هل النصّ القرآنيّ سبب العنف والتطرّف؟/ أحمد مولود الطيار
بعد كلّ عمل إرهابي يضرب أيّ بقعة في العالم يضع كثير من العرب والمسلمين أيديهم على قلوبهم، وبعضهم يتضرّع إلى الله متمتماً ألا يكون الفاعل ينتمي إلى أبناء جلدتهم.
يحدث ذلك مراراً، وآخره ما صار بعد العمل الإرهابي الذي ضرب صحيفة “شارلي إبيدو” الفرنسيّة.
هذا ردّ فعل بسيط وسليم من عرب ومسلمين، فما من عاقل يتمنى أن يشار إلى القاتل، وأنه ينتمي إلى منظومته وثقافته ودينه. إنما أيضاً؛ وإثر كلّ إرهاب يقوم به مسلمون، يتنطّح عرب ومسلمون آخرون، كتّاب وصحافيّون وكتّاب فيس بوك؛ إلى مهاجمة النصّ الإسلاميّ “القرآن”، محمّلينه أسباب الإرهاب، وملقين عليه كلّ اللوم، وأن في سطوره تكمن كلّ جذور الإرهاب.
وسواء كان هذا الإرهاب من صنع القاعدة أو داعش أو أيّ تنظيم إسلاميّ آخر، لا فرق لديهم في ذلك فـ”النصّ القرآنيّ” هو القاتل وهؤلاء هم القتلة يحركهم النصّ عبر الريموت كنترول. فهل النصّ القرآنيّ هو فعلاً المسؤول عن كلّ الإرهاب الذي يقوم به مسلمون؟
لو ضربنا عرضاً بكلّ تلك الحملات “الانطباعيّة” التي تهاجم الإسلام من قبل أولئك المشار إليهم، والتي تحدث بعد كلّ عمل إرهابي، حيث لا يعوّل على ردّ الفعل السّريع، وحيث لا تخفى تلك الآليّات الدفاعيّة اللاشعوريّة التي تنشد تطهراً وخلاصاً وخاصة من بعض أولئك الذين يقيمون في أوروبّا والغرب عموماً، ومحاولة فهم وبعجالة ، أيّ دور لـ “النصّ” في تلك النّكبات المتوالية التي تضربنا، ويكاد سيلها يجرفنا إلى قعر الهاوية، هذا إن لم نكن وصلنا إليها بعد.
إن النصّ، أيّ نصّ، ليس كائناً أسطورياً معزولاً عن ظروف مولده؛ والنصّ القرآنيّ هنا – رغم قدسيّته – هو نتاج عوامل سيكولوجيّة واجتماعيّة وثقافيّة وحضاريّة وتاريخيّة والأهم، وهو عرضة للتوظيف السياسيّ والتجاذبات المتمحورة حول الصراع على السّلطة.
وقد برز ذلك مباشرة بعد مقتل عثمان بن عفّان، ومعركة صفّين، وقول علي بن أبي طالب، وأنه – أي القرآن- “حمّال أوجه”. وعلى (هدى) من هذا القول؛ استمرّ رفع القرآن حجة في وجه الخصوم، من معركة صفّين وربما قبلها، وصولاً إلى زمن داعش والقاعدة. وكلّ تلك الفرق الإسلاميّة تدّعي أنّها الممثّل الشرعيّ والوحيد، وأنّها قائد الدولة والمجتمع، وكلّها توجه الآيات القرآنيّة وفق مقدّسها هي، ووفق مقاصدها وما ترتئيه. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، وموجّه لمن يحمّل النصّ كلّ السّلطة عن تلك الجرائم الإرهابيّة؟
أيّهما أقوى سلطة النصّ أم سلطة الفرقة الناجية؟ هل قرأ القاتل الذي توجّه بسكّينه إلى عنق نجيب محفوظ النصّ القرآنيّ؟ أم كان مدفوعاً بسلطة الفرقة الإسلاميّة التي كانت تسيّره؟ من يرتكب كلّ تلك الأعمال الإجراميّة هل قرأ نصّاً واحداً؟ هل النصّ فعلاً هو موجّه وسبب كلّ الخراب الذي نعيشه؟ أم التّاريخ بحوادثه واجتماعه واقتصاده وسياسته وعلاقاته؟
ولا ضير هنا من توسيع مروحة الأسئلة ضمن ذات السّياق وعلاقة النصّ بالإرهاب: إلى أيّ نصّ استند هتلر وموسوليني في إرهابهما الذي قضى بسببه ملايين الأبرياء؟ وما هي النّصوص التي باركت كلّ حملة صليبيّة كانت تنطلق في “جهادها المقدّس”؟ وأخراً وليس أخيراً: من أيّ نصّ وفي أيّ كتاب يقرأ بشار الأسد، حيث تتحول سوريا الآن إلى دولة بلا سكان؟
قد يحاجج البعض بأنّ في بعض النّصوص دينيّة كانت أم قوميّة أو ما شابه؛ تحمل في ثناياها فاشيّة وتطرّفاً وموتاً، هذا صحيح، إنّما النصّ لا يكون قاتلاً وحده ولوحده، وبمعزل عن سياقاته. النصّ – والديني منه تحديداً – لا يعدو أن يكون أيّ سلطة، هو فقط غطاء يتم استخراجه ونفض غبار التّاريخ عنه وإعادة تأويله من جديد، ومن ثم إعادة انقسام الناس وتبعيتهم لمؤوّلين ومفسّرين يحاولون إعادة توجيه التّاريخ إلى الوراء.
تحميل النصّ القرآنيّ، وأنّه سبب العنف والتطرّف، لا يعدو أن يكون فقط كسلاً ذهنياً، وهو كذلك تطرّف مضاد.
هنا صوتك