يا شبّيحة العالم اتحدوا
أحمد الشامي
الغريب في تطور اﻷنظمة الشمولية السابقة و خاصة الستالينية منها، أنها، و هي التي وسمت الدين “بأنه أفيون الشعوب” انتهى معظمها ٳلى تكوين “ديانتها” الخاصة ! وٳلى الانخراط في “جبهة شبّيحة عالمية” عابرة للقارات و للثقافات.
الشبيح اﻷول بلا منازع يقبع في صقيع كوريا الشمالية، فاﻷب المؤسس لذاك النظام المهووس “يتناسخ” و يعود متقمصاً جسد وشخصية فرد مختار من ذريته ! من “كيم ايل سونغ ” المؤسس ٳلى “كيم جونغ اون” الحفيد الوريث الذي سبق له وأن خطط لاغتيال شقيقه، مروراً ب”كيم جونغ ايل” يبقى النظام الكوري الشمالي المسلح نووياً الشكل اﻷرفع لنظام الشبّيحة و هو المثل اﻷعلى لكل شبيح مبتدئ. بيونغ يانغ تمثل مهد الديانة التشبيحية و أحد تجلياتها اﻷرفع، كأنها نسخة من “فاتيكان” الشبّيحة…
نظام الشبّيحة أينما كان يحلم برفع أسوار عالية بين شعبه و بين باقي البشر، محولاً رعاياه ٳلى كائنات فاقدة الروح و الشخصية، تعتاش بالقليل من الفتات الذي يرميه لها “اﻷب الخالد المفدى ” و تسبح بحمد الرب القائد و بفضله العميم عليها. فالخير كل الخير “فيما اختاره الزعيم اﻷوحد ” والشر كل الشر هو في الخروج من “حظيرة ” الطاعة لهذا اﻹله الذي تجلى فرداً فريداً عز مثيله.
النواح الهستيري و مظاهر الحزن الكارثي التي صاحبت انتقال زعيم كوريا الشمالية ٳلى الرفيق اﻷعلى يذكر بما حصل في سوريا وقت رحيل اﻷسد اﻷب. المراقب لهذا السلوك اللاعقلاني يلاحظ الطبيعة الغيبية و “الدينية” لهذه اﻷنظمة التي انتهت ٳلى تشكيل ما يمكن تسميته “ديانة رسمية تشبيحية ” للنظام. لهذه الديانة “ربها اﻷعلى” و تجلياته الزمنية، كذلك لها طقوسها و “شهاداتها” و حتى فروضها !
مثلاً، في أرض الشام لديانة “اﻷسد” حوارييها من سدنة البعث و كهنة المعبد الحريصين على نظام الممانعة. لديانة اﻷسد هذه أيضاً أتباعها المتطرفون و هناك يسمونهم “المنحبكجية”. لهذه العقيدة الغريبة “فروضها ” مثل شهادة : “اﻷسد ٳلى اﻷبد” و من يزيد عليها من “مهووسي ” هذه الديانة “….و ٳلى ما بعد اﻷبد…”. لديانة اﻷسد أيضاً واجباتها و منها : قبول فكرة الممانعة دون العمل على تحرير اﻷرض، نهب البلاد والعباد و قتل المواطنين العزل لمجرد حلمهم بالحرية و ٳلقاء السلام على العدو اﻹسرائيلي بانتظار يوم الدين. يوم “قيامة” دين اﻷسد هو يوم “تنفتح أبواب جهنم على العدو اﻹسرائيلي” و على قول “طالب ابراهيم” الذي أضاف : “وعلى كل أرض عليها خائن”. حتماً بفضل “ملائكة” جيش اﻷسد الذين ستنشق اﻷرض عنهم يوم الساعة و سيعيثون في أرض العدو خراباً بعدما “اكتفوا” منذ عقود بتخريب بلدهم وقتل شعبهم.
