ملاحظات من صلب مرحلة الفرز السياسي في سوريا
فلورنس غزلان
ــ تمر بلادنا” سوريا” في مرحلة حرجة ، مرحلة مخاض عسير وحرب شرسة يشنها النظام الأسدي البربري بكل آلته الحربية وعصابات شبيحته المنسلخة عن قيم الإنسانية والضمير الوطني على شعب أعزل إلا من الكرامة والتوق للحرية والانعتاق من أسر الاستبداد واللامساواة إلى فضاء الحرية والديمقراطية, مر مايزيد على أربعة أشهر على انتفاضة الشعب السوري ، التي بدأها بمطالب مشروعة ومحقة راح يرتفع سقفها ويتصاعد طرداً مع إزدياد هول المحرقة وإعمال العنف والفتك بحقد طاغي وعنف عاري تجاه أبناء الوطن ومن أبناء وطن يفترض بهم أن يكونوا حماة هذه الجموع التي تطالب بالحرية وبنظام يسوده قانون عادل يساوي بين أطياف وتشكيلات الشعب السوري السياسية والاجتماعية، لكن نظاماً قام واستقام بفضل الدبابة وسلطة القمع وسيادة الأجهزة الأمنية المعدة والمنتقاة بعناية يستقيم معها الولاء، وعليها ترتكز بنية النظام ودوامه لايمكنه أن يتصور أن هناك وسائل أخرى أكثر نجاعة من وسائله ، التي نجح من خلالها في العقود الماضية في تثبيت أقدامه وسيطرته على أرض وشعب صمت وأذعن وكمض غيظه وارتضى المهانة لأجيال عدة، ف ي عقل النظام السطاني السلطوي لايرى فيها سوى أنها الوسائل المطواعه والمُطَّوِعَة ، وبدونها لن يعيش ولن يكتب له توريث الحكم وتسليمه ليدابن أسرة تعتبر الوطن حقها الإلهي في حكم هؤلاء العبيد!.
ـ بعد كل هذه المدة يلاحظ أن النظام لايعترف بأن البلاد في أزمة أو في حالة ثورة عليه، ولايريد أن يرى الحقيقة الفاقعة على الأرض، لأن هوامه ووجوده بنفس الوقت مرتبطان عضوياً بالعنف كطريق وحيد ليبقى!، وفي الوقت نفسه هذا يعني أن ثورة الشعب تخسر يومياً المزيد من الموت ، المزيد من الضحايا ” شباب، نساء، شيوخ ، أطفال”، والمزيد من الاعتقالات والجرحى..يزداد معه تصميم الشعب على الخلاص من هذا البطش وهذا الاستبداد الفريد بنوعه وتركيبته ووحشيته..أي أن كلا الطرفين يتمسك بموقفه ويزداد مع الوقت تشبثاً بأن مايقوم به هو الصحيح، وهنا يطرح علي الكثيرون سؤال:” إذن كيف نتخلص من هذا النظام؟ ، والبعض الآخر متى يكتب لنا النجاح ونحقق النصر؟”، وأضيف عليه، ماهي العوائق والمثالب التي تعترض مسيرة الثورة ويمكنها أن تحرفها عن طريقها السليم، وعلينا أن نتحرص لها ونحمي الثورة وشبابها من الانزلاق فيها؟.
ـــ من كل مامضى يتبين لنا أن هناك بعض الانسداد السياسي يظهر في الأفق، فالكلفة التي يدفعها الشعب باهظة ، كماهي باهظة أيضاً بالنسبة للنظام ،ــ وإن أتاه الدعم المادي وخفف من سقوطه اقتصادياً سواء من إيران أم من من رامي مخلوف وبعض تجار دمشق وحلب من ذوي المصلحة المرتبطة مع بقاء النظام….وماقدمه النظام حتى الآن من مبادرات،ماهي إلا عدم اعتراف بالتراجع وإصرار على اختصار مطالب الشعب بالتغيير بمسحات إصلاحية كان يمكنها أن تفيد لو جاءت قبل سنوات، أو على الأقل بعد انطلاق شرارات الثورة في تونس ومصر ــ
ــ وكي أكون أكثر صراحة ووضوحاً مع نفسي ومع محيطي وقناعاتي وحسب رؤياي للواقع ونتائجه ، أخلص إلى أن مشوارنا مازال طويلاً، يتطلب صبراً أيوبياً وثباتاً وقناعة ، بأن الاستبداد إلى زوال ، والديكتاتورية لن تدوم، وأن يظل مؤمناً بالشعب السوري وبنضالاته، مع أن التضحيات ستتسع دائرتها على كل الأصعدة بما فيها الانهيار الاقتصادي ، الذي سيحصد الشعب المحَارب نتائجه يعيق طريق الثورة، ويطيل بعمر النظام، لكن لا إلى وقت طويل..لماذا؟.
لأن الدعم الاقتصادي لن يستمر والعنف لم ولن يؤتي أؤكله بالنسبة للنظام، بل إنه يحصره في خانة تزداد عليه ضيقاً يوماً بعد يوم، وما اجتياحه لدير الزور وحماة منذ البارحة إلا دليلا على فقدانه لأعصابه فلم يعد يكترث بكل ماسميت خطوطاً حمراء على مر التاريخ” كحماة”!..فليس في عرفه أي خط يمكنه أن يرده عن تنفيذ مخططه ومشروعه في البقاء حتى لو أفنى نصف سوريا!…لكن هذا الصمت المريب عربياً ودولياً هل سيبقى يتفرج على موتنا ، دون أن يرف له جفن؟ ــ حتى لو أني لا أعول كثيراً على المواقف العربية خاصة وبعض الدولية عامة…لكن حجم تضحيات الشعب السوري سيضع دول الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها..ومنظمات حقوق الإنسان أمام دورها وقدرتها على تحريك الدوائر الفاعلة.
