هل ستثبت قيادة الائتلاف الجديدة أهليتها وجدارتها؟
عمر كوش
يأتي انتخاب قيادة جديدة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في وقت يشن فيه النظام حرباً شاملة مدمرة على المناطق الثائرة، خاصة على مدينة حمص، حيث تخرج نداءات استغاثة من أحيائها القديمة، التي يحاصرها النظام منذ أكثر من عام، ويشن عليه حرباً طاحنة، بمساندة ميليشيات حزب الله، وفق منهج التدمير الشامل والأرض المحروقة، الأمر الذي فرض نفسه على اجتماعات الهيئة العامة للائتلاف في اسطنبول، وألقى بظلال ثقيلة عليها.
ويشكل انتخاب، أحمد العاصي الجربا، رئيساً جديداً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، تتويجاً للتغيرات التي عرفتها الهيئة العامة للائتلاف في إطار ما عرف بالتوسعة، التي لم تعن فقط زيادة في عدد أعضاء الائتلاف، بل تغييراً طال بنيته وتركيبته، من خلال دخول ممثلين عن اتحاد الديموقراطيين السوريين، وعن الحراك الثوري، وعن الهيئة المشتركة لأركان الجيش السوري الحر، الأمر الذي أفضى إلى تقوية الخط الديموقراطي، وزيادة تمثيل مختلف القوى السياسية والمكونات والأطياف السورية، ورسم خارطة الائتلاف السياسية، على أساس التمثيل المتوازن والبرامج والأطروحات، لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، وإعطاء الائتلاف قوة أمام قوى الداخل السوري والخارج الدولي، وبالتالي يشكل انتخاب قيادة جديدة خطوة مهمة، ستفتح الباب واسعاً أمام تغير في التحالفات داخل الائتلاف، والأهم أنها ستؤثر على مستجدات ومتغيرات جديدة، على أكثر من صعيد، في داخل سوريا وخارجها، كونها ستطال مسارات الثورة السورية، وممكنات الوصول إلى تطلعات الثوار السوريين، وتوفير الدعم لهم ولحاضنتهم الاجتماعية، خصوصاً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فضلاً عن التأثير على المواقف الإقليمية والدولية.
ولعل عدم انتماء أحمد العاصي الجربا إلى حزب معين، يعطيه استقلالية سياسية، ويجعله في حلّ من أي برنامج سياسي أو إيديولوجي لطرف حزبي بعينه، أو لقوة سياسية معينة، وعلى مسافة واحدة من جميع القوى والأطياف السياسية في المعارضة السورية، إيماناً منه بأن المرحلة التي يمرّ بها الشعب السوري، تفترض الانحياز إلى كل الثائرين السوريين بمختلف أطيافهم، بل وإلى سوريا الديموقراطية التعددية المدنية، بوصفها وطناً لجميع أبنائه ومكوناته السياسية والاجتماعية والاثنية. يضاف إلى ذلك، أنه رجل لا يشخصن الأمور، بل كان يشارك على الدوام زملاءه في الكتلة الديموقراطية في الرأي واتخاذ الموقف الجماعي، كما أنه شارك في العمل المعارض للنظام السوري منذ زمن بعيد، حيث أسهم في تأسيس كل من المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فضلاً عن أنه لم يتوانَ منذ قيام الثورة عن الإسهام في العمل الإغاثي، وفي تعزيز جهود المساندة والدعم للداخل السوري، بدءاً من رغيف الخبر، وصولاً إلى الدعم العسكري.
ولاشك في أن تشكيل قيادة جديدة للائتلاف، يفترض في هذه الظروف أن تقدم بديلاً سياسياً وعملياً، يمكنه الإسهام في تغيير موازين القوى، والتأثير على مسارات الثورة السورية، من خلال إقناع السوريين بأنها تشكل بديلاً مقنعاً، يثبت جدارته في دعم الثورة، وفي العمل على توحيد عمل الكتائب والمجموعات العسكرية، بالتعاون الوثيق مع قيادة أركان الجيش الحر والكتائب الأخرى، من خلال أسس عملية لبسط السيطرة، بهدف إسقاط نظام بشار الأسد بكل أركانه، خصوصاً وأن معركة إسقاط النظام باتت، اليوم، معركة بقاء السوريين أيضاً.