وحدهم اﻷغبياء من أمثال كاتب هذه السطور هم من لم يفهموا تعفف جيش اﻷسد “اﻹلهي” عن مقارعة اليهود الغاصبين، تاركاً هذه المهمة النبيلة ليوم القيامة اﻷسدي، فمن علامات اقتراب الساعة في الديانة اﻷسدية خروج اﻷسلحة الاستراتيجية من مخابئها، ليس فقط لاجتثاث المندسين و المفسدين في اﻷرض ممن لا يؤمنون بفضل نظام الممانعة، و لكن أيضا “لترعيب” العدو الصهيوني و تذكيره بعهوده و بأن “الساعة” ٳن قامت فٳنها ستقوم على الجميع، وهو ما سبق و فصّله “رامي مخلوف” الذي لا ينطق عن الهوى.
طائرات اﻷسد “المخفية” عن عيون “الكفّار” في حرز حريز ، لم تخرج حين عربد طيران العدو في سماء سوريا، لكنها حلقت بٳباء و شمم بل وأطلقت حممها على “الملحدين و الفاسقين” الذين هجروا جيش اﻷسد الغضنفر لكي لا يقتلوا أهلهم و أحبابهم. حين يتعرض “قدس أقداس” الديانة اﻷسدية للخطر، فحينها يعلن سدنة نظام الشبّيحة “الجهاد اﻷكبر” حتى سحق “الملحدين” وكل من يرفض اعتبار اﻷسد رباً واحدً لا ٳله بعده.
المشترك بين كل أنظمة الشبّيحة أن “المقدس” فيها واحد وهو السلطة المطلقة، الفردية و اﻷبدية. ٳنها سلطة شبه ٳلهية، لا حدود لها و ليست مرتبطة بأية مسؤولية و لا تترتب عليها أية محاسبة، يستوي في ذلك شبّيحة الشام و بيونغ يانغ، مثلهم مثل عائلة “كاسترو” في كوبا الراسخة في فن التشبيح، و “شافيز” الفنزويلي و “أحمدي نجاد” السائرين بهمة على نفس الدرب.
جبهة التشبيح العالمية هذه شحذت هممها و أنشأت جبهة ممانعة وصمود من 13 بلداً استاءت من ٳدانة الزميل الدمشقي في مجلس حقوق اﻹنسان التابع للأمم المتحدة، وأخرى اختارت الامتناع عن التصويت “لعدم ٳحراج عزيز قوم ذل…”.
ٳن كان مفهوماً أن دولاً لم تدع يوماً الديمقراطية تهب لنجدة نظام تشبيحي في زنقة، فليس مفهوماً كيف تدعي دول احترامها لحقوق اﻹنسان و ممارستها للديمقراطية، ثم تسارع لمساندة نظام همجي جعل القتل هواية يومية لزبانيته ! الاستغراب يزول حين نعرف أن بين هذه الدول روسيا وٳسرائيل ! حتى ٳسرائيل انضمت لجبهة الصمود و التصدي للغزو الصهيو- أمريكي للمنطقة !!
ٳسرائيل نتنياهو و ليبرمان تبدو نسخة يهودية من دول التشبيح، نفس القادة الصهاينة يتوازعون اﻷدوار و يتناوبون على السلطة، هم أو خلفاؤهم. منذ اغتيال اسحق رابين على يد صهيوني متطرف و بمباركة ضمنية من المؤسسة العسكرية الاقتصادية الٳسرائيلية ومجيء “قاتل رابين” نتانياهو ٳلى السلطة، دخلت إسرائيل عملياً في “معسكر الممانعة و الصمود ” ضد السلام وضد حقوق الشعوب وأصبحت عضواً عاملاً في جبهة الشبّيحة.
روسيا الثنائي الجهنمي بوتين – ميدفيدف استحقت بجدارة أن تحتل موقعاً متقدماً في جبهة التشبيح العالمية هذه. بوتين حكم روسيا لدورة واحدة، ثم مددها لدورة أخرى بعد تعديل الدستور الروسي، مثله مثل بشار و مثل الدستور الكوري الشمالي الذي يتم تفصيله دورياً على قياس و عمر الخليفة و حسب اللزوم. ٳسرائيل من جهتها ارتاحت من الموضوع فليس لديها دستور !
