مقالات لكتاب عرب تناولت الانتخابات الرئاسية في سورية
عرين الأسد وسقف العالم الجديد!/ محمد صادق الحسيني
جان كيري يطير الى بيروت طالبا من «حلفائه» هناك التزام الهدوء خائفا من تغيير «الستاتيكو» المحلي مطمئنا اياهم بانه سيبذل كل ما في وسعه بالا تكون تداعيات المشهد الانتخابي السوري كبيرة على الواقع اللبناني المباشر لاسيما وهم الذين ظلوا يمنون النفس ويعدون ايام الاسد «المعدودة» على مدى السنوات الثلاث الماضية دون جدوى!
لكنه وفي نفس الوقت يطلب وبشكل لا لبس فيه من روسيا وايران وحزب الله المساعدة في ايجاد حل في سوريا ….!
على المقلب الآخر تخرج علينا مستشارة الامن القومي الامريكي سوزان رايس لتعلن بان واشنطن تفكر جديا في تسليح المعارضة باسلحة فتاكة …!
كلام من خارج زمن الواقع ولا مجال لتنفيذه ويصلح للاستهلاك الداخلي والمؤقت فقط لاغير …!
انه التخبط الامريكي بعينه وتحديدا تخبط الرئيس اوباما والدائرة الضيقة المحيطة به والتي ما انفكت منذ تسلمت دفة «قيادة العالم» تطالب بحلول سياسية لازمات المنطقة كلها وعدم التورط بحروب جديدة ووقف العنف في كل مكان ومع ذلك عندما تريد مقاربة الملف السوري تراها تكابر وتعاند الزمن الذي لم يعد يلعب دورانه لصالحها …!
من جهة اخرى وعلى غير اتفاق مسبق وفي سباق واضح مع تسارع الاحداث الاقليمية والدولية لغير صالحها قررت ادارة اوباما تكليف وندي تشرمان مساعدة وزير الخارجية الامريكي بالتفاوض المباشر مع السيد عباس عراقتشي مساعد وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف وكبير المفاوضين مع مجموعة الخمسة زائد واحد وجها لوجه في يومي التاسع والعاشر من حزيران/يونيو الجاري في جنيف …! الامر الذي دفع القيادة الايرانية لتطلب من وفدها النووي المفاوض ترتيب لقاء آخر سريع هدفه حفظ التوازن في الحركة الديبلوماسية النووية يفترض انه سيكون صريحا ومباشرا ومهما وربما نوعيا ومتحولا بين كبير المفاوضين اياه اي عباس عراقتشي مع نظيره الروسي يومي الحادي عشر والثاني عشر من حزيران/يونيو اي مباشرة بعد الانتهاء من اللقاء مع الامريكيين …!
وتأتي هذه التطورات وان كانت مهمة في حدود الشكل لا اكثر بنظر المتابعين لملف العلاقات الايرانية الامريكية لكنها تصبح مهمة لانها تأتي على خلفية ووقع نتائج الانتخابات الرئاسية السورية وما افرزته من واقع جديد لا يمكن لاحد انكاره …!
فالادارة الامريكية كما يؤكد متابعون مختصون بالشأن الامريكي والدولي ظهرت خلال الايام القليلة الماضية في حيرة من امرها ماذا تفعل بسوريا وهي التي فكرت كثيرا في طريقة لاخراج الاسد من عرينه ولو عبر ايجاد ما كانت تسميه بـ « تكافؤ الفرص الميدانية» لتقوم بالتغيير الذي تراه مناسبا لصالح اجندتها في المنطقة فاذا بها تفاجأ بتكريس غير مسبوق لبيئة غريمها فاق كل التوقعات …!
والفضل في ذلك البتة يعود للادارة السورية الحكيمة والتي ورغم كل الاستفزازات والضغوط والتعبئة الدولية ضدها ظلت ماضية قدما في مخططها الرامي بادارة الازمة بكل عقل بارد مدعومة بالادارة الايرانية الاكثر هدوءا و» برادة « وبحليف مصمم وقوي بما فيه الكفاية اسمه حزب الله قرر ان يقف هو وشريكه الايراني الى جانب الاسد حتى النهاية مشكلين بذلك معادلة سقف دولي حازم في مساندته ودعمه لدمشق قوامه الروس والصينيون.
وهكذا يمكن القول بان الثالث من حزيران/يونيو شكل منعطفا هاما ليس فقط في قواعد الاشتباك الديبلوماسي الاقليمي و الدولي بل ونقطة تحول مهمة في مستقبل ملفات اقليمية ودولية عديدة بما فيها المسألة الاوكرانية ومستقبل الكتلة الاورو آسيوية التي تعد لها كل من موسكو وطهران منذ مدة …
فالانتخابات الرئاسية السورية التي لم يتخيلها الغرب ان تمضي بسلام وتفضي الى ما افضت اليه من نتائج مذهلة اقلها تكريس وجود بيئة حاضنة للرئيس بشار حافظ الاسد جعلت من اي مناوئ له بحاجة الى معجزة ليقوم بالانقلاب عليه او حتى ايجاد تغييرات ولو شكلية في حكومته . واذا كان هذا هو الناتج الاولي للاستحقاق الرئاسي السوري على المستوى المحلي، فان ثمة من يتوقع تداعيات كبيرة له على المستوى الاقليمي ليس اقلها ضمان وتكريس انتخاب رئيس للبنان لا يمكن ان يكون الا الجنرال ميشيل عون وحكومة في العراق لا يمكن ان تكون الا برئاسة المالكي وهو ما لم تشتهه السعودية ولا تتمناه وحاولت ولا تزال منع حصوله دون جدوى …!
اللقاء الروسي السعودي المرتقب لن يأتي بجديد بقدر ما سيكون اعلانا وابلاغا روسيا للرياض كما فعلت واشنطن من قبل بضرورة ابعاد ما بقي من الصقور عن سدة الحكم والتفاعل الايجابي والبناء مع تحولات الاقليم والعالم…
باختصار شديد يمكن القول بان معركة عرين الاسد لم تكن معركة داخلية فحسب وعليه فان ما تكرس في الداخل السوري بشرعية شعبية للرئيس بشار حافظ الاسد سيوازيه تكريس واضح وملموس لتوازن قوى جديد على المستويين الاقليمي والدولي يجعل كفة حزب الله وحلفائه في لبنان هي الاقوى وكل من طهران وموسكو على المستوى العالمي هي الاعلى وهكذا الامر بالنسبة للعراق وسائر الملفات الساخنة الاخرى المختلف عليها بين القوى المتصارعة …
مايفسر تخبط واشنطن صعودا ونزولا هو محاولة ادارة اوباما الجمع بين ارضاء الاكثرية الجمهورية في الكونغرس وملاعبتها في منتصف الطريق لعلها تكسب رهان غلبتها في الانتخابات الفرعية القادمة …. وبين المضي بحزم في سياسة الانسحاب من ميادين الحروب المباشرة في مشرقنا او ما تسميه ادارة اوباما باعادة التموضع الاستراتيجي تمهيدا للانتقال لمواجهة اقتصادية مع كل من الصين وروسيا .
القدس العربي
ما بعد الاسد والسيسي/ ساطع نور الدين
تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا لجمهورية مصر، والتجديد لبشار الاسد ولاية ثالثة، ليسا مجرد إستهزاء بمفهوم الديموقراطية، او فكرة الانتخابات. لعلهما المخاطرة الاكبر والاسوأ بالامن والاستقرار في البلدين منذ الانقلابات العسكرية التي عاشها الوطن العربي والعالم الثالث في اواسط القرن الماضي.
المجال لن يكون مفتوحا للتندر، ولا حتى للمقارنة مع تلك الانقلابات التي كانت في تلك الحقبة تتمتع بشعبية واسعة، سواء في شكلها الناصري او حتى في افقها البعثي. تلك حقيقة لا يمكن انكارها، برغم انها تبدو اليوم مشينة، لانها تسببت بالهزائم والكوارث والمآسي التي تواجهها مصر وسوريا حتى اللحظة. فهي كانت في حينها تعبر بدقة متناهية عن وعي وطني وطموح سياسي متقدم عن المرحلة الاستعمارية التي امتدت مئات السنين.
التاريخ يعيد نفسه مرة اخرى الان، وبشكل لا يدعو الى السخرية: تجري اعادة احياء الاساليب واعادة انتاج الادوات نفسها التي أسفرت عن انحطاط عربي كامل، وفراغ سياسي تام، أفسح المجال للقوى الاسلامية الاكثر تشددا كي تسعى الى سده. لم يكن ظهور جماعات التكفير والهجرة بنسختيها المصرية او السورية، او العربية عامة، نتاج مؤامرة خارجية، او حصيلة صراع بين الشرق والغرب خيض في البداية في افغانستان، ثم ارتد صدفة مع الافغان العرب الى بلدان المنشأ. كانت البيئة السياسية العربية جاهزة لاستيعاب هؤلاء وتحويلهم الى قنابل موقوتة تنفجر اليوم بلا حساب.
الذين سخروا من التجربة ” الانتخابية ” الاخيرة في مصر وسوريا تفادوا حتى الان النقاش حول هوية وطبيعة التنظيمات الاسلامية المتشددة التي ستنشأ في المجتمعين المصري والسوري، من الان فصاعدا. أنهت تلك التجربة، وربما الى الابد ، ظاهرة الاعتدال الاسلامي التي لطالما كانت موجودة في العالم العربي لكنها إستمدت زخمها الفكري والسياسي في العقد الاخير من النموذج التركي المتميز في اعتداله وفي نجاحه الجاذب..وكشفت ايضا ان الغرب او الشرق الذي كان يستخدم في معاركه الماضية بعض الادوات الاسلامية، قبل ان يشتبك معها، قرر الاستغناء عن خدماتها والتخلي عن قتالها المباشر، وتمكن من توجيه برامجها نحو بيئاتها الاصلية التي تسجل الان عمليات انتحارية اكثر من اي وقت مضى في التاريخ الاسلامي، بل الانساني.
الشبكات والخلايا الاسلامية العاملة حاليا في كل من سوريا ومصر، ليست نهاية المطاف، ولا هي ذروة “المشروع” الاسلامي الصاعد. في الافق ما هو اخطر بكثير من داعش والنصرة وجند الاسلام وانصار بيت المقدس وغيرها.. وهذه الحالة تكسب من المهزلة الانتخابية الاخيرة شرعية شعبية اضافية تعزز مصداقية شعاره الرئيسي النافي للديموقراطية باعتبارها هرطقة، وللجمهورية بوصفها كفراً.. وتوسع حربها التي انطلقت بتكليف إلهي ولا تزال، مع المؤسسات الوحيدة الصامدة فقط لانها تركة الاستعمار ووريثته، اي الجيش والاجهزة الامنية التي تمثل الان العنوان الجوهري الاخير للدولة والمجتمع في البلدين، بل في العالم العربي كله.
هي معركة قدرية، لا مجال فيها للتسوية او التخاذل او الاستسلام. صحيح ان التاريخ ينبىء بهوية المنتصر. لكن حجمها ومداها الراهن يتخطيان توصيفها التقليدي كمواجهة امنية بين سلطة وبين مجموعات وخلايا صغيرة متطرفة. ثمة ما يفيد بانها حرب حقيقية. ثمنها الباهظ حتى الان بات يثير الشك في ان النصر سيكون هذه المرة حليف الجهة التي سبق ان حققته في معارك عديدة سابقة، لا سيما وان تلك المجموعات تقدم نفسها الان كبديل سياسي واجتماعي، لا كبديل أمني فقط.. وهي ترسخ وجودها العلني في سوريا، كما تسترد خيارها السري في مصر، وتعلن عن نفسها كجيش موازٍ في العراق وليبيا وسواهما.
الحرب في بدايتها بين سلطات تنتمي الى حقبة تاريخية بعيدة وتعتمد اساليب حربية قديمة، وبين تنظيمات تنتمي الى حقبة تاريخية ابعد، وتعتمد على اساليب قتالية أقسى وأعنف. هما يحطمان بعضهما البعض، ويتعهدان باستئصال بعضهما البعض. لذلك ترتفع الكلفة البشرية، والسياسية، ويتحول تنصيب السيسي وتفويض الاسد الى إيذانٍ بطور جديد من تلك الحرب.
المدن
هواجس أمريكا الثلاثة بعد الانتخابات السورية/ د. عصام نعمان
اعتبر الرئيس بشار الاسد ان نسبة المشاركة العالية في الانتخابات الرئاسية «تشكّل رسالة قوية للغرب وللدول المتورطة بالحرب على سوريا».
