يحيى العريضي:بقاء الأسد هو «الوصفة السحرية» لاستمرار الإرهاب وعدم الاستقرار
حاورته: رلى موفق
يحلو للمعارض السوري الأستاذ في الإعلام الدكتور يحيى العريضي أن يقارب الأمور من زاوية الإنسان السوري الذي ثار من أجل الحرية ومواجهة الاستبداد، وهو مستمر في ذلك رغم خذلان العالم له. فحين تتوقف البراميل تجده يخرج ليصرخ «واحد واحد واحد الشعب السوري واحد.. بدنا حرية والشعب يريد إسقاط النظام». وهذا في رأيه دليل حي على فشل النظام في قمع الثورة، تماماً كما هي مناطق «خفض التوتر» دليل ساطع على فشل الحل العسكري والأمني لمنظومة الاستبداد، داعيا «هيئة تحرير الشام» في سياق ضم إدلب إلى مناطق «خفض التوتر» إلى ممارسة التعقل كي لا يكون مصير إدلب مثل الموصل أو حلب، مؤكداً أن إنشاء إمارة في سوريا فاته الزمن، كما أن «هيئة تحرير الشام» غير قابلة للحياة.
ورغم أن المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات إلى «محادثات أستانا» يرى أن هناك حملة منظمة منذ نحو شهرين من أجل إعادة تأهيل النظام، إلا أنه يعتقد أن ذلك لن ينفع، لأن المجتمع الدولي لن يمنحه الشرعية وسيبقى فاقداً لها، معتبراً أنه إذا تواطأ العالم على بقاء الأسد، فإن ذلك سيشكل الوصفة المميزة والسحرية لاستمرار المأساة والإرهاب والفوضى في العالم وعبث إيران. وهنا نص الحوار:
○ هل توافق على القول إننا اقتربنا من نهائيات الحرب السورية، أم إننا أمام مرحلة أو فصل أو «سيناريو» جديد.
- كل ذلك يمكن أن يكون إجابة على السؤال. في رأيي أن الجميع تعب، الإنسان السوري والمحيط والمجتمع الدولي والنظام تعبوا. ولكن لا بد في أي مقاربة من العودة إلى الخلفية. منظومة الأسد بنت كل استراتيجيتها في حكم سوريا على المواجهة، بينما بنى الناس استراتيجيتهم على العيش في الأمان ولم يفتكروا في مسألة المواجهة. هاجس الأسد هو الخوف من الناس واستراتيجيته هي التخويف. في مقابلته مع «وول ستريت جورنال» في كانون الأول/ديسمبر من العام 2010 كان يعتبر أن ما حصل في تونس وليبيا ومصر لا يحصل في سوريا لأن الوضع مختلف. هو حقيقة كان متيقناً من أن عنصرا في المخابرات قادر أن يحكم بلدة بكاملها ولا يرفع أحد صوته. تفاجأ في آذار/مارس 2011 أن الناس انطلقت، رغم تحذيرات السلطة من أن ما يحدث في تلك الدول «الربيع العربي» عاصفة ساحقة ماحقة. تحرك الناس، فتم استخدام الحديد والنار. لم ينجح النظام في المواجهة، فاستعان بالميليشيات الإيرانية وميليشيات «حزب الله» وبالسلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة والتهديم وتشريد الناس دون أن ينجح أيضاً، فاضطر إلى اللجوء لروسيا «كقوة عظمى» كي تتدخل، وكان اليثنان في حاجة لهذا التدخل. مع التطورات كان «اتفاق جنيف» والحديث عن عملية الانتقال السلمي.
أعتقد أن روسيا دخلت «جنيف» مكرهة ولم تكن تريد عملية الانتقال السياسي، ولذا لم يكن لـ»جنيف» تجلياته وترجماته الحقيقية. ثم في وقت لاحق، أُجهض «خير» القرار الدولي 2254 أي اجهضت مفاعليه التي كانت متوقعة. وواكب ظهور القرار الدولي خلق محطة أستانا. بالنسبة لنا كان التجاوب مع فكرة المناطق الآمنة التي تحد من غلو النظام وتدميره الممنهج وتريح الناس وتحد من عمليات التهجير التي كانت تشكل ضغوطا على أوروبا والعالم، لأن اليوم نصف السوريين مقتلعون من بيوتهم. تطورت الفكرة من المناطق الآمنة إلى وقف الأعمال العدائية ومن ثم طورت إلى «معاهدة أستانا» وتوقيع وقف إطلاق النار في أنقرة في نهاية العام الماضي وهي الخطوة الأساسية التي أقنعت روسيا العالم أنها ستكون المقدمة لتحقيق إنجازات وفق «بيان جنيف 1» ولاسيما في ما خص عملية الانتقال السياسي. تتالت الأمور فكانت عودة إلى أستانا التي لخصت بـ»مناطق خفض التوتر» وموقفنا كان أن أي مساهمة تؤدي إلى توقف البراميل وتخفض منسوب الدم وتقلل عدد الضحايا هي إنجاز بالنسبة إلى السوريين، وينسجم تماماً مع استراتيجيتهم الأساسية بأنهم سلميون وليسوا هواة حرب «حربجيون» ولم يستخدموا السلاح من أجل إنجاز أهدافهم. المسألة ليست معارضة تواجه سلطة أو معارضة تعمل من أجل ان تجلس مكان السلطة. هم صوت يريد حرية ويضحي بحياته من أجل أن يعيش بإنسانية ويفكر في مستقبله.
