نظرية المؤامرة
بعد الاجتماع هرولت إلى موقف السيارات مباشرة باتجاه السيارة لأنتظر هناك ريثما ينتهي رئيسي من طقوس “مسح الجوخ” وطقوس الوداع الأخرى لأمثاله من بارزي الكروش أصحاب الأقفية العريضة إذ كنا في اجتماع مهم لعقد صفقة ما.. وكان من المهم جداً (كسائق) يحلم بأن يرتقي في عمله مع الوقت ليحتلّ مكان العجوز الذي سيموت يوماً ما أن أؤدي عملي دائماً باحترافية ومهنية عاليين.
لسوء الحظ لاحظتُ بأن بعض الطيور قد فعلت فعلها فوق زجاج السيارة الأمامي.. تباً لهذه الطيور اللعينة لماذا لم يضع الله فيهم القليل من العقل حتى يتعلموا كيف يستخدموا “المراحيض العمومية” بدلاً من فعلها عشوائياً وفي أي مكان وعلى رؤوس الخلق!!
أخرجت قطعة من القماش وقمت بمسح زجاج السيارة ومسحت المرايا الجانبية أيضاً إذ كانت تبدو مغبرّة رغم أنني لا أذكر أنها كانت كذلك.. ووقفت كحرف الألف الممدودة أمام السيارة منتظراً أن يأتي صاحب الشركة.
بعد ربع ساعة يرن هاتفي النقال يخبرني رئيسي بأنه بجانب السيارة ينتظرني – بلكنة شبه غاضبة -.. التفتُ حولي فلم أجده.. يا للعجب..!! أخبرته بأنني بجانب السيارة وأنتظره.. فيخبرني بأنه هو بجانب السيارة أيضاً وينتظرني..!!!
تباً للعجوز هل بدأ يخرّف مبكراً: “سيدي أنا الآن بجانب السيارة ولا أراك”..!!
هو: “أنا أيضاً بجانب السيارة ولا أراك..”..
– سيدي مع كل احترامي لك لكنني أظن بأنك تمزح معي..
– وهل أنت صديقي لأمزح معك.. هلمّ تعال أيها الأحمق فالجو حارق. (أنا: وفي قلبي: حرقك الله في نار جهنم)
– سيدي هلا قدمت إلى باب السيارة بجانب السائق حتى أراك..
– حسناً.. سأفعل.. “أنا الآن بجانب باب السيارة قرب المقود..”.
– سيدي ما زلت لا أستطيع أن أراك.. هل تستطيع أن تراني أنت..
– أين أنت؟!!
– أنا بجانب باب السيارة قرب المقود.. يا سيدي..
– أنا أيضاً في ذلك المكان أيها التعيس..
– (أتعس الله عيشتك يا عجوز الشؤم).. سيدي ربما يجب وضع نظارات القراءة الخاصة بك.. سيارتي سوداء..
– تباً لوجهك.. أعرف أنها سوداء فهي سيارة الشركة.. هل تحسبني أهلوس؟!!
وكاد ما تبقى من عقلي أن يطير من مكانه.. لولا أن ثقافتي العالية ومهنيتي المرتفعة أقنعاني بأنه لابدّ أن العجوز الخرف يقف بجانب السيارة الخطأ.. ومرة أخرى وثقت بما هو موجود بين كتفي وقررت أن أعامله على قدر عقله:
– كلا يا سيدي.. لكنني أظنك أخطأت بالسيارة..
– حقاً؟!! في أي طابق أنت..؟
– أنا في الطابق الثالث يا سيدي..
– حسناً أنا آسف أنا قادم..
بعد قليل جاء رئيسي وهو خجل.. واعتذر مني وطلب مني أن ننطلق فقد كان يقف في الطابق الخطأ.. وسرت في نفسي رعشة انتصار أخفيتها تحت ابتسامتي..
ضغطت على مفتاح السيارة لكنها لم تفتح.. ضغطت مرة أخرى وثالثة ورابعة.. لكن السيارة اللعينة لم تفتح..
– ماذا الآن؟!!
– سيدي أظن بأن هناك عطلاً في مفتاح السيارة الإلكتروني أو ربما البطارية قد انتهت، سأحاول فتحها بالمفتاح..
