مقاومة فنية ثقافية سورية: كتاب “سوريا تتحدث”…إبداع يتحدى العنف على خط النار
الندوات حول كتاب “سوريا تتحدث: الثقافة والفن من أجل الحرية” بمدينتي أمستردام ولاهاي في هولاندا، بمثابة إعادة هذا الكتاب المهم إلى الأضواء، والذي ترجع فكرته إلى معرض ضم العديد من أعمال فنانين وساخرين سوريين أقيم قبل ثلاثة أعوام في مقر صندوق الأمير كلاوس في أمستردام. سوزانا طربوش تلقي لموقع قنطرة نظرة جديدة على الكتاب وارتباطه بالواقع السياسي والثقافي.
يدعم صندوق الأمير الهولندي كلاوس للثقافة والتنمية كتاب “سوريا تتحدث” من بداية نشره وحتى الآن، إذ أعد الصندوق حفلة إطلاق الكتاب في مسرح “آن هيت سبوي” في مدينة لاهاي الهولاندية في الخامس والعشرين من آذار/مارس 2015، كجزء من مهرجان “أفلام مهمة” Movies that Matter السينمائي الذي يعقد سنويا بدعم من منظمة العفو الدولية. وفي اليوم التالي، تم إطلاق الكتاب في مركز الكتاب الأمريكي بأمستردام.
شاركت الكاتبة والصحفية المقيمة في لندن، مالو هالاسا في المعرض الثقافي Culture in Defiance في أمستردام عام 2012 والذي استعرض دور السخرية في النضال من أجل الحرية في سوريا. وبالتدريج صارت هالاسا كاتبة مشاركة في كتاب “سوريا تتحدث” ضمن أكثر من 50 شخصية سورية مساهمة في الكتاب الذي يبلغ عدد صفحاته 312 صفحة، والذين عرضت أعمال معظمهم في معرض أمستردام.
وفي مقدمتهما لكتاب “سوريا تتحدث”، كتبت هالاسا وزميلها الكاتب والباحث السوري، زاهر عُمرين:” الأمر ببساطة هو أن الإبداع ليس وسيلة للنجاة من العنف فحسب بل لتحديه أيضا”، مع التأكيد على أنه منذ بداية الثورة السورية عام 2011 ” تبدل كل شيء بشكل حاد على الأرض، إلا الهوية الفنية”.
جولات تعريفية للكتاب
نشرت دار “الساقي” الكتاب الصيف الماضي في لندن. وقدم صندوق “الأمير كلاوس” الدعم المالي الأكبر للكتاب بالإضافة إلى دعم إضافي من المركز الدنماركي للثقافة والتنمية. وفاز الكتاب بجائزة من نادي القلم الدولي، ما ساعد على دعم جولة ترويجية للكتاب في بريطانيا. وبعد ذلك تم عرض الكتاب في مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب، كما تم الترويج له في جولة بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الأثناء نشرت دار “الساقي” نسخة عربية للكتاب، إذ تولى فريق من خمسة مترجمين ترجمة أغلب نصوص الكتاب المكتوبة باللغة الإنجليزية.
وفقا لدار “الساقي” التي نشرت الكتاب فإن كتاب “سوريا تتحدث” هو “احتفاء بأناس أصروا على استعادة كرامتهم وحريتهم وقدرتهم على التعبير. يستعرض الكتاب أعمال أكثر من 50 فنانا وكاتبا يتحدون ثقافة العنف في سوريا”.
تولت مالو هالاسا تقديم وإدارة الندوة التي تعرضت للكتاب في مهرجان Movies that Matter السينمائي، كما قدم عمرين مقتطفات من أفلام قصيرة من أول مهرجان سوري لأفلام الموبايل (المحمول)، والذي شارك في تنظيمه، لاسيما وأن المحمول كان أداة رئيسية للتوثيق وللمقاومة الثقافية منذ بداية الثورة السورية قبل أربعة أعوام.
وأقيم مهرجان أفلام الموبايل في سوريا في الفترة من 15 وحتى 17 تشرين أول/أكتوبر 2014 في خمس مدن وهي: كفرنبل وحلب والأتارب وجبل الزاوية والباب. وألغيت فعاليات المهرجان التي كان مخططاً لها في عين العرب-كوباني بسبب هجمات “داعش” في المنطقة.
ضم كتاب “سوريا تتحدث” العديد من الشخصيات من بينها الكاتب والمفكر السوري المخضرم ياسين الحاج صالح والكاتبة والصحفية رشا عباس وممثلين- لم تذكر أسماؤهم- لمجموعة “الشعب السوري عارف طريقه”، التي تضم عددا من الفنانين الذين صمموا ونشروا العديد من البوسترات المرتبطة بقضايا الثورة السورية. ويظهر أحد هذه التصميمات على غلاف الكتاب.