○ بهذا المعنى تشكل محادثات أستانا مكسباً للإنسان السوري وفقاً للتعبير الذي تحب أن تستخدمه، ولاسيما أن «أستانا 6» ضمت إدلب إلى مناطق خفض التوتر؟
- نحن نعتبر أننا بضم إدلب إلى مناطق خفض التوتر قد نجينا حياة هؤلاء الناس، ما يقارب 5 ملايين سوري بشكل أو بآخر مأخوذين رهينة تجاه هدف معين من قبل كل الأطراف. في الجولة الخامسة، لم تكن إيران تريد أن تنضم إدلب والمناطق المحيطة من جنوب حلب وغربها وشمال حماة وحمص وبعض ريف اللاذقية إلى مناطق التهدئة. وكأن إيران تجهز نفسها أن تستبيح وميليشياتها والنظام وروسيا هذا المكان. ولكن في الجولة السادسة تحقق ضم إدلب إلى مناطق خفض التوتر بتوافق الضامنين. وهذا اعتبرناه إنجازا.
○ هل نجت فعلاً أستانا 6 في تجنيب إدلب مصير حلب؟
- تواجد الفصائل كثيف هناك، وهي كانت موجودة في أستانا، وفي الوقت نفسه هناك «هيئة تحرير الشام» ـ «النصرة» سابقاً وهي ربما أقوى من جميع الفصائل. الأمر الطبيعي أن تتعقل وأن تفهم أنها ستكون مستهدفة إذا «خربت» الاتفاق لأن مصير إدلب سيكون مثل مصير الموصل أو حلب. إذا كانت ستتصور نفسها قادرة على إنشاء إمارة هناك. هذا لن ينجح في سوريا.
○ تراهنون على تعقل «هيئة تحرير الشام» ولكن هذا قد لا يحصل، منذ أيام قامت بهجوم في حماة؟ أليس هذا مؤشراً؟
- يسعى (أبو محمد) الجولاني بطريقة أو أخرى لأن يجلس إلى الطاولة السياسية وأن يكون معترفاً به، وأن ينزع عن نفسه وصمة أن «النصرة» إرهابية. لم يُعط هذه الفرصة ولن يعطى إياها لسبب أساسي يتعلق بممارسات ابتزاز الناس والشروط المرعبة التي وضعها عليهم. صحيح أنهم قاوموا النظام أحيانا، لكنهم خرجوا عن الهدف الأساسي للإنسان السوري وهو تحقيق حالة حرية في وطن للجميع يتساوى فيه الكل والقانون يحكمهم. يريدون أن يحكتموا إلى أمور لا تتناسب مع إعادة سوريا للحياة. هناك نسبة كبيرة من أولاد البلد وأمر طبيعي أن يصحوا على أن هؤلاء القادة لا يعرفون أين هو نسبهم وجذرهم، وانهم على تواصل دائم مع إيران، وأن كفريا والفوعا تركتا كمسمار جحا في ذلك المكان بهدف التواصل وتغذية بعض قادتهم. وكلما كان النظام يحتاج أن يرسل رسالة للعالم مفادها أنه يقاوم الإرهاب، يكون هؤلاء جاهزون للقيام بعمل يمكن وسمه بالإرهاب.