حليفتا سوريا، روسيا وايران، امتدحتا شفافيتها وشرعيتها. المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكافيتش قال: «نعتبر التصويت حدثا مهما بشأن استمرار عمل مؤسسات الدولة، عملا بدستور البلد ذي السيادة. لا يمكن تجاهل رأي ملايين السوريين الذين توجهوا الى صناديق الاقتراع، على الرغم من التهديد الارهابي، واختاروا مستقبل البلاد».
وزارة الخارجية الايرانية رحّبت بالطابع التعددي للانتخابات واحترامها المبادئ الديمقراطية. اكدت «ان ايران ترى في هذه الانتخابات اشارة الى عصر افضل من الاستقرار والوحدة الوطنية في سوريا».
في المقابل، رفض «الائتلاف الوطني» السوري المعارض في الخارج الانتخابات، معتبرا انها «انتخابات الدم.. والشعب مستمر في ثورته». وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ قال: «هذه الانتخابات ليس لها علاقة بالديمقراطية الحقيقية». وزير الخارجية الامريكي جون كيري وصف الانتخابات بانها «صفر من دون معنى».
هل هي فعلا من دون معنى؟
كلا، بل مترعة بالمعاني والتداعيات، ابرزها في المرحلة الراهنة ثلاثة:
تبدّى اول تداعيات الانتخابات السورية في مسارعة كيري الى قطع مشاركته في جولة رئيسه باراك اوباما الاوروبية التي بدأت في فرنسا، حيث جرى الاحتفال بالذكرى السبعين للانزال الذي نفذه الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، طائرا الى بيروت ليلتقي رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
في ختام زيارته الخاطفة التي دامت اربع ساعات، صدر عن كيري، لاول مرة، موقف لافت يفيد الاعتراف بحزب الله قوةً اقليمية فاعلة. فقد دعا خلال مؤتمر صحافي في السراي الحكومية، كلا من روسيا وايران وحزب الله الى «العمل معا لوضع حدٍّ للحرب في سوريا». اللافت في اشارته الى حزب الله ليس الاعتراف به فحسب، بل عدم توصيفه بتنظيم «ارهابي»، كما يفعل المسـؤولون الامريكيون دائما، وموازاته ايضا بايران وروسيا من حيث التأثير في مجريات الازمـة السورية، ثم ان دعوة كيري الموجهة الى حلفاء سوريا الثلاثة من بيروت غداة الانتخابات الرئاسية السورية تدلّ على وجود هاجس لديه من تداعيات نتيجتها على دول الجوار، ولاسيما لبنان والاردن، فهرع الى بيروت ليحتويها ويؤكد دعمه لحكومة تمام سلام التي باتت، بعد خلو سدة الرئاسة، السلطة التي تتولى وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية.
الى ذلك، تكشّفت زيارة كيري الخاطفة لبيروت عن هاجس اخر يتصل بنتيجة الانتخابات السورية. فقد اوحى في محادثاته مع المسؤولين، كما في مؤتمره الصحافي، بوجود مخاوف لدى واشنطن من ان يؤدي شعور الاسد بالانتصار الى مضاعفة نفوذ حلفائه في لبنان، وبالتالي الى تزايد نفوذ دمشق على نحوٍ يؤدي تاليا الى اضعاف حلفاء الولايات المتحدة المحليين. فوق ذلك، تخَوّف كيري من التأثيرات السلبية لشغور سدة الرئاسة على استجابة الجيش وقوى الامن اللبنانية لأي طارئ في غياب رئيس للدولة.
غير ان هاجس كيري الاكبر هو حساسيته ازاء مئات الاف النازحين السوريين والانعكاسات الاقتصادية والامنية لوجودهم في لبنان والمنطقة. فقد ناهز تعداد هؤلاء النازحين في لبنان المليون ونصف المليون، اي ما يساوي ربع عدد السكان اللبنانيين، وهم ما زالوا يتدفقون. واذ شاطر كيري المسؤولين اللبنانيين مخاوفهم من عدم قدرة البلاد اقتصاديا على تحمّل اعباء هذه الكتلة البشرية المتعاظمة، وقدّم لهم دعما ماليا بقيمة 51 مليون دولار، فانه لم يتوانَ عن ابداء مخاوف اكبر من ان يتحوّل عشرات الاف السوريين النازحين الى لبنان قوة امنية بيد دمشق تحركها في الداخل لخدمة سياستها وسياسة حلفائها المحليين.
تخوّف كيري من الانعكاسات السلبية لمئات الاف النازحين السوريين في دول الجوار لا يقتصر على لبنان وعلى النواحي الاقتصادية والامنية فحسب، بل يطال ايضا النواحي الديموغرافية والسياسية. فهو لم يكتم خشيته من انعكاسات هذه الظاهرة على الاردن، وقبله على لبنان، ما يؤدي الى الاخلال بتركيبتهما الاجتماعية والسياسية. وقد تساءل بعض المسؤولين اللبنانيين ممن استمع الى ملاحظاته في هذا الشأن، عمّا اذا كانت هواجسه المتزايدة ستدفع واشنطن الى اعادة النظر بسياستها تجاه سوريا لوضع حدٍّ للحرب العبثية الدائرة فيها منذ اكثر من ثلاث سنوات، بغية تدارك مفاعيلها وانعكاساتها السلبية على الدول المجاورة.
غير ان الهاجس الثالث الاقوى والاكثر مدعاة لقلق رؤساء الدول في امريكا واوروبا (وروسيا ايضا) هو «الجهاديون» والتنظيمات الارهابية في العالم، ولاسيما في سوريا والعراق واليمن وسيناء المصرية وليبيا. صحيح ان حكومات دول الحلف الاطلسي لا تعترض على ولا تكترث بما يرتكبه الارهابيون وتنظيماتهم ضد حكومات الدول الآنفة الذكر وشعوبها، لكنها بدأت تقلق مما يقومون به ضد حلفائها المحليين المعارضين في تلك الدول التي تعاني حروبا واضطرابات امنيـة منذ سنوات. غير ان قلقها الاكبر بات من الاثار المترتبة على عودة المئات من مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الارهابية في تلك الدول المضطربة، ولاسيما سوريا والعراق وليبيا، الى بلدانهم الام. بعض مسؤولي اجهزة الاستخبارات الاوروبية بات يخشى من ان يشكّل «الجهاديون» الاوروبيون العائدون مجموعات منظمة متصلة بتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) للقيام بعمليات ارهابية مباشرة في دول اوروبا.
تقدّر اجهزة الاستخبارات عدد «الجهاديين» الاوروبيين بنحو 3000، تقول انهم يتوجّهون غالبا الى سوريا والعراق عبر تركيا بدعوى السياحة او بدعوى الانخراط في العمل الاجتماعي الانساني. وينسب الصحافي موسى عاصي الى استاذ العلوم السياسية في باريس بيار فيليو، الذي اقام في سوريا فترات متقطعة منذ 2011 قوله، ان تنظيم «الجهاديين» الاوروبيين يحارب تحت راية «داعش»، وان الخوف الاوروبي اليوم هو من ان يكون زعيمه ابو بكر البغدادي الذي بدأ فعلا بمزاحمة «القاعدة» على الساحة الدولية، في حاجة الى عمل ارهابي ضخم يفوق بتداعياته جميع عمليات «القاعدة» واخرها تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر/ايلول 2001، من اجل ترسيخ «داعش» كقوة «جهادية» دولية اولى.
الخوف من «الجهاديين» وتنظيماتهم الارهابية لا يقتصر على دول الحلف الاطلسي، بل يمتد ايضا الى روسيا. فقد حذّر بوتين في مقابلة مع قناة «تي افت1» الفرنسية من ان العناصر المتشددة الموجودة في سوريا ستشكل خطرا على اوروبا في المستقبل، متخوّفا من ان تتحول سوريا الى افغانستان اخرى».
ترى، هل يقرّب الخوف من «الجهاديين» بين امريكا واوروبا من جهة وروسيا من جهة اخرى، فتجد الازمة السورية حلا سياسيا سلميا لها يُنهي سفك دماء الناس بلا جدوى؟
٭ كاتب لبناني
القدس العربي
الرئيس السوري… ربان السفينة أم القرصان؟/ د. خليل قطاطو
أعلن السيد محمد جهاد اللحام (المحامي) رئيس مجلس «الشعب « السوري في الرابع من حزيران/يونيو الجاري، نتائج الانتخابات الرئاسية السورية التي اجريت في الخارج في الثامن والعشرين من أيار/مايو، والثالث من يونيو في الداخل، أي أن النتائج ظهرت بعد يوم واحد من انتهائها ولم نكن ندري أن التكنولوجيا السورية متقدمة الى هذه الدرجة، اللهم الا اذا كانت النتائج حاضرة سلفا قبل عدة أشهر مثلا، ولكن اللياقة السياسية تمنعهم من اعلان النتائج قبل اجراء الانتخابات. لم يستغرب أحد النتائج، فهل يتورع القتلة عن الكذب والتزوير؟ لم يصدق هذه النتائج سوى ايران وروسيا وحزب الله، وهنأت كوريا الشمالية، التي تعيش في عقلية القرون الوسطى الرئيس السوري بالفوز.
وصف السيد اللحام المناسبة بـ»اليوم التاريخي» واقبال الشعب على صناديق الاقتراع بـ»الكثيف»، وهنأ السوريين باختيارهم ربان السفينة الذي سيقودها الى بر الامان. هذا الربان يكاد يغرق السفينة في عرض البحر، وهو يقودها كالقرصان لا كالربّان. كان لا بد لعملية تجميل صغيرة، فنسبة الـ99 بالمئة التي حفظناها في العقود الماضية لم تعد تليق بزمن الثورات، خفّضت نسبة فوز الرئيس الى 88.7 بالمئة لوجود مرشحين آخرين، حسان النوري وماهر الحجار، اللذين خاضا «معترك» الانتخابات كديكور ولزوم ما لا يلزم.
لنعد الى علم الحساب مع حضرة السيد اللحام، انه يقول ان عدد المسجلين للاقتراع هو اكثر من 15.8 مليون، وعدد الذين صّوتوا هو اكثر من 11.6 مليون، اي 73 بالمئة من مجمل الذين يحق لهم الاقتراع، فاذا أخذنا بعين الاعتبار ان القانون يقتضي أن الناخب في الخارج يجب ان يكون حاملا لجواز سفر ساري المفعول وعليه ختم الخروج من أي معبر حدودي، وكأن حكومته تتحكم فعلا بالمعابر الحدودية البرية. واذا اعتبرنا ان معظم اللاجئين سيقاطعون هذه الانتخابات، وان امريكا وكندا ومعظم الدول الاوروبية منعت اجراء الانتخابات على اراضيها، بالاضافة الى ذلك منعت السعودية وقطر والكويت الانتخابات على اراضيها ايضا، وفي هذه الدول ما يزيد على 1.6 مليون سوري، وكذلك مصر فيها اكثر من 300 الف سوري. ولنفترض ان هؤلاء السوريين في الخارج، الذين لم يصوتوا للاسباب المبينة اعلاه، يقاربون الاربعة ملايين ناخب، نطرح هذه الـ4 من الـ15.8، اذن ما تبقى في الداخل يقارب الـ11.8 مليون ناخب. ولكن هناك من صوت في الخارج مثل من هم في لبنان والعراق، أي ان نسبة المقترعين في الداخل تتجاوز الـ100 بالمئة، وسيادته لم يقل لنا كم هي نسبة الأراضي السورية التي يسيطر عليها نظامه، وهي في احسن الاحوال لا تتجاوز الـ60 ٪، اي ان عدد المقترعين في الداخل لن يتجاوز الـ 6 ـ 7 ملايين على احسن تقدير، وبقي له ان يقنعنا ان نسبة المؤيدين للرئيس بشار الاسد في الداخل هي أكثر من 100 بالمئة (حصل الرئيس بشار الاسد على 10.3 مليون صوت) أي اذا قسمنا 10.3على 6 فسنحصل على 172 بالمئة وهي النسبة الحقيقية للمؤيدين له. لقد خانت الرياضيات هذا المحامي السياسي، أو من أعد له الارقام ليلقيها امامنا على شاشة التلفاز الرسمي فيزيدنا تقززا من وجبة الانتخابات الرئاسية العفنة المنتهية الصلاحية.
اذن النسبة الحقيقية لفوز الرئيس بشار الاسد ليست 88 بالمئة، حسب البيان الرسمي بل 172 بالمئة، حسب التحليل المنطقي للارقام.
