موسكو والربيع العربي .. سوريا معبر لاستعادة النفوذ الدولي/ هشام منوّر ()
عندما اجتاحت ثورات الربيع العربي المنطقة بشكل مفاجئ، وهزت أركان أنظمة استبدادية كانت موالية للغرب، ظن الجميع لوهلة أن محاولات استيعاب الموجة وركوبها وتوظيفها لمصلحته سوف يطبع السلوك الغربي «المتفاجئ»، كما زعم، من انهيار أنظمة موالية له (كمصر). لكن الواقع أن مرحلة التوظيف، (إن استبعدنا نظرية المؤامرة)، نجحت في عودة رموز الأنظمة البائدة إلى الحكم مرة أخرى، وقيامها بثورة مضادة كانت أعنف من الثورة التي قضت عليها.
بحلول عام 2011، ومع انطلاق الثورات الشعبية والاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي، بدا وكأن روسيا تضع أعينها على سورية تحديدًا، ففي الوقت الذي لم تبدِ فيه رأيًا في تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في ليبيا من خلال حق الفيتو، وقفت روسيا بقوة أمام التدخلات المشابهة في سورية، حيث تمتد العلاقات مع نظام الأسد عبر عقود مضت، وتحديدًا منذ عهد حافظ الأسد، والذي استضاف الوجود الوحيد للبحرية الروسية في البحر المتوسط بميناء طرطوس، فكان خيار الروس هو الوقوف بشكل صريح إلى جانب نظام الأسد وتوجيه أسلحتهم نحو معارضي الأسد وشعبه بوجه عام.
ما تفعله روسيا في المنطقة يأتي على خلفية مصالح وتطلعات خاصة، وهو ما أكده عدد من الخبراء السياسيين، إلا أن الطموح الروسي يظل محاصرًا من قبل الاقتصاد المتراجع وتبعاته داخليًا، حيث يعاني الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات التي فرضها الغرب بعد غزو أوكرانيا عام 2014، بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط والغاز عالميًا وتأثيره المباشر على حجم صادرات البلاد. وعلى الرغم من ذلك، فإن روسيا دائمًا ما عهدت مثل تلك المشكلات، فهي لم تحقق ازدهارًا اقتصاديًّا من قبل في حين أن ذلك لم يؤثر على تواجدها عالميًا.
يعتقد الخبراء أن روسيا تفتقد القوة الناعمة التي تستخدمها الولايات المتحدة لبسط نفوذها عالميًا، حيث من السهل ملاحظة تأثير الأفلام والموسيقى الأميركية على الشباب العرب والإيرانيين، في حين لا نرى المثل بالنسبة لروسيا، بل إن التأثير الثقافي للمسلمين ينتشر في روسيا والتي تضم 15% من السكان المسلمين، فيما تبرز حقيقة أن المقاتلين الروس هم في المركز الثاني من حيث أعداد المنضمين لتنظيم الدولة (داعش).
على الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء أن تدخل روسيا ووجودها في الشرق الأوسط في ظل الأوضاع الحالية هو أمر حتمي، يقول أندريه كورتينوف، مدير عام مجلس العلاقات الدولية الروسية: «الشرق الأوسط قريب للغاية من روسيا بدرجة تجبرها ألا تتخذ موقع المتفرج مما يحدث، فهي ليست كأستراليا أو الأرجنتين، يمكننا رؤية الأمور وسط شوارعنا ومحلاتنا وبين العاملين في البناء، بل وفي السجون لدينا.. كل ذلك يجبرنا أن نلعب دورًا فعالًا في الشرق الأوسط». يبدو أيضًا أن التدخل الروسي في المنطقة حذر للغاية، ويبدو أنه استفاد جيدًا من التجربة الأميركية في العراق.
الرئيس الأميركي باراك أوباما كان قد حذر روسيا صراحة العام الماضي من المخاطرة باستعداء الأغلبية السنية في المنطقة بالوقوف إلى جانب بشار الأسد، وهو ما يفتح الباب أمام استهداف روسيا من قبل تنظيمات سنية كتنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات، وهو ما قاد روسيا إلى شيء من الحذر في تعاملها مع صراعات الشرق الأوسط. لكن العلاقات الروسية في الوقت الحالي، من وجهة نظر الكرملين ومنظريه السياسيين، تمتاز عن علاقات الولايات المتحدة أو حتى الاتحاد السوفييتي السابق بأنها لا تقوم على أساس أيديولوجي، وأنها تخاطب كل قوى المنطقة (باستثناء تركيا، راهناً وعلنياً، التي تعتبر في صراع كبير مع روسيا حول مصير نظام الأسد، وقد أثار الأتراك غضب بوتين بعد إسقاط طائرة حربية روسية نهاية العام الماضي). بخلاف ذلك، تمتلك روسيا علاقات متميزة مع الاحتلال الإسرائيلي، ومع إيران، بالإضافة لحفاظها على علاقاتها مع حماس وحزب الله.
يشير تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن كثرة التحالفات ربما لا تكون في صالح روسيا في جميع الأحوال، فهذا الأمر لا يؤسس لتحالفات قوية وممتدة، فعلى سبيل المثال، على الرغم من العلاقات الجيدة بين روسيا وإيران وأهدافهما المتفقة نسبيًا فيما يتعلق بسورية، إلا أن الإيرانيين يشعرون بالاستياء من علاقات موسكو مع «إسرائيل»، في الوقت نفسه، تتجنب إيران الدخول المباشر في الصراع الطائفي مع القوى السنية وعلى رأسها السعودية.
تمر العلاقات الإيرانية الروسية الآن بحالة من الشك والريبة بعد شهر عسل طويل ساهم خلاله الروس ببناء مفاعلات إيران وقيادة برنامجها النووي، تقول دينا إصفندياري، زميلة في كلية كينغز بلندن: «الإيرانيون يشعرون بأن الروس يخدعونهم، وأنهم لن يصدقوا وعودهم لإيران»، وهو ما أكده بعض المحللين، كما ذكروا أن العلاقة بين روسيا وإيران تقوم على المنفعة البحتة، بخلاف علاقة روسيا بإسرائيل على سبيل المثال، حيث تتعاطف روسيا مع «إسرائيل» بسبب وجود عدد كبير من الإسرائيليين ذوي الأصول السوفييتية الذين يتحدثون الروسية حتى الآن.
من المتوقع أن تصبح العلاقات بين روسيا والاحتلال الإسرائيلي أكثر حميمية وبخاصة مع تولي ليبرمان لمنصب وزير الدفاع الإسرائيلي نهاية الشهر الماضي، وهو إسرائيلي ولد في الاتحاد السوفييتي. وفي مقابلة مع ليبرمان قبل تولي المنصب الجديد، قال: «خبرتي تقول إنه من الممكن العمل مع الروس، إنهم براغماتيون، ويمكنك عقد الصفقات معهم والحصول على إجابات واضحة»، وأضاف أن روسيا لن تتخلى عن مصالحها في الشرق الأوسط، وأنها قوة كبيرة للغاية من الصعب تجاهلها، كما تبرز زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى موسكو للمرة الرابعة في الذكرى الخامسة والعشرين لاستئناف العلاقات بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وموسكو، لتؤكد ان الروس عازمون على استعادة حضورهم الدولي من بوابة سورية.. وبمساندة قوية من عدو السوريين ورافعة القوى الدولية وربيبتها «إسرائيل»!.
() كاتب وباحث
المستقبل