○ ولكن في المحصلة نجح النظام وحلفاؤه في ما يريدون، حتى أن الميدان تغير وكأن هناك قراراً بأن يبقى هذا النظام؟
- ليس هناك قرار، ولكن التذبذات في التصريحات التي تصدر من أوروبا وأمريكا عايشها الإنسان السوري لوقت طويل. في رأيي أن الغرب لم يجد ما يشبه هذا النظام. هناك حملة منظمة تقوم بها إيران وروسيا وبعض الدول من أجل إعادة تأهيل النظام ولكنهم عمليا يتغافلون أو يتناسون أن إعادة الإعمار وعودة نازحين لا يمكن أن تتم مع هذا النظام لأنه سيقوم بممارسات أقسى من السابقة. الإرهاب سيبقى مشتعلا والحرب مستمرة مع بقاء هذا النظام. مخطط إيرن الخبيث في المنطقة سيستمر لأن ركيزته الأساسية هي النظام. روسيا لن تحل مشاكها مع استمرار هذا النظام رغم كل المكابرات التي تقوم بها، حتى لو تصورت أنها حصنت نفسها مع الاتفاق الذي تم في جنوب البلاد، فهذا أمر بعيد المنال مع استمرار هذا النظام. لدينا وثائق أن هذا النظام كان يتعامل مع تنظيم «داعش» الذي كان يؤمن له الوقود. وما حصل في تدمر كان عملية تسلم وتسليم وفي دير الزور حصل شيء مشابه. وحتى لو كان النظام يؤمن مصالح الدول الغربية فإنها لن تمنحه الشرعية وسيبقى فاقدا لها كيفما كان الحال. إضافة إلى ذلك، هناك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت لا يستطيع أحد أن يمسحها ولا تستطيع حتى الجهات الحامية له أن تتحملها. روسيا بعظمتها لا تستطيع أن تتحمل هذا الموضوع.
○ ولكن روسيا ساهمت بقوة في الجرائم، هي سوت بآلتها المدمرة مناطق بأكملها بالأرض، حلب أهم الحواضر العربية دمرتها بالكامل؟
- ولذلك روسيا تسعى من أجل ألا يتم فتح هذه الملفات. روسيا التي حمت هذا النظام تقول في الخفاء إنها ليست متمسكة به أو برأسه. هي عملياً تحسن هذه الورقة وتسمنها من أجل أن تبيعها، ولكن الغرب غير متحمس لشرائها. والجذر الأساسي للمسألة هو أمريكا التي لا تبدي حماسة للحل في سوريا وتقول أن هاجسها محاربة الإرهاب. ولكن في وقت من الأوقات ستكون الأمور مختلفة.
○ مختلفة بأي معنى؟ هل تراهنون على المستقبل، على القراءة التي قدمتها من أن النظام لن ينجح مهما حاول الآخرون تأهيله؟
- إذا أردنا أن تضع سوريا قدمها على طريق العودة إلى الحياة، فمن الطبيعي أن تكون عملية انتقال سياسي. عملية الانتقال السياسي وبعض الضوابط، ربما شيء من الحماية أو المظلة الدولية، سوف تريح الروس وسيجدون شركاء معهم كي يتحملوا المسؤولية وتخفض ضغط اللاجئين الذين يمكن أن يعودوا، وتُعزز الاستقرار الداخلي في سوريا وتُخفف من الاحتقان الشعبي، وتشجع الآخرين على الانخراط في عملية إعادة الإعمار، وأيضاً تُساعد روسيا على لجم توسع إيران.
ولكن في ظل المنظومة الحالية، كل هذه الأمور مستحيلة. من هنا أهمية «بيان جنيف» والقرارات الدولية التي تتحدث عن عملية انتقال سياسي وليس عملية ترقيع. لا أحد طامح لأن يتشارك في السلطة ويأخذ وزارات. نحن نريد عملية انتقال سياسي حقيقية ترعاها الأمم المتحدة وتأخذ مفاعليها. قد يتصور إنسان أن هذا طرح مثالي، ولكن إذا كانت هناك إرادة دولية لإنهاء هذا الموضوع وعدم الاستمرار في أن يبقى هناك جرح مفتوح ونازف، فهذا هو الطريق. وعود على بدء، مع كل التعب سواء سوريا أو إقليمياً أو خارجيا، أعتقد أنه سوف يسعى للملمة الجرح المفتوح وليس خياطته على دغل، إنما على أسس صحيحة وعلى رأسها أن هذه المنظومة الاستبداية يصعب أن تبقى.