مبروك يا سيادة الرئيس فهذا فعلا هو يوم تاريخي، وربما تدخل موسوعة غينيس للارقام القياسية، لا ليس في القتل والتنكيل والتشريد والاعتقالات، لأنه يبدو أن مهمتك لم تنته بعد، بل بالفوز بالانتخابات الديمقراطية بنسبة لم يحصل عليها احد من قبل ولا من بعد، فهذا الرقم لن يحطّمه أحد، لا بد من الاستدراك هنا لأنك ستلعب مع منافسك الوحيد في المباراة النهائية مع المشير عبد الفتاح السيسي. كنا نشكو من نسبة الـ99 بالمئة في عصر الديكتاتوريات، فاذا بنا نبتلي بنسبة تفوق الـ 100 بالمئة في زمن الثورات، يبدو أن النحس يلاحقنا في كل زمان ومكان.
السيد حسن نصر الله يقول ان نتيجة الانتخابات الرئاسية السورية تؤكد ان لا حل سياسيا في سوريا من غير الاسد، يبدو انه صدّق النتيـــــجة، وأنه كان ضعيفا في الحساب أيام المدرسة وبالأخص باب النسب المئوية، أو أن وهم الممانعة والمقاومة أضــــعف قـــدرات حزبه على التحــــليل المنطقي (والحسابي) للأحداث فوقف في الطابور الخطأ وساند قرصان السفينة الذي يتخبط بها منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات، معتقدا أنه ربّانها الذي سيصل بها الى بر الامن والامان، كما يعتقد ايضا السيد اللحام.
وصفت وسائل الاعلام العربية والغربية هذه الانتخابات بالمسرحية الهزلية. لقد جعل النظام السوري ورئيسه نفسيهما أضحوكة للعالم، لأنهما حتى الكذب لا يتقنانه.
٭ كاتب فلسطيني
القدس العربي
المدني والعسكريّ في رئاسيات ” القطرين”/وسام سعادة
الإغراءات كثيرة لإطلاق حُكْمٍ واحد على كلّ من الرئاسيات المصريّة وتلك السوريّة، والإنصراف من ثمّ إلى نوبات حادّة من التشاؤم، من النوع الذي يتبع نوبات التمادي في التفاؤل الفاقد لشروطه. لأجل ذلك فإنّ «تمييز» الرئاسيات المصرية عن تلك السوريّة يستفاد منه ترشيداً للعلاقة بين حسابات التفاؤل والتشاؤم، فلا نعود نتنقل بينهما بشكل تقاذفيّ، هستيريّ، لا يرى غير أحداث مقطوعة عن السياقات والمسارات والبنى، ولا يرى من الأحداث غير صورها، ومن الصوَر غير ألوانها، بل أحد اللونين، الأبيض أو الأسود.
الاختلاف الأوّل بين الرئاسيات المصرية وتلك السوريّة أن عبد الفتاح السيسي «عسكريّ» وبشّار الأسد «مدنيّ». الأوّل تدرّج في هرمية عسكرية والثاني هبط عليها بوراثة المنصب عن «العسكري» الذي كانه والده. صحيح أن النظام الذي ورثه بشّار الأسد هو نظام تسيطر على مفاتيحه الأساسية ثلّة من كبار الضبّاط الذي يرتبط الركن الأساسي منهم برابطة طائفية ومناطقية وحزبية في الوقت نفسه.
في الحالة المصرية، لم يكن للجيش أن يقبل وراثة جمال مبارك للرئاسة عن والده العسكري. أما في الحالة السوريّة، فإن الطبيعة المركبّة للطغمة العسكرية الحاكمة، من حيث ترتكز الى روابط طائفية ومناطقية وحزبية في الوقت نفسه، جاءت متلائمة مع خيار التوريث البيولوجي، بل أن التوريث أوّل ما حدث في سوريا فقد عنى وراثة بشار الأسد لـ»الجيش العربي السوريّ» نفسه، وقبل وفاة والده. طبعاً، سيستفيد بشّار الأسد من صفته الطبية، والمدنية، تلك، لإيهام الكثيرين، على أنّه يختلف عن نظامه، وبأنّه أفضل من نظامه، في حين أن جمال مبارك بدا، بإجماع المصريين قبل الثورة على نظام والده، أسوأ ما في ذلك النظام.
وطبعاً، ليست هذه المرّة الأولى عربياً التي يجتمع فيها الطغيان الدموي والنظام العسكري مع ديكتاتور مدنيّ، فقبل بشّار الأسد خبرنا هذه الحالة، ولو بشروط مختلفة، مع صدّام حسين، الذي كان هو أيضاً، وفقاً لثنائية «مدنيين وعسكريين»، مدنيّاً.
يبقى أنّنا، وفي الحالتين المصرية والسورية، أمام نظامين متمركزين حول العسكر، ويطرح فيهما العسكر كيفية إعادة إنتاج هذا التمركز، وهذه السيطرة، فيكون المؤدّى أن فئوية النظام السوري الطائفية، وبعثيته الأيديولوجية تتلاءم مع خيار التوريث، في حين أن الأنظمة الجمهورية العربية الأخرى استبدّت بها شهوة التوريث بعد نجاحه سورياً، فكانت نتيجة ذلك ترنّحها.
لكن ثنائية «مدنيين وعسكريين» هذه تختلف في حالة «المجتمعات العسكرية» (والوصف مستل من عنوان كتاب مرجعيّ لأنور عبد الملك، «مصر مجتمعاً عسكرياً») عن غيرها من المجتمعات. فما حصل في مصر، عشية الإطاحة بالرئيس الفائز بأول – وآخر ؟ – انتخابات رئاسية تنافسية بالاقتراع العام تحدث في بلد عربي، الدكتور محمد مرسي، هو أن المعارضين لـ»حكم الأخوان» صنفوا الجماعة كخارجة عن «المدنية»، وكخارجة عن ثنائية «عسكر ومدنيين» في الوقت نفسه. وهذا الإخراج لـ»الإخوان» من صفة «المدنيّة» عاد وأمّن دفعاً حيويّاً للصعود البونابرتي، وفرض معادلة انتخابات تنافسية شكلاً، ومحسومة النتائج سلفاً، ينتصر فيها «العسكري» عبد الفتاح السيسي على «المدني» حمدين صبّاحي، بفارق شاسع، يكاد يحاكي النسبة المقلوبة بين المدنيين والعسكريين داخل المجتمع، هذا دون نسيان الأصوات الملغاة التي فاقت أصوات صبّاحي نفسه. في مصر، تلكأ الناخبون أيّاماً، ثم اقترعت نسبة منهم لخيار بونابرتي، بكل ما يطرحه مثل هذا الخيار من تحدّيات على نفسه: فبخلاف الحالة السوريّة، يمكن للسيسي أن يطرح نفسه كرئيس «فوق الصراع الأهلي» بين فلول نظام مبارك وبين شعب ثورة 25 يناير، وبدل استناده الى ثورة شعبية واحدة، يجعلها ثورتين، أما بشّار الأسد فإن الصراع الأهلي يدور حوله، وليس فقط حول نظامه على وجه التجريد والإطلاق. وفي المقابل، ليس الجيش المصري «ملك والده» لعبد الفتاح السيسي، ونجاحه في الرئاسة رهن باجادة نوعين من التوازنات: واحدة داخل المؤسسة العسكرية نفسها، وثانية ضمن المؤسسات الدستورية. لا يمكن للسيسي أن يحول دون ظهور استقطابات قيادية جد يدة في رئاسة الأركان المصرية بكبسة زرّ، ولا يمكنه التعامل مع مواد الدستور المصري الجديد كأنّها لم تكن. إذا ما أراد أن يحكم كحسني مبارك فدون ذلك شروط ليست تكفلها الأوراق التي بين يديه بعد.
زد على ذلك أننا أمام مفارقة فيما يتصل بموضوع الشرعية. ففي مصر اليوم، فائض من الشرعية غير الممأسسة، وهذه تركة الانتفاضتين الشعبيتين على مبارك ومرسي، وفيها فائض من اللاشرعية الممأسسة، وهذه تركة الانقلاب العسكري على مرسي والقمع الدموي لإعتصامي رابعة والنهضة وما تلاهما. في الاستفتاء على الدستور، كما في انتخابات السيسي، نحن أمام محاولة عسيرة بقصد الجمع بين الفائضين، بين الشرعية التي تجد صعوبة في تحقيق نفسها مؤسساتياً، وبين اللاشرعية التي تطرح نفسها مؤسساتياً.
في سوريا لا شيء من هذا القبيل. اللاشرعية مطلقة نظراً للتدمير الهيكلي الذي لحق بالمجتمع السوريّ، لكن أيضاً، وقبل ذلك، لأنّ «الجيش» هو حرفياً «ملك والده» للمدنيّ بشّار الأسد.
دلّت الرئاسيات السورية بلا شك على أنّ ثمة قاعدة شعبية لنظام آل الأسد، وأنها لا تختصر أبداً في العلويين والأقليّات، لكن هذه الشعبية لا تدرّ للنظام بأي شكل من أشكال الشرعية، بل تساهم بلا شرعيته، ما دامت شعبية تدميرية للمجتمع السوريّ. فأن يكون بالمقدور الكلام عن شعبية ما لبشّار الأسد مباشرة بعد الانتهاء من تدمير حمص وعشية الذكرى السنوية للهجمة الكيماوية، فهذا يبطل أي شرعية يمكن أن يدّعيها طاغية لنفسه. فليست هذه شرعية «المنقذ» من «حرب الكل ضد الكل» (هوبس)، لأنّ «حرب الكل ضد الكلّ» هي البرنامج الذي واجه به بشّار الأسد الثورة السورية. وهذه ليست شرعية «حسم» حرب أهلية بالحديد وبالنار، لأن من فعل ذلك، أي الجنرال فرنشيسكو فرانكو في اسبانيا، لم يحتج في ذلك الى الانتخابات.
لأنه ليس فرانكو، لأنه ليس عسكرياً، بل مدنيّ يقود نظاماً عسكرياً لا تتجدّد فئويته الا به، احتاج بشّار الأسد لهذه الانتخابات، واحتاج في الوقت نفسه لأن تكون هذه ليست بانتخابات، ولا حتى على الطريقة المصرية. فالسيسي في آخر الأمر واجه مرشّحاً رئاسياً كان قويّاً في انتخابات 2012، ثم انحسرت شعبيته، بعد أن انتزعها المدّ العسكريتاري الشعبوي منه. أما بشّار الأسد فلم تكن لديه جرأة خوض الانتخابات حتى ضد قدري جميل أو عمّار بكداش. فضّل خوضها ضد «مواطنين»، تيمناً بذكرى زين العابدين علي وتجربته في هذا المجال. وبالتوازي، اعتبر أنه يصيب من الديمقراطية مقتلاً، ساعة يرفع نسبة المشاركة بشكل غير معقول في ظل حرب أهلية وتهجير مهول، ويخفّض نسبة الأصوات التي نالها، لتكون أقل بقليل مما نالها عبد الفتاح السيسي. أرادت الرئاسيات السوريّة أن تكون «اقليماً شمالياً» للرئاسيات المصريّة، وأحرجت على طريقتها مسارات «الإقليم الجنوبي»، الا أنّ التمييز بين الحدثين يبقى، بقيمة التمييز بين الحدث واللاحدث.
٭ كاتب لبناني
القدس العربي
“حروب الآخرين” في سوريا؟/ علي بردى
ما أعظمه كان غسان تويني إذ استخلص باكراً أن لبنان عانى أشد المحن من كثرة “حروب الآخرين” على أرضه. حفرت هذه العبارة في القاموس السياسي العربي. ها هو نظام البعث في سوريا – ويا لسخرية الأقدار – يكاد “يسرقها”.
مضى غسان تويني قبل سنتين الى الغياب تاركاً ودائع ثمينة. دفع من روحه أثمان أن تكون للعرب مكانة بين الأمم. حوّل “النهار” منبراً للأحرار. انحنى له الجميع على رغم أن الطغاة ناصبوه العداء. كيف يمكن نظاماً بطّاشاً كالذي في سوريا أن يتصالح مع قيم الحرية والديموقراطية والتعدد والتداول؟ هل يستوي التطلع الى غد مشرق من دون تعميم أنوار التعليم وما ينتجه من معرفة؟
أجريت الإنتخابات الرئاسية وكأن شيئاً لم يكن. أعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد من غير أن يعود أي من اللاجئين المليونين ونصف المليون أو أي من النازحين الستة ملايين ونصف المليون الى هذا البلد المنكوب. يواجه نحو ٢٥٠ ألف شخص حصاراً خانقاً يهدد حياتهم جوعاً وعطشاً ومرضاً. ولكن صار ما صار وكأن الأفراح في ديارهم عامرة. تحدثت النتائج التي أصدرتها السلطات في دمشق عن نسب مشاركة ونجاح تفوق الخيال في كل أنحاء البلاد، ترافقت مع انتصارات ميدانية هنا وهناك. أليس هناك ما يستوجب العجب؟ لا يحتاج الأمر الى أكثر من حساب بسيط.
