صفحات العالم

نظام في العتم..


أيمن جزيني

يشاع أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم عاتب بعض مسؤولي المخابرات السوريين على توريطه في عرض مقاطع فيديو تظهر مشاهد قسوة فظيعة، بوصفها حدثت في سورية وعلى يد من تسميهم السلطات السورية بالجماعات الإرهابية المسلحة. وثبت بما لا يقبل الشك أن المقاطع كلها مأخوذة من جرائم قتل سابقة حصل بعضها في لبنان، وهو ما انبرت محطات تلفزيونية محلية إلى إثباته بالصورة والتعليق.

وذهب بعض المحللين العرب إلى الظن بأن وزير الخارجية السوري قد اعتكف ولم يعد يمارس من مهامه إلا أقلها. لكن الوزير السوري سرعان ما كذب ظن هذا البعض بظهوره مؤخرا على ملأ الشاشات، ناطقا سياسيا باسم النظام السوري.

واقع الأمر أن سياسيا مخضرما مثل السيد المعلم، لم يكن يوما غير مدرك لحجم التلفيق الذي يمارسه النظام السوري منذ بداية الثورة وحتى اليوم. وهو الأمر الذي جعل وسائل الإعلام العالمية والعربية تنحو إلى الشك العميق بمصداقية كل ما يعلنه النظام السوري وأجهزة إعلامه ودوائره الدبلوماسية.

وكذلك الأمر بالنسبة للمحللين والباحثين ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. في بداية الثورة السورية كان الخبر السوري خبرين: خبر تبثه وكالة سانا الرسمية وآخر تبثه المعارضة السورية على الأرض. ومنذ بداية الثورة كان ثمة مصادر معارضة تزود العالم بأسره بالأخبار الموثقة عما يجري في سورية.

ويوما بعد يوم أصبحت لجان التنسيق المحلية في سوريا ولجان حماية الثورة ومثلهما المرصد السوري لحقوق الإنسان، بمثابة المصادر الموثوقة لمعرفة ما يجري في سورية. تراجعت سانا وقناة الدنيا والتلفزيون السوري إلى الخلف، ولم يعد أي منها يملك حظا من المصداقية وحلت لجان التنسيق ولجان حماية الثورة والمرصد السوري في موقع المصادر الموثوقة.

يعني احتلال مرتبة المصداقية هذا بالنسبة للثورة السورية الكثير. أو هكذا يفترض به أن يكون. ذلك أن هذا الاحتلال هو هزيمة كبرى للنظام السوري. فحين يفقد النظام، أي نظام، أحقيته في إحصاء الموتى والجرحى من المواطنين، يصبح نظاما يعيش في العتم الكامل.

وحين تتحول المعارضة إلى المدافع الحقيقي والفعلي عن حيوات المواطنين، ولو كان ذلك بذكر اسمائهم وكنياتهم فقط، وتسجيلهم في قائمة الضحايا، فإن ذلك يعطيها الحق المطلق في أن تحتل مقامي الدولة والسلطان في سورية.

 لأن أول مهمات الدولة والسلطان، وأبرز وظائفهما هي حماية المواطنين والدفاع عن حقهم في الحياة. وهو ما تقوم به المعارضة ولا يفعل النظام غير نقيضه تماما.

النظام السوري يستبيح هذه الحيوات، وهو ما بات ثابتا من دون لبس ولا تخالطه شكوك، من جهة أولى، ثم يتكتم على وجود هذه الحيوات أصلا. يعتقل في العتم ويقتل في العتم. لأنه، أي النظام، لم يعد يقيم أي علاقة بمواطنيه من أي نوع. فالمواطن الذي بات سبب خوفه على حياته متمثلا بالنظام وأجهزته الأمنية لن يستطيع إلا أن يكون مواطنا، ولو انتهكت حقوقه الأنظمة. لكن النظام الذي يتخلى عن دوره الأساسي ويمارس نقيضه الكامل، لا يستطيع أن يعود نظاما. ومنذ تلك اللحظة التي تسيدت فيها لجان التنسيق المحلية على عرش الصدقية الإعلامية والتوثيقية، أصبح النظام السوري مجرد عصابة خارجة على كل قانون.

يبقى أنه من حق وزير الخارجية السوري أن يحتفظ لنفسه بقدر من المصداقية في هذه المعمعة من الخلط والكذب والتدليس. لكنه في كل الأحوال قدر ضئيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى