هل تنزلق سوريا نحو حرب طائفية؟
روبرت فيسك()
إذن، وجدت نفسي أمام مراسل التلفزيون السوري الذي يسألني عن رأيي في الوضع في سوريا، فقلت له إنه لم يعد بإمكانكم اعتبار العرب في مراحل الطفولة، وإن الانتفاضات أو الثوارات أو الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي مختلفة، لكن الديكتاتورية لم تعد نافعة، وأنه لو كان هناك لو- دستور جدي جديد يسمح بتعددية الأحزاب السياسية وانتخابات حقيقية حرة ونزيهة، فإن سوريا قادرة عندها على الخروج من المأساة، لكن الوقت يضيق أمام الحكومة وبسرعة.
بالطبع كانت الحكومة السورية تحذر من وقوع حرب طائفية. بالطبع صوّرت الحكومة السورية نفسها بأنها الضامن الوحيد لأمن الأقليات. بالطبع زعمت الحكومة السورية أن الإسلاميين “والإرهابيين” هم وراء التظاهرات في الشوارع المناهضة للنظام. ومن الواضح أيضاً أن وحشية أجهزة الأمن السورية في درعا وحمص وغيرها من المدن السورية ضد المتظاهرين غير المسلحين، كانت فضيحة يعترف بها المسؤولون الحكوميون في مجالسهم الخاصة.
لكن من الواضح أيضاً أن الصراع في سوريا اليوم يدور حول وسط البلاد وأن العديد من المسلحين بدأوا بمواجهة الجيش. لقد قيل لي أن حمص تخرج لساعات عديدة في اليوم عن سيطرة الحكومة. بإمكان الدمشقيين المسافرين إلى مدينة حلب الشمالية أن يستقلوا الباصات. لكنهم أصبحوا اليوم أكثر من أي فترة مضت يطيرون إليها لتجنب الطريق الخطيرة بين حمص وحلب. أعتقد أن هذه هي الأسباب التي دفعت الآلاف للتظاهر أمس في دمشق. إنهم مرتعبون.
لا يسمح للصحافيين الأجانب بالذهاب إلى حمص خطأ فادح من قبل النظام- حيث يعيش السنة والعلويون والمسيحيون جنباً إلى جنب مع الأرمن والشراكسة والمجموعات الأخرى. قد تكون الحرب الطائفية من مصلحة أي نظام يدافع عن استمراريته. لكن ما لم يكن جميع الذين قابلتهم يكذبون (وهذا ما لا اعتقده) فإن هناك واقعاً جديداً ينمو في وسط سوريا. وأمام هذا الواقع، لا ينفع أي فيتو صيني أو روسي في مجلس الأمن الدولي.
كان من المتوقع وصول وفد من الجامعة العربية أكثر المؤسسات العربية إثارة للشفقة وغير المجدية- بعد ظهر أمس إلى دمشق. لأي هدف؟ هل هم في طريقهم لإرسال “قوات سلام”؟ قبل يومين خطف محمد قدور عميد كلية البتروكيمائيات في جامعة حمص مقابل إطلاق بعض المعتقلين. أطلق سراحه في اليوم التالي. في إدلب يقولون إن الجميع مسلحون، وكذلك يقولون، إن السلاح مصدره من لبنان.
تسأل من هم الرجال المسلحون في وسط سوريا وتأتيك سلسلة من الأجوبة المختلفة: عناصر من البدو يهربون المخدرات، فارون من الجيش، إسلاميون من العراق، “أشخاص يفكرون أنه لا توجد وسيلة أخرى للتخلّص من النظام”. دمشق آمنة؛ أضواء مشعة وتسوّق متأخر في الليل ومطاعم وآلاف الأشخاص يتجولون في الشوارع. لكن دمشق ليست كباقي سوريا. إنها تعيش في نوع من الفقاعات.
صحوت أمس بعد أن غفوت لمدة ساعة ونصف فقط لأنه خارج الفندق الذي أقيم فيه، كان الموظفون الحكوميون يختبرون مكبرات الأصوات العالية التي ستستخدم في التظاهرة وكانت تبث طيلة الليل أصوات الطبول والهتافات والأناشيد المسجلة. لكن هل كانت حشود أمس بحاجة فعلاً لهذا التصفيق المزيف والمظاهر الاحتيالية الإضافية إلى تظاهراتهم؟ رسمياً، فإن الأوضاع تتحسن في سوريا، لكني شخصياً أشك بذلك.
إذا كانت أرقام الأمم المتحدة حول وقوع ثلاثة آلاف قتيل مدني صحيحة، وإذا كانت إحصائيات الحكومة السورية حول مقتل 155 جندياً، وإذا كانت وفيات الأيام الثلاثة الماضية قد وصلت إلى خمسين، فإن المجموع الصحيح هو نحو 4220 سورياً قتلوا في سبعة أشهر. وهذا رقم يكفي لدب الذعر في نفس أي كان.
() الاندبندانت