ثقافة وفن على خط النار
يضم الكتاب مقابلة موسعة مع الحاج صالح تحت عنوان “عن المفكر والثورة” بالإضافة لقصة قصيرة لرشا عباس بعنوان له المعنى التالي: “صحن السلمون لم ينظف بالكامل”. ويضم الكتاب أيضا فصلا يتكون من 18 صفحة عن “فن الإقناع” ويتناول مجموعة “الشعب السوري عارف طريقه” بعدد كبير من أعمالهم الفنية وتعليق من المؤرخة الفنية تشارلوت بانك.
لقد قضى ياسين الحاج صالح 16 عاما من عمره في السجن الذي دخله عام 1980 أيام حكم حافظ الأسد. وبعد اندلاع الثورة السورية عاش صالح مختبئا في سوريا قبل أن يفر إلى تركيا خريف عام 2013. وفاز صالح بجائزة الأمير كلاوس تكريما له على إنجازاته البارزة في مجالي الثقافة والتنمية.
وأعطى الحاج صالح بعدا تاريخيا للنضال الثقافي عندما قال في المقابلة التي نشرت في كتاب “سوريا تتحدث” إن تأثير الحبس والطغيان بشكل عام بدا جليا في الثقافة السورية منذ السبعينيات، إذ بدأت فكرة الديمقراطية والقضايا السياسية والتشريعية والأخلاقية المرتبطة بها، تسيطر على أعمال المفكرين السوريين سواء في الأدب أو الفن، وصار الناس أكثر اهتماما بقضايا مثل الظلم والسجن والحرية.
ويعتبر زياد حمصي جزءا من عدسة شباب ينشطون في مجال صحافة المواطن وقد وجدت صوره الملتهبة مكانها في كتاب “سوريا تتحدث”. وعادة ما تواجه هذه الفئة من المصورين أشد أنواع المخاطر وهو أمر يعرفه حمصي، الذي احتجزته “داعش” خارج الرقة لمدة 18 يوما قبل الإفراج عنه.
سجناء بسبب المقاومة والفن
قبل يومين من فعالية لاهاي، نظم نادي القلم الدولي مسيرة سلمية على جسر الألفية في لندن للمطالبة بإطلاق سراح مازن درويش، مؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وزميليه هاني الزيتاني وحسين غرير. وألقي القبض على الثلاثة بعد أن داهمت قوات الأمن السورية مكتبهما في شباط/فبراير 2012. ويشارك درويش، وهو محامٍ وصحفي ومدافع عن حقوق الإنسان، في كتاب “سوريا تتحدث” بمقال بعنوان “خطاب للمستقبل” الذي كتبه درويش عام 2013 بعد حصوله على جائزة “برونو كرايسكي” لإسهاماته في مجال حقوق الإنسان، وتم تهريب الخطاب من محبس درويش في دمشق.
مازن درويش، محامٍ ومؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. ومازال درويش محتجزا في سوريا بعد أن ألقت قوات الأمن السورية القبض عليه مع 15 شخصا آخرين في شباط/فبراير 2012. وشارك درويش في كتاب “سوريا تتحدث” بمقال “خطاب للمستقبل” والذي تم تهريبه من السجن الذي يقبع فيه درويش بدمشق.
وتشارك يارا بدر، زوجة درويش ومديرة المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في كتاب “سوريا تتحدث” من خلال مقالتها التي تحمل عنوان “حيوات سرقت” والذي تتطرق فيه لكيفية تعامل جيلين اثنين في سوريا مع السجن السياسي. وقضى والد يارا 12 عاما في السجن كما تعرضت هي أيضا لتجربة السجن لبعض الوقت بعد القبض على زوجها وزملائه في المركز.
وظهر عبث محاولات النظام قمع أصوات معارضيه عبر سجن درويش وآخرين مثله، بشكل جلي للعالم في تشرين الأول/أكتوبر 2014 عندما اختار الكاتب سلمان رشدي، مازن درويش ليشاركه جائزة نادي القلم الدولي السنوية المرموقة. ولم يتوقف تكريم الناشط المحبوس عند هذا الحد، إذ أعلنت منظمة اليونيسكو مطلع نيسان/أبريل 2015 عن فوز درويش بجائزة اليونيسكو/غويليرمو كانو لحرية الصحافة والتي تقدر قيمتها المالية بنحو 25 ألف دولار أمريكي.
سوزانا طربوش
ترجمة: ابتسام فوزي
حقوق النشر: قنطرة 2015 ar.qantara.de