من اغتيال عبد الرحمن الشهبندر إلى اغتيال حسين مروه/ عبد الله حنا
عندما ترامى إلى مسمعي نبأ اغتيال الأديب التقدمي والمفكر الموسوعي والمناضل الوطني حسين مروة سرعان ما وردت إلى خاطري حادثة اغتيال الطبيب الانساني والمفكر العلماني واحد عمالقة عصر النهضة العربية، والقائد البارز في حركة التحرر الوطني في العقود الأربعة الأولى من القرن العشرين الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.
فقد اغتيل حسين مروة عام 1987 على يد مسلحين قدموا إلى بيته في بيروت في سيارتين ودخلوا البيت بحجة توقيع بيان لوقف الاقتتال الدائر في بيروت . ولكنهم سرعان ما قتلوه في سريره وهو يعاني آلام المرض بمسدس كاتم للصوت ثمّ غادروا المنزل وهم يزبدون ويرعدون ..
واغتيل الشهبندر في عيادته في دمشق في 6 تموز 1940 بايد آثمة مجرمة، لا تقلّ إجراما وهمجيةعن اليد التي اغتالت حسين مروة في سريره .
2
حياة حسين مروة المعرفية تبدأ من دراسته في النجف الأشرف وتنتهي بمؤلفه الضخم “النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية ” ، مرورا بنشاطه الأدبي والاجتماعي والوطني وانتمائه إلى الحزب الشيوعي اللبناني . فهو لم يكن رجل حرب وقتال، ومع ذلك قام البرابرة باغتياله في بيته وعلى سريره لدوافع كثيرة منها ارهاب المدافعين والمنادين بسيادة العقل والتنوير وحرية الرأي .
إذا كان التحقيق في جريمة قتل الشهبندر قد تمكن بعد مضي اسبوع من الوصول إلى أدوات الجريمة ومنفذيها ، فإن الوضع في بيروت وفي ظل الحرب الأهلية وقوة شكيمة الدافعين للقتل ،لم تسمح بالوصول إلى الأدوات المنفذة لاغتيال احد الآباء الروحيين لمئات الأدباء العرب والآلاف من المثقفين العرب . فقد القى مروة في مؤلفه الضوء على عوامل صعود الحضارة العربية الاسلامية وازدهارها قبل عصر الانحطاط . وليس من المفارقة في شيء أن مروة كان في طليعة من كشف الجوانب المضيئة في الحضارة العربية الاسلامية ، وحلل بمنهج علمي آلية التفاعلات والتناقضات الجارية داخل تلك الحضارة .
فتحت عنوان ” الاسلام – الثورة في ضوء المنهجية العلمية ” كتب مروة عام 1980 ما يلي:
” وإذا كانت السلطات السياسية التي استظلت راية الخلافة الاسلامية طوال عصور عدة ، قد وجدت السبيل لاختراق الفكر الاسلامي بايديولوجية سلطوية اتخذت من هذا الفكر سلاحا ايديولوجيا لدعم سيطرتها الاستبدادية ولمحاربة القوى المعارضة لهذه السيطرة . فإن القوى المعارضة نفسها كان لها في فكر الاسلام ذاته مجال ان تشهر منه سلاحا تقدميا في معارضة إيديولوجية السلطة الاستبدادية المسيطرة. ذلك بكون المبادئ الاسلامية الساسية العامة التي تنهض عليها البنية الكلية لفكر الاسلام ، شريعة وعقيدة معا . هي مبادئ تناهض الاستبداد والظلم الاجتماعي والفردي كليهما ” .
هذا هو منهج حسين مروة ، الذي سقط شهيدا في عصور الظلام التي اعقبت تلك الحضارة العربية الاسلامية المزدهرة . . معذرة لوصف المرحلة الحاضرة ، أو بالأصح جوانب منها ، بعصور الظلام ، وهذا امر خطير . ولكن ما نحب الإشارة إليه هو أن عتمة تلك العصور لا تزال تخيم على عقول الكثيرين ممن يقولون أنهم يمثلون تلك الحضارة … عصور الظلام تلك ، التي لم تستطع البورجوازية العربية في مرحلة صعودها من تجاوزها كما جرى في اوروبا .. عصور الظلام هذه تصدى لها رجال النهضة العربية ودعاة التجديد الاسلامي و ولكنهم لم يستطيعوا اقتلاع جذورها . . عصور الظلام التي جابهها دعاة التنوير العقلاني دون ان يتمكنوا من التغلب على ظلمتها .
