هيثم منّاع: الضربات الجوية لا تقضي على “داعش”…والرأس في العراق
محمد نمر
لم ينتظر التحالف الدولي بقيادة أميركا أي اذن مسبق من النظام السوري ويواصل مهمته لليوم الثاني، لكنه حصل على دعم المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف المعارض، خصوصاً بعد نيل الرئيس باراك اوباما موافقة مجلسي النواب والشيوخ لتسليح الكتائب المسلحة المعتدلة وتدريبها، ووقت راح النظام السوري يستثمر الضربات الجوية ويرحب بأي مبادرة ضد الارهاب، برزت مواقف سورية معارضة ترفض أي تدخل خارجي سواء كانت لضرب “الدولة الاسلامية” او النظام السوري، فيما هناك مواقف أخرى غالبيتها “عسكرية” وتابعة لـ”الجيش السوري الحر” ترفض ضرب القدمين قبل البدء بـ”رأس الارهاب” النظام و”حزب الله”.
“رأيناه مسبقاً”
“Déjà vu” أو “رأيناه مسبقاً”، بهذا المعنى يستهل المنسق العام لـ”هيئة التنسيق الوطنية” المعارضة هيثم مناع رؤيته لضربات التحالف في سوريا، معتمداً على ما استخلصه من نتائج جراء الضربات التي تلقتها جماعات مشابهة لـ”داعش” في اليمن والصومال وافغانستان، وبحسبه فإن الضربات الجوية في اليمن استطاعت ان تقتل ثلاثة قياديين مهمين من القاعدة لكن في الفترة الزمنية نفسها تم استبدالهم باخرين فضلاً عن وصول نحو 15 قيادياً إلى اليمن، وفي الصومال تم ضرب تنظيم الشباب الاسلامي لكن الامر دفع الى دعمه على الارض إلى ان بات القوة العسكرية الاساسية هناك، أما في افغانستان فأدت الضربات الجوية إلى تحويل المناطق الحدودية معقلاً لطالبان افغانستان وطالبان باكستان.
من هذا المبدأ، يرى مناع أن “اي عنف اضافي على عنف مستعر لا يمكن أن يكون إلا سبباً لاغتيال السياسة والنظام السلمي وللقضاء على من يناضل من أجل الديموقراطية ومجتمع مدني قوي”، ويضيف: “لا يمكن مواجهة مجموعة عسكرية، هي الوحيدة من بين الفصائل التي رفضت القيام بميليشيا بل بتنظيم جيش، واعتمدت بذلك على نحو 200 ضابط من جيش العراق السابق، باتوا اليوم في “داعش”، 100 منهم تم قتلهم، وكل واحد منهم لجأ إلى هذا الخيار بعدما تم تهميشه، خصوصاً انه كان يملك خمس سيارات وسائقين وحراس واوسمة وفجأة اصبح نكرة، حتى انه لم يحصل على بدل تقاعد، هؤلاء الآن اختاروا ما يمكن تسميته بـ”حزب الشيطان من اجل الرجوع الى السلطة”.
الرأس في العراق وليس سوريا
يعيد منّاع أساس الحل لقضية “داعش” إلى العراق على قاعدة “اعادة الاعتبار لفكرة الدولة”، ويقول: “في العراق وحتى اليوم لا يوجد قرار بوجود جيش عراقي قوي، لأسباب عدة يتعلق بعضها بالعقدة الاسرائيلية التاريخية، بانه لا يجب أن يتفوق أحد على اسرائيل بالسلاح وبالتالي منع المنطقة من أسلحة عديدة، لهذا تكمن المشكلة في ان الجيش العراقي بتسليحه الحالي غير قادر على المواجهة”.
العرقنة
يثّبت منّاع نظرية المعالجة من الجذور بالعودة إلى أساس التركيبة “الداعشية”، مذكراّ بأن “داعش تنظيم بدأ عملية العرقنة، منذ استلام “ابو عمر البغدادي”، فقيادة الاركان والعناصر الاساسية جميعها من العراقيين، ووضعوا ابو محمد العدناني السوري كواجهة، علماً انه عاش وبدأ في نضاله في العراق وتزوّج وأمضى حياته في الانبار أكثر من ادلب، وعمر الشيشاني عيّنوه من اجل جذب الجهاديين وصناعة الانتحاريين”.
