هل سيتكرر السيناريو الليبي في سوريا ؟
حسن محمد طوالبه
عندما صدر قرار جامعة الدول العربية السابق بشأن ليبيا , ادنت ذاك القرار وقلت انه سابقة خطيرة قد تتكرر في مسألة اخرى .وادانة ذاك القرار لا يعني تأييد القذافي , بل كان موقفي واضح في ادانة كل حاكم يوجه اسلحته الى صدور شعبه . وهكذا الحال بالنسبة الى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح , والرئيس السوري بشار الاسد .
بالامس اصدرت الجامعة العربية قرارا قد يمهد الطريق نحو تدخل خارجي في سوريا ,ويقضي القرار بتجميد عضوية النظام السوري في اجتماعات الجامعة وفي كل مؤسساتها ,وقد اشترط القرار على النظام السوري : وقف العنف في كل ارجاء سوريا .وازالة المظاهر المسلحة من المدن والبلدات السورية . واطلاق سراح المعتقلين السياسين المعارضين للنظام . وبدء حوار بين النظام والمعارضة لادخال اصلاحات سياسية في البلاد .
اذا لم ينفذ النظام هذه الاشتراطات التي تضمنها قرار الجامعة ,من يوم صدوره وحتى 16 من الشهر الجاري , فان الجامعة خولت الامين العام للجامعة الاتصال مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان , وبالتشاور مع اطياف المعارضة السورية , لاتخاذ الاجراءات الضرورية لحماية المدنيين في المدن السورية . كما طالب القرار فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري , وسحب سفراء الدول العربية من دمشق .
رحبت بعض الدول العربية بالقرار ,كما رحبت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي به .فيما رفض النظام السوري القرار على اعتبار انه انتهاك لميثاق الجامعة , ويخدم اجندة خارجية غربية ـ امريكية .وقالت سوريا ان القرار يجب ان يتم اتخاذه بالاجماع , في حين ايد القرار 18 عضوا , وعارضه كل من سوريا ولبنان واليمن , وامتنع العراق عن التصويت . وقال مندوب سوريا لدى الجامعة” ان القرار لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به ” واضاف ” ان القرار لا يعنينا بشئ ” .كما نقلت الوكالات ان المندوب السوري تهجم على رئيس الجلسة رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها والامين العام للجامعة نبيل العربي بعبارات نابية , استنكف رئيس الوزراء القطري عن الرد عليها , بل اكتفى بالقول ” الله يسامحه “
منذ صدور المبادرة العربية عارضتها اطياف المعارضة , بدعوى انها تمنح النظام فرصة جديدة لقتل المدنيين السوريين . كما رفضها النظام في البداية , واعتبرها تدخلا في الشأ ن السوري , ورفض في بداية الامر استقبال نبيل العربي في دمشق , ثم عاد وقبل بالمبادرة واستقبل وفد الجامعة برئاسة الشيخ حمد . وعلى حد قول الجامعة ان النظام لم ينفذ الشروط التي تقدمت بها المبادرة العربية .
المهم ان المبادرة جاءت متأخرة , اي بعد 8 اشهر على الانتفاضة الشعبية في المدن السورية , وبعد انشقاق اعداد من افراد القوات المسلحة والتحاقهم بالانتفاضة وشكلوا ما سمي ” بجيش سوريا الحر ” الذي يقدره البعض ب 15 ـ20 الف فرد . وجاءت المبادرة بعد ركود اقتصادي عم الاقتصاد السوري , وتضاءل الرصيد من العملات الاجنبية , وتراجع الموارد المالية للدولة , وجاءت بعد تشكيل المجلس الوطني السوري , وبعد استهتار النظام بالعقوبات الدولية وخاصة العقوبات على النفط السوري الثقيل الذي يدر على الخزينة 7 ـ 9 مليار دولار سنويا .
منذ البداية تذرع النظام بحجة ان ما يجري هو مؤامرة خارجية على نظام الممانعة والصمود , وان الهدف هو اسقاط النظام الثوري الباقي في المنطقة . لا احد ينكر ان المؤامرة الخارجية موجودة ضد العرب منذ زمن بعيد , طمعا في ثروات العرب النفطية , ولضمان امن الكيان الصهيوني .ولكن العيب في النظام او الحاكم الذي لايستوعب اهداف هذه المؤامرة , ويسد المنافذ عليها ويفشلها في المهد .
الم يكن بوسع النظام ان يستوعب الانتفاضة السورية عندما هبت في درعا ؟ الم يكن بوسع النظام وهو يدعي انه يقود الممانعة في المنطقة , ويحكم باسم حزب ثوري يؤمن بالوحدة والحرية والاشتراكية ان يستبق الاحداث ويسد منافذ المؤامرة ؟. لقد كانت مطالب الشعب بسيطة , نيل الحرية والمشاركة في السلطة , بدل احتكارها من حزب واحد ؟ .
الكل يدرك ان الغرب والولايات المتحدة تتسابق من اجل السيطرة على النفط العربي . وقد غزت العراق من اجل هذا الهدف , ودمرت بناه التحتية , وقتلت مئات الالوف وشردت الملايين خارج ديارهم . الهدف الاساس الذي وضع اسسه الكيان الصهيوني منذ عام 1975 , عندما تفجرت الحرب الاهلية في لبنان .هو تقسيم الاقطار العربية الى كيانات قومية ودينية وطائفية .والحاكم القومي والتقدمي هو الذي يدرك هذه المؤامرة ويحول دون ان تنفذ على ارضه .
المشهد المقبل خطير وقد يتكرر المشهد الليبي , تحت ذريعة حماية المدنيين في المدن السورية ,ولا سيما ان بعض اطراف المعارضة نغمت لفكرة التدخل الخارجي من زمن بعيد . كما ان انشقاق افراد من الجيش قد يمهد الطريق لحرب بين هذا الجيش الجديد والجيش النظامي . ولا نستبعد تدخل دول اقليمية في هذا النزاع الذي سيشعل المنطقة .
الانتصار لسوريا وحماية شعبها من حرب اهلية محتملة , يستلزم من النظام ان يبادر الى التنازل عن كبريائه من اجل مصلحة الشعب وحماية البلاد من مخاطر التدخل الخارجي , كما ان المعارضة يمكنها ان تتنازل عن بعض مطالبها لحقن ملامح حرب اهلية تلوح في الافق .