ممنوعان: “لبننة” سوريا أو تقسيمها
أسعد حيدر
مهمّة كوفي أنان، كانت حالة وفاة معلنة. لم يكن ينقص سوى إعلانها رسمياً. عاجلاً أو آجلاً سيتم تعيين خليفة من وزن أنان، لأنّ الفراغ مرفوض، حتى ولو بقي المراقبون قابعين في غرفهم لفترة تصل إلى 95 في المئة من الوقت، المهم أن يبقى علم الأمم المتحدة مرفرفاً في سماء دمشق. وكائناً مَن كان البديل، فإنّ العالم رغم الفيتو الروسي، دخل مرحلة البحث في المرحلة الانتقالية لما بعد الأسد. ما يعزز ذلك أنّ أنان وقد تحلّل من موقعه الرسمي، أطلق بنفسه رصاصة الرحمة على مستقبل الرئيس بشار الأسد بقوله: “إنّ الأسد سيرحل عاجلاً أو آجلاً”. أيضاً الملك الأردني عبدالله الثاني بحث مع وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا في مسألة “الانتقال السياسي في سوريا ما بعد الرئيس بشار الأسد”. وقد اتفقا على الحاجة إلى ممارسة ضغوط دولية قوية من أجل رحيل الاسد”. ليس أمراً عادياً أن يخرج الأردن عن حذره “وصمته” في مواجهة سوريا. نادراً ما حصل ذلك. الآن وقد قال العاهل الأردني كلمته فإنّ تحولاً أساسياً قد حصل وهو يشكّل خطوة كبيرة إلى الأمام في عملية رسم مسار اقليمي ودولي لرحيل الأسد وإخراج سوريا من قلب “حزام النار” الذي يلفّها ويحرقها.
كل يوم حرب في سوريا هو كارثة إضافية تضع منطقة الشرق الأوسط أمام جملة احتمالات وسيناريوات أحلاها مر. ما يرفع من منسوب الأخطار انّ الرئيس بشار الأسد لن يرحل بإرادته لأنّه ليس حسني مبارك ولا زين العابدين بن علي. الوريث، خصوصاً في حالة وراثة السلطة، لا يتخلى عمّا ورثه بإرادته، لذلك ليس أمراً مستغرباً أن يتعمّد الأسد التعامل مع الحريق داخل “البيت” السوري وكأنّه “مؤامرة كونية” ضدّه شخصياً، وأنّ هذه المؤامرة نفّذت عندما (كما يؤكد حلفاؤه الروس والإيرانيون) بدأ في تنفيذ الإصلاحات، علماً أنّه أمضى 11 سنة في السلطة ولم يفعل شيئاً سوى متابعة ترسيخ وتدعيم “جمهورية الخوف” في سوريا.
بسهولة لا يقدر عليها سوى مسؤول يائس، ألقى الأسد “كرة النار” الكردية في حضن تركيا. لم يعد يهمّه أن ينشقّ الأكراد عن سوريا وأن يقيموا اقليماً على غرار كردستان العراق، ولا أن تشتعل تركيا اليوم وإيران غداً. أخطر من ذلك أنّ “أسديين محترفين”، أو مخلصين خائفين على مستقبل المنطقة من هذا الجنون الأسدي، يتقاطعون في رسم سيناريو جهنمي أقل ما فيه إعادة صياغة لخريطة منطقة الشرق الأوسط بعد إلغاء اتفاقية سايكس – بيكو. من ذلك أن يقوم الأسد في خطوة أخيرة بعد يأسه الكامل من البقاء إلى الأبد، بالانسحاب باتجاه الجبل العلوي وإقامة اقليم مستقل يحكم كل الشاطئ السوري. وإذا نجحت العمليات الحربية ودخلت إيران وشيعة لبنان على خطّه التقسيمي فإنّ هذا الاقليم يتمدّد بعد سحق حمص وتهجير سكانها باتجاه الهرمل وبعلبك وصولاً إلى الجنوب اللبناني بعد تأمين “كوريدور” في الجبل؛ بذلك تقوم دولة علوية شيعية مستقوية بطرحها الايديولوجي حول إسرائيل وضرورة زوالها لأنها “سرطان مزروع” كما هو معلن في الخطاب الايراني منذ الإمام الخميني.
ماذا سيحصل بعد قيام هذه “الدولة الغريبة”؟ “مقص” التفاهمات الدولية، سينتج دولة كردية قوية خارجة أيضاً من تقسيم تركيا وإيران، علماً أنّ إيران ستخضع لمقص التقسيم الأكبر بحيث لا يبقى منها سوى القسم الفارسي، لأنّ اقليم أذربيجان سيلتحق بدولة أذربيجان الكبرى، والبلوش بدولة بلوشستان الكبرى المشكّلة من أقاليم البلوش في باكستان وافغانستان إضافة إلى إيران، وربما يتم ضمّ خوزستان العربية (عربستان) إلى جنوب العراق الشيعي طالما أنّ “مقص” التقسيم موجود. باختصار ستُلغى دول وتقوم دول جديدة، ويتم تقزيم دول وتنفخ دول جديدة. في النهاية ستكون إسرائيل الدولة الأقوى على طول القوس الممتد من جبل طارق مروراً بإيران وسوريا وتركيا وصولاً إلى افغانستان عبر الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً.
مَن سيفرض هذه الخريطة غير المسبوقة؟ بلا شك، التفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا عبر يالطا جديدة.
المشكلة أولاً أنّ مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم إلاّ بين قوتين متكافئتين، في حين أنّ التكافؤ غائب بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية. ولذلك لا واشنطن مستعدة لتقديم أي تنازل لموسكو، ولا الأخيرة ستقبل تقطيع أوصالها بيديها لأنّها ستخسر قاعدة طرطوس مثلاً، أو لأنها تريد محاربة الإسلاميين الصاعدين في المنطقة خوفاً من تمدّدهم إلى داخلها، فتعمد إلى فتح أبوابها أمامهم بعد أن ينتظموا في دول تلفها أحقاد قوميات وأصوليات حاقدة على بعضها البعض بقدر حقدها على الآخرين.
كل المشكلة تكمن في الخوف من أن “تتلبنن” سوريا، وأن تمتد الحرب فيها لسنوات. لا يبدو أن واشنطن والدول الأوروبية القابعة على الشاطئ الشمالي لحوض البحر الأبيض المتوسط مستعدة لترك سوريا لتتلبنن وكأنّ ذلك قدرها. عندما تصل الأخطار إلى مثل هذه الدرجة التي تصيب دولاً في أوروبا وحتى روسيا في قلبها وأميركا في مصالحها الاستراتيجية، لا يعود ذلك مقبولاً. سوريا ليست لبنان لتُترَك في قلب حزام النار لـ”تتلبنن”. مجرّد طرح تقسيم المنطقة وما حولها يثير الخوف، ويضع الجميع في حالة التيقظ والاندفاع للبحث عن حلول بديلة.
مرحلة ما بعد الأسد بدأت. أمام الأسد وسوريا مئة يوم من الجحيم. خلال هذه الأيام المئة سيعيش الجميع من قوى الداخل والخارج على وقع تسريع للحركة وللخسائر غير مسبوقة حتى الآن، بحيث لا يتولى الرئيس الأميركي المنتخب رئاسته رسمياً إلاّ ويكون الأسد والأسديون معه خارج السلطة إلى الأبد.
المستقبل