هل كل شيء على ما يرام ٳذاً في عالم الشبّيحة هذا ؟ لا، فالشعوب قد تكتشف أحياناً أن الحياة لا تختصر بكسرة خبز و قصعة ماء و قد تتذكر أنها ولدت حرة عزيزة قبل أن يغتصبها هؤلاء المارقون و من والاهم من أفّاقي اﻷرض و تخرج مطالبة بعفوية و دون تزويق : ” الشعب بدو حرية…”. هذا ما جرى في أرض الشام و ما بدأت ٳرهاصاته في روسيا المبتلاة بشبيح اسمه بوتين و “بمحلل” يدعى “ميدفيديف”.
حينها تستنفر جبهة الممانعة التشبيحية بكل أفرادها وتتداعى لنصرة العضو المريض والذي “يعاني” من رغبة شعبه بالحرية. حينها كل عضو في جبهة التشبيح العالمية يؤدي ما باستطاعته دون تخاذل و دون كلل، فالكأس المرة وفقدان السلطة هما أكبر كوارث أنظمة الشبّيحة، ولا بأس أن تخرب البلاد ويموت العباد و أن ” تتطربق ” الدنيا على بعضها لكي يبقى الشبيح المحلي اﻷول متربعاً على عرش القمع.
الشبيح اﻹيراني و صنوه العراقي سارعوا لمد يد العون ٳلى نظام اﻷسد الشقيق، و أمدوه بالمال و العتاد وبالدعم المعنوي. أما أذناب جبهة الرفض اﻹيرانية من زعران “حزب الممانعة ” التشبيحي اللبناني، فقد ساهموا بما هو أكثر و انخرطوا في حرب مفتوحة ضد السوريين العزل. شبّيحة “حزب الله” فعلوا في حمص ما كانوا يحلمون بفعله في بيروت “واﻷريب من اتعظ بغيره”.
كذلك رأينا اللوبي الصهيوني في أمريكا يهرع لتعداد خدمات اﻷسد و يحذر من مغبة سقوطه. ٳسرائيل المذعورة و الخائفة من فقدان حليفها اﻷسدي والتي تخشى انكشاف دورها اﻹجرامي ومشاركتها غير المباشرة في مجازر اﻷسد عبر نيف وأربعين عاماً، تسارع لوضع وسائط ٳعلامها ولوبيها الصهيوني في خدمة الشبيح اﻷسدي الشقيق. أكثر من ذلك، هاهو نتنياهو يسارع للسماح لدبابات اﻷسد بعبور خط وقف ٳطلاق النار لذبح طالبي الحرية في حوران، مثله مثل “ستالين” الذي أوقف زحف الجيش اﻷحمر على حدود وارسو، تاركا “عدوه” النازي يسحق دون رحمة انتفاضة غيتو وارسو، دون أن يزعجه و دون أن يطلق طلقة واحدة لحقن دماء الضحايا اﻷبرياء ! الشعب السوري سيتذكر من هم قاتلوه و من هم أولئك الذين تعاونوا معهم، خاصة حين يكون المتعاونون من أبناء ضحايا غيتو وارسو.
الشبيح الروسي الصديق، أرسل السلاح و البوارج ولم يبخل باستعمال الفيتو لكي يستمر قتلة اﻷسد في سفك دماء السوريين على مهلهم. حين بدأ الروس يتململون من قبضة شبيحهم بوتين واحتاج هذا اﻷخير لالتقاط أنفاسه تجاه وسائل اﻹعلام التي بدأت في فضح ممارساته، وافق شبيح الشام على بروتوكول الجامعة العربية دون أن يوافق على المبادرة العربية ! ربما لعدم ٳحراج الشقيق “بوتين” الذي كان سيضطر لاستعمال فيتو التصريح بالقتل من جديد. هكذا انتهى شعار الماركسية اللينينة ” يا عمال العالم اتحدوا ” ٳلى ” ياشبّيحة العالم اتحدوا” : اتحدوا في قمع شعوبكم، ضد الحرية، ضد حق تقرير المصير و ضد الحياة البشرية نفسها.
نشرت في بيروت اوبسرفر في 22. كانون الأول 2011
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=67854:2011-12-21-22-38-56&catid=39:features