من قصص الحرية في الثورة السورية

انا ما بدي تقلي كلام.. يدوب قلبي حنين وغرام

بكفيني تقلي بحبك.. هي الكلمة بتقتلني

مقاتل بالحروف والكلمات

جميل الدمشقي

في مرافئ الأطلال التقيت البارحة بابنة أخي نحكي عن الدنيا وما آلت إليه… ونسرد في سطور قصص الحرية على أصابع “مالك جندلي” وهي تنقلنا فوق بقايا النيران… فنسمع صرير الحجر تحت أرجلنا بلا أنين… ففوق الأرض هناك انسان وضع أمام أعينه هدفٌ هو العودة للبيت بالحرية.. وإلا فليغادر الأرض إلى رحمة الله لينعم من الآن بالحرية

قالت لي: ونحن نمشي بين البيوت التي سكنها الصمت.. ولونتها دماء أصحابها… وصرخات صغارها.. فيما حمل البعض شنطة سفر ليجرب حياة عاشها قبلنا الفلسطينيون.. فاكتشفنا أن لحظات الهروب لم تسمح بشنطة سفر.. وإنما بكيس من البلاستيك.. ظل يؤذي آذاننا التي لم تعد تسمع بعد شهور من القصف والموت… قالت لي: ما احساسك عمي؟؟!!

تسألني عن احساسي وأنا المقاتل أبداً بالكلمات حين يحكي القلم عن الألم

تسألني وهي تعود بي بالسؤال إلى سنين أكلها غبار الأيام… يوم قررت أنا وبعض من أصحابي الغوص قرب سفينة راسية قبالة الشاطئ.. فنزلنا إلى قاع البحر… متمسكين بسلسلة المرساة… حيث التحدي كان بالوصول هناك

أذكر يومها أن عددنا كان كبيراً عند البداية… وكنا ننزل والابتسامات مرسومة على وجوهنا… إلى أن بدأ العالم… عالم الأعماق يقتل ضوء الشمس النازل هناك… فشعرت حينها أن القليل معي قد أكمل النزول… خصوصاً وأن المسافة قد بدت قصيرة لأنفاسنا… ولكنها في الحقيقة لم تكن كذلك

ازداد الصمت… وازدادت العتمة… وقل عدد الفريق إلى أن أعلنت الشمس الغياب المطلق… وأعلن البحر لوناً أخضراً بدلاً من أزرق الأشعار وأغاني فيروز… لأجد نفسي وحيداً متجهاً إلى الأعماق باحثاً عن المرساة التي وجدتها… فربطت عليها الشريط الأخضر الذي كان يدل على أنه أنا من وصلها بناء على اتفاق مسبق بيننا قبل الغوص

وساعتها كانت المفاجأة…. فقد انتهى الهواء في جسدي… وجاءت الصدمة الكبرى أني حسبت حساب النزول إلى الأعماق… فيما كان الصعود بلا حساب

وانطلقت صوب السطح.. بسرعة تدفعها قوتي للبقاء… قوة روحي للحياة… ولكن الطريق بدا لي بلا نهاية… فالثواني تمر… وأعصابي تكاد تقول لي: انتهى أمرك… خذ نفساً وأنت تحت الماء… لتموت بلا هواء ونقفل الصفحة… صفحة حياتك بلا عناء

بدأ نور الشمس يُطل بخجل… وطاقتي قد وصلت إلى حدود الاستسلام… لكن الأمل بالبقاء… جعلني أجتاز المسافة كلها… لأستلقي بعدها يومين متعباً… مرهقاً… لا أبحث إلا عن راحة من موت.. لا دواء

ابتسمت ابنة أخي وقالت

رائع هو التشبية ولكن السؤال الأخير

صحيح أنت تُقاتل بالكلمات.. ولكن كيف ذلك

قلت لها: في عنوان القصة الجواب

-الحقوق محفوظة لكاتب القصة “جميل الدمشقي” ولصفحة “من قصص الحرية في الثورة السورية – صفحة HOMS أيضًا وقناة الجزيرة الحمصية وصفحة نسائم الحرية ومجلة سورية بدا حرية – ودورية: ايقاعات ثقافية”