إن عصور الظلام المملوكية – العثمانية وصفها الشيخ المستنير محمد بهجت البيطار ( الدمشقي ) بأنها ” عصر جمود على القديم وتلقي الأقوال بالتسليم من دون تمحيص للصحيح من السقيم “.
ولم يتمكن كما ذكرنا ، دعاة التنوير من القضاء على الظلمة ولكنهم استطاعوا إضاءة خيوط من النور في بحار الظلام . ومع نهاية القرن العشرين كانت اشعاعات التنوير تخبو والظلام يزحف بمعدلات متسارعة ، والجهل والتعصب يُبعث من جديد مصحوبا بالنزوات الطائفية والمذهبية والغرائز العشائرية ، التي كان عصر النهضة قد خفف من غلوائها لصالح الولاء للوطن والأمة .
وهكذا اختفت صيحات الدين لله والوطن للجميع وسط زحمة الأمواج الأصولية والفكر المتحجر . وارتفعت في كثير من الأصقاع صيحات تجّار : الطائفة هي الوطن .. العشيرة هي الوطن .. العائلة هي الوطن .
ومعنى ذلك أن تلك الروح الانسانية المبشرة بالتراحم والتناصف والداعية إلى اتحاد الطوائف والعشائر في بوتقة الوطن قد انكمشت في بعض ارجاء العالم العربي حيث أمست الطائفة أو العشيرة هي المثل الأعلى للفرد المتخلف أو المعبأ طائفيا أو عشائريا في تلك الطوائف والعشائر .
لقد كان الانتماء الفكري لحسين مروة ومنهجه في البحث مرحلة متقدمة على عصر النهضة ونقلة نوعية جديدة في الأهداف والأساليب . وهذا الانجاز الثقافي والعمل الفكري لمروة كان في الوقت نفسه استكمالا لما بدأت به النهضة العربية ، واغناء لعمل رجالها .
لقد دخل حسين مروة التاريخ مع انجازه مؤلفه الضخم ” النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية ” ، واحتل بعد استشهاده موقع الصدارة في محراب الحرية الفكرية والدفاع عن حملة ألوية التراث النيّر ، الذي عرفته الحضارة العربية الاسلامية .
إن اغتيال حسين مروة على أيدي قوى ظلامية دفع الكثيرين ( في ذلك الوقت قبل عقدين ونيّف ) للتساؤل: هل انهزم المفكر الموسوعي وباعث التراث الأصيل والمناضل التقدمي حسين مروة ؟ هل انهزم مروه وفكره ومنهجه امام القوى الهمجية ؟ .. وهل اخذ عصر النهضة بالأفول مع اغتيال عبد الرحمن الشهبندر في دمشق عام 1940 ، وسُددت له ضربة موجعة مع اغتيال حسين مروة في بيروت 1987.
إن التشابه في الاغتيال والدافعين إليه وأداته في عامي 1940 و1987 تدفع اكثر فاكثر إلى التساؤل : هل أننا لا نزال نراوح في مكاننا ، أم أننا نسير القهقرى نحو ظلام العهود ، التي أعقبت ركود الحضارة العربية الاسلامية بعد القرن الثالث عشر ؟ ..
لقد ربّت الحضارة العربية الاسلامية في عصر ازدهارها جمهورها على التسامح وتثقّف قسم كبير من فقهائها بثقافة الفلاسفة والأدباء ، فلم يجدوا حرجا في اقوال ابو العلاء المعري تستوجب العقوبة الصارمة أو الحكم بالإعدام شرعا . فلماذا يُقتل حسين مروة وهو في كتاباته من أشد المدافعين عن الاسلام : ” الاسلام الثورة ” . فقد أدرك مروه ، كما كتب : العمق الثوري للاسلام وهو ينطلق انطلاقته الكونية ، منذ أربعة عشر قرنا ، معلنا نفسه بسيمائه الساطعة أنه الاستجابة التاريخية الضرورية لحاجة أهل الجاهلية – العرب في شبه الجزيرة العربية ، إلى ذلك التحول الذي سيكون بعد الهجرة الكبرى بقليل منطلقا لتحولات كونية ، تشمل خارج شبه الجزيرة وتتسع شيئا فشيئا حتى يصبح قياسها بقياس المعمورة في زمنها التاريخي الوسيط كله ” .