أدخلت المفتاح في الباب فانطلق منبه الانذار في السيارة عالياً.
– وماذا الآن؟!!
– لا أعرف سيدي لكن يبدو بأن هناك عطل في نظام السيارة!
بعد ثوانٍ جاء رجل الأمن المسؤول عن موقف السيارات الطابقي وهو يلهث وطلب منا أن نتوقف ونرفع أيدينا عالياً بلهجة عدائية واضحة.. الأحمق:
– أها أمسكت بكما أيها المحتالان.. تريدان سرقة السيارة في وضح النهار.. ملابسكما الرسمية لن تخدعني.. وأنت (يعني أنا) ربطة عنقك تبدو مقلوبة (اللعين).. قفا جانباً، ستأتي الشرطة قريباً.
قهقهنا أنا والعجوز.. ألم يجدو أحمقاً آخر غير هذا..
– أنا CEO رئيس شركة “التقوى” وهذا الموظف يعمل عندي.. وقد انتهينا تواً من اجتماع مهم وخرجنا لنعود إلى الشركة لكن سيارتنا لم تعمل.. ربما هناك عطل في السيارة.
– نعم نعم..
– رجل الأمن: قلت لي “التقوى” يا هذا!! – وبدأ بالضحك -.. ثم إنه نظر إلي واستطرد قائلاً: إذاً لابدّ أنك رئيس قسم “الاستقامة” في تلك الشركة ولابد أن شركتم تبيع “الإيمان” وتتاجر بـ”الصلاح”.. لن تمر هذه الحيل علي.. قديمة.. هاتوا غيرها.. (وبدأ بالضحك ساخراً)..
حس الدعابة عنده لم يبهرني بل دخلنا في جدال بيزنطي مع المغفل وعبثاً حاولنا إقناعه حتى جاءت سيارة الشرطة.. وطلب منا الشرطي أن نخبره بالقصة كاملة نحن الاثنين.. لكنه للأسف لم يقتنع هو الآخر.. وأردف:
– كلكم تقولون نفس الكلام..
العجوز الذي استطالت لحيته على حساب رأسه بدا واثقاً جداً من نفسه وهمّ بالذهاب: حسناً سأضطر آسفاً للذهاب إلى العمل فلدي مواعيد مهمة.. سأستقل سيارة أجرة.. الرجاء أنهوا العمل معه (معي يعني)!!.
الشرطي: أها.. تظن بأنك ستهرب وتترك شريكك في العملية لوحده.. (ما حزرت)..
بهُت وجه العجوز ذو الأنف المفلطح .. وقد بدا كصنم نحتت عليه علائم الدهشة والخجل.. وبدأ العرق يتصبب منه في حمارة القيظ هذه: “شريككككك”.. “لصصص..” ..”سمعة الشركة”.. “الأحمق”.. “المغفل”.. يا للهول!!
الحق يقال بدا منظره مضحكاً جداً وهو محرج ومرتبك لهذه الدرجة.. وأقسم لكم أنني حاولت جاهداً أن أخفي ضحكي لكن للأسف خرجت مني قهقهة ساخرة من غير قصد.. مما جعل قسمات وجه العجوز تصبح حادّة وجادّة وقاسية تجاهي.
ذهب الشرطي إلى سيارته وبدأ يقوم بعملية بحث عن صاحب السيارة عبر سلسلة اتصالات، بعد قليل جاء أحدهم زعم بأنه صاحب السيارة التي هي لنا بالأساس.. ولحسن الحظ فقد تعرّف إلى رئيسي في العمل إذ أنه يعمل في شركة أخرى كانت في ذلك الاجتماع المهم قبل قليل أيضاً..
لكن يا للدهشة..
الرجل ذو الوجه الثعلبي: سيدي أنا أحترمكم جداً وأعرف بأن شركتكم لها ثقل اقتصادي مهم في البلد وهي شركة محترمة ومعظم مشاريعها تتجه للأعمال الخيرية ومساعدة الآخرين، لكن مع الأسف لم أتوقع منكم أن تحاولوا أنتم ومع موظفكم هذا سرقة سيارتي.
