يا بطريرك الموارنة: هذا تجنٍّ!
طارق الحميد
مفزعة التصريحات التي نقلتها «رويترز» عن بطريرك الموارنة في لبنان بشارة بطرس الراعي حول الأوضاع في سوريا، والمسيحيين في المنطقة! فالراعي يقول: «كيف يكون ربيع عربي ويقتل الناس كل يوم؟ يتحدثون عن العراق والديمقراطية ومليون مسيحي من أصل مليون ونصف هاجروا من العراق؟ أين الديمقراطية في العراق؟». وهذا حديث عجيب، فمن الذي هجر مسيحيي العراق؟.. «القاعدة»؟! إذا كان كذلك فإن «القاعدة» عربدت في العراق بدعم نظام الأسد، وإيران، راعيي حزب الله جار الراعي، الذي ربما لا يعلم أن أبناء بن لادن كانوا في إيران، وهناك أيضا سيف العدل، وغيرهم! أوليس غريبا أن مسيحيي العراق كانوا أفضل حالا في عهد صدام من حالهم اليوم في ظل حكومة المالكي المفضلة لدى إيران؟!
غرائب حديث البطريرك لا تنتهي هنا، فهو يقول إن سوريا «مثلها مثل غيرها من البلدان، فهي بحاجة إلى إصلاحات يطالب بها الشعب وحتى الرئيس الأسد أعلنها منذ مارس (آذار) الماضي. وصحيح أن نظام البعث السوري هو نظام متشدد ديكتاتوري، لكن يوجد مثله كثير في العالم العربي»!.. مضيفا أن «كل الأنظمة في العالم العربي دين الدولة فيها هو الإسلام إلا سوريا وحدها تتميز من دون سواها بأنها لا تقول إنها دولة إسلامية ولكن دين الرئيس الإسلام. أقرب شيء إلى الديمقراطية هو سوريا»!.. حديث مستفز، وليس من مصلحة أحد، على الإطلاق، فمن هي الأنظمة العربية التي قتلت عشرة آلاف من مواطنيها؟! هل يقصد القذافي؟ فأين القذافي الآن؟! لقد نال جزاءه، وهو عند رب عليم. هل يقصد صدام؟ أين هو الآن؟! وهل يقصد صالح؟ أيضا أين هو الآن؟! وهل يقصد مبارك وبن علي؟ فلم يفعلا شيئا مما يفعله الأسد! وإذا كانت الديمقراطية بالنسبة للراعي محصورة في إزالة عبارة «دين الدولة الإسلام» فهذه كارثة، لأنها تعني أن البطريرك لا يكترث بدماء السوريين، ويدعم الطاغية فقط لأنه لا يقول إن دين الدولة الإسلام، فحتى المعارضة السورية كانت أحرص من الراعي، لأنهم رفضوا حتى حصر الرئاسة في المسلمين كما نص الدستور المسرحية الذي وضعه الأسد الذي يعتبره الراعي مؤمنا بالإصلاح!
ولذا، فإن ما فعله الراعي هو تجنٍّ وخطأ فادح لا يقل عن خطأ سنّة العراق بعد سقوط صدام، حيث فشلوا في قراءة المتغيرات هناك، وقاطعوا العملية السياسية، وهذا ما يفعله الراعي الآن، وبعض المسيحيين الذين يجوبون واشنطن دفاعا عن الأسد بحجة الأقليات!.. خطأ فادح لأن البطريرك اعتبر أن ما حدث في المنطقة ربيع، لكن عندما ثار السوريون أصبح شتاء، وهذا هو نفس موقف المرشد الإيراني، وحزب الله، ونظام المالكي، وهو ما يناقض حديث الراعي نفسه عما حدث بحق مسيحيي العراق، الذين كانوا ضحية إيران والأسد! بل إن السؤال للراعي هو: من اغتال شخصيات من مسيحيي لبنان منذ 2005؟ هل كانت «القاعدة» أيضا؟!
كم هو محزن إذا كان رجال الدين، أيا كانت ديانتهم، لا يكترثون بأرواح الأبرياء!
الشرق الأوسط