من الأحلام البهية إلى جحيم البربرية!/ د. نقولا زيدان
من الأحلام البهية إلى قعر الجحيم! بهذه العبارة تلخص الشعوب العربية وخيرة طلائعها ممن كانوا يطلقون العنان لطموحاتهم المشروعة في أن يتمكنوا من أن ينعموا يوماً بمستقبل بهي ظنوه قريب المنال فإذا بهم في اللحظة التاريخية الراهنة يعيشون أياماً صعبة بل تدافعاً هائلاً لإحداث تفوق بشاعتها أسوأ الأوصاف لتلامس الكوابيس الجهنمية.
أي همجية بربرية هي هذه التي يقترفها أكلة لحوم البشر القتلة الأوغاد عندما نشاهد الطيار الأردني الأسير «معاذ الكساسبة» يحرق حياً فلا يبقى منه سوى نتف من عظام سوداء! أي قوانين أو أعراف أو تقاليد أو طقوس أياً كانت ظروفها أو حججها أو ذرائعها تقود هؤلاء الوحوش لفعل هذا أمام سمع وبصر الدنيا كلها؟
حقاً قد برّ بشار الأسد بوعده عندما هددنا بأن أي مخاطر أو أذى سيصيب نظامه، فعندها سيشعل ناراً مدمرة تجتاح الشرق الاوسط كله من بحر قزوين إلى بحر العرب. وها نحن الآن نشاهد بأم العين فصلاً من فصول النار التي أشعلها وما زال، وليكن ما يكون.
فلا غرو ولا عجب ما دام هو نفسه على امتداد اكثر من ثلاث سنوات قد أطلق يد الشبيحة الأوغاد ليحرقوا الأحياء من معارضي نظامه في شوارع حمص وحماه، ويغتصبوا الفتيات ويبقروا بطون النسوة الحبالى. إنه بطل الزنازين والأقبية السرية ومراكز التجميع في الملاعب المكشوفة ومراكز التصفية وجدران الإعدامات السرية. إنه وريث تراث تدمر حيث الصلب حتى الموت في لهيب شمس الصحراء، وأقفاص النمور حيث يمدد الموقوف في حفرة أرضها سكاكين قاطعة وبابها بمستوى الأرض من الحديد.
سل الفلسطينيين معتقلي وموقوفي «الضابطة الفدائية» و»فرع فلسطين» و»مراكز مخابرات القوات الجوية» فمآثرها فاقت ومن بعيد سجن المزة العتيد.
في الغوطة الشرقية كانت «مأثرة» أخرى حيث في لحظات معدودات أطلقت قواته من البر والجو معاً قذائف غاز السيرين والخردل فقضى المئات… إسأل خان العسل وحي الوعر في حمص والحميدية ومخيم اليرموك والحجر الأسود. إسأل المحاكم الدولية كيف جرى تسجيل لجوئه للسلاح الكيماوي لإبادة معارضيه مرات ومرات.
الآن نحن نواجه الوحوش الضواري سفاحي العصور من «داعش» الذين أطلقهم ينهشون أهالي «دير الزور» و»الموصل» و»الرقّة» و»عين العرب» (كوباني) وضواحي «حلب» و»الأنبار» (الرمادي).
لقد أعد هؤلاء إعداداً متقناً بالتضافر والتنسيق الكامل مع نوري المالكي، فتدفق عليهم السلاح والعتاد. فليهنأ لأنه لم يعد في العراق لا مسيحيين ولا صائبة (أتباع يوحنا المعمدان) ولا أيزيديين.
يقال لنا: عليكم أن تختاروا… فإما داعش أو نظام الأسد كتلك الدعوة لتختار بين الطاعون والكوليرا!
لا بل هناك الإرهاب يطلق النار والقذائف في طول مصر وعرضها من المطرية والجيزة إلى الشرقية إلى شمالي سيناء، فلا يخجل جماعة الاخوان عندما يدينون حرق «الكساسبة»، أترانا ندرك كيف تلامذة الاخوان الداعشيين قد فاقوا أساتذتهم «الاخوان» وأولئك الذين يمدونهم من معبر «رفح». إن فكراً واحداً يجمع هؤلاء جميعاً.
لقد آن الأوان أن تتشكل وبالسرعة القصوى القوة الضاربة العربية من المناضلين الشرفاء أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بالانتماء القومي والجذوة القومية وبكل ما هو نبيل ومشرف في قضيتنا العادلة. ولتكن حرباً لا هوادة فيها بوجه كل أشكال الإرهاب، ابتداء بإرهاب الأنظمة وانتهاء بطغيان الميليشيات.
إن الخطر المحيق بالأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها هائل ومخيف. فالعراق ممزق يشهد اقتتالاً مذهبياً من جهة ويواجه إرهاب داعش من جهة أخرى، وفي سوريا تواجه المعارضة جيش النظام من جهة وداعش وأمثالها من جهة أخرى وفي لبنان تراوح الأزمة، في الوقت الذي ما زال فيه حزب الله منغمساً في القتال داخل المعمعان السوري. أما في فلسطين فلم تجد محاولات إعادة توحيد الصف الفلسطيني ويفقد العرب المزيد من الأرض أمام سرطان الاستيطان. ولا تتوقف في مصر مجموعات الاخوان ولا حلفاؤهم في سيناء عن زعزعة الاستقرار المنشود. كما أن المفاوضات الليبية ظلت حبراً على ورق في جنيف وقد عاد القتال ليستعر من جديد. أما في اليمن فالبلاد مهددة بأن تصبح محمية إيرانية. ثمة ثلاثة بلدان عربية بلا رئيس هي اليمن ولبنان وليبيا. فلن نجد لمشكلاتنا حلولاً عند الأميركي الغارق في مساعيه المحمومة في قراءته للأوضاع من خلال ممالأته لطهران وإطلاق يدها في المنطقة.
ألا فلننهض، فقد طال الرضوخ، فلنعد بناء وتشكيل مجموعاتنا الوطنية، ولنعد إلى مشروعنا القومي، فإن خسرنا معارك كثيرة، فنحن لم تفقد طريق الهداية فهو بالتأكيد معبد بالصعاب والمخاطر، لأنه من رحم معاناتنا وعزمنا سيولد فجر جديد.
المستقبل