ولائهم لقيم المجتمع الذي يعيشون فيه.
يهمنا، هنا، ردود أفعال اللاجئين السوريين الجدد في فرنسا. لم أعرف أحداً منهم إلا وتضامن فعلاً وقولاً مع الجريدة، ومع الضحايا.
لا جدال في أحقية موقفهم. ومنهم من رفع أعلام الثورة السورية ليذكر بحق سوريا التي قدمت مئات ألوف الضحايا سعياً إلى الحرية.
ولا يمكن، هنا، أيضاً، المقارنة بين قدرة المجتمع الفرنسي وإعلامه على حشد الرأي العام في هذه القضية، وبين مقدرة الثورة السورية شبه المنعدمة على استنهاض رأي عام عالمي لإنصاف الضحايا، ولكسب معركة تأييد تساعد على تحقيق أهداف الثورة في وجه جلاد سوريا أولاً، وثانياً في وجه قوى الظلام من داعش وأخواتها التي شوهت وجه الثورة التي انطلقت ناصعة، وتلطخ وجهها قبل أن تصل إلى منتهاها.
قوى منظمة ومؤسسات فرنسية استطاعت في ثلاثة أيام أن تلجم إلى حين قوى الظلام، بينما عجزت ثورة قوامها ملايين البشر خلال ما يقرب من أربع سنوات عن تحقيق أي شيء.
ليس هذا كل ما في المسألة، حيث أن السوريين الذين كانوا ناشطين في الثورة، وأخص منهم من لجأوا إلى فرنسا، كاد موقفهم أن يقتصر على إدانة الجريمة، وعلى إعلاء حرية الصحفيين الفرنسيين، دون أدنى إدانة، ولو بالتلميح، للموقف الفرنسي المتراجع من تأييد الثورة السورية، أو إدانة واضحة وصريحة لاغتيال الصحفيين السوريين (قُتل في سوريا 15 صحفياً من بين 66 تم اغتيالهم في العالم كله خلال العام الماضي).
إدانة جريمة شارل إيبدو واجبة، لكن الواجب الكامل كان يقتضي إدانة كل الجرائم المماثلة في العالم، كونها تعرضت لمبدأ حرية التعبير. وكان على الناشطين السوريين، والفلسطينيين السوريين، “استغلال” المناسبة للتذكير بالتضامن مع الصحفيين السوريين، الشهداء، والمعتقلين، والمغيبين.
نعم، هنالك أصوات فردية عبرت عن هذا المضمون. لكننا لم نرَ تجمعاً منظماً ينسق جهود الأفراد في سبيل الضغط على حكومات الدول المضيفة للمطالبة بإطلاق سراح الصحفيين.
على أية حال، هذا شأن العرب جميعاً، ودائماً، جهود فردية كثيرة ومتفرقة تنهزم أمام فئة قليلة منظمة.
هم في قضية فلسطين ضيعوا الفرصة تلو الأخرى للانتصار، عسكرياً، أو سياسياً، أو إعلامياً، وخسروا مرة وراء مرة في أعدل قضية بسبب سوء المحامين عنها.
والسوريون في ثورتهم يكررون الخطأ ذاته، ولعلهم يحولونها إلى قضية سورية، أو ربما “مسألة”.
وحدهم اليهود حولوا “المسألة اليهودية” إلى “قضية”، تولت “الصهيونية” الدعاية والإعلام لها، ومولتها، وضغطت على العالم كله حتى حولت الباطل إلى حق. وقد رأينا في مليونية باريس رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، يتقدم الصف الأول. وإضافة للهدف المعلن له بالتضامن مع فرنسا وحكومتها ضد الجريمة الإرهابية، حرص على تشجيع يهود فرنسا للهجرة إلى إسرائيل، دون أن ننسى أنه كزعيم لكتلة الليكود سيخوض انتخابات قريبة حظوظه فيها قليلة وفق استطلاعات الرأي.
هكذا يستغل الجهد المنظم الفرص لتعويم شخص، أو قضية، مثلما فعل نتنياهو. كذلك فعل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مستغلاً فرصة الظهور تحت أكبر كمية من الأضواء في هذه الفترة التي يخوض فيها الفلسطينيون حرباً ديبلوماسية مع إسرائيل.