حقا لقد كان القاتل بلا ذاكرة لأن هذا الشيخ الجليل ممثل للأصالة والتراث في معنييهما الوجداني والحياتي أكثر بكثير من الذين دفعواالقاتل إلى الاغتيال .
لقد قام حسين مروة باتمام رسالة رجال النهضة العربية منتقلا بها إلى مضامين جديدة وساعيا بنجاح في مؤلفاته للربط بين محاور ثلاثة :
1 – البحث بمنهجية جديدة في التعامل مع التراث ومع الفلسفة العربية الاسلامية سواء باشكالها العقلانية ، ام باشكالها الصوفية ، أم بابعادها الإيديولوجية .
2 – اتمام رسالة رجال النهضة والتنوير الاسلامي ، الذين لم يستطيعوا السير بالنهضة إلى نهاية مسيرتها .
3 – الكشف عن إيديولوجيتين متصارعتين في التاريخ العربي الاسلامي : إيديولوجية سلطوية مستغِلة مستثمِرة وايديولوجية مناهضة للاستبداد وداعية إلى العدالة الاجتماعية وتحقيق مطالب المستضعفين أو بعضها.
فما عسانا أن نقول : إذا كان حسين مروة قد قُتل بسبب أفكاره هذه ونشاطه الأدبي والثقافي والفكري . ما عسانا أن نقول : إذا كان مروة قد قُتل بسبب ما أثاره مؤلفه من اهتمام لدى مختلف الأوساط الفكرية والأكاديمية والصحافية والمثقفة بوجه عام .
3
اغتيال الفكر النهضوي العربي بالرصاص الغادر
في ضحى السادس من تموز 1940 اغتيل الدكتور عبد الرحمن شهبندر غدراً في عيادته بدمشق. وقد كشف التحقيق عن الجناة المنفذين من الحلقة الدنيا، إلا أنه لم يستطع (أو يرغب) أن يصل إلى الجناة من الحلقة العليا وحتى المتوسطة.
لقد مثّل الشهبندر، فكرياً، يسار عصر النهضة أو بالأصح إحدى تيارات ذلك اليسار النهضوي، الذي شرع يطرح آراءه في خضم عصر النهضة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وكان اغتيال الشهبندر على يد تلك الفئة المنغلِقة المتزمتة بمثابة تحذير للمنادين بحرية الفكر العربي والداعين إلى العقلانية والعلمانية والتنوير، والسير بالمجتمع العربي خطوات إلى الأمام، في ميدان التقدم الحضاري، والتغلب على التخلف أو على الأقل بعض جوانبه.
لقد كان المسدس الذي سدّد طلقاته إلى جسم الشهبندر، وتحديداً إلى رأسه ودماغه المفكر، يعني أن عصر النهضة العربية لم ينتصر كما حلم رواد النهضة العربية في العقود الماضية، وأن حرية الفكر ليست سهلة المنال..
ألم يُهدَر دم الشهبندر، لأنه دعا إلى السفور، ونادى بالديمقراطية، وطرح أفكاراً علمانية، وتحدث عن ” الاشتراكية المعقولة “، وسلخ “عمره في الدفاع عن حرية الفرد وحرية الجماعة سياسياً وإجتماعياً واقتصادياً”.
لقد كان من السهل على أعداء النهضة، ومناهضي التقدم، اتهام الشهبندر بالكفر، وتحليل قتله، وإلقاء الرعب في نفوس رواد النهضة ودعاة التحرر والتقدم. ولكن قوى الاستبداد التقليدي الغيبي، لم يكن بإمكانها القضاء على روح النهضة. فالتضييق على حرية الفكر العربي، لا يعني أن المدنية ستتوقف عن المسير.