نعم، يمكن الإقرار بأن الإخفاق في اطاحة الأسد، بالإنتفاضة الشعبية أولاً وبالقوة العسكرية ثانياً وبفعل انتهاء ولايته الدستورية ثالثاً، يمكن أن تكون “انتصاراً” له وللحلف الذي ينتمي اليه. في أي حال، يتصرف قادة “حزب الله” وزعماء ايران وروسيا على هذا الأساس. لم يأت من عبث طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من هؤلاء أن يساهموا في تسوية سياسية للأزمة السورية. فليغرق من يغرق في هذه الموحلة المقتلة.
من حظ لبنان أنه لم يترنح بعد تحت وطأة جيرته الثقيلة. تتهدده ثلاثة أخطار كبيرة يمكن أن تجعله “دولة فاشلة”: استمرار تدفق اللاجئين السوريين، مواصلة “حزب الله” القتال هناك، واطالة أمد الفراغ الرئاسي. بينما يأخذ النزاع الضاري في سوريا أوصافاً عدة. تلك التي كانت ثورة حقيقية من أناس عاديين يصبون الى التنفس بحرية لم تعد كذلك. تحوّلت سوريا ساحة كتلك التي أرادها نظام الأسد للبنان طويلاً. أنظروا، لم يبق ساع الى السلاح والحرب والجهاد والإرهاب والنهب والإستشهاد والإنتحار إلا وأتى الى ساحة الموت هذه. يكاد البعض يسميها “حرب الآخرين” في سوريا، التي تبدو فيها المأساة الإنسانية طويلة.
قلة هم المتبصرون في لبنان، قلة هم الذين يرفعون القيم الإنسانية كالتي نادى بها غسان تويني.
النهار
ماذا بعد الانتخابات السورية؟/ عبدالله السويجي
أعلن محمد اللحام، رئيس البرلمان السوري، الأربعاء الماضي، فوز بشار الأسد على منافسيه في الانتخابات الرئاسية السورية التي وصفتها المعارضة وحلفاؤها ب”المهزلة”، وحصل الأسد على 7 .88% من الأصوات ليحكم البلاد لسبعة أعوام أخرى لا يعلم أحد مستقبل سوريا خلالها، في ظل أعنف اقتتال داخلي معقّد تشهده سوريا منذ استقلالها، حيث دخل عامه الرابع .
ردود فعل المعارضة وأطيافها وحلفائها كانت سريعة جداً ومتوقعة، حيث وصف عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق، الانتخابات الرئاسية السورية بأنها “كومة ورق”، وطمأن الغرب في مقابلة مع “الشرق الأوسط” بألا يخشى من الجماعات المسلحة، ويقصد المتطرفين الإسلاميين، “لأن هذه الجماعات ستنتهي بعد سقوط بشار الأسد” . واعتبر بيان صادر عن الممثلة العليا للسياسات الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي، الانتخابات التي نظمت في سوريا لاختيار رئيس الجمهورية “غير شرعية”، بينما وصف “جون كيري” وزير الخارجية الأمريكي نتائج الانتخابات بأنها “صفرٌ كبير لا معنى لها”، خاصة مع وجود ملايين من السوريين غير قادرين على التصويت ولا يملكون القدرة على الاعتراض، ودعا كيري من لبنان الأسبوع الماضي الدول التي تدعم نظام الأسد، إلى بذل جهود حقيقية لإنهاء الصراع ووضع حد لهذه الحرب .
أما تركيا، فكانت قد وصفت الانتخابات بالمهزلة، وقال وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، إن سوريا بتنظيمها لتلك الانتخابات الرئاسية، إنما هي “تستهزئ بالعالم” .
كل تلك المواقف لم تكن جديدة، فقد أعلنها أصحابها حين أعلنت الحكومة السورية عن تنظيم الانتخابات، لكنها في الوقت نفسه لم تفعل شيئاً آخر لوقف نزيف الدم والدمار ومسلسل العبث الجنوني الذي يمارسه الطرفان ضد بعضهما بعضاً، وأحياناً ضد المدنيين، الذين يقعون ضحايا عن قصد أو عن غير قصد، وبالتالي، استمر النظام السوري وانتزع مناطق عدة منها ما هو استراتيجي من المعارضة، التي لم تثبت حتى الآن على موقف موحّد، ولم تثبت للشعب السوري أنها البديل المناسب المقبول من كل الأطياف والفئات والعرقيات والمذاهب والمعتقدات التي يتكوّن منها الشعب السوري، إذ من دون المشاركة الفعلية لهؤلاء واحترام حقوقهم، لا يمكن أن يتحقق الاستقرار في سوريا أو في المنطقة .
كان من الواضح، من خلال التقارير الإعلامية العديدة مختلفة المصادر، أن الأسد يحظى بتأييد جزء لا يستهان به من الشعب، حتى لو سلمنا بأن الانتخابات كانت محسومة النتائج، وهذا التأييد جاء بسبب غياب البديل المناسب الذي تحدثنا عنه، والذي يحترم التعددية، ولا يمارس القتل والإعدام والذبح ويدّعي أنه سيقيم الخلافة في القرن الواحد والعشرين، ويبدو أن النظام قد راهن كثيراً على سلوك المعارضة، التي يتصدرها الفكر المتطرف، والتي جعلت قطاعاً لا بأس به من الناس داخل سوريا وخارجها، ينفرون من ممارساتها ولاسيّما العنف ومصادرة الحريات وإعادة المجتمع إلى الماضي البعيد وبصورة مشوهة .
ومن جهة أخرى، من الواضح أن الدعم الذي يتلقاه الأسد من إيران وروسيا الاتحادية لعب دوراً كبيراً في صمود النظام سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهناك عامل جوهري آخر ساهم في صمود النظام هو التفاف جزء من الشعب حوله يتمثل في الانقسام الذي تتعرض له المعارضة العسكرية، والمصحوب بممارسات عشوائية عنيفة جعلت كثيرين ينكمشون على أنفسهم ويفضلون النظام الحالي على معارضة متشددة متطرفة، إضافة إلى تردد دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في تقديم الدعم العسكري المطلوب لإطاحة النظام، خوفاً من وصول المتشددين إلى السلطة، فضلاً عن تراجع الموقف التركي وفقدانه لحماسته إلى درجة أن أنقرة أعلنت وضع “جبهة النصرة” على قائمة الإرهاب، وتشكل هذه الجبهة أحد الفصائل المقاتلة الكبيرة على الساحة السورية، وساهمت الأحداث التي ألمت بتركيا في الشهور الماضية بانشغالها بقضاياها الداخلية، وقبلها أعلنت دول عربية اعتبار عدد من المنظمات إرهابية، وحذرت من ذهاب مقاتلين للقتال في سوريا، كما أوقفت جمع التبرعات العشوائية أيضاً .
الآن، السؤال المطروح هو: كيف ستكون الصورة بعد الانتخابات؟
في الواقع، قد يعتقد البعض أن الصورة ستبقى كما هي، أي سيبقى الصراع مستمراً على أشده بين النظام والمعارضة، وسيبقى الحال كما هو عليه الآن حتى يسقط النظام السوري الحالي، لكن هذا التصور ليس دقيقاً تماماً، فهناك متغيّرات كثيرة طرأت على الوضع الإقليمي من بينها:
* أولاً: المتغيرات التي حدثت في مصر وتراجع الإخوان المسلمين وفوز عبد الفتاح السيسي برئاسة مصر، وهذا يعني وقوع تغيير كبير في الموقف المصري تجاه ما يحدث في سوريا، من دون أن يعني هذا وقوف النظام المصري الجديد إلى جانب الأسد، ولكن الواقع الجديد أبعد الرئيس السابق لمصر محمد مرسي، الذي أعلن موقفاً واضحاً ضد النظام السوري، منطلقاً من وجهة نظر الإخوان المسلمين الذين تربطهم بطريقة أو بأخرى علاقات بالتنظيمات الإسلامية المسلحة العاملة في سوريا . وفي أكثر من مناسبة، أعلن أيمن الظواهري، رئيس تنظيم القاعدة وقوفه ضد إطاحة الرئيس محمد مرسي، وهذا يعني تناغماً في المواقف بين الإخوان المسلمين والقاعدة بشأن النظام السوري، وقدوم نظام مصري يقوده عبد الفتاح السيسي، المعروف بقوميته وانفتاحه، قد سحب البساط من تحت أقدام الإخوان والقاعدة أيضا بشأن الموضوع السوري، وبالتالي، خسرت المعارضة السورية الدعم المصري، وانعكس هذا أيضاً على مواقف عدد من الدول الأخرى .
* ثانياً: هنالك تنسيق أمني واضح بين النظامين السوري والعراقي بشأن التصدي للتنظيمات الإسلامية المتشددة، فكلا النظامين يخوض حرباً الآن ضد تنظيم (داعش)، وكلا النظامين تربطه علاقات جيدة بإيران، وهذه الأخيرة تقف قلباً وقالباً – حتى الآن- مع النظام السوري، على الأقل، لأن سوريا تشكّل الممر الآمن لدعم حزب الله في لبنان، ويجب ألا يُستهان بموقف النظام العراقي غير الداعي لإطاحة نظام الأسد .
* ثالثاً: لقد تغيرت بعض قوانين اللعبة في الصراع داخل سوريا، وقد تابعنا عدداً من المصالحات بين النظام والعديد من المناطق التي كانت تحاربه، وأبرزها ما تم في حمص القديمة، حيث انسحب المسلحون بسلاحهم الفردي فقط إلى ريف حمص، ويعتقد البعض أن المسلحين السوريين عادوا لينخرطوا في مجتمعهم بعد العفو، وبقي المقاتلون الأجانب .
كل هذه الوقائع والحيثيات لا تعني أن النظام سينتصر قريباً على المعارضة أو الجماعات الإسلامية المسلحة، ولو كان الأمر بهذه السهولة، لكان العراق الآن آمناً مطمئناً، لكنه منذ 11 سنة وهو يتعرض يومياً لنزيف دموي خانق، وهذا ما سيحدث في سوريا، إلا إذا حصل تعاون أمني إقليمي يتصدى للمقاتلين الأجانب، ويفرض حلاً سياسياً بالقوة، وبعض المتابعين يعتقد أن المشكلة الآن تكمن في وجود المسلحين غير السوريين وليس مع المسلحين السوريين .
إن مواقف المعارضة وحلفائها من الانتخابات لن تغير شيئاً، والاستمرار في الخيار العسكري لن يغير شيئاً أيضاً، ولهذا على الجميع السعي لاقتلاع العنف والتطرف من سوريا والمنطقة، وفرض الحل السياسي
الخليج
مستقبل سوريا بعد فوز الأسد/ د. سلطان محمد النعيمي
لم يعد لمؤتمر جنيف معنى بعد الانتخابات السورية». كان هذا تصريح علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان). والحقيقة أنه تصريح واقعي جداً في ظل ما نراه حالياً. فخلال الفترات السابقة ظل المجتمع الدولي يسعى إلى عقد مؤتمر يجمع الفرقاء في الداخل السوري أملاً في الوصول إلى حل سياسي يوقف معه آلة الدمار التي لا يشعر بويلاتها سوى الشعب السوري.
لكن هذا المؤتمر غفل أو لنكن أكثر تحديداً تغافل عن أمر مهم وهو أن الجمع بين الفرقاء الإقليميين والدوليين حول الأزمة السورية هو المفتاح الرئيس للوصول إلى حل لهذه الأزمة.
فجاء مؤتمر جنيف الأول وتبعه مؤتمر جنيف الثاني وكان الهدف الرئيس تشكيل حكومة انتقالية لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها. هذا الأمر لم يتحقق نتيجة العديد من الأسباب ومنها:
• استمرار تباين الرؤى الإقليمية والدولية حول الأزمة السورية نتيجة تضارب المصالح بين اللاعبين الرئيسيين فيها.
