نائبة مدير منظمة اليونيسيف توضح جهود تلقيح 2.5 مليون طفل داخل سوريا
«اليونيسيف»: جيل كامل من السوريين مهدد.. ومستقبل بلادهم والمنطقة مرتبط بهم
نيويورك: مينا العريبي
منذ أسابيع، صدم العالم بإعلان الأمم المتحدة بأن عدد الأطفال اللاجئين من سوريا في الدول المجاورة فاق المليون طفل، ولكن هذا العدد يتصاعد يوميا من دون نهاية منظورة للأزمة السورية. وشرحت نائبة المدير التنفيذي لـ«اليونيسيف» (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) يوكا براندت في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» أن مستقبل سوريا يعتمد على أطفالها، محذرة من تهديد حقيقي للبلاد وللمنطقة إذا لم يراعَ هؤلاء الأطفال ويضمن تعليمهم.
وفي ما يلي أبرز ما جاء في الحوار:
* ما عدد الأطفال السوريين المتأثرين مباشرة من الصراع؟
– بالطبع الأرقام تتصاعد، ولكن نحو أربعة ملايين طفل تأثروا، وأتوقع أن العدد زاد عن ذلك لأن قبل أكثر من شهر كان هناك مليون طفل لاجئ وثلاثة ملايين داخل سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، ولكن في الواقع الجميع يتأثر في نزاع استمر أكثر من سنتين ونصف السنة ويزداد حدة، فكل سوري متأثر بطريقة أو بأخرى. ولكن بالطبع هذه الأعداد تدهش المرء، فقد وصلنا إلى هذا العدد، مليون طفل لاجئ، بعد أن كان قبل عام واحد فقط 70 ألفا، أي تضاعف العدد أكثر من 10 مرات. وعلينا أن نتذكر أن مليون طفل يعادل عدد أطفال دولة كاملة مثل النرويج. تصوروا إذا حدث ذلك؟ إنه أمر مثير.
* ولكن كيف نبتعد عن النظر إلى هذه الأرقام بأنها إحصائيات ليتذكر الجميع أن لكل رقم اسما وحياة خاصة؟
– هذه هي القضية، ومن المهم طرح هذا السؤال لأنني أقول دوما إن بإمكاننا طرح عدد اللاجئين والأرقام الجديدة وتنامي المشكلة، ولكن وراء كل إحصائية شخصا وهناك عائلات مع قصص فريدة، والأمر لا يتبلور أمام العالم بحقيقته. عندما زرت دمشق في يوليو (تموز) ذهبت إلى أحد المراكز الخاصة بالأطفال تديرها «اليونيسيف». تعرفت على عائلات اضطرت إلى الفرار من العنف مرات عدة، وإحدى العائلات ترحلت خمس مرات خلال عامين ونصف العام، وقدرة العائلة على التحمل انهارت كليا… التأثير على الأطفال هائل، يفقدون الدراسة، يشاهدون العنف، لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية، وغيرها من المشكلات. وعند التعامل مع الأطفال في المراكز الخاصة بـ«اليونيسيف»، نرى كيف تختلف ردود أفعال كل طفل وطريقة تأثير الأزمة عليه. البعض يلعب ويمرح رغم كل شيء، وآخرون مثل طفلة عمرها أربعة أعوام فقط تتحدث عن الموت والقتل بشكل يصعب تصديقه.
* تتحدثين عن مراكز خاصة للأطفال لكي يلعبوا ويتمتعوا بساطة الطفولة، ولكن كيف يمكن تأمينها داخل سوريا مع الأحداث الأمنية؟
– نحاول أن نخلق أماكن آمنة للأطفال، فالمركز الذي زرته للنازحين في سوريا كان مبنى سابقا لمدرسة تسكنه عائلات نازحة، فجعلنا جزءا من المبنى خاصا بالأطفال. ومع استمرار القتال يصعب الأمر علينا، ولكننا نعمل جاهدين لإعطاء الأطفال فرصة لبعض المرح وسط هذا الدمار.
* هناك أزمات إنسانية حول العالم تستمر لسنوات طويلة مثل الكونغو وفلسطين وغيرهما، لماذا تعتبر سوريا الأزمة الأكبر في هذا القرن؟
– هناك أربعة ملايين تأثروا بشكل مهول بالأزمة لفترة طويلة، نحن نرى جيلا كاملا معرضا للخطر، إنه أمر خطير. لا أرغب في استخدام تعبير «جيل ضائع»، ولكن مستقبل هؤلاء الأطفال في خطر، مما يعني أن مستقبل بلادهم ومستقبل المنطقة في خطر. وهذا أمر يعني أنه على الجميع أن يقلق، فبينما الأطفال أنفسهم يستحقون الاهتمام ولكن أيضا مستقبل البلد كله معلق عليهم فلا يمكن إهمالهم. كلما طالت الأزمة يتراجع تعليم عمال المستقبل وقادة المستقبل، فماذا سيعني ذلك لمستقبل المنطقة؟
* أثيرت قضية عمالة الأطفال، خصوصا بالنسبة لعائلات اللاجئين السوريين في لبنان، كيف يمكن حماية الأطفال من هذه الظاهرة، خصوصا أن بعض العائلات لا تجد موردا إذا لم ترسل أطفالها للعمل في الحقول؟
– بالطبع يجب أن لا يعمل الأطفال، ولكن ما نراه متعلق بقدرة كل عائلة على تحمل هول ما يحدث في سوريا، كلما طالت الأزمة تتراجع قدرة العائلات على تحمل الأعباء. وفي بعض الأحيان، الدخل من عمل الأطفال هو المورد الوحيد للعائلات، ولكن بالطبع علينا أن نفعل شيئا حول هذه القضية لأن من الضروري أن لا يعمل الأطفال. المطلوب خلق فرص أخرى للعائلات، خصوصا النازحة.