○ ولكن النظام بمساعدة حلفائه أعاد فرض قبضته على مناطق عدة، حتى ولو كان سيلجأ إلى مزيد من القمع الذي لا يؤدي إلى سلام فعلي، وهو كذلك لا يعير كبير أهمية للمعارضة التي أصبح هدفها اليوم أن تتوقف آلة قتل الإنسان السوري؟
- أنا عملياً أنطلق من التمييز بين المعارضة والثورة. سوريا لم تتعود سوى على معارضات عابرة وبسيطة وخائفة من أن يكون مصيرها الاقتلاع أو الموت والقتل. الثورة حالة مختلفة، هي موجودة في نفوس الناس. منذ أسبوعين خرجت في مناطق التهدئة 72 تظاهرة أعادت الذاكرة إلى بدايات 2011 هذا الشعور لا يزال موجوداً لدى هؤلاء العشرة ملايين أينما كانوا، سواء في الخارج أو الداخل. إحدى النقاط الأساسية التي يتم بحثها حول مناطق التهدئة هي وجود إدارات محلية بحيث أن الناس تحكم نفسها بنفسها بشكل منطقي مع سيادة واحترام القانون. ما حاولته «هيئة تحرير الشام» في إدلب هو إحكام السيطرة وإنهاء كل الآخرين. هذا الأمر لا يستقيم. الناس لا يمكن أن ترتاح حيث تحكمهم وفق ضوابطها وقوانينها. مسألة إنشاء إمارة فاتها الزمن.
○ راهنت على أن يعي أبناء البلد في «هيئة تحرير الشام» خطورة معارضة قرار «أستانا 6» في شأن إدلب لتجنب العواقب. هل تتخوف من أن يتم جر إدلب إلى المعارك. ومن يضمن «هئية تحرير الشام» والخروج من مفهوم الإمارة؟ هل الفصائل هي التي ستتولى «تنظيف» إدلب؟
- نحن الآن نقرأ ما سيحصل على الصعيد الميداني. والميدان لا تتحكم فيه إلا لحظاته. ولكن لا مستقبل لـ»هئية تحرير الشام» هناك، ولن يسمح لها أن تكون ذريعة لاستمرار منهجية النظام «أحكُمها أن أُدمرها» ولأن تسود حالة الاستبداد. هذا هو مفهومنا لهذا الموضوع. وقد يكون مفهوم الآخرين مختلفا. نحن لم نقارب هذه المسألة إلا من معطى أن الناس هي التي تقرر مصيرها عبر إنشاء إدارات مدنية فاعلة وراشدة وان لا تكون عرضة لأي حصار أو استبداد. قد تكون هذه الصورة لها الصفة المثالية، لكن هذا هو طريق الإنقاذ. وقد قلنا لروسيا أن السوريين هم من يقررون مصيرهم، وقلنا لهم أنهم قادرون إذا سمحتم بذلك ولم تستمروا بمنهجية استمرار زمرة على أيديها دماء في حكم 23 مليون سوري. هذه الجرائم سترشق في وجهكم أيضا.
○ عمليا، هذه رابع منطقة خفض التوتر. كيف هو الواقع في مناطق خفض التوتر التي تحققت سابقاً، لمن السلطة؟ هل هي مكسب للثورة السورية أم للنظام؟
- كل جهة لها تفسيرها، وتفهمها وتريدها مكسباً لها. ومن هنا نرى أن النظام يشيد فيها، ونحن من جانبنا نشيد فيها، إنما كل وفق ترجمته المعنية. في المجمل، كل مناطق التهدئة سجلت خروقات من قبل النظام وميليشياته وإيران، هذا ما يدفعنا إلى الاستنتاج أن تلك المناطق فعلياً وواقعياً وجوهرياً ليست في صالح النظام لأنها تعتبرها خارجة عن سيطرته، ويطمح في وقت من الأوقات إلى أن يضع يده عليها من خلال محاصرتها. هو لا يتصرف بمسؤولية تجاه الإنسان السوري ولا يزال على منهجيته «أحكمها أو أدمرها» وأن له السيادة والشرعية ويستمدها عبر الحديد والنار والتدمير.
وفي رأيي، أن مناطق التهدئة أيضاً تُشكَل الدليل القاطع على فشل منظومة الاستبداد بالحل الأمني أو العسكري. فأي منطقة يكون فيها تهدئة ولا تتعرض للبراميل وللقصف بالفوسفور وللحصار أو التجويع هي اثبات ودليل قاطع أن مشروعه فشل. لقد استنفد النظام كل ما عنده من طاقته العسكرية والتدميرية والإجرامية، ولكن الإنسان السوري رغم خذلان العالم ومنع تزويد منطقة الجنوب بأي مساعدات، لا يزال مستمراً في صموده وصبره ولا تزال لديه الطاقة الكاملة في أي لحظة لا تكون فيها البراميل في الجو، بأن يخرج إلى الشارع ويقول «واحد واحد واحد الشعب السوري واحد.. وبدنا حرية.. والشعب يريد اسقاط النظام اسقاط».