وبهذا يخلص بالقول:”اذا لم تضرب الرأس فمن الصعب مواجهة الصف الثاني من داعش في سوريا، فهناك الكثير من القيادات موجودة في الاراضي السورية لكن الاساس في الفكرة والمشروع هو النواة الصلبة العراقية”.
ويرى مناع ان “المواجهة الجدية تكمن بالحل السياسي واقامة دولة قانون جديرة بمواجهة داعش، واعطاء مثلاً ايجابياً وليس مذهبياً او محاصصة طائفية، ولا بد من اعادة مفاهيم تم تغييرها مثل الدولة والمؤسسات، لاننا جميعاً نعمل بعصبيات مثل “داعش”، والديكتاتورية تستولد دواعش”. ولا يخفي ان الحل السياسي الذي رأى النور في العراق بخلافة العبادي للمالكي “جيد… لكنه غير كاف، ولا بد من اعادة هيكلة الجيش العراقي وتسليحه”.
ماذا عن “داعش” سوريا؟ يجيب: “بكل اسف فان احياء فكرة الحل السياسي في سوريا مغيب من كل الاطراف وفي كل المواقف، وذلك بسبب الدفع العسكري”، معتبراً أن “تسليح المعارضة وتدريبها لسنوات يعني تغييب الحل السياسي طوال هذه الفترة”.
انقسام المعارضة
الضربات الجوية لم تفجر مواقع “داعش” فحسب، بل زادت من حدة الانقسام بين فصائل المعارضة المسلحة، ويؤكد منّاع أن “المعارضة بكل اطيافها سياسية كانت او مسلحة انقسمت بين مؤيد للضربة ومعارض ما خلق حالة فوضى على الارض”، متسائلاً: “هل ينقصنا انقسامات واصطفافات؟”. ووفق بيانات بعض الكتائب المعتدلة، فان المستفيد من التدخل الخارجي هو النظام السوري، والانقسام بين الفصائل اول الدلائل على هذه الاستفادة.
القاموس العسكري يؤكد أنه لا يمكن ابادة مقاتلي “داعش” بالقصف الجوي، وبحسب مناع “هناك اضعاف، لكن السؤال: ما ثمن اضعاف داعش؟”، مشيراً إلى ان “المجموعة المتحالفة اليوم هي في الوقت نفسه متعارضة وحتى اليوم لا تزال علاقة تركيا بـ”داعش” جيدة”، متسائلاً: “كيف يمكن الاقتناع ان تركيا ضد داعش وهي المستثمر الاول للنفط الذي تبيعه الأخيرة، كيف يمكن اقناعي ان تركيا اعادت الف مقاتل، لكنها لم تعيد 18 الف مقاتل باتوا في سوريا”.
حرب القرى والاحياء
مع ارتفاع حدة الغارات الأميركية على الرقة والبوكمال، تدور تساؤلات حول الجهة التي ستحل مكان “داعش” في هذه المناطق، لكن في رأي منَاع: “هناك مشاكل لدى الطرفين وفكرة استثمار نتائج الضربات العسكرية ليست مجدية لأي طرف لأن الخريطة السياسية والعسكرية باتت فسيفساء، وأحياناً تعتبر جهة ما انها ضربت خراسان واذ بها تكتشف انها تضرب كتائب لا علاقة لها بـ”النصرة” او “احرار الشام” او “داعش”، ويضيف: “اصبحنا في حرب القرى والاحياء ولا اماكن واضحة وكبيرة الا لدى النظام السوري، أما المعارضة فلكل فصيل اماكن قوة واماكن ضعف، مثلا “جيش الاسلام” لا يسمح لأحد بالتواجد في دوما بينما في دير الزور لا احد يسمع به”.
رغم معارضة مهمة التحالف وايضاح ما سيترتب من الضربات على “داعش” إلا أن أميركا وباقي الدول ماضية في مهمتها، خصوصاً ان “داعش” لا تفهم سوى لغة القوة، وتبقى النتائج رهن تحركات المقاتلين على الأرض سواء من النظام او المعارضة، فكيف سيتصرف “الجيش السوري الحر” المعتدل ازاء ذلك؟
النهار