صفحات العالم

هدايا الأسد في الأعياد/ د. نقولا زيدان

عندما نقترب أكثر فأكثر من الاستحقاق الدولي المتمثل بمؤتمر جنيف2 الذي سيعقد في مونترو (سويسرا) في موعد متوقع في 22 كانون الثاني (يناير) 2014 المقبل، علينا أن نتوقع أن تلجأ كل الأطراف المعنية بلعب كل أوراقها التي تتوفر لها لإلحاق الهزيمة النفسية والمعنوية بالقوى المواجهة لها كي تدخل الى المفاوضات بأقصى ما يمكن من أسباب القوة والبأس وعلو اليد والسيطرة. وتبدو العوامل النفسية والمعنوية أولوية قصوى الآن.

وتدرك النخب العربية الأكثر وعياً والأكثر إلماماً بالمعطيات الإقليمية والدولية أن المرامي والمخططات والممارسات الإجرامية التي يقودها نظام بشار الأسد في طول الساحة السورية وعرضها ليست وحدها ما يظنه خشبة في صراعه من أجل البقاء فحسب، بل الحملة الإعلامية المبرمجة والمتقنة للتأثير والضغط على المعارضة السورية وكل أنصارها ومؤيديها على طول امتداد المنطقة العربية وعلى وجه الخصوص في ميدان المعترك الذي يحتدم فيه الصراع ألا وهو سوريا ولبنان والعراق.

ولا تسقط هذه النخب إطلاقاً من حساباتها ولا في قراءتها بعين ثاقبة ومجربة الدور البالغ الخطورة الذي يلعبه الإعلام السوري الأسدي وحلفاؤه في مجال التشويش والبلبلة والزعزعة والتعمية في هذا المجال. إن جوقة كاملة موقعة وموزّعة النوتات والألحان والسلم الموسيقي تسعى بكل قواها للنيل منا وطرحنا أرضاً قبل دخول قاعة المفاوضات، وهي تستخدم لتحقيق غاياتها كل الأسماء والمفردات والتسميات الممكنة لزعزعة صفوف المعارضة وإضعاف بل تهشيم وسحق الجبهة الرافضة بحزم وإصرار لأي استقرار أو بقاء محتمل أو ممكن للنظام الأسدي.

يصاب المواطن السوري واللبناني ومن قبله نظيره العراقي بالحيرة والإرهاق بل الإنهاك لحد فقدان الصواب لكثرة ما تمطره به وسائل الدعاية الأسدية وحلفائها من أسماء الفصائل والتنظيمات والمجموعات المسلحة التي تجوب المنطقة من أقصاها لأقصاها وهي تطلق النار في الاتجاه المطلوب حيناً وفي اتجاهات أخرى بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة في أحيان أخرى. وتبذل وسائل الدعاية المناوئة للثورة جهوداً هائلة في هذا المجال إذ تلجأ الى التضليل والإيهام بقصد التعمية والإلهاء.

لقد أصبح لزاماً علينا والحالة هذه أن نتلقى دروساً يومية لنتحرّى ونعرف ونلمّ إلماماً وافياً بكامل التفاصيل والمعلومات عن “داعش” و”النصرة” و”القاعدة” وما لا عدّ له من المجموعات والفصائل الصغيرة المسلحة العاملة ابتداء بسوريا وعودة الى العراق وتسللاً الى لبنان.

فلنستعيد بالذاكرة، وهي ما زالت ماثلة في الأذهان، عمّن استحضر الى أرض سوريا ثم قام بتصديرها الى العراق مجموعات القاعدة التي تعمل لتحقيق غايات وأجندات شيطانية حتى غزارة عمياء من التفجيرات والأعمال الإجرامية وسفك الدماء البريئة بلا وازع ولا رادع ولا حتى النذر اليسير من الضمير البشري. إنه النظام الأسدي الذي استوردها من حليفة النظام الإيراني خلال وغداة حرب أفغانستان (2001) الذي حاول من خلال منطقة الأنبار مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق لاقتطاع ما أمكنه ذلك، جزءاً من العراق المنكوب المهدد بالتمزق والانقسام والتقسيم. التاريخ دار دورته فقدم الاحتلال الأميركي المزمع على الرحيل، العراق المحمية لقمة سائغة للنظام الإيراني. فما دواعي الذهول أو الاستغراب عندما نجد عناصر القاعدة تنتهز فرصة الثورة ضد النظام الأسدي كي تتسلل بين صفوف الثوار؟ ثم فلنسأل نور المالكي ونظامه المتواطئ علناً وجهاراً مع النظام الأسدي عن الهوية المخابراتية السورية لداعش التي تطلق النار على الجيش السوري الحر من الخلف. إن “داعش” هي صناعة أسدية مالكية بل أبعد من ذلك ليصل مرجعها الى طهران. أما النصرة فهي تتلقى تعليماتها من أيمن الظواهري وتعمل وفق أجندة عالمية إرهابية لا علاقة لها بقيادة الثورة السورية قط.

