وخرجت سورية شامخة في جمعة آزادي
عبدالباسط سيدا
ومرة أخرى أكد الشعب السوري الأبي بكل مكوّناته وتوجهاته في هذه الجمعة – كما أكد وسيؤكد في كل جمعة- أنه لا مجال للتراجع في طريق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لا مجال للتردد والمساومة. لقد ذهب الخوف بعيداً ليرتد على من اعتمدوه وسيلة لردع السوريين؛ وستصبح أدوات الزبانية القمعية وبالاً عليهم؛ ستطاردهم أحلام شقائق النعمان في كل مكان؛ وسيغدو العالم صغيراً بالنسبة إليهم أكثر مما يتوقعون؛ سيحاكمون في الدنيا والآخرة؛ وسيتبين لهم ولأسيادهم إن إرادة الشعوب هي من إرادة الله.
لقد أعلنها السوريون جمعة آزادي- جمعة الحرية، كما أعلنوها قبل أسابيع الجمعة العظيمة؛ وفي ذلك دلالات سامية نبيلة يستوعبها أي حكيم متمعن؛ دلالات تنم عن مدى نضج الحس الوطني السوري الذي عمل النظام الحالي دائماً من أجل إلغائه وتبديده بين ولاءات ما قبل وطنية؛ إن لم نقل ولاءات بدائية طالما استهجنها السوريون وهم أصحاب الحَرْفِ والحِرْفَةِ، دعاة التواصل والتمازج الحضاريين.
لقد بات واضحا جليا للقاصي والداني أن النظام السوري اتخذ على الدوام من المقاومة والممانعة تجارة للتسويق والصفقات. كما أنه تستّر باستمرار خلف الشعارات الكبرى التضليلة الخاوية من أي مضمون واقعي، ليتمكّن من الإجهاز على الداخل الوطني. نظام يرتعد هلعاً من فكرة المشروع الوطني الذي تكون بموجبه سورية حاضنة عزيزة أبية لكل أبنائها، بكل انتماءاتهم وتوجهاتهم.
لقد عمل هذا النظام دائما على ترسيخ فكرة البعبع الكردي في ذهنية السوريين، مدعياً أن الكردي هو مشروع انفصالي مؤامراتي؛ ولكنه اليوم يحاول بشتى السبل استدراج الكردي إلى فخه، ليقنعه بأن صفقة أمنية مع النظام من شأنها إيجاد الحل المقبول للمسألة الكردية في سورية؛ وهي المسألة التي تفاقمت وتعقدت بفعل إيديولوجية وممارسات النظام نفسه.
لكن الكرد قالوا كلمتهم، وأكدوا – كما أكدوا دائماً- أن المسألة الكردية في سورية هي جزء من المشروع الوطني الديمقراطي السوري. ولن يكون هناك أي حل للمسألة المعنية بمعزل عن المشروع المعني. كما أن الديمقراطية السورية المنشودة لن تكون صحيحة معافى من دون حل المسألة الكردية وغيرها من مسائل المكونات السورية في إطار مشروع وطني متكامل، على قاعدة وحدة البلاد ومراعاة الخصوصيات. وهي خصوصيات لم ولن تكون قط مصدراً لأي خطر، وإنما على النقيض من ذلك ستكون عامل تواصل وتفاعل بين مكوّتات النسيج الوطني السوري التي نعتز ونتباهى بجميعها؛ كما انها ستكون باعث تواصل بين سورية ومحيطها العربي والكردي والشرق أوسطي بصفة عامة؛ وستكون سورية الغد، سورية ما بعد الاستبداد والفساد عامل استقرار وازدهار في المنطقة بأسرها.
نحن لا نحلم، وإنما هي المعطيات التي تقول هكذا؛ وكل ما نحتاج إليه في هذا المجال يتمثل فقط في الصبر، والعزيمة، ورص الصفوف، ودعم الشباب بخبرة الكهول، وذلك عبر
الانضمام إلى نشاطاتهم الإبداعية غير المسبوقة، فذلك يرفع من المعنويات، ويقلل من المخاطر، ويؤكد وحدة المصير.
إنها أيام مصيرية مفصلية تستوجب الحكمة والجرأة؛ تستلزم القطع مع قيم الفساد والإفساد، لتزدهر مجددا قيم التسامح والمحبة والإيثار ونكران الذات. لنتجاوز الخلافات الهامشية، ولنترك الحساسيات الحزبية والشخصية جانباً، وننضم بكل شموخ وشرف إلى أبنائنا وبناتنا الذين من أجلهم عملنا، وبفضلهم نعيش نشوة هذه الأيام الاستثنائية المباركة التي ستكون من دون شك مادة غنية لتاريخ مجيد، تاريخ تُكتب فصوله في شوارع وأزقة درعا، وحمص، واللاذقية وبانياس، والصنمين، وتل كلخ، والعريضة، المعضمية، وسقبا، ودمشق، وقامشلي وعامودة وغيرها وغيرها من المدن والبلدات والقرى السورية العزيزة كلها.
تاريخ يُكتب على وقع أزيز رصاص الشر، والصرخات المدوية التي تطلقها حناجر شبابنا المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، صرخات عرفت الهدف وأتقنت الوسيلة، ومن هناك كانت دعوتها إلى إسقاط النظام. نعم الشعب يريد إسقاط النظام الأمني القمعي القائم على الإستبداد والإفساد والنفاق والتدجيل.
الوقت لنا جميعاً، والمستقبل لأجيالنا الشابة التي أثبتت جدارتها وفق كل المقاييس.
الرحمة لشهدائنا، العزيمة لشبابنا وشاباتنا، وكل المحبة والتقدير لسورية العزيزة الحرة الكريمة.