• دخول الجماعات الإرهابية في الساحة السورية والتخوف الدولي من وصول الأسلحة إليها.
• نجاح النظام السوري واستعادة السيطرة على العديد من المناطق.
• تباين تام من قبل الوفدين الممثلين سواء للنظام السوري أو المعارضة السورية حول قضايا جوهرية ولاسيما مصير بشار الأسد.
وبالتالي انفض المؤتمر وعجز مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي مثلما عجز سلفه كوفي أنان، وانتهى به المطاف بتقديم استقالته. وظل الحديث بعد ذلك هل سيترشح الأسد مرة أخرى للانتخابات الرئاسية أم لا، وهل سيقبل المجتمع الدولي بذلك وما هي النتائج المترتبة في حال خوضه الانتخابات ونجاحه بلاشك فيها؟
الحقيقة أنه في ظل فشل الجهود المبذولة، وتنامي التنظيمات الإرهابية، ونجاحات النظام السوري على أرض المعركة، ووجود المظلة الدولية له وأتحدث هنا تحديداً عن الموقف الروسي الذي ساعد بدوره في مضي النظام الإيراني في دعمه للنظام السوري وبالتالي بقاء الحليف الاستراتيجي له في المنطقة، أصبحت مسألة مشاركة بشار الأسد في الانتخابات أمراً طبيعياً، والذي عبر عنه رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بقوله إذا كان الأميركيون يدركون أن بشار الأسد ليست لديه شعبية في سوريا، فلماذا يخشون من ترشحه للانتخابات الرئاسية؟
إن الأهمية الاستراتيجية للنظام السوري لدى النظام الإيراني، قد دفعت بأن يكون هذا الأخير من أكثر الداعمين لعقد تلك الانتخابات التي أجريت في الأسبوع المنصرم وجاءت نتيجتها بفوز ساحق لبشار الأسد، حيث عبر الرئيس الإيراني السيد حسن روحاني عن أنه لا يمكن تعليق الانتخابات الرئاسية في ظل الظروف الراهنة، فأهمية الانتخابات تكمن كما يرى بروجردي في أنها خطوة مهمة لإرساء الأمن والاستقرار في هذا البلد. وبالتالي فإن أهمية هذه الانتخابات وإقامتها لدى النظام الإيراني قد دفعته كما يقول مساعد وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان إلى أن تكون من ضمن البنود الأربعة التي تقدمت بها إيران للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وهو ما دفع بدوره قيام النظام الإيراني بالإعلان عن مشاركة وفد برلماني إيراني في الانتخابات الرئاسية السورية كمراقب ومشرف على عمليات الفرز. ولم يكن النظام الإيراني ليفوت فرصة تواجد عدد من الوفود البرلمانية لحضور مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في إيران لدعوتها لزيارة سوريا ومراقبة انتخاباتها الرئاسية وهو ما تحقق بالفعل.
نعم لم يعد هناك معنى لمؤتمر جنيف ولن يبصر النور مرةً أخرى، أو على أقل تقدير لن تبصر أهدافه النور وتحديداً وجود حكومة انتقالية. لقد فرض الواقع الذي تعيشه سوريا أن أصبحت الأمور تسير في مصلحة النظام السوري. فالتخوف من التنظيمات الإرهابية، ومستقبل سوريا في حال انهيار النظام، بالإضافة إلى توظيف النظام الإيراني والنظام السوري تواجد تلك التنظيمات واعتبار أن ما يجري في سوريا هو حرب على الإرهاب، ناهيك عن التباين داخل المعارضة السورية التي تساهم بدورها في الموقف الغربي المتردد تجاهها، جميعها صبت في مصلحة ذلك النظام.
استقراء المستقبل يشير إلى أن أي ترتيبات ومقاربات بين الفرقاء ستكون بعيدةً عن الحديث عن مصير بشار الأسد واستمراره في السلطة من عدمه وذلك مع وجود المظلة الدولية (روسيا والصين) والإقليمية المتمثلة في إيران والداعمة له، بالرغم من تصريح وزير الخارجية الأميركي بأن هذه الانتخابات لا معنى لها واعتبارها مهزلة من قبل الغرب، فالمنظور السوري في المقابل يرى أن الخطوط الحمراء التي ترددت من الإدارة الأميركية وهذه التصريحات لا معنى لها أيضاً.
وستصبح نسبة المشاركة في هذه الانتخابات وبغض النظر عن صحتها من عدمها مسوغاً شرعياً لبشار الأسد وبقائه في السلطة. فالانتخابات الرئاسية السورية كما يرى رئيس مركز البحوث والدراسات التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام ومستشار المرشد للشؤون السياسية والدولية معززة لشرعية حكومة بشار الأسد، وأن قبول الدول الغربية بنتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا أو رفضها لها ليس أمراً مهماً.
يأتي التساؤل هنا هل سيؤثر بقاء الأسد على مستقبل الحل السياسي في سوريا؟ يجيب الحليف الاستراتيجي له ممثلاً في وزير خارجيته محمد جواد ظريف «ينبغي على القوى الأجنبية التخلي عن وهم تحقيق رغباتها وتطلعاتها في سوريا من خلال الوسائل العسكرية، وتقبل أنه لا بديل عن حل سياسي للأزمة السورية بناء على إرادة الشعب السوري التي سيظهرها من خلال صناديق الانتخاب».
ظهرت نتائج صناديق الاقتراع بغض النظر عن نزاهتها لتشير وفقاً لرؤية النظام الإيراني أن الحل السياسي لن يأتي على حساب بقاء حليفها الاستراتيجي في السلطة بل سيعززه. ويبقى الحال كما هو عليه في ظل استمرار تباين الفرقاء الدوليين والإقليميين.
ويبقى الشعب السوري يئن تحت وطأة هذا الدمار.
فإلى متى؟
رصاصٌ أسديّ في بيروت/ زيـاد مـاجد
ماذا يعني أن تشهد بعض أحياء بيروت إطلاق نار كثيف احتفاءً بتجديد بشار الأسد البيعة لنفسه بعد أن قتل نظامه خلال ثلاث سنوات وثلاثة أشهر نحو مئتي ألف مواطن سوري وجرح واعتقل وهجّر حوالي عشرة ملايين آخرين؟
الإجابات متعدّدة، والمشترك فيها يرتبط بالبعد الأخلاقي للموضوع وما يظهّره من انحطاط في سلوك المحتفين ومن رياءٍ في ابتهاجهم وكأنه ناجم عن فوزٍ لمرشّحهم في انتخابات رئاسية.
أما في السياسة، فعدّت معظم الإجابات أن النيران المفتوحة دليل على استمرار نفوذ الأسد في لبنان بعد تسع سنوات على انسحاب جيشه منه ورغم المقتلة المستمرّة داخل سوريا.
الفقرات التالية ردّ على الإجابات السياسية المذكورة، واعتبار أن إطلاق النار إنّما هو دليل حسّيّ على نهاية الحقبة الأسدية في لبنان منذ سنوات وليس العكس.
فأن يكون مطلقو النار من حزبين بلا وزن شعبي أو من مخبرين سابقين ومن بقايا تنظيمات هامشية ومن بعض الأفراد الموتورين، فالأمر تأكيد أن تركة النظام السوري لبنانياً اقتصرت على جماعات محدودة الحجم لا قدرة عندها على غير العنف المتفرّق، وأن العنف هذا يستفيد من غطاء سياسي يؤمّنه طرف لبناني واحد، حزب الله، لأسباب تخصّ الحزب ووليّة أمره طهران وليس دمشق. ومن لا يميّز بهذا المعنى بين حزب الله وبين أحزاب – أجهزة صغيرة تابعة لنظام الأسد يفوّت القدرة على قياس نفوذ الأسد لبنانياً.
ذلك أن الحزب الشيعي يعدّ نفسه منذ أيار 2005 وارث الدور السوري لجهة ضبط الحياة السياسية والهيمنة عليها بغية الاستمرار في تسليح نفسه وإقامة كيانه الأمني والعسكري والايديولوجي والخدماتي. وهو صار يرى في دوره الإقليمي منذ العام 2012 حماية للنظام الأسدي داخل سوريا نفسها بطلب إيراني.
أي أنه لا يكتفي بنديّة في التحالف مع نظام الأسد والتحوّل الى بديله لبنانياً، بل يتصرّف بما يشبه الرعاية له سورياً على أساس الحسابات الإيرانية، متحوّلاً من شقيق أصغر لـ”سوريا الأسد” الى توأم ثم الى شقيق أكبر، يرى في إطلاق النار الابتهاجي عملاً هامشياً، يُترك لسقطِ القوم، في حين يُدير بوكالته عن طهران المعركة الكبرى لنُصرة الأسد في دمشق وإنقاذه.
والأسد بالتالي لا يملك قاعدة شعبية لبنانية مستقلة يديرها بالمباشر. يملك حليفاً تُتيحه طهران (وصار وكيل وصاية عليه) لأسباب تتخطّاه، ويملك مطلقي نار في الهواء، وفي غير الهواء إن سمح حزب الله لهم بذلك. وأكثرية الشيعة ونصف المسيحيين الذين يؤيّدونه، إنما يفعلون ذلك لحسابات (وأوهام) خاصة بهم وبقياداتهم السياسية أو بطهران وليس به. فهو صار أداة ولم يعد المقرّر. وسوريا صارت موقعةً لصراعات لم يعد نظامها (الذي لطالما اعتاش واقتات من صراعات جواره) إلا لاعباً فيها لا يقوى على الاستمرار دون الإيرانيين وحلفائهم اللبنانيين والعراقيين…
بالعودة الى إطلاق النار البيروتي المبتهج، يمكن أن نضيف الى مظاهر الضعف التي يصدر عنها أمرين. الأوّل مخزون الكراهية فيه، وهي كراهية للسوريين سببها خوف كامن ليس من سقوط الأسد في انتخابات يواجه نفسه فيها، بل من سقوطه على أيدي السوريّين أنفسهم. وهي كراهية للأوضاع اللبنانية العامة أيضاً، التي لم يعد فيها للأسد أن يقرّر في ما كان يحسمه ضبّاط مخابراته خلال ساعات: لا في ما خصّ رئاسة الجمهورية وقبلها الحكومة، ولا في ما يخصّ قانون الانتخابات النيابية الذي كان يُفترض أن يفضي مجلساً جديداً.
الأمر الثاني هو الحاجة الى تهديد اللاجئين السوريين والزعم أمامهم أن قوة نظامهم ما زالت قائمة، وأنّه ما زال يملك نفوذاً ورصاصاً خارج حدود سوريا وليس داخلها فحسب، وأن لا تغيير فعليّاً حصل رغم كل الدماء التي سالت ورغم الخراب المعمّم. والحاجة الى التهديد هذه، تماماً كالحاجة داخل سوريا الى الإخضاع بالطيران والبراميل المتفجّرة والسكاكين والتجويع وتعذيب السجون تشير الى سقوط السطوة الرمزية للنظام وهي التي كانت مصدر قوّته الأبرز لعقود خلت. فمجرّد الخوف من عنفه كان يمنع الناس من التحرّك، ومجرّد التفكير بما يمكن أن يحصل كان يردع الفعل السياسي.
أما اليوم، فالعنف الماديّ المباشر، وبفائض لم يشهد التاريخ العالمي المعاصر شبيهاً له، صار وحده ما يحدّ الفعل في الزمان والمكان، وبمجرّد توقّفه، يعود الفعل هذا ويُستأنف. وفي ذلك ما يؤكّد أن وقود النظام الوحيد منذ العام 2011 هو القنص والتدمير والمجازر. وهذا بالطبع يجعله أكثر خوفاً وأكثر ارتهاناً لمن يمدّه بالقدرة على القتل والذبح والقصف بالطائرات، أي إيران ثم روسيا.
خلاصة الأمر أن إطلاق النار في لبنان نحو السماء وفي سوريا من السماء نحو الناس على الأرض صار ملاذ النظام السوري وعملائه الأخير. وهو إذ يعمّم الضرر والمآسي ويُديم الحال على ما هي عليه لأشهر ربّما أو لسنوات، يزيد من ضعف النظام ومن انكشافه على مزوّديه بالنار التي يطلقها.
والمزوّدون هؤلاء ما زالوا على حاجتهم له اليوم، لكنّ إدارتهم المباشرة لأمره ووصايتهم عليه تظهر أن ثقتهم بقدرته وحده على الاستمرار انتهت، وأنّهم إذ يفضّلون راهناً بقاءه المديد بموازاة ضعفه المديد، قد يرون في اعتبارات أخرى على حسابه يوماً ما مخرجاً لهم، أو طمأنة في أحسن الأحوال.
