هل أحرق أردوغان مراكبه في سياسته مع سورية؟
أديب عبد الله
منحى الشدة الذي أتخذه خطاب أردوغان الأخير بخصوص مجريات الأحداث في درعا والمدن السورية المنتفضة، يعطينا انطباعا عن وجود انتقال من مرحلة أولية في التعامل مع الجارة سورية إلى ‘مرحلة أخرى’ سنحاول أن نحدد أهم معالمها.
أردوغان بدأ حديثه بالتذكير بالأخوّة التي تربطه ببشار الأسد، وأسهب في عرض سلسلة اللقاءات الودية بينهما قبل وبعد الأحداث في درعا، هذه اللقاءات تمحورت حول نقاشات جدية وعميقة عن الإصلاحات التي ترى أن تركيا المنقذ الوحيد للنظام السوري من الانجراف في تيار الثورات العربية.
واللافت للنظر أن أردوغان لم يختم كلامه هذه المرة بالتأكيد على تطبيق الإصلاحات في سورية، كما كان متوقعا، بل ساق بعضا من الكلمات معبرا فيها عن استغرابه من الإيغال في الحل الأمني بدون وضع اعتبار لإقرار قوانين الإصلاح المتخذة قبل أسابيع في سورية، إذ قال أردوغان: ‘الرئيس الأسد لا يقول: لن أقوم بالإصلاح، بل يقول: أنا مستعد لذلك، ولكنني لم أر تطبيقا لهذا على أرض الواقع! فهل يوجد مانع يحول بينه وبين ذلك؟ أم أنه متردد في الإقدام على هذه الخطوة؟ أم أنه في حيرة من أمره؟ أقولها بصراحة هذا ما لم أستطع فهمه لحد الآن! ‘.
وحدود ومعالم ‘المرحلة الأخرى’ التي خَطَت إليها تركيا في التعامل مع سورية تكتمل عند تحذير أردوغان للأسد من مغبة الإقدام على القيام بمجزرة كالتي شهدتها مدينة حماة في الثمانينيات، وهذا ما عبر عنه من خلال قوله: ‘إذا أقدمت سورية على فعل مجزرة فالإنسانية لن تقف بدون تدخل لحماية المدنيين، وأنقرة أيضا ستقوم بما يترتب عليها حيال ذلك’.
وببساطة نستطيع التكهن – بعد مطالعة حديث أردوغان – بالمعلومات التي نقلها رئيس المخابرات التركي هكان فيدان لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عمّا يجري في سورية إثر زيارته الأخيرة لها. ونذكر أن الزيارة كانت قبيل الدعوة لاجتماع على أرفع المستويات في الدولة التركية لبلورة موقف جديد لأنقرة تجاه سورية.
ومما لا شك فيه أن فيدان نقل صورة عن إصلاحات صورية لن تُخرج سورية من هذه الأزمة، الأمر الذي دفع بالساسة الأتراك إلى تجاوز مرحلة الكلام عن إصلاحات واستشراف مرحلة جديدة، وهو ما عكسه قول أردوغان متسائلا: هل إزالة قانون الطوارئ يُطبّق برمي الشعب بالرصاص الحي؟
ويجب عدم إغفال ضغط الشارع التركي، ورأيه العام المنقسم بين قائل بنظرية المؤامرة على سورية ومن يرى الأحداث في سياق الحراك العربي. فالرأي العام في الغالب بدأت تميل كفته إلى الرأي الأخير. وإن كان هذا الأمر حافزا لرفع القيود عن خطاب أردوغان باتجاه نقد سورية، فهو في نفس الوقت دافع أيضا لتطوير خطاب أكثر حدة.
وكنتيجة طبيعية للمعطيات التي أسلفناها، قامت تركيا بحرق عدد من المراحل في التعامل مع الوضع السوري إذا ما قارناها بالمراحل التي تبعتها تركيا في مسار الملف الليبي.
فتركيا وضعت نفسها الآن أمام مرحلة أهم معالمها السعي وراء تهيئة نفسها للعب دور أساسي في سورية بعد إدراكها بأن مرحلة الكلام عن إصلاحات في بنية النظام السوري عفا عليها الزمن.
ونستطيع أن نرى هذا واضحا في كلمات أردوغان: ‘إن مجلس الأمن سيناقش الأوضاع في سورية عاجلا أو آجلا، وليس لمجلس الأمن إلا أن يُنيط بتركيا الدور الأساس في إيجاد مخرج يرضي جميع الأطراف’.
وتراهن أنقرة – في لعب هذا الدور – على العلاقات الوطيدة مع النظام من جهة، وثقة الشارع السوري بالوسيط التركي من جهة أخرى، ناهيك عن حدود طويلة تربط الجارين تعطيها أولوية على باقي الدول.
ولا يمكن فهم هذا الحراك التركي ‘الجديد’ بعيدا عن سياق تنامي التلويح من قبل بعض الدول العظمى بعقوبات إضافية على النظام السوري، إضافة إلى إجماع شبه دولي على أن النظام السوري تمادى في استخدام القوة المفرطة لقمع المظاهرات، ففي هذا الخصوص فإن تركيا لن تستطيع أن تُبقي سياستها بمعزل عن الحراك الدولي، على الأقل، كي لا تُلدغ مرة ثانية من نفس الجحر، فالساسة الأتراك لم تنس ذاكرتهم الموقف الفرنسي الذي قطع الطريق عليهم في السعي للعب دور أساسي في ليبيا.
وأخير تأكيد أردوغان على أن الاتصالات لن تنقطع مع الأسد يشير إلى أن تركيا لن تحيد عن سياسة مسك العصا من منتصفها، وحتى في حال تكرار النموذج الليبي في سورية فتركيا ستكتفي بالدعم اللوجستي ولن تشارك في أي تدخل عسكري. وما عرضنا لا يعني أن تركيا تدفع باتجاه تدخل عسكري بل إنها تحاول إبعاد سورية بقدر ما تستطيع عن الانزلاق في مستنقع كالذي هي فيه ليبيا. ولكن وفي نهاية المطاف أنقرة رمت الكرة في ملعب النظام السوري.
‘ مذيع في قناة TRT التركية ـ إسطنبول