أما المهاجرون العرب، عموماً، والسوريون خصوصاً، فكانوا مدفوعين بالخوف أولاً من اتهامهم بعدم التضامن. ومن كان منهم مدرباً على قيم الحرية، وواعياً لما يفعل من حيث المبدأ، فقد فاته أن يبرز نشاطاً منظماً للتذكير بالصحافيين المقتولين والمعتقلين من قبل النظام بشكل رئيس، ومن التنظيمات الظلامية المتكاثرة، واقتصر الأمر على رفع علم الثورة من قبل أفراد متفرقين.
موقع 24
جريمة باريس وسورية/ غسان المفلح
إنها جريمة بشعة بحق الانسانية بكل المعاني والمقاييس والتأويلات.
لا علاقة للاديان بالارهاب، لكن كل دين يمكن ان يستخدم لانتاج الارهاب.
لكثرة ما تعرضنا له نحن السوريون على يد عائلة الاسد، جريمة لم يشهد التاريخ مثلها، صرنا نقرأ اي حدث من زاوية مأساتنا، حيث العالم يتفرج على الجريمة بعيون خبيثة وقلوب سوداء. في الوقت الذي شعبنا السوري مشرد ولاجئينا واطفالهم يرتجفون ويموتون بردا. حدثت جريمة باريس بحق صحفيين مشهود لهم وقوفهم مع الشعب السوري، برسوماتهم وكتاباتهم وتضامناتهم. أليس اطفالنا مسلمين؟ اذا كان من ارتكب الجريمة في باريس بحجة الاسلام والخوف على صورته وصورة نبيه؟ من يقتل اطفال المسلمين اذا؟ اليس الاسد وداعش من يقتل اطفال سورية؟ لماذا كل ارهابيي العالم لهم علاقة من طرف ما بنظام الاسد؟
تابعت وسائل اعلام غربية وعربية علقت على الحدث الجريمة.
يعتقد بعضنا أن اصلاح الاسلام ليتحول إلى اسلام ” علماني” سيقضي على التيارات الجهادية الارهابية. حتى لو تم ذلك لن يقضي عليها، لانها مرتبطة بشبكة الانظمة الفاسدة وسلطاتها السوداء في غياب دولة القانون. لن يقضى على الارهاب إلا اذا اصبح لدى الشعوب المسلمة دولة قانون مثلهم مثل بقية خلق الله. حتى يصبح لديهم دولة قانون يجب ان تنتهي مرحلة السلطات السوداء الفاسدة المغطاة نفطيا واسرائيليا من نظام دولي فاسد.
كما أن هنالك من يناقش الموضوع من ازدواجية المعايير لدى الغرب والمجتمعات هناك، بأن التعرض لرسول المسلمين، بالتصوير والرسومات لايجرؤ هؤلاء للتعرض لليهود وما تفعله اسرائيل بفلسطين مثلا. حتى على فرض كل ذلك صحيح لايغير بالموضوع، إنها جريمة ضد الانسانية والحرية والصحافة. نحن لا يجب ننطلق بمحاكمة أي أمر مما يقوم به الغرب، بل يجب محاكمة الامر اولا انسانيا وفيما بعد، يمكننا الحديث قدر ما نشاء عن تلك الازدواجيات المعيارية.
في سياق الحدث جاءت تصريحات بنامين نتنياهو، حول الارهاب الاسلامي ودعوته يهود فرنسا للعيش في اسرائيل، كمكان آمن اكثر من فرنسا، وردود المسؤولين الفرنسيين عليه. لتطرح أيضا سؤال هل الدين اليهودي دين ارهابي؟ بناء على ما يفعله بحق الفلسطينيين المدنيين؟ رغم أن اسرائيل في كل حروبها، لم تفعل بالعرب ما فعله الاسد بحق شعوب المنطقة السوري اولا والفلسطيني ثانيا.
ما يفعله الغرب مع شعوبنا في وجه من وجوهه جريمة، لكن ايضا لاتبرر ولا تفسر تلك الهمجية التي حدثت في باريس، التي لايمكن ان يقوم بها سوى قتلة محترفين. لأن القتلة قتلوا شرطيين عربيين ومسلمين، وقتلوا احدهما بدم بارد بعد أن اصيب دفاعا عن الصحفيين، وطلب منهما الا يقتلاه.
