هل كسب الأسد الجولة الأولى في معركة دمشق؟
فشل الجيش السوري الحر في قطع رأس النظام في معركة دمشق، فلم يتلقَّ التعزيزات الضرورية التي كان بحاجة إليها، لذلك عجز عن الصمود في وجه الهجمات المتواصلة التي شنتها قوات النظام، واضطر مقاتلوه إلى الانسحاب من مناطق عدة.
تصاعد التوتر في العاصمة السورية، التي ترزح تحت وطأة الأزمة، بينما ارتفعت الحرارة لتصل إلى 46 درجة مئوية الأسبوع الماضي، وتزايد الشعور بالاضطهاد من جراء رائحة مخلفات المدفعية والدبابات ونيران الطائرات المروحية المقاتلة التي هزت المدينة. رفعت عملية الاغتيال الجريئة، التي استهدفت أعضاء بارزين في النظام الحاكم وتزامنت مع التغلغل والسيطرة على مناطق في العاصمة، معنويات المعارضة الأسبوع الماضي، ما أنعش الآمال باقتراب نهاية الأزمة السورية.
رغم ذلك، فشل الجيش السوري الحر في قطع رأس النظام، فلم يتلقَّ التعزيزات الضرورية التي كان بحاجة إليها، لذلك عجز عن الصمود في وجه الهجمات المتواصلة التي شنتها قوات النظام. واضطر الجيش الحر إلى سحب مقاتليه من مناطق عدة.
قال حسام (30 سنة)، سوري يعيش في أحد أحياء الطبقة العليا من دمشق: “جيش النظام ضخم ومجهز تجهيزاً جيداً، ويتزود بأسلحة أفضل وأحدث كل يوم. لذلك يجب أن يوقف الجيش السوري الحر مناوراته العبثية هذه وينتظر انتخابات 2014 لأنه لن يفوز”.
عندما نتأمل في الأحداث الأخيرة التي شهدتها دمشق، نرى أن الجيش السوري الحر انسحب من الميدان، حي في جنوب دمشق مناهض بشدة للنظام، وفشل في منع قوات النظام من تدمير المزة، وكفرسوسة، وبرزة، ومناطق كثيرة غيرها. إذاً، يبدو أن الطريق لا يزال مقطوعاً أمامه في حال أراد “الفوز” بدمشق. حتى ركن الدين، منطقة احتفلت بسقوطها كاملة في يد الجيش السوري الحر يوم السبت، كانت تتفاوض على “وقف لإطلاق النار” مع قوات النظام بحلول يوم الثلاثاء للسماح لها بدخول المنطقة، شرط ألا يسلم أي من الطرفين سلاحه. مع ذلك، حافظ محاربو الجيش السوري الحر على مواقعهم وعلى جاهزية أسلحتهم. وحثوا الناشطين غير العسكريين على الاختباء، بعد أن كشفوا سريعاً هوياتهم “بعد الانتصار” لحلفاء الحكومة وفي التظاهرات التي نقلتها وسائل الإعلام.
ذكر أحد الناشطين في المعارضة في ركن الدين: “ننتظر وصول الأسلحة… لدينا 600 رجل مستعدون للقتال، لكن ما من أسلحة يحملونها”. ولا شك أن هذا تصريح مثير للقلق يكشف مدى النقص في الجاهزية والقدرة على دحر قوات النظام.
أوضح حسام: “ما دام الجزء الأكبر من الجيش موالياً لرئيس الجمهورية، فسيخسر الجيش السوري الحر ويبقى النظام”.
لا يزال النظام يبث الخوف في نفوس العلويين وغيرهم من الأقليات بحكاياته عن خطط “إرهابية” تهدف إلى الانتقام منهم. كذلك ما زال يحظى بدعم ما يكفي من الموالين ليواصل سحقه المعارضة. وهكذا، مالت الدفة خلال اليومين الأخيرين إلى مصلحة النظام ومؤيديه، الذين تساعدهم دعاية التلفزيون الوطني الكاذبة والواسعة. فتُنشر كل يوم في البلاد رسائل نصية تحذر الناس من أن محطة التلفزيون تتعرض للتشويش أو التدخل من قبل “متسللين أجانب”.
فرح الموالون للنظام بمشهد الجنود اليافعين الرقيقي الملامح، وهم يسردون بحماسة نجاحهم في “تطهير” الميدان من “الإرهابيين المسلحين”. هدف الإسراع في رفع القمامة وجثث القتلى من الشوارع إلى إعادة الشعور بحياة طبيعية تسيطر عليها الحكومة، وكذلك إعادة السكان الذين فروا إلى منازلهم.
لكن جولتي في الميدان، التي كانت تتطلب عادة 15 دقيقة، استغرقت ساعتين، وخصوصاً بعد المرور عبر نقطة تفتيش محصنة بشكل كبير، ما يكذّب أي خبر عن حياة طبيعية. كان الخراب يملأ المكان. وباتت ثقوب الرصاص في الأبواب والمصاريع، المباني المنهارة، المنازل المحترقة، السيارات المكومة، والنوافذ المحطمة منظراً مألوفاً في مجتمع دمشق التقليدي.
سرعان ما تبددت سعادة السكان بالعودة، عندما اكتشفوا أن منازلهم نُهبت، فوجدوا أن بعض مقتنياتهم فُقِد والطعام، الذي ابتاعوه في الآونة الأخيرة استعدادًا لشهر رمضان المبارك، فَسَد بعد أيام من دون كهرباء. عاد بعضهم إلى منازلهم ليعثروا على بقايا من طعامهم على طاولة الطعام. فيبدو أن الجنود تناولوه خلال جولات “التطهير” هذه.
ناشدني رامي ودموعه تخنقه، بينما جلستُ في غرفة الجلوس التي تغمرها الفوضى في منزله: “أرجوك أن تقولي لهم، قولي للعالم أن يتجاهل الصين وروسيا ويفرض منطقة حظر جوي. والله، لولا عائلتي لكنت قاتلت إلى جانب الجيش السوري الحر”. بدا لي من كلمات رامي هذه أنه لا يشعر بأي غضب أو استياء من دخول الجيش السوري الحر وانسحابه لاحقًا من الحي الذي يقيم فيه.
فبينما تنقلت في الشوارع المهدمة، سرت في ممر ضيق وعبرت قرب مدخل وقفت عنده سيدة عجوز باكية وهي تنظر إلى أنقاض منزلها، بعد أن تفحم كل شبر منه وتحطم جراء إصابته بصاروخ.
بعد أن هدأ القتال في بعض الأحياء، بدأ الناس بالخروج من منازلهم لشراء اللوازم، واستعادت المدينة بعضًا من نشاطها. لا تزال حركة المرور معطلة بسبب الحواجز ونقاط التفتيش، لكن دمشق عادت إلى ما يشبه الحياة الطبيعية والسلام، ما يرفع بالتأكيد من معنويات النظام.
في الأسبوع الماضي، كان عناصر الشرطة خائفون وتواروا عن الأنظار، أما اليوم، فعادوا إلى تسلّم مهامهم الطبيعية، ولم يترددوا في التباهي بانتصارهم. رصدتُ مجموعة منهم كانت تدفع بخشونة صبياً صغيراً يجر عربة حمار في المدينة القديمة.
عاودت المحلات التجارية فتح أبوابها، لكن الحركة التجارية لا تزال بطيئة، وانطلقت صهاريج الوقود لملء خزانات المحطات، لكن البنك المركزي لا يزال يرفض الإفراج عن مبالغ مالية كبيرة. لم تفارق نظرات القلق واليأس وجوه الناس جميعاً، بل تزداد ملامحهم تجهماً مع تكاثر قصص انتشار عمليات الاغتصاب والقتل في المدينة.
يبدو أن النظام فاز في جولة الصراع الأولى من أجل دمشق، لكن الحرب لم تنتهِ بعد، فلا يمكن لنحو 40 ألف مقاتل من الجيش السوري الحر، فضلاً عن آلاف ناشطي المعارضة ومناصريها، التخلي عن الكفاح والمخاطرة بتعرضهم بعد ذلك لغضب النظام الذي لا يرحم، فلا يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد مستعد للتفاوض على تسوية مع المعارضة أو على التنحي، رغم محاولات المجلس الوطني السوري والمجتمع الدولي تشكيل حكومة انتقالية.
لا شك أن اليومين الماضيين أنعشا المدينة وأيقظاها من حالة الاكتئاب والغيبوبة والقلق التي تعمها مع غياب أي علامات عن اقتراب نهاية سلمية للقتال المستشري.
سأل أحد مؤيدي المعارضة بخيبة أمل: “ماذا لو بعد كل هذا الوقت، بقي النظام ولم يتغير شيء؟ ما نفع كل ما تحملناه إذاً؟”. بدأت خيبة الأمل هذه بالانتشار في جميع أنحاء المدينة.
قال مواطن سوري لم يؤيد الأسد ولم يكن موالياً للجيش السوري الحر، لكنه جزء من شريحة متنامية من السكان المحايدين: “بصراحة، لا يشكل أي من الطرفين خياراً جذاباً بالنسبة إلى سورية، لكن الجيش السوري الحر لن يفوز على جنود النظام ولو بعد مئة عام… إنهم وحوش”.
الجريدة