تفرض المسؤولية الملقاة على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية تحديات واستحقاقات عديدة، في الداخل السوري والخارج، إذ يتعين عليه أن يضع خطة عامة لمواجتها، يكون منطلقها التوجه إلى الداخل، وهذا يعني التواصل مع كافة الأطياف السياسية والاجتماعية، ومع الجهاز العسكري، ومع القوى الأخرى داخل تشكيلة الهيئة العامة لائتلاف قوى المعارضة والثورة السورية.
وهناك سعي من الكتلة الديموقراطية نحو إنجاز خطة سياسية توافقية طويلة الأمد، يشارك في إعدادها كل أطياف الائتلاف والمعارضة، وذلك بعد انتخاب الهيئة العامة للائتلاف هيئة سياسية، تمثل جميع التيارات والقوى، ما يعني أن التيار الديموقراطي داخل الائتلاف لن ينفرد في قيادته، بل سيجسد سعيه نحو التوافق بين الجميع، انطلاقاً من قناعة تفيد الائتلاف للشعب السوري، وليس لجهة أو قوة بعينها، وبالتالي يجب أن تكون أعمال الائتلاف منطلقة من إرادة سورية مشتركة، من خلال تولي جميع الأطراف في الهيئة السياسية مسؤولية الاشراف على عمل الائتلاف في فترة ما بين انعقاد اجتماعات الهيئة العامة له. وهذا يتطلب وضع خارطة طريق، تكون بمثابة خطة تتوافق عليها كل أطياف المعارضة وتتبناها، وتقوم بتوحيد جهود المعارضة، وتقرب أهدافها من بعضها البعض.
ولا شك في أن مثل هكذا خطة لن تنجح إلا بالتواصل مع جميع شرائح المجتمع، ما يعني أن وضعها أمام مسؤولية تاريخية في زمن الثورة السورية، وتقتضي من الائتلاف أن يثبت أهليته وجدارته، حيث يتوجب عليه أن يؤكد للسوريين أنه يشكل مظلة للثورة وحاضنتها، يثق بها السوريين من خلال ما تقدمه على الأرض، وأن تثبت كذلك للمجتمع الدولي أنها تحظى بتأييد وقبول الداخل، كي تحظى بمكانها المستحق في كل المؤسسات الدولية والإقليمية لتمثيل الشعب السوري بمختلف أطيافه ومكوناته.
غير أن الاستحقاقات والتحديات المطروحة ليست بالسهلة، وطريق مواجهتها ومعالجتها شاق، ويتطلب عملاً جماعياً، ودعماً داخلياً ودولياً، من خلال وضع خطة واضحة المعالم والأهداف، تقطع الطريق أمام نظام الأسد الآيل إلى السقوط لا محالة، وأمام تلاعب الدعمين له، وبخاصة النظامين الإيراني والروسي، والتحرك دولياً للمطالبة بتحقيق الوعود التي أعلنتها كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول الخليجية، التي تحدثت عن تسليح الجيش الحر، وعن سعيها إلى إحداث تغيير في موازين القوى على الأرض، والاستفادة من ذلك في التعجيل بنهاية النظام الأسدي.
ويشير النظر في الموقف الراهن إلى أن مسار الأحداث في سوريا، مرهون بمدى قدرة قوى الثورة السورية على التأثير في موازين القوى، وتغييرها باتجاه الدفع بكل إمكانيات الثورة في مواجهة النظام، وذلك من خلال إعطاء دفعة قوية لحراك الناس، ووضع رؤية واضحة استراتيجية للمرحلة الراهنة، وطمأنة السوريين، بمختلف أطيافهم وحساسياتهم، والإجابة على مخاوفهم وهواجسهم من المستقبل في مرحلة ما بعد الأسد.
وتتجسد ممكنات تغيير موازين القوى في تأمين الدعم الدولي والإقليمي والعربي الضروري، من أجل تمكين الجيش الحر والمجموعات الأخرى، من تحقيق مزيد من التقدم على الأرض، بما يعني إمداد الثوار بأسلحة نوعية تمكنهم من المقاومة، والاستمرار بالثورة حتى إسقاط النظام الدموي، وتجنيب البلاد المزيد من الويلات والدمار. كما تتجسد في بناء علاقات قوية مع قوى الداخل، من مجالس مدنية ومنظمات مدنية وإغاثية وطبية، واتباع أسلوب تمويل محدد لهذه القوى، وفق آلية معروفة وممأسسة لوصول المال والمعدات إليها. والأهم هو تأمين احتياجات الناس في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، من مواد معيشية واحتياجات ضرورية، وتوفير الأمن لهم وسبل عيشهم الكريم.
المستقبل