العملية استهدفت السياسة الخارجية الفرنسية. تصريحات الرئيس الفرنسي حول سورية! واستخدام الاسد للكيماوي. حيث عبر عن ندمه انه لم يضرب الاسد عسكريا. كما اتت في نفس الفترة دور فرنسا في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ثمة أمر آخر صحيح أن الاسلامفوبيا موجودة في الغرب، نتيجة للسياسيات الغربية نفسها، لكن الصحيح ايضا، أن حقوق المواطنين المسلمين محفوظة امام القانون ودولته في دول الغرب. هذه قضية مهما حاولت بعض الاصوات- من اسلاميين واصوات الذين يساندون العسكر والاستبداد في دولهم المسلمة، لأنهم ضد الديمقراطية- التضخيم فيها واللعب عليها، لكنه تبقى راسخة وناصعة. حقوق المواطن المسلم في فرنسا وغيرها من دول الغرب مصانة. في النهاية إنها جريمة بشعة. اذا كانت حقوقك غير مصانة هنا في الغرب، لماذا لا تذهب وتعيش تحت كنف الاسد وغيره من نظم الفساد؟ جماعة داعش والقاعدة من قبلهم، يرتدون الافغاني ولحاهم ممددة لصدورهم ولباسهم الافغاني. يتحركون بحرية في دول الغرب. لماذا اذا يشتمون الحرية؟
يبقى القول أن الحكومات الغربية تدرك، أن مكمن الارهاب هو لدى نظم العسكر والفساد في الشرق الاوسط، وخير مثال الاسدية في سورية وجرائمها، وليس هذا وحسب بل تنسق السياسات الغربية مع هذه النظم وتغطي جرائمها.
ايلاف
الحرب على الإرهاب/ سلامة كيلة
عدنا إلى أجواء الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول سنة 2001، وعادت الحرب على الإرهاب هي التي تحكم الأجندة العالمية. وبدل أميركا صرنا في فرنسا، على الرغم من الفارق الكبير بين حجم العمليتين. وبدل القاعدة صرنا في داعش التي تتخذ الملامح نفسها. لكن، باسم مختلف. ويعود الحديث عن التطرف الإسلامي، والتعصّب النابع من العقيدة نفسها. ومن ثم، يلتمّ زعماء العالم في باريس، لعقد تحالف ضد الإرهاب.
لكن، منذ أشهر والتركيز الإعلامي والسياسي يميل نحو “محاربة الإرهاب”، أي داعش بالتحديد، التي باتت “القوة الثالثة” (أو ربما الرابعة) في العالم. كما أصبح تنظيم القاعدة هو هذه القوة بعد العملية “الخارقة” التي قام بها، والتي سمّاها “غزوة مانهاتن”. لهذا، دعت الإدارة الأميركية، منذ مدة، إلى عقد “تحالف ضد داعش”، وشكلته بمشاركة نحو أربعين دولة، وهي تخوض “حرباً ضروساً” ضده، شملت آلاف الطلعات الجوية، وعشرات آلاف الصواريخ، فقتلت منه ما يقارب الألف عنصر. وفي ظل حربها الجوية هذه، توسّع وتمدّد أكثر ممّا كان، حين بدأت الحرب ضده.
أدين طبعاً كل إرهاب، وكل عملية قتل بسبب المعتقد أو الرأي، وأظن أن الإرهاب ينمو “على هامش” السياسات الإمبريالية، وليس بعيداً عنها. وشرحت ذلك مراراً. كما أشرت إلى أنه ليس فعلاً ذاتياً، على الرغم من أن هناك بيئةً توجِدُ فئات مهيأة ذاتياً لذلك، لكنها تحتاج إلى “محرّك”، و”محرّض”، لكي تستطيع العمل. وحينها، يمكن إيجاد كل المبررات الدينية، واختلاق الفتاوى، أو الارتكاز على تاريخ مشوّه، أو حتى صحيح.
ما يهمّ هو ليس هذا تماماً، فالإرهاب وُجد في كل العصور، واتخذ الأشكال نفسها، وقام على التبريرات نفسها. وكان دائماً مجال استغلال من دول في صراعاتها العالمية. لكن، ما يهم، وما يجب أن نتمعّن فيه، أننا عدنا لتكرار وضع بداية الألفية الجديدة، أي الحرب على الإرهاب، التي كانت تهدف، بالضبط، إلى احتلال أفغانستان والعراق. وأثيرت الضجة حول “الإرهاب الإسلامي” في هذا السياق، لنجد أن تنظيم القاعدة يختفي من أفغانستان بعد احتلالها، و”ينزرع” في العراق بعد احتلاله. فقد قام بـ”مهمته التاريخية” هناك وهنا. ثم مع نهاية العقد الأول، بدا أن الحرب على الإرهاب انتهت، خصوصاً بعد إنجاز الإرهاب “مهمته” في العراق. وأكمل باراك أوباما الأمر بـ”قتل” أسامة بن لادن، لكي يعلن نهاية ظاهرة الإرهاب. بقي التنظيم في اليمن، وظهر في مالي، لكنه لم يعد مجال اهتمام لا الإعلام ولا الساسة.