في انتظار ذلك، سيظل الصغار من مطلقي النار “يبتهجون” ويلهون بأسلحتهم وضوضائها، مردّدين لمن يقرّر فعلياً، إن الواجب يُملي اعتبارهم معه في معسكر “الفائزين”.
موقع لبنان الآن
“انتخاب” الأسد ليس حلّاً/ عبد الوهاب بدرخان
استنتاجات متسرعة وواهمة تلك التي أطلقها السيد حسن نصرالله بعد اعادة “انتخاب” بشار الاسد. وليس أهمها قوله إن “الحل السياسي يبدأ وينتهي مع الاسد”، فرأيه معروف بانحيازه الأعمى، وهو منذ بداية الأزمة لا يرى سوريا إلا بعين واحدة. لا مفاجأة أيضاً في اعجابه بهذه الانتخابات و”الملايين” التي صوّتت للاسد، لكنه لا يقول حقيقة تفكيره، فهو يعرف والجميع يعرف أنه يعرف أن الوضع الذي الذي جهدت ايران لتركيبه في سوريا والانجازات العسكرية التي حققتها تساعد النظام على البقاء وقتاً اضافياً زائداً، لكنها لا تصنع حلاً سياسياً، لا مع الاسد ولا مع ايران، لأن نصرالله كان يعني ايران عندما قال إن من يريد حلاً يجب أن “يتناقش” مع الاسد، أي: “احكوا مع ايران”…
نعم، سيطرح الاسد ما يسمّى عملية سياسية، وسيجد بعض الدمى ليشكّل منها حكومة جديدة، وسيستوزر بعض المعارضين الذين ترعاهم ايران مثلما استرشحت أجهزته شخصين لـ”منافسته” على الرئاسة، وسيعيد النظر في الدستور الحالي والمستفتى عليه صوَرياً، وعلى ما يقال سيتخلى للحكومة شكلياً عن بعض “صلاحياته” غير المتعلقة بشؤون الدفاع والأمن… غير أن معضلة المعضلات في سوريا تكمن في الادارة العائلية والفئوية لهذين الدفاع والأمن، وفي إخضاع كل المؤسسات بما فيها الجيش لـ “شبّيحة” الأجهزة الأمنية، بل في تنشئة الأمنيين وتشجيعهم على تحقير الدولة والقضاء و… الانتخابات والناخبين. لذلك، فإن هذه “العملية السياسية” لن تكون حلّاً.
ما يأمل به النظام السوري ورعاته الايرانيون، وكذلك نصرالله وحزبه والميليشيات العراقية، فضلاً عن المقاتلين الشيعة الأفغان وغيرهم، هو أن يضطر المجتمع الدولي الى الاعتراف بـ “الأمر الواقع” الذي شكّلته الانتخابات السورية، على غرار ما فعل ويفعل بالنسبة الى الحكم الجديد في مصر. فـ “من كل عقلهم” أن الوضعين متشابهان أو متطابقان، بل لعلهم يعتقدون أن ما لا يُقبَل اليوم يُقبَل غداً، فالحرب لا تزال مفتوحة. لكنهم يتجاهلون، واقعياً، أن هذا المجتمع الدولي أمهل الاسد طويلاً لكنه تجاوز الآن احتمال قبوله بحمولته الثقيلة من الدم والدمار والجرائم، فضلاً عن استحالة أن يقبله شعب سوريا حتى لو استعاد له الايرانيون سيطرة كاملة.
من الطبيعي أن يخصص نصرالله كل اطلالاته للحديث عن “النصر” الذي تحقق لايران في سوريا، لكن من شأنه أن يحذر، فالانتصارات في الحروب الأهلية تكون دائماً ملغومة، ومن الخطأ الهرع الى استخلاصات متهوّرة كالاعتقاد بأن الانتخابات الرئاسية والنيابية وحتى “صيغة الطائف” للنظام اللبناني يجب أن تخضع حتماً للتطوّرات في سوريا. فهذا يفترض أن الاحتلال الايراني للنظام السوري سيدوم ويقوى الى الحد الذي يُلزم لبنان بانتخاب “الرئيس القوي” (الذي يريده نصرالله) للتكيّف مع هذا الوضع، أو بالأحرى للخضوع له.
عندما يوصي النبي محمد ببشار الأسد/ رجا طلب
وصل بشار الأسد إلى مرحلة من “التعري” الاخلاقي والسلوكي والفظائع في ارتكاب الجرائم لا يحتاج معها إلى أن يغطى عورته بورقة توت بالية، مثل الورقة المسماة المفتي أحمد حسون الذي يملك من الصدقية والمصداقية ما ملكته يوماً “راحاب” التي أدخلت يشوع بن نون إلى أريحا ومنها إلى فلسطين وخانت أهلها من أجل المال والسلطة.
الشيخ حسون كان في تقديري “أظرف فقرة” في فيلم الانتخابات الرئاسية الممل، فقد أفتى “أبو الفتاوي” بفتوى لا يصلح أن يقال فيها إلا أنها رصاصة موت أطلقها على كرامته وشرفه كرجل دين من المفترض أنه نذر نفسه للإفتاء من أجل صالح المسلمين في سوريا وغيرها، وذلك لأنه تجنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، المرة الأولى عندما أورد حديثاً كاذباً ومحرفاً على لسان النبي محمد، والثانية عندما وظف الحديث المشكوك فيه أصلاَ لصالح “نبيه الحقيقي” بشار الأسد الذي يعبده ويخاف منه أكثر من الله عز وجل.
فماذا قال هذا المفتري؟
قال الحسون عقب تصويته لبشار الأسد في الانتخابات “المسخرة”: “انتخبت بشار الأسد تنفيذاً لوصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم”.
وأوضح أنه ينتخب “جند الشام ” الذين أوصى الرسول باللحاق بهم، مستنداً على حد زعمه إلى حديث للرسول محمد صلى الله عليه وسلم “قال فيه إن أحد الصحابة سأل النبي محمد قائلاً: اختر لي يا رسول الله مع أي جند أكون، فقال له كن مع جند الشام.. كن مع جند الشام”، ونحن وضعنا في الصندوق “جند الشام” الذين أوصانا بهم رسول الله، قاصداً في ذلك انتخابه للأسد”.
انظروا الافتراء والتدليس والتوظيف السياسي للدين، والكذب على النبي العظيم الذي قال صلى الله عليه وسلم في حديث له وهو حديث مثبت تماماً وليس كحديث “راحاب حسون”، قال: “إن كذِباً عليّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، مَن كذب عليّ متعمِّداً فليتبوأ مقعده من النار”.
هل يعقل أن “مسيلمة حسون” المغرد بأمر بشار الأسد وحسب أهوائه لم يسمع بهذا الحديث النبوي المهم والخطير؟
طبعا لا يعقل، ولكنه وعلى طريقة شيوخ “الدين البعثيين” همه إرضاء “ولى نعمته” حتى لو أوصله هذا الإرضاء مرحلة الرذيلة والافتراء والدونية والكذب على الله ونبيه محمد.
في عودتي للأحاديث النبوية وبعد البحث والتحري وجدت فقط حديثاً واحداً يمكن أن يكون أساساً للحديث الذي اخترعه “حسون” وهو أيضاً حديث مشكوك فيه.
ونص الحديث الذي وجدته يقول: “عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام يوماً في الناس فقال: يا أيها الناس توشكون أن تكونوا أجناداً مجندة، جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن. فقال ابن حوالة يا رسول الله إن أدركني ذلك الزمان فاختر لي، قال إني أختار لك الشام فإنه خيرة المسلمين وصفوة الله من بلاده يجتبي إليه صفوته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله”.
انتهي الحديث الذي أشك في صحته، ولكن على القارئ الكريم أن ينظر الفرق بين نص “افتراء” الحسون وبين حتى هذا الحديث المشكوك فيه، فهذا الحديث الأخير يتحدث عن الشام وأهلها وانحياز النبي اليهم كخيرة للإسلام، ولكن “الحسون” اخترع حديثاً جديداً ووظف حديثه المخترع كانحياز لبشار الأسد ونظامه بدلاً من الحديث المفترض الذي كان انحيازاً للشام وأهلها.
إنها جريمة دينية كبرى يجب أن يعاقب عليها الحسون من قبل علماء الدين الاسلامي؟
وتحديداً من المنظمات الإسلامية المعنية بالفتوى والتشريع الاسلامي، ففتاوى السلاطين ذات الطابع السياسي هي “إرهاب ديني” آخر يشكل خطراً أكثر وأكبر من الجماعات الإرهابية التي ترتكب الجرائم باسم الدين الإسلامي مثل القاعدة وبوكوحرام وداعش والنصرة وغيرها.
موقع 24
دمشق وطهران اذ تقتربان من نهاية حبل الأكاذيب/ عبدالوهاب بدرخان
الحديث الايراني عن «مبادئ الديموقراطية» و «التعدّدية» جاء أكثر هزلاً من انتخابات بشار الأسد نفسها، ولم يبقَ سوى أن يحاضر «الحرس الثوري» عن المفهوم الايراني للتعدّدية التي بطش بها. لكن ناطق الخارجية الروسية لم يذهب الى هذا الحد بل اعتبر الانتخابات «حدثاً مهماً يضمن استمرار عمل مؤسسات الدولة»، نعم الدولة التي «تحرّر» المدن من شعبها وتهجّره ولا تنوي استعادته. أما ناطق الخارجية الصينية فشدّد على أن «الحل السياسي هو المخرج الوحيد»، نعم انه الحل الذي يريد الاسد فرضه فرضاً. أما التهنئة من كوريا الشمالية فتتحدّث عن نفسها ولا تستحق أي تعليق، لكنها تلفت الى الرسالة الأخطر التي بعثتها انتخابات الاسد الى العالم وهي أنه تمكّن في تكرار «سياسة الاستعباد» وتجديدها، وفي إظهار القطيع مغتبطاً بالمستبد به.
بمعزل عن الإخراج المسرحي ينبغي الاعتراف بأن الخدعة الانتخابية التي نجح فيها النظام كانت في نشر الكثير من الكاميرات للإيحاء بكثافة الإقبال على التصويت. لكن أحداً لا يعرف ما الذي حدث وراء الكاميرات، فمناطق سيطرة النظام مقفلة ولا يدخلها سوى الإعلام التابع له أو لإيران. في استفتاءات سابقة لم يكن النظام ليهتم بمَن يأتي أو لا يأتي للتصويت، كان يحرص فقط على حدٍّ أدنى من المظاهر. هذه المرّة اختُصر كل شيء بالمظاهر: مرشح واحد بثلاثة وجوه، ناخبون متلهّفون للإدلاء بأصواتهم، ومصوّتون يقولون على الهواء ما لقِّنوه تحت الهواء… لم يكن صعباً إبلاغ كل ناخب في مناطق النظام أن مَن يُقاطِع يُحاسَب، وفهم كل مَن لم يتخذ موقفاً علنياً مع الثورة أن رماديّته لم تعد مقبولة ولا بدّ له من تأكيد ولائه للنظام أو يصبح عرضة لانتقام «الشبيحة». وبعد اعلان النتيجة كانت «النصيحة» بالنزول الى الساحات والإنتشاء بفوز الاسد. طبعاً كان هناك من فرحوا حقاً واحتفلوا، وهم معروفون، لكن المرغمين على الاحتفال أقبلوا أيضاً «بكثافة». لا جديد البتة في هذه المسرحية، ويعرف العديد من اللبنانيين الشيء الكثير عنها، حين كان الجنود السوريون يوقفونهم ويجبرونهم على دخول خيام الاحتفالات للرقص والهتاف «مبايعةً» للاسد الأب كـ «مرشح» وحيد في الاستفتاء الرئاسي.
