نقطة التحول في الأزمة السورية
عبدالله ناصر العتيبي
هناك بلا شك يوم أخير في الأزمة السورية. لكن متى يأتي ذلك اليوم؟ هذا هو السؤال.
الغرب يقدم رِجلاً ويؤخر أخرى خوفاً من تبعات التدخل العسكري لإيقاف المجازر اليومية التي ترتكبها كتائب بشار الأسد ضد المدنيين، لكن هذا التردد سيتوقف عند نقطة معينة تكون فيها خسائر عدم التدخل أكبر بكثير من خسائر التدخل.
أميركا والدول الأوروبية الداعمة لموقفها تحجم عن التدخل إيجابياً في الأزمة لأسباب عدة، لكن، هذه الأسباب ستتحول مع الزمن، إلى أسباب داعية للتدخل العسكري، والعسكري الثقيل ربما، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لكن متى تأتي نقطة التحول هذه؟ وما هي مؤشراتها؟ وكيف يمكن تسريعها أو تأخيرها؟
قبل أيام صرح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي أن أميركا وحلفاءها الغربيين يتخذون من موقف روسيا تجاه الأزمة وعدم موافقتها على تغيير الأنظمة بالقوة، ذريعة لتبرير فشلهم في إدارة الأزمة السورية، بسبب عدم وجود خطة جاهزة لديهم لمعالجة الوضع على الإطلاق!!
هذا كلام سليم ومنطقي إلى حد ما، لكنه ليس سليماً ومنطقياً على الإطلاق وكل الوقت! صحيح أن الغرب لا يمتلك حتى الآن رؤية واضحة لإدارة هذه الأزمة الشرق أوسطية الكبيرة، ويمكن ملاحظة ذلك من تباين التصريحات الغربية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وتضارب التحركات الأميركية الفرنسية أخيراً، وركون بعض الدول الغربية، كألمانيا مثلاً، إلى «صمت» التصريحات الجاهزة، خجلاً وتسجيل موقف فقط، متى ما تطلب المزاج العام ذلك، لكن موقف روسيا المتشدد جداً ومن خلفها الصين، اللتين تبحثان عن خلق موقف انتهازي جيد، ساهم في شكل فاعل في تأخير الوصول إلى نقطة اتفاق غربية مشتركة للتعامل مع الأزمة.
روسيا ربما تحتاج لإظهار موقفها الحقيقي إلى موقف ثابت للدول الغربية من الأزمة (على طريقة البيضة والدجاجة وأيهما جاء أولاً؟) لتعرف كيف تتعامل معه اقتصادياً وسياسياً. ربما كل ما ينقص روسيا في الوقت الراهن لتحديد موقفها النهائي، موقف مبدئي للدول الغربية قبل أن تخاطر بمصالحها المستقبلية ومكاسبها المحتملة من وراء المشاركة كطرف مقاوم أو مساند!!
الغرب متردد وحائر، ويلعب في زمن الخسارة العربية على أقل من مهله. وروسيا لا تهتم كثيراً بحجم الكوارث الإنسانية التي تُرسم على الخريطة السورية بشكل يومي. ولكن، هناك زمن مقبل ستبدأ الخسارة فيه بالانتقال إلى الجانب الغربي، وسيكون وقتها التدخل الغربي خياراً لا بد من اللجوء إليه لوقف النزيف في رصيد الدول الغربية في المنطقة.
السؤال إذاً، كيف ستنتقل الخسارة إلى الجانب الغربي بدلاً من وجودها كل هذا الوقت في الجانب العربي فقط؟!
من واقع تجارب الربيع العربي السابقة، يعرف الغرب أن نشوء جيوب متطرفـة مسلحـة و (مزمنـة) في سورية في حال بدء ضربات عـسكرية ضـد النظام السوري هو واقع متحقق بالضرورة، وبالتالي فإن المصالح الغـربية والوجود الإسرائيلي في المنطقة ستكون تحت تهديد دائم على المدى الزمني المتوسط والبعيد. كما ان مجيء حكومة ضد – غـربـيـة إلى الحـكم، هو الاحتمال الأقـرب بعد سقوط بشار وسيكون لها التأثير ذاته في مقبل الأيام.
هذان السببان المتحولان مع الوقت هما ما يخوفان الغرب في الوقت الحالي، لكن، بما أن المسألة في يد الزمن فالانتظار أولى، لكن، ماذا لو تم تسريع هذين السببين بصناعة عربية (وخليجية ربما) للوصول إلى نقطة التحول التي تجبر الغرب على التحرك فعلياً، لا لإيقاف قتل الأبرياء كما نتمنى، وإنما لإيقاف تكون الوحش الذي سيجعل من المنطقة ملعباً أفغانياً جديداً.
شيء من أفغنة المناطق الشامية سيضغط لجعل الوصول الى نقطة التحول متاحاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع رعاية خليجية لتشكيل مجلس حكم سوري، يتولى زمام أمور البلاد بعد سقوط النظام، لفترة لا تقل عن خمس سنوات.
نقطة التحول قادمة، لكنها ربما تحتاج إلى وقت طويل، ما لم يتدخل العرب وهذا أضعف الإيمان.
* كاتب سعودي
الحياة