من يربح في سورية؟
غسان شربل
لنترك جانباً مشاهد السوريين المبددين في الدول المجاورة ينتظرون البطانيات والمعلبات. ومشاهد السوريين المبددين داخل بلادهم يصطادهم الموت على أبواب المخابز أو تصطادهم الصواريخ والبراميل في الأقبية أو الكهوف. ومشاهد الممارسات الفظة لمسلحي النظام. وبعض المشاهد المظلمة لممارسات المقاتلين الوافدين. لنترك ذلك كله لنطرح سؤالاً بسيطاً هو: من يربح في سورية؟
يعترف المتابعون أن النظام السوري أبدى مقاومة ضارية واستثنائية لمحاولة الثوار اقتلاعه سلماً أو حرباً وهو ما لم تنجح في إبدائه الأنظمة التي عصف بها ما سمي «الربيع العربي» وأطاحها. ولا غرابة في الأمر. المسألة تتعلق بنظام مختلف تولى على مدى أكثر من أربعة عقود بناء آلته الحزبية والعسكرية والأمنية فضلاً عن استناده في العمق إلى عصبية عميقة لم تتوافر للأنظمة التي غدرها الربيع.
يقولون أيضاً أن الانشقاقات لم تصل إلى العمود الفقري للماكينة العسكرية والأمنية ما جنب الأخيرة الانهيارات الواسعة والقاتلة. لكن ذلك لا يلغي أن الماكينة العسكرية والأمنية التي كانت تمسك بقوة كامل أراضي الدولة تقلصت الآن لترابط على جزء منها. وقدرة هذه الماكينة على إلحاق دمار واسع بالمناطق التي خسرتها لا تعني أبداً قدرتها على استعادتها. يمكن القول إن الجيش السوري أصيب بأضرار فادحة خصوصاً بعد استخدامه ترسانته داخل الأراضي السورية وثبوت حاجته الدائمة إلى المساعدات الإيرانية والروسية للاستمرار في المعركة. لا يمكن إدراج تمكن الجيش من استعادة بلدة أو طريق في باب النجاحات الجدية لأنه لا شيء يشير إلى قدرته على الحسم الكامل وإعادة العقارب إلى الوراء.
وضع حزب البعث لا يحتمل الكثير من الاجتهاد والتأويل. لقد سقط الحزب الذي كان يحتكر قيادة الدولة والمجتمع. النظام نفسه بادر إلى إحالة الحزب إلى التقاعد بموجب الإصلاحات التي أعلن عنها. وإذا كان البعث العراقي يستطيع التذرع أنه أسقط بفعل تدخل خارجي فإن البعث السوري لا يمتلك مثل هذه الذريعة.
تستطيع المعارضة القول إنها قدمت تضحيات هائلة وحققت مكاسب على الأرض لكن الوقائع تشير أيضاً إلى أنها غير قادرة على الحسم. أما نجاحات «جبهة النصرة» فهي مكلفة للمعارضة أيضاً لأن أول مهام الجيش بعد التغيير، في حال حصوله، ستكون شطب نجاحات الجبهة وسائر المقاتلين الجوالين.
يقرأ المرء مثلاً أن روسيا نجحت في التذكير بموقعها وفرضت نفسها معبراً إلزامياً للحل المقبل. لكن وعلى رغم أهمية الدور الروسي في مجلس الأمن وخارجه تشير الوقائع إلى أن إيران هي اللاعب الأول في سورية وليست روسيا. ثم أن لا مجال في سورية لأي حل يضمن لموسكو وضعاً شبيهاً بما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية.
يقرأ المرء أيضاً إن إيران منعت سقوط النظام السوري وإن لا حل من دون موافقتها. لكن الوقائع تشير أيضاً إلى استحالة أن يكون لإيران في سورية ما بعد الحل وضع مريح أو شبيه من وضعها مع النظام الحالي. هذا يعني أن أقصى ما تفعله هو توهم قدرتها على الحد من خسارتها. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الدور الإيراني في دعم النظام السوري ساهم عملياً في إذكاء النزاع السني – الشيعي في المنطقة يمكن القول إن إيران لا تربح. وما يقال عن إيران يمكن أن يقال أيضاً عن «حزب الله» في لبنان على رغم الفوارق. يستطيع الحزب أن يلعب دوراً بارزاً في منع سقوط النظام في سورية أو تأخير هذا السقوط لكن في مقابل ثمن مرتفع يدفعه لبنان الذي دخل بقوة في الشهور الماضية على خط التنازع الشيعي – السني الذي يمر في سورية. وفي مقابل ثمن مرتفع يدفعه الحزب أيضاً من صورته وعلاقات طائفته بالسني اللبناني والسني السوري. يمكن قول الشيء ذاته تقريباً عن العراق وموقف حكومة نوري المالكي. أما بعض دول الجوار القريبة والبعيدة فتتجاذبها الرغبة في إطاحة النظام مع القلق من البدائل.
أميركا لا تستطيع القول إنها تربح في سورية. كشفت المأساة السورية محدودية الدور الأميركي في عهد أوباما. كشفت أن أميركا أوباما هي أميركا متعبة ومثخنة ومترددة وإن كان يسجل لها ابتعادها عن السياسات المتهورة.
يمكن القول إننا في خضم ما يشبه حرباً أهلية إقليمية. في خضم نزاع طويل ومدمر. لهذا يمكن الحديث عن أرباح محدودة أو هشة أو غير أكيدة. فرص التفاوض ضئيلة للغاية. تغيير ميزان القوى يحتاج نهراً من المساعدات العسكرية وأنهاراً من الدم. الأكيد أن سورية التي كنا نعرفها قبل عامين ذهبت إلى غير رجعة.
الحياة