نداء إلى أبناء مجتمعنا الجريح : سوريا
د.هدى زين
إلى الصامتين …
إلى الذين مازالوا يعيشون في الوهم .. وهم الصمت والحياد ..
إلى الذين مازال الخوف من مابعد سقوط النظام يجعلهم يختبئون وراء دماء أبناء وطنهم وشركاء تاريخهم ..
إلى الذين يخافون ألا ينصفهم الآخرون الذين لم يحكموا بعد فيعيشون على فتات وعود وهمية يخدعهم بها نظام القتل .. وعود لاشيئ جقيقي فيها سوى تقطيع أوصال الجسد الاجتماعي السوري حتى يعجزعن الوقوف على قدميه ..
إلى من يبحثون عن مستقبل آمن لهم من سلطة تسلب أمن البلد متى تشاء ولم يدركوا بعد أن تحررهم ونيل حقوقهم لايوهب من سلطة جائرة ولا بالانتداب وإنما ينتزع انتزاعا بالنضال من أجلها ..
إلى من يحلمون أن يكونوا مواطنين درجة أولى ولم يدركوا بعد أن عليهم أن يشاركوا بأنفسهم بصناعة التغييروصناعة المستقبل لا أن يعيشوا على منة نظام حاكم أو هامش التاريخ..
إلى من مازالت سلطة المال ربه ودينه فلادماء تغلي في عروقه لأجل دماء أبناء مجتمعه المهدورة ولاقتل سادي يوقظ فيه الإنسان الحقيقي الذي مازال خائفا ..
إلى أبناء مجتمعنا الحبيب سوريا الذين مازالوا خائفين والخوف مشروع .. ومازالوا متخاذلين والتخاذل ليس جريمة تُعاقبون عليها ولكنه عار وسقوط أخلاقي سيحاسبكم التاريخ عليه ..
إلى أبناء مجتمعنا الذي مازال ينزف رجالا ونساء وأطفالا والذين بدورهم مازالوا ينزفون دماء وآلاما عظيمة ..
إليكم ياأبناء مجتمعنا الجريح …
بكل الحب والغضب .. بكل العقل والجنون .. بصمت عميق وصراخ أليم .. بعين حنون وعين تلوم .. بقلب ضعيف كمولود جديد وصامد كالجبال .. بيد تمسك بالحمامات والحناجر وأخرى تمسك بالجمر والخناجر الأخلاقية ..
بكل هذا وذاك أصرخ في وجهك ياابن مجتمعي وتوأم انسانيتي .. ياأيها الصامت ..
لم أنت صامت بعد ؟
ماذا تنتظر بعد؟
ألا يجمعك بدماء هؤلاء الذين قُتلوا بوحشية وبربرية فريد من نوعها .. ألا يجمعك بهذه الدماء حس انساني .. ألا تُقلق ضميرك وعقلك فظاعة مايفعله هذا النظام الفاشي بأبناء شعبه ونشوة جلاديه بقهر ضحيته .. ألا يدفعك هذا الكم من الدماء والكيف في القتل والتعذيب والإذلال إلى الغضب الأخلاقي والثورة ضد نظام يقتل أبناء بلدك ويفتك بأجسادهم وأرواحهم وأطفالهم ونسائهم وأرزاقهم وبيوتهم وحتى حيواناتهم وحقولهم ويُحول بلدك بأكمله إلى قطعة أرض يدوس عليها بدباباته ومدافعه وعصابات أمنه متى أراد وكيف أراد ويقطع حتى الكهرباء والمازوت والماء عنها ويقتل جرحاها في المشافي ويُهجر الناس من أرضهم إلى بلاد يُذلون فيها وكأنهم بلاوطن ولاأرض .. ألا ترى إنسانيتك كيف يطحن جلادو النظام عظام أبناء بلدك طحنا بأحذيتهم وبعصيهم الشرسة .. كيف يكسرون أسنانهم وأعناقهم .. يخلعون أظافر الأطفال ويقتلعون حناجر المغنين وعيون المصورين .. يطفئون حقدهم وساديتهم وسجائرهم بأجساد من قال بكرامة أريد أن أسترد حقي في الحرية والكرامة .. ألا ترى عيناك وبصيرتك كيف يشعررجال النظام القتلة بزهو النصر حين يسمعون صراخ ضحاياهم الوحشي الهيستيري يخرج من أعماق كياناتهم من شدة آلام التعذيب التي تفوق القدرة على الاحتمال ..