يعرف النظام قبل سواه أنه يتبادل النفاق مع ناخبيه، لكن المهم عنده أن تبدو العملية متقنة، كما لو أنها ودٌّ طبيعي متبادل بين حاكم ومحكوم، قامع ومقموع، قاتل ومقتول. فالمحكوم يخجله أن يُضبط وهو ينافق علناً، والمقموع يخاف المزيد من المهانة، والمقتول يعجز عن توجيه أصبع الاتهام الى قاتله الذي خرج اسمه للتو من صناديق الاقتراع وكأنه مُنح صك براءة. يعرف النظام أيضاً أن هذا الاقتراع مجرد كذبة اخرى سبق له اتقانها لكن الصور تجعلها أشبه بالحقيقة، أما الصور التي نشرت حقائق مروّعة عن جرائمه فغدت أشبه بالكذبة طالما أنها لم تستطع إقلاقه ولم تحرّك المجتمع الدولي لمحاسبته. قد يحلو للاسد أن يذكّر بما توقّعه لمعركة الاعلام حين قال مطلع 2013 أن «إعلام الأرض» سيهزم «إعلام الفضاء»، بل يحقّ له الاعتقاد بأن العالم يحب الأكاذيب التي حشد الكثير من الناس لصنعها، فالتخويف والترهيب والابتزاز والتعذيب تمارس قبل التصوير. ويعرف النظام كذلك أن «المؤامرة» وقواها الخارجية كذبة اخترعها ونجح في تضخيمها، فبعدما تجاهل تماماً شعب سورية عاد فاعترف بوجوده كـ «شعب من الارهابيين» في مواجهة «شعب من الناخبين» الموالين والمحتفلين بفوزه. وهكذا وضع العالم أمام واقعَين يصعب فيهما التمييز بين الكذب والحقيقة، أو المفاضلة بين الاستبداد والارهاب، وقد ساهم في صنعهما معاً.
انطلاقاً من صناديق الاقتراع، الى الكذبة – الحقيقة التالية اذاً: فالنظام سيطرح حلاً سياسياً أخذت طهران على عاتقها مهمة ترويجه، معتقدةً أنها أفضل من يسوّق «حكومة جديدة» من صنعها أو يشارك فيها بعض زبائنها من «المعارضين» المزيّفين جداً والمستوزرين جداً جداً. وكما تتوقع طهران أن يصدّق الايرانيون كذبة أن مفاوضات الـ 5+1 ستتيح لها الاحتفاظ ببرنامجها النووي من دون تعديل، فإن إعلامها («اللبناني») يظن أن السوريين سيصدّقون كذبة تجاوز نظام الاسد الأزمة الداخلية وشروعه في ترميم «دوره الاقليمي». وعندما يقول حسن نصر الله ان الحل السياسي «يبدأ وينتهي مع الاسد»، فإنه يتوقع عملياً مراقبة حركة فَكَّيه بدقة اذ يقصد أن الحل يبدأ وينتهي «مع ايران». لكن نصر الله يدرك أن ايران لا تبني خياراتها على وقائع افتراضية، وأنها غير منفصلة عن الواقع الى حدّ تصديق «الدعاية العقائدية» التي تستخدمها لتضليل الآخرين فحسب. صحيح أن ايران استطاعت وضع يدها على النظام وترغب في بقاء الاسد بل تشيد بـ «شرعيته» التي عززتها الانتخابات، إلا أنها موقنة بصعوبة الحفاظ عليه بالقوة فوق الدمار الذي أحدثه، وباستحالة ابقائه على رأس شعبٍ لا يريده حتى بالتفاوض – دعكَ من مهزلة الانتخابات، فما تراكم عليه داخلياً وخارجياً جعله غير مقبول. وهذا يرتّب عليها مراجعات سياسية وحتى عسكرية.
ثمة حقائق لم تستطع ايران تغييرها عندما دفعت الميليشيات اللبنانية والعراقية الى القتال لترجيح ميزان القوى على الأرض لمصلحة النظام، أي لمصلحتها. صحيح أنها حققت ما خططت له، لكن نتيجته تؤدي الى مرحلة استنزافية طويلة ولا تنتج «حلاً سياسياً». وأهم تلك الحقائق أن الأزمة لم تكن عسكرية في الأساس، اذ أمكن لدمشق وطهران أن تتأكدا مراراً بأن الاحتضان الاقليمي للمعارضة المنفية قسراً ومساعدة العسكريين المنشقّين اضطراراً بقيا في حدود المتوقع ودون مستوى تشكيل خطر حقيقي على النظام، بل تأكدتا خصوصاً بأن التدخل الخارجي أو «السيناريو العراقي» غير واردين، ولمستا أن «الفيتو» الروسي – الصيني بدّد أي ضغوط لمجلس الأمن على النظام. كانت الأزمة تتطلّب من النظام مراجعة سريعة وعميقة لسلوكه مع الشعب، وعندما برهن أنه يرفضها ولا يستطيعها انكشفت مكامن قوته وضعفه في آن: اذا أوقف العنف يسقط، واذا ذهب الى حل سياسي حقيقي يسقط، واذا صعّد في القتل والتدمير لا ينتصر، واذا استعاد السيطرة على كل سورية لا يوقف الحرب، واذا طرح «عملية سياسية» فإن وجود الاسد كفيل بإفشالها، واذا رحل الاسد وزمرته تنفرط «الدولة» والمنظومة الأمنية كما في ليبيا، واذا بقيا فإن عقل النظام لا يستوعب نقلاً تدريجياً للسلطة…
على خلفية هذه الاحتمالات الواقعية يفترض أن ايران وعت أن مشكلة النظام هي النظام نفسه أولاً وأخيراً، وبالتالي فهي مدعوة الى حرب طويلة، والى ادارة «دولة فاشلة» متأرجّحة بين موبقات الصوملة والأفغنة والعرقنة معاً. وعدا أكلاف التورّط الشامل في سورية سيصعب عليها، مع اقتراب مفاوضاتها السياسية مع الولايات المتحدة والسعودية، اقناع أحد بأنها ذهبت بعيداً في التخريب واصطناع الصراعات فقط من أجل أن تثبت أنها ستكون منذ الآن عنصر استقرار اقليمي. فكما أن باراك اوباما أخذ بالتحليل الاسرائيلي (لم تفصح عنه هيلاري كلينتون بل قالت في كتابها الجديد أنها تفهّمت رؤية الرئيس وقبلتها) الذي ينصح بعدم التدخل والحفاظ على الاسد ما أمكنه البقاء في منصبه والاستمرار في تدمير سورية ومكافحة سيطرة الاسلاميين، فإن اوباما المتلاطف مع طهران أخذ أيضاً بالشق الآخر من التحليل الذي يرى مصلحة في توريط ايران سواء لتأمين دعم مالي وعسكري للاسد أو لإغراق نفوذها الذي تدّعيه في صراعات مع العرب ومناحرات مذهبية بلا أفق ولا نهاية.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
الانتخابات الرئاسية السوريّة تقضي على فرص الحلّ السياسي
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
على الرغم من الأزمة السياسية والمجتمعية الحادة التي تعيشها سورية منذ انطلاق الثورة في مارس/ آذار 2011، والتداعيات الإنسانية المأساوية للصراع المسلّح فيها، أجرى النظام السوري في 3 يونيو/ حزيران 2014 انتخابات رئاسية، شارك فيها ثلاثة مرشحين، من ضمنهم الرئيس بشار الأسد.
وفي حين سعى النظام، وحلفاؤه الإقليميون والدوليون، لترويج الانتخابات بوصفها أول انتخابات “تعددية” تجري في سورية منذ أكثر من نصف قرن، وتسويقها لدى الرأي العام الدولي باعتبارها “ثمرة” للإصلاح السياسي والدستوري الذي “توَّجه” النظام بإقرار دستور عام 2012، رفضت الأمم المتحدة هذه الانتخابات كونها “تنسف الجهد الرامي لحلٍّ سياسيٍ في سورية”. ورفضتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وتركيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وغيرها؛ إذ وصف بعضها دعوة النظام السوري إلى الاقتراع في هذه الانتخابات بأنها “مهزلة” و”نتائجها معروفة مسبقاً”. أما المعارضة السورية، فقد أجمعت تكتلاتها وأطيافها، بما فيها التي توصف بأنها “مهادنة” للنظام، على رفض الانتخابات ومقاطعتها، ووصفتها بأنها “غير شرعية”.
” قضى إجراء الانتخابات الرئاسية، مرحلياً، على فرص الحل السياسيّ للأزمة السوريّة، وفق بيان “جنيف 1”. وعلى الرغم من أنّ المواقف الغربية والعربية تركّز على إفشال مسعى إضفاء “الشرعية” على بقاء بشار الأسد في السلطة، فإنّ غياب إجراءات فعلية للرد على تجاوز النظام مبادرات التسوية، وفرض واقع سياسي جديد، سوف يشجّع استمرار إيران في الدفع بخطتها لإبقاء الأسد في صدارة المشهد السياسي السوري”
ولم ينطلق الرفض الدولي والإقليمي لإجراء الانتخابات بسبب التغييب القسري لنصف الشعب السوري عن المشاركة، بسبب ظروف الحرب والنزوح والتهجير، وإشراف نظامٍ فاقدٍ للشرعية ووالغٍ في دم شعبه، بل، أيضاً، لأنّ إجراء الانتخابات في ظل أزمة سياسية ومجتمعية حادة، وصراع مسلح دائر، يعني تعميق الصراع واستمراره، والقضاء على فرص حله سياسياً.
موقع الانتخابات الرئاسية في مبادرات الحل الدولية
رهنت المبادرات السياسية لحلّ الأزمة السوريّة، والتي صدرت قبل اجتماع جنيف في 30 يونيو/ حزيران 2012 (المبادرة العربية الأولى 10 سبتمبر/ أيلول 2011، والمبادرة العربية الثانية 22 يناير/ كانون الثاني 2012، وخطة كوفي أنان)، إجراء انتخابات رئاسية بوقف العنف، وإطلاق حوارٍ سياسي ومجتمعي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشرف على الانتخابات. ومع استمرار الأزمة، وتصاعد عنف النظام، توصّلت القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الأزمة السوريّة (مجموعة العمل الدولية) إلى بيان “جنيف 1” الذي نصّ على “تأسيس هيئة حكم انتقالي تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية”. وأسّس هذا الإعلان التوافقي لنتيجة مؤداها أنّ الانتخابات الرئاسية ستشكل “نهاية” للمرحلة الانتقالية، وأنّ الإعلان عنها وتنظيمها يقع ضمن اختصاصات الهيئة الانتقالية المزمع تشكيلها.
وخلال تلك الفترة، ونتيجة ضعف وضعه الميداني، في مقابل رجحان كفة المعارضة، وبتأثير الضغوط الدولية والإقليمية في النظام، ظلّ الخطاب الرسمي السوريّ، والذي “رحّب” ببيان “جنيف 1” من دون أن يوافق عليه صراحةً، يتجنّب التطرق إلى مسألة الانتخابات الرئاسيّة، واحتمال ترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة. يأتي ذلك على الرغم من المصادقة على دستور عام 2012 الذي منحه حق الترشح لولايتين أخريين.
أما إيران التي رحّبت بخطة كوفي أنان، والتي لم تنصّ صراحةً على تحقيق الانتقال السياسي وتنحي بشار الأسد، فقد رفضت الموافقة على بيان “جنيف 1″، لأنه ينصّ، صراحة، على تشكيل “هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات”. وفي محاولةٍ لاستباق أي تفاهمات دولية تستبعدها من أي حلٍ سياسي محتملٍ، سارعت إيران في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2012، إلى إطلاق مبادرة سياسية من ست نقاط، تضمّن بندُها الثالث الدعوة إلى “إجراء حوار وطني شامل، يهيئ الأرضية لتأليف حكومة انتقالية تنظِّم انتخابات برلمانية، وجمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد”.
سعت إيران لتهيئة الظروف الملائمة لجعل هذه المبادرة “قابلة للتنفيذ” أو “مطروحة للنقاش” من الأطراف الدولية المؤثرة في الأزمة السوريّة، فتدخلت عسكرياً بشكل مباشر، وعبر أحزاب وميليشيات موالية لها (حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية) لقلب الموازين ميدانياً لمصلحة النظام الذي كان يتلقى ضربات موجعة على امتداد الأراضي السوريّة. ومنذ معركة القصير في يونيو/ حزيران 2013، أضحت إيران المشرف الرئيس على سير العمليات العسكرية في سورية، فيما اقتصر دور الجيش السوري على تأمين الإسناد الناري للميليشيات التابعة لها. وبموازاة الدور العسكري المباشر، أدت إيران دوراً دبلوماسياً مهماً؛ إذ ساهمت في إنضاج المبادرة الروسية في سبتمبر/ أيلول 2013 التي أفضت إلى اتفاقٍ لتسليم السلاح الكيماوي السوري، من أجل منع توجيه ضربة عسكرية عقابية للنظام بسبب استعماله هذا السلاح في غوطتي دمشق في أغسطس/ آب 2013.