4
بيان “جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي” بدمشق
بعد اغتيال الشهبندر، أصدرت “جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي” بدمشق، بياناً معبراً عن الوضع نتيجة اغتيال الشهبندر، ذلك العلم النهضوي ورجل الوطنية والتحرر الفكري، وننقل فيما يلي حرفيا بيان “جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي”:
” أيها العرب
في الوقت الذي يخطو فيه العالم المتمدن خطوات واسعة نحو التقدم والإزدهار دون أن يعير المسائل الدينية غير اهتمام واحد، وهو أن الإيمان ليس إلا رابطة تؤلف بين الإنسان والله، نشاهد في هذه البلاد جماعة لا همّ لهم إلا التفريق بين الله والإنسان، بما تدعيه من وكالة تخوّلها للدفاع عن حقيقة الله تعالى فوق هذه الأرض. لقد أقام هؤلاء أنفسهم وكلاء عن الله فزعموا أنهم بعمائمهم وقلانسهم ينطقون باسمه ويعبرون عن مشيئته. إن من المؤسف حقاً أن يُمنى الشعب السوري بمثل هذا الرهط من الناس، ينطقون باسمه ويعبرون عن مشيئته. إن من المؤسف حقاً أن يمنى الشعب السوري بمثل هذا الرهط من الناس، فيتصدر قيادته ويتزعم حركته، كما حدث في قضية اغتيال الدكتور الشهبندر. لقد هدر رهط من الناس دمّ هذا الرجل الكبير، زاعمين أنه دعا إلى السفور، وقال إذا كانت الديمقراطية كفراً فأنا كافر، وأرجفوا عليه بأن له صلة بالجاسوسية الانكليزية. ونحن نقول إن الدعوة إلى السفور لم تكن في يوم من الأيام كفراً، وإن القائلين بخروج المرأة من سجنها لم يخالفوا أي نص شرعي صريح. إذا دعا الشهبندر إلى السفور فلم يكن أول من دعا له. والقول بأن كلمة الشهبندر عن الديمقراطية كلمة فيها تحدّ للدين قول باطل، لأن الديمقراطية من أهم مميزات الدين الإسلامي، بدليل قوله تعالى “وأمرهم شورى بينهم”. وأما القول بأن الدكتور شهبندر كان جاسوساً انكليزياً لأنه تلقى ثقافة أنكلوسكسونية فهو قول باطل، وإلا لكان جميل مردم جاسوساً افرنسياً لأنه تلقى ثقافة افرنسية، وفارس الخوري جاسوساً أمريكياً لأنه تلقى ثقافته في المعاهد الأمريكية، ورياض الصلح جاسوساً تركياً لأنه تلقى ثقافة تركية، وبالتالي لوجب أن يكون كل مثقف بثقافة أمة جاسوساً لدولة تلك الأمة. إن “جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي” قد اهتمت بقصة اغتيال الشهبندر لأنه إذا صح أن التهوس الديني ساعد عليها، كان معنى ذلك أن العالم العربي يعيش في بؤرة من التقهقر الاجتماعي، وأن حرية الفكر في بلاد العرب أصبحت في خطر، وأن كل مفكر لا يستطيع التفوه بما يعود على الحضارة العربية بالتقدم، وأن كل مفكر عربي تقدمي يُقضى عليه سياسياً واجتماعياً باسم التعصب الديني، الذي لا يمت بآصرة من الأواصر إلى روح الدين. وإن الرضوح لإرادة من لا يفهمون من الدين إلا القشور دون اللباب، سيؤدي إلى كارثة كبرى. إن جماعة الإصلاح الإجتماعي العربي، لم يهتموا بقضية اغتيال الشهبندر، إلا لأنه اغتيال لحرية الفكر العربي. لقد سلخ الشهبندر عمره في الدفاع عن حرية الفرد وحرية الجماعة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن المسدس الذي سدد إليه إنما سدد إلينا جميعاً كعرب نقول ونؤمن بأن حرية الفكر والوجدان هما من أكبر الدعائم التي ارتكزت عليها الشريعة الإسلامية. لقد كان من المخجل أن لا يدافع الذين يسمون أنفسهم جماعة الشهبندر عن فكر الشهبندر في قاعة المحكمة. كما كان من المؤسف أن تُسمع المرأة العربية المسلمة صوتها في الدفاع عن الذي دافع عنها.
