موقف محرج للمعارضة السورية
رأي القدس
التقى سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي نظراءه العرب في القاهرة، واتفق الجانبان على خمس نقاط يجب ان تكون الارضية المشتركة لتعاطي الطرفين مع الازمة السورية، ابرزها وقف العنف من الجانبين اي النظام والمعارضة، ومساندة مهمة المبعوث الدولي كوفي عنان، والسماح بوصول المساعدات الطبية والانسانية الاخرى للمحاصرين في المدن السورية مثل حمص وادلب.
تقييم نتيجة هذا الاجتماع تختلف من طرف الى آخر، فالجانب العربي يقول ان الحوارات ادت الى احداث تغيير في الموقف الروسي ينطوي على براغماتية تتناسب مع مصالح روسيا في المنطقة نظرا للمغريات التي جرى عرضها مثل العقود النفطية والاستثمارات، بينما يقول الطرف الروسي انه لم يحدث اي تغيير على الاطلاق فروسيا تعارض اي تدخل خارجي مثلما تعارض الممرات الآمنة والحظر الجوي وترى ان مسألة تغيير النظام هي مسألة تخص الشعب السوري.
الطرف العربي قدم تنازلين على درجة كبيرة من الاهمية سيستفيد منهما النظام في دمشق حتما، ويوظفهما في خدمة محاولاته لكسب الوقت ريثما يتمكن من السيطرة على مدينتي حمص وادلب مصدر المواجهة الرئيسية والتحدي الابرز لسيطرته:
‘ التنازل الاول: القبول بمبدأ وقف العنف من الجانبين، اي النظام والمعارضة، وهذا اعتراف صريح بما يردده النظام من وجود جماعات مسلحة.
الجديد هنا ليس فقط الاعتراف، وانما المساواة بين الجانبين اي المعارضة والنظام في التورط في اعمال عنف رغم الفارق الكبير بين الجانبين من حيث التسليح والعدد والكفاءة الميدانية. صحيح ان الجيش السوري الحر بات حقيقة على الارض، واعلن عن اسقاط طائرات وتدمير دبابات للنظام ولكنه يظل ضعيفا جدا بالمقارنة مع اسلحة النظام المتطورة من دبابات وطائرات وصواريخ ومدفعية.
‘ التنازل الثاني: هو مساندة مهمة المبعوث الدولي كوفي عنان ومساعديه، وهذا التنازل على درجة كبيرة من الاهمية ايضا، فالمبعوث الدولي الامين العام السابق للامم المتحدة يتحدث عن ‘حل سياسي’ للازمة يقوم على اساس الحوار بين المعارضة والنظام، وهو حوار ترفضه معظم قيادات المعارضة السورية في الخارج لانها تريد تدخلا عسكريا يفضل ان يكون عربيا، والا فالتدخل الغربي على غرار ما حدث في ليبيا.
المملكة العربية السعودية التي باتت تجلس خلف مقعد القيادة فيما يتعلق بالعمل العربي حول كيفية التعاطي مع الازمة السورية اصيبت بخيبة امل عبر عنها وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل بكل وضوح عندما اعاد التأكيد على تصميم بلاده على تسليح الجيش الوطني السوري الحر، وربما جماعات اسلامية اخرى من داخل سورية او خارجها، للدفاع عن المدنيين الذين يتعرضون لبطش النظام الدموي.
من المؤكد ان النظام السوري حصل على ارضية جديدة للمناورة وكسب الوقت، وخرج المستفيد الاكبر من لقاء لافروف مع وزراء الخارجية العرب، فهو أيد مهمة كوفي عنان دون اي تحفظ، وحرص الرئيس السوري بشار الاسد على الالتقاء به مرتين لاظهار دعمه لهذه المهمة.
المعارضة السورية التي تتعرض لانتقادات شديدة بسبب الانقسامات داخل صفوفها اصبحت الآن في موقف شديد الحرج، فقبولها بمبدأ الحوار ومن ثم الحل السياسي يعني الاعتراف ببقاء النظام ورأسه معا، لان الحوار سيتم مع هذا النظام وتحت مظلتين عربية ودولية هذه المرة، اما رفضها للحوار والحل السياسي بالتالي، فهذا يعني رفض مهمة المبعوث الدولي، ومواجهة انتقادات اكبر من اطراف كثيرة، وظهورها بمظهر المتشدد او غير المتعاون لايجاد مخرج غير دموي لهذه الازمة.
لقاء لافروف اربك وزراء الخارجية العرب دون شك، ومهمة عنان قد تزيد هذا الارتباك وتؤدي الى حدوث انقسامات جديدة في صفوف المعارضة، بينما تستمر عمليات القتل وسفك الدماء في سورية في الوقت نفسه.
القدس العربي