ــ يبقى هناك نقاط هامة لم يعد من الممكن السكوت عليها وانتظار معجزات تخرجها عن شرذمتها وعن دورها الهام في مستقبل البلاد، ألا وهي المعارضة السورية..عقدت العديد من المؤتمرات ، في بروكسيل، وأنطاليا ، واستنبول، وهاهي تعقد مجموعات من مثقفين سوريين حلقات دراسية للوضع” في الدوحة”، ومايمكن أن تقدمه للمعارضة من جهة وللوطن السوري من جهة أخرى..لكن أياً منها لم يستطع حتى الآن أن يمثل كل أطياف وشرائح المجتمع السوري ، سياسياً، اجتماعياً إثنياً..الخ..هذا يعني أن على المعارضة أن تتدارك ما اعترضها من نقص في الرؤيا ومن تقصير في التحضير ، ومن طرح لبرنامج عمل يمكنه أن يكون القاعدة العريضة ، التي تجتمع عليها أولويات المواطنة ، وأعتقد ان الدكتور برهان غليون قد اختصرها كما سبق ولكثير من المثقفين أن تناولوها ولا يختلف عليها إثنان كأسس يمكنها أن تجمع كل الطيف المعارض وأعتقد أنه سبق لي وذكرتها كذلك في مقال بعنوان:ــ ( سباق محموم نحو مؤتمرات تحاور أو لاتحاور ــ بين النظام والمعارضة )، لا للتدخل العسكري لا للطائفية السياسية وغير السياسية، لا للعنف من أي طرف كان.، نعم وبإصرار لسلمية الثورة وابتعادها عن أي ردود فعل عنفيه يريد النظام ويسعى جاهداً لزجه بخندقها…نعم لدولة مدنية ديمقراطية لاطابع ديني لها من أي نوع أو مذهب ، تساوي بين المواطنين تحت سقف المواطنة يحكمها دستور يختاره الشعب..من منا ..منكم.. يا أبناء وطني يختلف على هذه الأمور الأساسية؟..إذن الكرة في ملعب المعارضة والمعارضين وعلى ذوي القدرات والنيات الحسنة أن يبادروا لتوحيدها ، لأن الوقت لايرحم والتاريخ أيضا لن يرحم.
ــ هناك طيف واسع من أبناء شعبنا مازال يلتزم الصمت والانتظار..هذا الطيف يجب تحريكه وباعتقادي أن بعضه يمكنه أن يتخذ خطوة ايجابية حين يرى المعارضة وقد وحدت نفسها ــ بالطبع مع حفاظ كل طرف معارض على قناعاته الأيديولوجية ــ، لكن هناك طيف يتخذ موقف الحذر والتخوف من القادم ..وهذا الطيف ــ مع الأسف ــ معظمه يساري الهوى..سقط بفخ النظام وهواجسه وخطابه فأصابته عدوى التشكيك والخوف من القادم ” على أنه إسلامي “!!..علل البعض خروج المظاهرات من المساجد، والبعض الآخر صدق بروباغاندا” قناة الدنيا وصحيفة الوطن” ..بأن شعارات طائفية رفعت هنا وهناك!..حتى لو حصل ، فهل هناك ثورة من ثورات العالم عبر التاريخ القديم والحديث نقية مئة بالمئة؟..ألم تأكل الثورة الفرنسية أولادها؟ .ألم تزل الثورة المصرية والتونسية تعيشان مخاض الغربلة والفرز السياسي. إلى أن يستتب الأمر؟..ثم كيف لانخطيء ولا يخطيء أبناء شعبنا وقد تجرع كأس الديكتاتورية ولم يتعرف طيلة حياته إلا على لون واحد من ألوان السياسة! ، وأنه بحاجة لوقت وعمل وجهد ثقافي تربوي كبيرين ليستعيد ثقته بنفسه وثقته بنور الغد وبعدالة مطاليبه، وبممارسته للديمقراطية فكراً وعملاً وقبوله الاختلاف والآخر دون تابويات، كما يمكنني القول أن بعض الأطراف في داخل النظام نفسه ممن لم تنغمس يديه بالدم ولم يسرق قوت الشعب..يؤمن بأن الكفة الراجحة ستكون عاجلاً أم آجلاً لصالح الشعب، لكن الخشية والخوف تأكل قلبه وعقله وضميره..الخوف من التغيير ومن صورة نمطية تعود عليها ، ويخشى أن يكون الآتي أسوأ منها أو أنه سينتقم منه لموالاته!!..هنا أقول لهذا الطيف..لم يبق أمامك وقتاً يساعدك على التلكؤ ..إن أردت أن تحمي نفسك ووطنك، فما عليك إلا الوقوف إلى جانب الشعب السوري..أن تنفصل بالطريقة التي تراها مناسبة عن هذا النظام ..لتحتفظ لنفسك بموقف مشرف وباسم لم يبتل حتى الأذنين بخدمة نظام يظلم ويضطهد أبناء وطنك منذ عقود..الآن قبل الغد ..عليك أن تأخذ موقفاً..قبل أن تدفع ثمن مولاتك لنظام لاينتمي لشعبه ولا لوطنه ولا لأمته.
ــ باريس 31/07/2011.