وطنية حزب الله!/ ميشيل كيلو
قبل أعوام، وفي ذكرى عاشوراء، استمعت، أياماً متعاقبة، إلى دروس دينية كان يلقيها السيد حسن نصر الله في مسجد بضاحية بيروت الجنوبية. يومذاك، وكان السيد يعتبر رمزاً لوطنيةٍ، تترفع عن أي تفكير أو نفس طائفي، استوقفني، وأقلقني، ما قاله في إحدى الليالي حول الصراع بين الحسين ويزيد، وملخصه أنه لم يكن صراعاً بين رجلين، أو نهجين سياسيين، بل كان صراعاً بين الخير والشر، مثّل الحسين الأول، ويزيد الثاني منهما.
يومها، سألت نفسي بقلق: إلى أي حدٍّ تتفق هذه التفوهات المخيفة مع أي نهج وطني، أو مقاوم؟ وهل يمكن لوطنيّ أن يحول صراعاً على السلطة إلى قضية أخلاقيةٍ، من طبيعة مذهبية عامة، تجعله صراعاً بين الله والشيطان، وبين الإيمان والكفر؟ وما هي التعبئة الوطنية التي يمكن تحقيقها بمثل هذه العقلية، وما يصدر عنها من أقوال؟ وهل يمكن أن يمثل زعامة وطنية جامعة ضد أي عدو خارجي، من يتبنى أفكاراً تقلب مجتمع المسلمين: ركيزته الداخلية، إلى ميدان صراع لا يقبل التسويات بين شرٍّ سنّي يجسده يزيد وخير شيعي يتجسد في الحسين؟
دخل حزب الله إلى سورية بذريعتين معلنتين. قال، في أولاهما، إنه يريد حماية الأماكن الشيعية المقدسة. وفي ثانيتهما، إنه يريد محاربة التكفيريين بصفتهم هذه، ولأنه لا يجوز تمكينهم من نقل معركتهم إلى لبنان. وقع الغزو، على الرغم من أن أحداً لم يهدد الأماكن الشيعية التي يعتبرها أهل السنة مقدسة أيضاً. بينما يستحيل اعتبار مقاتلي الجيش الحر والتنظيمات الإسلامية مجرد تكفيريين، مع أن بينهم مثل هؤلاء، وتقول الوقائع إنهم لا يفكرون بنقل معركتهم إلى لبنان، لانشغالهم بمعركة جد صعبة، ومعقدة، مع النظام الأسدي وجيشه، فإن انتصروا فيها، وحرروا سورية من الطغيان، صار من المستحيل أَن ينجح حزب الله في صدهم، أَو ردهم عن لبنان، لأَن من سيكون قد هزم جيش الأسد لن يفشل في قهر حزب غزا أراضيه، خصوصاً إن صدقت أكاذيب الحزب، وكان المنتصرون تكفيريين حقا!
نشر موقع يوتيوب شريطاً، يظهر احتفالات جند حزب الله بنصرهم في يبرود. يبدو في الشريط جندي يتحدث عن المعركة، ويشرح بالتفصيل كيف كانوا يدوسون على الجثث، ويعلن عزمه وعزم رفاقه وحزبه على إبادة “السنّي”، و”تحرير الكعبة من اللواط”. ويردد مسلحون يرقصون ويهزجون: إنهم سيدوسون على جثة “ابن الخطاب”، وسيفضحون “الزنديق أبا بكر الصديق”، وسينبشون قبر “عثمان الحيوان”، ويختمون أهازيجهم بجملة تتكرر بعد كل شتيمة، تقول: “طلقة منك وطلقة مني، حتى نقتل كل سني”.
ترى: أليس العقل التكفيري هو الذي يملي هذه التفوهات الفظيعة على مقاتلي حزبٍ، قيل دوما إنه لن يغمض له جفن، ما دام هناك احتلال إسرائيلي لأرض عربية، وها هو يغزو منذ أشهر سورية لـ”قتل كل سنّي”، ويتوعد بغزو السعودية لـ”تحرير الكعبة من اللواط”؟ أليست تفوهات هؤلاء تطبيقًا عملياً ملموساً لحديث حسن نصر الله “الديني” عن الصراع بين الحسين ويزيد، باعتباره صراعاً بين الخير الشيعي والشر السني؟ أليس هذا النمط من “المقاومة والتحرير” ما أَرادت إسرائيل دوما انغماس العرب فيه، كي توصلهم جرائم أصحاب التكفير، سنياً أَم شيعياً، إلى حيث تريد أن تكون: بمنأى عن أي صراع عربي ضدها، وفي موقع تقرر منه النتائج النهائية لما هو جار تحت ناظريها من مجازر ومذابح ترتكبها “بندقية المقاومة” ضد عرب؟
أخيرا: هل ستحمي لبنان، يا سيد المقاومة، من التكفيريين، بتكفيريين يريدون “قتل السنّة وتحرير الكعبة من اللواط، ونبش قبر عثمان الحيوان، والزنديق أبي بكر الصديق، ومن موته طاب: ابن الخطاب”؟
جميع حقوق النشر محفوظة 2014
العربي الجديد