* لا أحد يعلم متى ستنتهي الأزمة السورية، فهل بدأتم تخططون لاستمرارها على المدى البعيد؟
– إنه أمر صعب، علينا أن نرد على الاحتياجات الأولية والمباشرة، وهي هائلة، ولكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك ضرورة الاستثمار بمستقبل الأطفال وضمان حصولهم على التعليم بالإضافة إلى معالجة الصدمات التي يتعرضون لها. ومن الضروري عدم نسيان الدول المضيفة للاجئين، على سبيل المثال يمكن مساعدة الأطفال اللاجئين في لبنان وضمان حصولهم على التعليم مع دعم المدارس العامة اللبنانية وليستفيد أطفال الدول المضيفة. هناك وعي في المجتمع الدولي بأننا بحاجة إلى التفكير على المدى البعيد، هذه أزمة لا يمكن معالجتها فقط من خلال الرد على الاحتياجات الإنسانية للاجئين، بل للدول المضيفة، خصوصا مع كرمها وتحملها الأعباء. على سبيل المثال، من المتوقع أن يكون هناك عدد أكبر من الأطفال السوريين في مدارس لبنانية عامة من الأطفال اللبنانيين، ولذا علينا التركيز على التعليم وضمان دعم التعليم.
* داخل سوريا، هناك أزمة تعليم ولكن كيف يمكن معالجتها وسط حرب دامية؟
– التأثير على البنى التحتية هائل في سوريا، نحو مليوني طفل سوري تركوا المدارس منذ عام 2012، والكثير من المدارس هجرت وأصبحت معسكرات لأحد الأطراف المسلحة، وندعو تلك الأطراف لعدم استهداف المدارس. وعندما يستطيع الطفل أن يذهب إلى المدرسة في التاسعة صباحا يعطيه ذلك شعورا بالاطمئنان.
* هناك مخاوف من تصاعد عدد الأطفال المعتقلين في السجون السورية والمستهدفين من قبل جماعات مسلحة في سوريا، هل تعملون على حمايتهم؟
– ليس لدى «اليونيسيف» معلومات ملموسة حول هذه القضية، ولكن أثيرت في تقرير لجنة التقصي التابعة للأمم المتحدة وأطراف أخرى أثارتها مع الحكومة السورية.
* ما أكبر تحدٍّ بالنسبة لكم في سوريا اليوم؟
– القدرة على الوصول إلى المحتاجين في سوريا. لا نستطيع توصيل مساعدات طبية على سبيل المثال إلى الأطفال المرضى لأن الحكومة تمنع وصول أي معدات يمكن أن يستخدمها مقاتلون. كما أن هناك تحديا في تأمين حصول الأطفال على المياه الصالحة للشرب والتعليم والرعاية الصحية. وكل المنظمات الإنسانية تدعو جميع الأطراف لتأمين وصول المساعدات والغذاء للمدنيين العزل وخصوصا الأطفال، كما أن الشتاء على الأبواب، والنبى التحتية داخل سوريا تتآكل، كما أن اللاجئين في مساكن غير ملائمة، فعلينا مواجهة شتاء صعب مرة أخرى.
* نظمت في «اليونيسيف» حملة واسعة لتلقيح الأطفال في سوريا، ولكن هناك مخاوف من انتشار الأمراض مع صعوبة استمرار التلقيح، كيف تعالجون هذه المشكلة؟
– لقحنا أكثر من 1.4 مليون طفل في سوريا العام الماضي، وهذا الشهر تبدأ حملة لتلقيح 2.5 مليون طفل داخل سوريا، ولكن ليس سهلا تحقيق ذلك. واستطعنا أن نوصل مياها صالحة للشرب إلى عشرة ملايين سوري.
* ماذا عن اللاجئين إلى دول الجوار؟
– مع طول فترة الأزمة بدأنا نطور تعاوننا مع وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال أخذنا نلقح الأطفال عند وصولهم عبر الحدود إلى دول الجوار ولدى تلقي المفوضية السامية للاجئين طلباتهم.
الشرق الأوسط