أيها العرب: إن اغتيال الدكتور شهبندر كان اغتيالاً للفكر العربي التقدمي، هذا الفكر الذي لا يمكن لنا بدونه إبداع مكاننا تحت الشمس”.
“جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي”
5
على الرغم من النهوض التنويري .. لا يزال للفكر الظلامي دوره المعطِّل
لم يكن توارد الخواطر والربط بين اغتيال الشهبندر الزعيم الوطني والمفكر العلماني واغتيال حسين مروة الأديب والمفكر الثوري والمناضل في سبيل الاشتراكية محض صدفة . لقد كان هذا الربط ، بين اغتيال شخصية من ثمار عصر النهضة وإحدى قممها وهو الشهبندر وبين اغتيال شخصية من ثمار عصر النضال الوطني المناهض للاقطاعية والامبريالية الكبيرة وهو حسين مروة ، انعكاسا للأوضاع الراهنة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية . فثمّة جملة اسئلة طُرحت و ولا تزال حول محنة حرية الفكر في عالمنا العربي ومحيطه الاسلامي ، الذي لم يسعفه الحظ ويخطو إلى الأمام في ميدان الثورات التقنية والتقدم الاجتماعي . أي أن عالمنا العربي لم ينتقل نقلة جذرية من قيود العلاقات الإقطاعية ( والعبودية ) وإيديولوجياتها إلى عالم الرأسمالية والثورة الصناعية ومن ثمّ إلى رحاب مجتمعات العدالة الاجتماعية . ومعنى ذلك أن بلداننا لا تزال تعيش جوانب من حِقب عصور العبودية ( المملوكية – العثمانية الانكشارية ) ورديفها الإقطاعية ، وهي لا تزال تسبح في ظلامات تلك العصور ، التي انبتت الأفكار الظلامية الجامدة المتزمتة وما يلحق بها من ظواهر .
ولعل المصادفة ، التي تَشَابَهَ فيها مصرع حسين مروة في بيروت عام 1987 ومصرع عبد الرحمن الشهبندر في دمشق عام 1940 تبعث على التأمل وإعمال الفكر في مصير التطور الجاري في عالمنا العربي ومحيطه الاسلامي ، وهو ما نكتوي بناره في هذه الأيام العجاف .
لقد ذهب الشهبندر شهيد الدعوة إلى العقلانية والعلمانية والقومية العربية والتنوير والسير بالمجتمع قدما إلى الأمام . وقضى مروة شهيد الدعوة إلى النهضة مطورا مضامينها في عصر النضال ضد الاستعمار الجديد معبرا عن مطامح الفئات الاجتماعية الطامحة بتحرير الانسان من الاستثمار الإقطاعي وعبودية رأس المال.
ولا ينفي ذلك كون الدافعين للقتل والجريمة استخدموا ادوات بشرية كان مروة ومن قبله الشهبندر من اوائل الداعين لتحَرُرِها الإقتصادي والاجتماعي والفكري . ويقدم تاريخ البشرية أمثلة كثيرة استخدمت فيها قوى الرجعية والظلام حثالة المجتمع من أجل تصفية خيرة المناضلين لتحرير المجتمع ولتقدم البشرية . كما قُتل الشهبندر على أيدي من كان يسعى لتطويرهم وانعتاقهم من التحجر والتخلف .
إن التشابه في الاغتيال والدافعين إليه وأداته في عامي 1940 و1987 تدفع اكثر فاكثر إلى التساؤل: هل أننا لا نزال نراوح في مكاننا ، أم أننا نسير القهقرى نحو ظلام العهود، التي أعقبت ركود الحضارة العربية الاسلامية بعد القرن الثالث عشر ؟
***
( كُتبت 1987 مباشرة بعد اغتيال حسين مروه وفورة الدم الفكري في أوجها لدى مؤرخ الخركات العمالية والفلاحية العربية وقضايا النهضة، العبد الفقير عبد الله حنا.)
ضفة ثالثة