أدخل حزب الله مقاتليه للدفاع عن النظام الأسدي وتورّط في الحرب السورية وما زال، وفاقم الطابع المذهبي المزداد حدة هناك أضعاف أضعاف. ولما كنا، كما يزعم معنيين عندنا في لبنان بمصير الأسد ومستقبل نظامه، فقد فتح حزب الله أبواب لبنان أمام هذه العناصر المسلحة ليجري الاقتتال بينهما على أرضنا بالذات. إنه ضمن خطّته الذكية هذه ذهب لقتال التكفيريين في سوريا فكان الذي جرى أنه بفعله هذا قام باستحضارهم الى عقر دارنا.

وتعمل وسائل الدعاية الأسدية وحلفاؤها عندنا، مستفيدة من بقايا المناخ الليبرالي الإعلامي لزرع البلبلة والخوف والهلع في نفوس اللبنانيين.

فاللبناني العادي المغلوب على امره، بفعل هيمنة قوى الأمر الواقع المتمثل بسيطرة حزب الله وواجهته الظاهرة المرئية حكومة المنشأ السوري الاسلامي المستقبلية الباقية المتلاشية العائقة القابلة كما يتلاعبون للتعويم وللتحديد استمرارا للأزمة اللبنانية، لم يعد يفهم لماذا وما هي الأسباب والدواعي للخضوع لدورة تدريبية تؤهله ليحفظ غيبا اسماء هذه المجموعات والفصائل التي قدمت الى بلاده لتصفية حساباتها مع حزب الله.

إنه لمن الباعث على المرارة بل المضحك المبكي ان تردد محطات التلفزة عندنا ووسائل الاعلام مآثر هذه المجموعات وان يصاب اللبناني العادي بالذعر والهلع من جراء ذكر مخاطر هذه المجموعات كأن يقال للمرء: حاذر من داعش!.. او انتبه من جماعة النصرة..

كذلك تجري المبالغة في تضخيمه وابرازه من قبل الاعلام الأسدي وحلفائه في بيروت وبغداد وطهران كي يظهر بشار الأسد بطل مكافحة الارهاب والأكثر حرجاً على الأقليات تماما كما تعاطى النظام الاسدي مع مسيحيي زحلة والاشرفية بعد ضرب القوى الوطنية. كل ذلك من أجل الالهاء والتغطية والتقوية والنعيمة وإغماض أعين الدنيا باسرها التي تشهد الان مجازر حلب حيث تزهق الأرواح البريئة بالبراميل المتفجرة التي يُمْطَر بها المدنيين العزل.

لقد هال “بشار” إعادة المعارضة تنظيم صفوفها وشدّ سواعدها، من منا لا يذكر كيف سحق هتلر “وارسو” مرتين لكن الاسد يعيد إحراق حلب وحمص ودرعا والغوطة والقابون وداريا والقلمون مرات عدة ومرات.

ألا فلا تخدعنا وسائل الاعلام الفاشي ولا دعايات حلفائه عندنا وكل هذا الغبار الاعلامي الذي تنفخ فيه ابواق الاوركسترا المعروفة الاثمان انه يقول لكم: اما بشار في السلطة واما تصبح سوريا كتلة من نار.

هذه هدايا النظام الفاشي الدموي الاسود يرسلها الى السوريين وكل العرب، انها هدايا الأعياد. ان سوريا ليست بخير يجللها سواد الحداد والبكاء لكن مهما طال الليل سنبقى نرتل مع احمد فؤاد نجم والشيخ امام.. “والصباح له الف باب”.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى