هل يجري تقاسم سوريا بقوات متعددة الجنسية لحماية «مناطق خفض التصعيد»؟/ د. عصام نعمان
صحيح أن الجيش السوري وحلفاءه حرروا مناطق شاسعة في سوريا من سيطرة «داعش» و»النصرة» وتوابعهما، لكن سوريا تبدو مرشحة، في الأقل لدى دول حلف «الناتو»، لمزيد من القتال والاقتتال، الممهِدة لمخططات وضع اليد والهيمنة.
إذ تحقق سوريا وحلفاؤها مكاسب وازنة على الارض، ينبري اعداؤها إلى وضع مخططات تؤول، بدعوى حماية «مناطق خفض التصعيد»، إلى تقييدها بترتيبات وضوابط من شأنها شلّ حركتها وتعطيل دورها الاقليمي.
هذا الاحتمال المقلق طفا على سطح الاهتمامات الاقليمية والدولية، بعد قيام القوات العراقية، وفي طليعتها قوات «الحشد الشعبي»، بالسيطرة على مساحة واسعة على طول حدود العراق مع سوريا في الشمال، والتقدّم جنوباً لتلتقي قوات الجيش السوري وحلفائه على الحدود بين مدينة القائم العراقية وبلدة التنف السورية، حيث تتمركز قوات امريكية واخرى عشائرية من توابعها.
أعقب هذا التطور الميداني عدّة أحداث، أهمها قيام سلاح الجو الأمريكي بإسقاط طائرة حربية سورية جنوب الرقة، ثم قيام ايران بإطلاق صواريخ بالستية متوسطة المدى من محافظة كرمنشاه، غربيّ البلاد، دمّرت مراكز قيادة وسيطرة لـِ»داعش» في محافظة دير الزور السورية. هـذه التطورات تزامنت مع تصاعد عمليات الإرهابيين على الحدود الاردنية – السورية المشتركة، في جوار الجولان السوري المحتل كما في منطقة درعا.
في غمرة هذه الاحداث، لم تتأخر مؤشرات وضع اليد والهيمنة على سوريا عن الظهور. ففي خلال مؤتمر هرتسيليا السنوي البالغ الاهمية وفي اعقابه، ظهرت مداخلات لمسؤولين اسرائيليين كبار، بينهم وزير الامن افيغدور ليبرمان، كما لمعلقين استراتيجيين اسرائيليين مرموقين، كشفت المرامي القريبة والبعيدة للكيان الصهيوني، بعد اكتمال طرد «داعش» و»النصرة» من الاراضي السورية.
يتحصّل من هذه الآراء المدلى بها في المؤتمر المذكور، كما في وسائل الاعلام الواقعات والملاحظات الاتية:
ثمة قلق مزدوج في «اسرائيل» من اتساع حضور ايران العسكري في سوريا، ما قد يغريها، بحسب المحلل العسكري في صحيفة «معاريف» (2017/6/17) يوسي ميلمان، «بأن توجد لنفسها موطئ قدم بالقرب من الحدود مع اسرائيل». ويقول ميلمان إنه «وفقاً لمصادر استخبارية غريبة، يدرس الاردن التدخل العسكري في سوريا ويخطط لإقامة مناطق عازلة في جنوبها، بالقرب من الحدود المشتركة بين الدولتين». ويكشف ميلمان ايضاً، وفقاً لتقارير اجنبية، «وجود علاقات جيدة وعلاقات تنسيق بين الجيش الإسرائيلي والجيش الاردني، وأن اخباراً نشرت عن اجتماع رئيس الاركان غادي ايزنكوت في الاردن مع الملك عبد الله وقادة جيشه».
الى ذلك، ثمة تسابق في رأي الباحث في معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي أودي ديكل («مباط عال» 2017/6/20) على بلورة الساحة السورية، يتمحور بين مجهودين استراتيجيين اساسيين: الاول تقوده ايران وهدفه تهيئة الاساس لجسر بري يخضع لسيطرة حلفائها يمتد من الشرق إلى الغرب: من ايران مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان، وذلك من خلال سيطرة حلفائها على نقاط عبور أساسية بين العراق وسوريا. في المقابل، ثمة جهد ثانٍ تقوده الولايات المتحدة، من أجل إنشاء منطقة فاصلة في قلب الشرق الاوسط تمتد من الشمال إلى الجنوب، لتقطع الجسر البري الايراني في سوريا ولبنان والاردن وغربيّ الخليج، وصولاً إلى السعودية. ويقول ديكل إن الولايات المتحدة اعلنت أن هذه المنطقة ممنوع فيها الإشتباك (de-confliction) وانها خاضعة لسيطرتها، ولن تقبل بانتشار الجيش السوري ومقاتلين ايرانيين فيها.
ماذا عن ايران؟
تتفق مصادر ايرانية وعربية واسرائيلية على أن طهران تلتزم القيام بمهمات اربع: (1) الدفاع عن الحضور الإيراني في العراق، ودعم صمود حكومة الرئيس بشار الأسد، وعن تأمين جسر بري يمتد من طهران حتى بيروت. (2) القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على الحدود العراقية – السورية. (3) تعطيل المخطط الأمريكي لتقسيم سوريا. (4) منع الولايات المتحدة وحلفائها من السيطرة على شرق سوريا.
ماذا عن روسيا؟
اعلنت موسكو مراراً وتكراراً التزامها وحدة سوريا وسيادتها وترجمت بعدة عمليات في البر والجو والبحر دعمها الواضح لسوريا ولرئيسها، الذي أشاد بدورها في هذا المجال. غير أن حديثاً، بحسب ديكل، جرى حول تنسيقٍ بين جهات امريكية وروسية في الاردن، وان «روسيا تعمل على منع الاحتكاك بين قوات النظام وحلفائه من جهة والقوات الامريكية من جهة اخرى، وانها تسعى لتتفاهم مع الولايات المتحدة ومع الاردن في ما يتعلق بمنطقة منع الاحتكاك والهجمات المتبادلة في جنوب سوريا».
إذ تتردد هذه التقوّلات والتسريبات، صدرت عن تركيا مبادرة تبعث على التساؤل إن لم يكن على الارتياب. فقد دعت انقرة يوم الخميس الماضي إلى نشر قوات متعددة الجنسية من مختلف اطراف النزاع في سوريا، لضمان السلام في»مناطق خفض التصعيد» وإنهاء الحرب الدائرة منذ نحو ست سنوات. مصدرُ هذا الاقتراح الناطقُ باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين. وكانت تركيا وروسيا وايران اتفقت في 4 ايار/ مايو الماضي خلال محادثات السلام في مدينة استانا، عاصمة قازقستان، على اقامة اربع «مناطق خفض التصعيد» في سوريا.
كالين كشف أن ثلاث دول حتى الآن تعمل على تحديد اللوجستيات للحفاظ على السلام في مناطق «خفض التصعيد»، وانه في محافظة ادلب في شمال سوريا «يمكن أن تكون قوات المراقبة بشكل رئيسي من القوات التركية والروسية»، وإنه في المناطق المحيطة بدمشق «يمكن أن تكون القوات بشكل رئيسي من روسيا وايران»، وانه في محافظة درعا يمكن نشر قوات اردنية وامريكية. وادّعى كالين أن موسكو اقترحت نشر قوات من قيرغيستان وقازاخستان، وان الوفود الفنية تناقش اللوجستيات وتفاصيل هذه المناطق.
لم يصدر عن سوريا ما ينفي هذه التقوّلات التركية أو يؤيدها. الارجح أن تتحفظ دمشق بشأن نشر قوات متعددة الجنسية في اراضيها، خصوصاً عندما يكون بعضها كقوات تركيا، جزءاً من قوات حلف شمال الاطلسي «الناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة. ثم من يضمن ألاّ تطول «إقامة» هذه القوات «الضامنة» لسلام مناطق «خفض التصعيد» فتصبح سوريا حبيسة قوات لا تضمن السلام بقدْر ما تضمن تحويل مناطق «خفض التصعيد» إلى كيانات بحكم ذاتي تكرّس تقاسم سوريا بين دول كبرى، عالمية واقليمية.
هل تقف امريكا وراء تركيا في هذه المبادرة المريبة؟
كاتب لبناني
القدس العربي