ألا يكفي هذا كله حتى يقتل فيكم الخوف على مصالح شخصية مادية أو معنوية .. هل تريدون أن تتربحوا أوتعيشوا مستقرين على حساب دماء أبناء مجتمعكم وبلدكم … هل فعلا مازالت هذه السلطة المستبدة المجرمة هي أكثر أمانا لكم وهل أمان وحق أبناء مجتمعكم في الحرية أمر لادخل لكم فيه .. وإذا كان كذلك فما الذي يربطكم بهذا المكان وهذا الزمان .. هل هو أبناء شعبكم أم حاكميه .. هل هو الوطن أم القائد والطغمة المالكة .. هل تاريخ شعبكم أم تاريخ حكامكم .. هل انتماءكم للمجتمع الذي هو شعبه أم إلى حكامه وأجهزة الرعب التي تحميه .. هل تعيشون بمعزل عن أبناء مجتمعكم حتى تتجاهلوا أصوات الرصاص ورائحة الدماء أم أنكم جزء من هذا المجتمع ومن انسانية أبنائه ..
إن صمتكم لم يعد كما تتمنون .. لم يعد حيادا وصمتا بريئا .. إنه صمت لم يصل بعد إلى حد التواطؤ ولكنه صمت جاهل وجبان .. لأنه لايعلن بصراحة ووضوح عن نفسه .. لأنه يريد أقل الخسائر حتى لو خسر الآخرون كل شيء إلا كرامتهم وعطشهم للحرية ..
إن صمتكم أصبح طريقتكم بالتعبير .. إنه موقف المنفصم و المهدورصورته ..
إن شئتم أم لم تشاؤوا فإن صمتكم هذا موقف محسوب عليكم .. إنه موقف بامتياز.. وذلك لأن عظمة الثورة السورية بالإصرارعلى صنع تاريخ جديد مغمَس بدماء الشهداء وأنين الأمهات وصرخات المعذبين في ممالك الرعب الأسدية .. في سجون تتفنن بالتعذيب وتصنع الموت من أجساد وأرواح الناس وتجعل كياناتهم الإنسانية حجرا تضرب به بلا أي انتماء لشيء من الانسانية ..
نحن شعب حضاري لن نفكريوما بمنطق الثأرالقبيح والظالم ولابالحقد العنصري .. ولكننا مثل التاريخ لن ننسى أن هناك من وقف متفرجا على شهداء الحرية والمعذبين في أقبية الظلام الأسدية .. ومن فضَل الانتظار والمراقبة من بعيد كالغريب لأن أبيه وأخيه وابنها وزوجها لم يُقتل ولم يُساق إلى المعتقلات بعد ..
سوريا اليوم ملف مفتوح تُقلب في صفحاته دول العالم والمنظقة كلها .. العالم كله يريد أن يخترق مابين ساقي سوريا لحسابات ومصالح خاصة به .. وأنتم ياأبناء مجتمعنا الشرفاء .. أنتم مازلتم صامتون .. أنتم من نقول عنهم الصامتون ..
فمتى يتحرك فيكم الإنسان حتى يدافع عن الظلم الواقع على الإنسان الآخر المنكوب الذي يقاسمكم التاريخ والحياة والثقافة واللغة والذاكرة وأشياء كثيرة وقبلها وبعدها الإنسانية ..
هل تشكون بحتمية سقوط هذا النظام الاستبدادي .. هل تشكون أن هذا الشعب العظيم الذي صمد أمام كل هذه الفظاعات وجرائم الانسانية التي مارستها بحقه هذه السلطة الظالمة والذي بدأ يعي أن الاستبداد لايستطيع قهر إرادة الشعوب حينما تعي هذه الشعوب طريق خلاصها وتقدم أغلى ماعندها من أجل الانعتاق من قيود العبودية والطغيان .
لم يبقى هناك فرق عند الأحرار بين أن يموت بضع مئات أو عدة آلاف من الإنسان .. لأن قيمة كل إنسان منا تعادل قيمة جميع الناس في المجتمع .. وفقدان كل قطرة دم من ثائر للحرية تساوي أنهارا من الدماء من أجل الحرية ..
قيمة الإنسان أضحت في معركة الإنسان واللاإنسان في سوريا مسألة مبدأ وليست عملية حسابات ..
فإلى متى ستصمتون بعد ؟
دماء الشهداء تنتظر ..
همم الشباب تنتظر ..
الآمال تنتظر ..
لعل موعدنا معكم قريب أيها الصامتون وأيتها الصامتات ..
لابد وأن نلتقي قريبا على دروب الحرية والكرامة والتاريخ ..