ومع تغيّر الموازين العسكرية، وتلاشي احتمال توجيه ضربة عسكرية للنظام، وانفتاح المجتمع الدولي عليه، لإتمام مهمة تسليم الكيماوي، بدأ الرئيس السوري، بشار الأسد، وفي مقابلاته مع وسائل الإعلام العربية والغربية نهاية عام 2013، “يلمّح” إلى احتمال ترشّحه في الانتخابات الرئاسيّة المقررة عام 2014، وربط ذلك “بمطالبة الشعب له بالترشح”. على الرغم من ذلك، لم يكن النظام في موقع يسمح له بالإعلان رسمياً عن نيته إجراء هذه الانتخابات؛ فقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2118 كان يشير، بوضوح، إلى ضرورة إنشاء هيئة حكم انتقالية، بموجب بيان “جنيف 1″، ويدعو إلى عقد مؤتمر دولي جديد لحل الأزمة السوريّة في جنيف.
اضطر النظام السوريّ، تحت الضغط الروسي، إلى حضور مؤتمر “جنيف 2″، فيما رفضت إيران مجدداً الاعتراف ببيان “جنيف 1″، وبسبب ذلك استبعدت من المشاركة. وقد تسلّح النظام بالدعم الإيراني العسكري والسياسي، فعطّل جهد الوسيط العربي والدولي، الأخضر الإبراهيمي، في إطلاق عملية تفاوضية جدية. كما استغلت إيران فشل “جنيف 2” واستنكاف حلفاء المعارضة السورية عن القيام بخطوات جدية لتفعيل مسار الحلّ السياسي، أو لتغيير موازين القوى على الأرض، من أجل إعادة طرح مبادرتها السياسية، مدعومة بالإنجازات الميدانية التي حققها النظام بمساندة ميليشياتها. ومنذ بداية مارس/ آذار 2014، ارتفعت نبرة الخطاب السياسي الإيراني، بما يفيد بأنّ إيران تعدّ الفاعل الرئيس في الأزمة السوريّة. وجاءت معركة يبرود في القلمون، وعملية التفاوض في حمص القديمة، لتؤكد ذلك. إذ منعت طهران الجيش السوري من المشاركة الميدانية في معركة يبرود، وحصرت مهمة اقتحامها بقوات حزب الله والميليشيات العراقية، مثل ميليشيا “أبو الفضل العباس” وغيرها. وفي حمص القديمة، تولت إيران، منفردةً، التفاوض مع الجبهة الإسلامية، لإخراج مقاتلي المعارضة منها، مقابل إطلاق سراح أسرى إيرانيين في حلب، وإدخال مساعدات إغاثية إلى بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب. وتماشياً مع المسعى الإيراني لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، أقرّ مجلس الشعب السوري قانون تنظيم الانتخابات في 13 مارس/ آذار 2014 فاسحاً الطريق أمام الأسد ليعلن ترشّحه رسمياً في 28 إبريل/ نيسان 2014.
” لا تشكّل الأزمة السوريّة في هذه المرحلة “أولوية” بالنسبة إلى الدول الفاعلة والحليفة للمعارضة؛ إذ تتصدّر الأزمة المصريّة واستقرار النظام الجديد بعد “فوز” عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قائمة الأولويات بالنسبة إلى السعوديّة. أما تركيا فتبدو منشغلة بقضاياها الداخلية، لا سيما بعد تجدّد الاحتجاجات، وازدياد الانتقادات الداخلية تجاه سياسة حكومة رجب طيب أردوغان في سورية، خصوصاً بشأن الحركات الجهادية”
تأثير الانتخابات الرئاسية في الحل السياسي
يمكن القول إنّ إجراء الانتخابات الرئاسية قضى، مرحلياً، على فرص الحل السياسيّ للأزمة السوريّة، وفق بيان “جنيف 1”. وعلى الرغم من أنّ المواقف الغربية والعربية تركّز على إفشال مسعى إضفاء “الشرعية” على بقاء بشار الأسد في السلطة، فإنّ غياب إجراءات فعلية للرد على تجاوز النظام مبادرات التسوية، وفرض واقع سياسي جديد، سوف يشجّع استمرار إيران في الدفع بخطتها لإبقاء الأسد في صدارة المشهد السياسي السوري. ويمكن ملاحظة ذلك في خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الأكاديمية العسكرية الأميركية في “ويست بوينت”؛ إذ دافع عن خياراته السابقة في سورية. وباستثناء “التعهد” بتقديم دعم للمعارضة المسلحة “المعتدلة”، لم يتطرّق أوباما إلى إمكانية القيام بأي خطوات جدية، تساهم في تفعيل الحل السياسيّ للأزمة في سورية.
على الصعيد الإقليمي، لا تشكّل الأزمة السوريّة في هذه المرحلة “أولوية” بالنسبة إلى الدول الفاعلة والحليفة للمعارضة؛ إذ تتصدّر الأزمة المصريّة واستقرار النظام الجديد بعد “فوز” عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قائمة الأولويات بالنسبة إلى السعوديّة. أما تركيا فتبدو منشغلة بقضاياها الداخلية، لا سيما بعد تجدّد الاحتجاجات، وازدياد الانتقادات الداخلية تجاه سياسة حكومة رجب طيب أردوغان في سورية، وخصوصاً بشأن موضوع الحركات الجهادية، ما دفعها إلى إدراج جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية في 3 يونيو/ حزيران 2014. وقد ألقى تراجع الاهتمام بالأزمة السوريّة، وتوقف إمدادات السلاح، بتداعياته على فصائل المعارضة المسلحة، فتراجعت في جبهات مهمة، كما حصل في حلب أخيراً، وكذلك في دير الزور، أمام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.
في ظل هذا الواقع، تعمل إيران على استثمار الانتخابات الرئاسيّة، لإعادة إحياء مبادرتها، وطرحها دولياً بوصفها “الحلّ المتوافر” والمقبول للأزمة السوريّة. ولا ترى طهران في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة، أو هيئات المعارضة الأخرى العاملة خارج سورية، جهات “فاعلة ومؤثرة” في الداخل السوريّ. لذلك، سعت، منذ بداية العام الجاري، إلى التفاوض مع الكتائب والفصائل المسلحة، المؤثرة ميدانياً في الحيّز الجغرافي لكل منها، لدفعها، ترغيباً أو ترهيباً، إلى عقد هدنٍ دائمة، أو مؤقتة، مع النظام، بما يسمح بتقليص مساحات الصراع جغرافياً، وبما يمكّنها لاحقاً من ترجمة مقترحها بشأن تشكيل “حكومة وحدة وطنية”، تأخذ من الرئيس بعض صلاحياته لإدارة المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات نيابية، وتعديل الدستور مع بقاء الأسد في منصبه. وقد عبّر وزير خارجية إيران، جواد ظريف، عن ذلك صراحة في المؤتمر المسمى “أصدقاء سورية البرلماني”، في طهران مطلع يونيو/ حزيران 2014، بقوله: “إنّ المصالحات التي حصلت في سورية تؤكد أنه يمكن إيجاد حلول عبر الحوار الداخلي”.
أما النظام السوري، فقد سعى من خلال “انتخاباته” إلى إرسال عدة رسائل، وتحقيق عددٍ من الأهداف، منها: الإيحاء إلى الموالين له وحلفائه بانتصاره على معارضيه، وبأنه لا يزال ممسكاً بزمام الأمور، وتوجيه رسالة إلى المجتمع الدولي أنّ الحل السياسي الوحيد الذي يقبل به هو الحل المفصَّل على مقاسه، وبما يبقيه في الحكم، وإعادة المجتمع السوري ـ الذي غادر ساحة الخوف في السنوات الثلاث الماضية ـ إلى ممارسة العادات التي زرعتها أجهزته الأمنية، مثل النفاق والتبجيل المفضوح، فهذه العادات تشكّل بيئة خصبة لاستمراره بفساده واستبداده، والكشف عن معارضيه الموجودين في المناطق الخاضعة لسيطرته، والتخلص منهم، ومحاولة قهر الشعب السوري وإهانته، عبر إجراء انتخاباتٍ، معروفة نتيجتها مسبقاً، وبما يقود إلى تعميم حالة من الإحباط، ومن ثمّ يؤدي إلى استسلامه، وتسليمه ببقاء النظام.
إجراءات مرجّحة
من المرجح، أيضاً، أن يقوم النظام السوري بعد “الانتخابات” بإجراءات تعزّز من فرص بقائه، مثل الاستمرار بعقد “المصالحات” الدائمة، أو المؤقتة، في مناطق متعددة، والإفراج عن عدد من المعتقلين، وتأليف وزارة جديدة، تتضمن عدداً من معارضيه في الداخل أو الخارج، والتواصل مع بعض شخصيات المعارضة في الخارج وأطرافها، بما يوحي أنّ لحظةً سياسيةً جديدة بدأت من جهة، ولكن، من دون التأثير في مسألة استمراره في الحكم من جهة ثانية. ويطمح النظام أن يحقق ذلك، أيضاً، إحداث بلبلة في صفوف معارضيه، وشقّ صفوفهم، وتشجيع دول على فتح صفحة جديدة معه، والدخول في تنسيق معها، لمكافحة ما يسميه “الإرهاب”. وعلى الصعيد الميدانيّ، سوف يعتبر النظام هذه الانتخابات “تفويضاً” له، لاستكمال معركته العسكرية ضد الثورة، وهو “جوهر” البرنامج الانتخابي الذي طرحه بشار الأسد في أثناء لقائه رجال الدين في 29 إبريل/ نيسان 2014، عندما اعتبر أنّ البلاد “أمام حالة فشل اجتماعي وأخلاقي”، وأنّ هناك “عشرات آلاف الإرهابيين السوريين”، في إشارة إلى مقاتلي المعارضة، وأنّ خلف هؤلاء “حاضنة اجتماعية” قدّر عدد أفرادها بـ”الملايين من السوريين”، واعداً بمحاربتهم، وبأنه “لن يرحمهم”.
لقد وصل القتل والتهجير حداً جعل كاتباً عربياً معروفاً يكتب أنّ النظام يحاول أن ينتخب له شعباً، وليس العكس.
ومع ذلك، ستبقى مسألة رفض الأغلبية الساحقة من السوريين، ومن دول العالم، الاعتراف بشرعية الانتخابات تقض مضاجع النظام، ما يعني بقاء الأزمة السوريّة مفتوحة على مصراعيها، لتكون محطة “الانتخابات” مجرّد محطةٍ عابرةٍ في سياق الصراع السوري. وخلال فترة وجيزة، سوف تفقد هذه الانتخابات قيمتها، لجهة الزخم المعنوي التي أعطته الدعاية الإيرانية لها. وعلى الرغم من الإحباط واليأس الذي يحاول النظام بثّه في صفوف السوريين، فسوف يظلون مصرّين على رفض استمراره وبقائه. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الثورة والمأساة المرافقة لها، لا شك في أنّ النظام ما زال يستطيع أن يمارس القتل والتعذيب والتشريد، لكنه لا يستطيع أن يحكم، أو يستعيد السيطرة على البلاد التي هدمها وهو يحاول قمع ثورتها. ومن ثمّ، ستبقى الأزمة السوريّة قائمةً في الداخل والخارج، وستظل معروضة على مائدة المجتمع الدولي، بحثاً عن حلول أخرى، استناداً إلى تطورات الصراع وموازين القوى والأداء السياسي.
أخيراً، من المهم الإشارة إلى أنّ قوى الثورة السوريّة، وأطياف المعارضة كافة، لا تزال تخوض المواجهة مع النظام، من دون خطة واضحة المعالم؛ إذ على الرغم من معرفتها قبل فترة كافية حول نيّة النظام إجراء الانتخابات، فإنها لم تفعل شيئاً لإحباط هذه المساعي، عبر وضع الآليات والخطط والمبادرات اللازمة للرد عليها. واليوم، وبعد الانتخابات، ستكون المعارضة في وضعٍ حرجٍ، إن لم تسعَ إلى تنظيم صفوفها سياسياً وعسكرياً، وتحصين نفسها من انشقاقات متوقعة، بفعل تواصل النظام مع بعض مكوناتها، أو بفعل ضغط بعض الدول عليها، أو بحكم حالة الإحباط التي بدأت تتسرّب إلى بعض أطرافها. وهناك ضرورة، أيضاً، للقيام بدورٍ سياسي إعلامي مختلف، وتقديم خطاب وطني جامع، والسعي إلى إعطاء زخم للقضية السورية في المجتمع الدولي، بوصفها قضية سياسية وطنية، وليست مجرد عمليات إغاثة إنسانية.