فغر العجوز فاه بينما انفجرتُ غضباً على الرجل.. كيف يهين رئيسي في العمل.. لا يمكن مسامحته أبداً على ما قاله.. ووجدتها فرصة سانحة لأظهر رئيسي في العمل مدى ثقافتي واطلاعي الواسع وقدرتي على التحليل والتدقيق والتمحيص، والحقيقة للحظات ظننتُ بأنني سأحصل على ترقية بكل تأكيد بعد أن أظهر مدى حرصي على الشركة وسمعتها:
– تباً لكم.. جميعكم متآمرون على تشويه سمعة شركتنا.. حتى الشرطة متآمرة.. لقد رشوتم حتى القانون.. يا أولاد الملاعين.. يا قليلي الناموس والحياء.. تريدون أن تكسبوا العقود لكن بطرق غير شرعية.. تباً لكم.. سأحاكمكم.. أيها الملاعين وأولاد الملاعين..
وبينما أنا أصرخ وأشتم تقدم الشرطي إلى العجوز وسأله: سيدي هل تعرف ما هو رقم سيارتكم؟!
– العجوز: هناك ستين سيارة تابعة للشركة كيف لي أن أحفظ أرقامها.. لكنني أعلم بأن السيارة سوداء وبأنها نوعها كذا وقد أتينا بها هذا الصباح.
– أنا: أنا أيضاً لا أعرف رقم السيارة لأنني استلمتها منذ أسبوع. ثم بالله عليكم من يحفظ رقم سيارته هذه الأيام، بل بالكاد نحفظ أرقام عشيقاتنا هذه الأيام. (رمقني العجوز بنظرة مخيفة ومتقززة).
بعد قليل اتصل العجوز بالشركة وطلب منهم معرفة رقم السيارة التي أعطوني إياها.. ويا للمفاجأة الرقم مختلف تماماً عن هذه السيارة.. ولكي يزيد الطين بلة قام ذلك الرجل المزعوم ذو الوجه الثعلبي بفتح السيارة بمفتاح آخر وأخرج أوراق السيارة منها.
– الشرطي: سيدي هذه ليست سيارتكم.. هذه محاولة واضحة للسرقة.. أو ربما هناك سوء تفاهم.. فإن وجدنا سيارتكم في موقف السيارات هذا سيتم إغلاق الموضوع على أنه سوء تفاهم وإن لم نجدها سنضطر آسفين لاستضافتكم في القسم.
– أنا مخاطباً العجوز في محاولة أخرى لإظهار قدراتي الثقافية وجدارتي بمناصب أعلى في الشركة: يا للمؤامرة.. الجميع متآمرون علينا سيدي.. يريدون أن يشوهوا سمعة الشركة سيدي.. لا تسمح لهم بذلك.. لقد قاموا بتغيير أرقام السيارة بينما كنا في الاجتماع.. لقد قاموا بتغيير المفتاح أيضاً.. سيدي لا توجد منافسة شريفة في قطاع الأعمال.. سيدي ألم تسمع بنظرية المؤامرة.. هذه هي تماماً نظرية المؤامرة.. أنا أعرف أناساً في السوق السوداء يستطيعون أن يغيروا كل ما في السيارة بلمحة عين.. هذه مكشوفة وواضحة.. لا يغرّك منظرهم هذا سيدي.. هناك أشخاص في هذا العالم تمّت سرقة هويتهم خلال ليلة وضحاها.. يجب أن تتصفح الانترنت غالباً يا سيدي لكي تكون مطلعاً على ما يجري حولك.. يا سيدي اسأل خبير ولا تسأل مجرب.. أقصد اسأل مجرب ولا تسأل خبير..
وبعد قليل وبينما أنا منهمك في شرح “نظرية المؤامرة” للعجوز الصامت تماماً والذي سرق الموقف لبّه.. جاء رجل الأمن السابق الذي لن أنساه أبداً في حياتي.. وأخبرنا بأن هناك سيارة مشابهة في الطابق الرابع.. حيث كان رئيسي في العمل يقف عندها سابقاً..!!
بعد ثلاثة أيام طردتُ من العمل..
http://nj180degree.com/