إذن، لمَ هذه العودة؟
بين نهاية الاهتمام بالإرهاب والعودة إلى الاهتمام به، تقع الثورات التي طالت البلدان العربية. هل يذكر أحد، الآن، أن ثورات قامت، وأن بعضها لا يزال قائماً، وأنها في كل الأحوال مستمرة؟
يأتي طغيان التركيز على الإرهاب على حساب الثورات هذه، حيث بدأت تُعتبر جزءاً من الإرهاب، أليس ما يجري في ليبيا إرهاباً؟ وما يجري في اليمن تمدداً لتنظيم القاعدة؟ وما يجري في سورية هو سيطرة داعش والنصرة وجيش الإسلام؟ والآن، بات الإرهاب عالمياً. إذن، لنتكاتف ضد الإرهاب. هكذا يقول العقل الإمبريالي بالضبط. وهو يقول ذلك لخنق الثورات، وسحقها تحت يافطة محاربة الإرهاب. وهذه اليافطة تهيئ لترتيب العلاقات مع كل النظام القديم في مواجهة الثورة. هذه هي المرحلة الثانية في “الالتفاف” على الثورات، كانت الأولى تتمثل في توافق النظام القديم و”الإخوان المسلمين”، وفشلت، بالضبط لأن الشعب مصمم على الاستمرار إلى أن يحقق مطالبه، التي تقتضي إسقاط النظام، وليس لا الشخص ولا السلطة فقط، بل النظام الاقتصادي السياسي بمجمله.
الآن، بعد الفشل، دخلنا في التفاف آخر، هو “الحرب ضد داعش”. هكذا هو الأمر بالضبط.
العربي الجديد
إعادة انتاج 11 أيلول في شروط الربيع العربي/ بكر صدقي
شكل الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مجلة «شارلي ايبدو» الفرنسية، في السابع من شهر كانون الثاني الجاري، نوعاً من استعادة سيناريو هجمات 11 أيلولسبتمبر 2001 بكل أبعاده وتداعياته. لكن هذا الزلزال الذي استيقظ عليه العالم في صباح اليوم المذكور، وقع في ظل شروط أكثر تعقيداً، على خلفية ما يحدث في منطقتنا المضطربة منذ أربع سنوات. قد يكفي، للربط بين مجزرة 7 كانون الثاني/يناير وتداعيات الربيع العربي، واقعة هروب حياة بومدين ـ إحدى المتورطات في هجمات باريس- إلى سوريا عبر الحدود التركية، بعد أقل من 24 ساعة من وقوع الهجمات الإرهابية.
للمقارنة بين الحدثين، نرى أن المسرح الجغرافي لحدث 11 أيلول/سبتمبر كان يجمع بلدين تفصل بينهما مسافات شاسعة هما أفغانستان والولايات المتحدة، في حين تقلصت هذه المسافة كثيراً في 7 كانون الثاني/يناير إلى تلك المسافة الفاصلة بين ضفاف البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل حوضاً حضارياً واحداً. بكلمات أخرى، أصبح مصنع انتاج الإرهاب وهدفه في مكان واحد، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن قتلة رسامي الكاريكاتير الفرنسيين هم مواطنون فرنسيون، مقابل العائدية السعودية والإماراتية لمنفذي هجمات نيويورك وواشنطن.
غير أن الجنسية الفرنسية لمرتكبي الجريمة البشعة لا يعفي المسلمين من مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية في الإدانة الصريحة لهذه الجريمة الإرهابية التي ارتكبها عدد من القتلة باسم دينهم. لا جدوى من التبرؤ الساذج الذي يجرد هؤلاء القتلة من الإسلام. فالواقع يشير إلى تعدد تأويلات الإسلام، ومنها ما يسمح بارتكاب فظاعات باسمه. المطلوب، إذن، هو أوسع انشقاق عن هذا الإسلام الذي يعاند وقائع العصر وشروطه ويحارب قيمه الإنسانية العامة. فنحن لسنا أمام عدد محدود من الأفراد يمكن بسهولة أن نحجر عليهم ونكافحهم بالوسائل الأمنية والقانونية، بل أصبح لدينا «دولة إسلامية» ممتدة على مساحة جغرافية واسعة بين العراق وسوريا، فضلاً عن امتداداتها في جيوب كثيرة في ليبيا ومصر وغيرهما من البلدان والمناطق. والأهم من ذلك أنه لدينا إيديولوجيا متصلبة قادرة على انتاج منظمات إرهابية كالفطر.
هذا هو الوجه الأول لكارثة 7 كانون الثاني/يناير التي يشكل العداء العنصري للإسلام والمسلمين وجهه الآخر. مشهد القادة السياسيين الذين تصدروا مظاهرة باريس المليونية تنديداً بالإرهاب، يقدم لنا صورة معبرة عن تعقيد الحالة التي نواجهها في حقبة «ما بعد شارلي ايبدو» إذا جاز التعبير. يكفي حضور الإرهابي نتنياهو في هذه المناسبة ليشوش المشهد ويخلط الأوراق ويقدم الذرائع للمترددين في إدانة جريمة باريس. فهذا الحضور يعيد تذكيرنا بالحرب الفاشلة التي أطلقتها إدارة أوباما على تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، في الوقت الذي تغازل فيه مصنع الإرهاب العالمي في طهران وتسكت فيه على جرائم ربيب ولي الفقيه في دمشق.
هذا مختلف كل الاختلاف عن موقف الرأي العام الفرنسي والأوروبي. الرئيس الفرنسي أولاند طلب من نتنياهو عدم الحضور في مظاهرة باريس. الحكومة الفرنسية، وكذا الألمانية، طالبوا صراحةً بعدم الخلط بين الإرهابيين والإسلام، وأدانوا أي ردود فعل عنصرية واقعة أو محتملة ضد مسلمي أوروبا. وهذه حال معظم الرأي العام العاقل، باستثناء اليمين العنصري الذي لا يمكن التغاضي عن حجمه ووزنه المتصاعدين باطراد.
هناك أيضاً من يشكون من ازدواج المعايير بالقول «وهل دم 12 فرنسيا أغلى من دم 300 ألف سوري قضوا بيد النظام الكيماوي المدلل في دمشق؟». هذه محاججة فاسدة.
سكوت بعض المجتمع الدولي عن جرائم النظام الكيماوي لا يرد عليه بالسكوت على جرائم أخرى، وخاصة إذا كان مرتكبوها ينسبون جريمتهم إلى دين الإسلام. أما أن الإعلام والحكومات يمنحون أوزاناً متفاوتة لجرائم مختلفة وفقاً لهوية المرتكب، ويوجهون الرأي العام العالمي وفقاً لمعايير تلائم سياساتهم، فهذه حقيقة نابعة من موازين القوى على الصعيد العالمي التي لا تهتم أبداً بمراعاة حرمة مبدأ العدالة. ونحن نتحمل قسطنا من المسؤولية عن غياب العدالة هذا. فالسلطات المتوحشة التي تحكم بلداننا هي التي أفقدت دمنا قيمته قبل أن تفعل ذلك حكومات الدول القوية. وإرهابيونا الإسلاميون استباحوا دماءنا واسترخصوها بأكثر مما فعلت سياسات دول الغرب.
يشير الكاتب التركي جنكيز تشاندار، بحق، إلى هذه المفارقة ذات الدلالة: يعيش في فرنسا ملايين الجزائريين منذ عقود. وعلى رغم أن الاستعمار الفرنسي للجزائر قتل مليون ونصف المليون من الجزائريين إبان حرب الاستقلال، لم يلجأ الجزائريون إلى عمليات انتقامية. في حين أن الموجة الإسلامية الجهادية اليوم تستهدف أرقى القيم الفرنسية (حرية التعبير) ممثلة في رسامي كاريكاتير مجلة شارلي ايبدو.
بدلاً من مواجهة السياسات الغاشمة لدول غربية بعينها، يستهدف الإرهاب الخارج من مجتمعاتنا وثقافتنا أفضل ما في الحضارة الغربية من قيم. هذه هي المعادلة ببساطة.
٭ كاتب سوري
القدس العربي