○ هل المسار الذي سنشهده مستقبلاً والذي بدأت ملامحه تظهر سيصب في رأيك في مصلحة الإنسان السوري؟
- لن يستطيع الإنسان السوري أن يحصل على كل مراده. هذه هي الواقعية السياسية الفعلية، لكن الواقعية السياسية التي تتحدث عنها منصة موسكو وبعض الدول في هذا الاتجاه ليست إلا رؤى قاصرة، بمعنى أن إنسانا يريد أن يتصدر مسؤولية، عليه أن يأتي على الأقل بورقة «لا حكم عليه». قد لا تكون صدرت ورقة من محكمة لاهاي أو محكمة العدل الدولية أن هذا النظام وأشخاصه مجرمون، وفعلياً لم تصدر بعد. ولكن الواقع الموجود يؤكد أنهم لا يستطيعون الحصول على تلك الورقة. الواقعية السياسية لا تعنى إطلاقا التنازل عن الحقوق ولا اندثارها ولا سقوطها بتقادم الزمن.
مؤتمر الرياض الذي سيتم الشهر المقبل سيتمخض عنه هيئة تفاوضية معززة بشخصيات وطنية ومؤسسات مجتمع مدني وقامات لها ثقل ووقْع على الداخل وتمثيل قوي من الداخل أيضا، إضافة إلى من هو موجود من مستقلين في الهيئة، ومن شخصيات الإئتلاف وهيئة التنسيق، وكذلك من شخصيات معينين من منصات أخرى، لكن المعيار الأساس لكل من يوجد في هذه الهيئة هو الالتزام بالصوت الحقيقي للثورة السورية وأيضاً بالواقعية. إلا أن الواقعية لا تعني إطلاقاً استمرار حالة الاستبداد. إذا كانت ترجمة الواقعية السياسية وجود منظومة الاستبداد، فهذا معناه استمرار للقتل والدمار والفوضى والاستعمار وعدم عودة اللاجئين وعدم إعادة الإعمار، أي باختصار توقيف الحياة. والواقعية السياسية لا تعني توقيف الحياة، ومن هنا أرى أنه إذا كانت هناك إرادة دولية فعلية، فعملية الانتقال السياسي يجب أن تأخذ أبعادها بشكل حقيقي، بحيث يتم الوصول إلى هذا الجسم السياسي الانتقالي وليس أن تملأ المعارضة بعض الكراسي في منظومة النظام كما يريد للعملية أن تكون. عملية الانتقال السياسي لن تكون كما يريدها النظام ولا كما يريدها الإنسان السوي الذي صرخ لصوت الحرية.
○ التسوية عادة تتطلب تنازلا من الطرفين، إنما مع نظام لا يعيش إلا على التخويف والقتل لا يعنيه إذا عاد اللاجئون أو حصلت عملية إعادة الإعمار؟
- الأسد لا يريد أن يعود اللاجئون، والضابط المقيت الذي هدد بالقتل لمن يريد العودة إلى بلده يترجم مقولة الأسد عن خلقه لمجتمع متجانس. الآن، إذا كانت أوروبا مستعدة لما بين أيديها من لاجئين، وإذا كان العالم قابل لأن يكون هناك 10 مليون لاجئ لا تتوفر لديهم شروط الحياة. إذا كانت أوروبا قادرة أن تتحمل هذا الوضع وتبعات شعور الإنسان السوري بالعجز عن البقاء والعيش، وعدم وجود إعادة إعمار، واستمرار حالة الإرهاب في العالم. إذا كان العالم مستعد لهذا الوضع فقط من أجل الإبقاء على منظومة الاستبداد، فهذا ليس حلا، بل هو الوصفة المميزة أو السحرية لاستمرار الحرب والمأساة والإرهاب وعدم الاستقرار العالمي واستمرار إيران بالعبث في محيطها وتهديدها السلام العالمي.
○ في حديثك، دائماً تربط الأمور بمدى توفر الإرادة الدولية، أي بـ»إذا الشرطية»، من قال إنهم يريدون أن تحل الأزمة السورية؟
- ربما، ولكن يكونون بذلك يثبتون سيادة منطق «قانون القوة وليس قوة القانون». وسيذهب العالم عندها إلى ظواهر مشابهة لتفشي هذه الحالة. في العام 1938، تهادن الحلفاء مع هتلر في «اتفاقية موينخ» وعام 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية. «إذا الشرطية خطيرة». إذا أراد العالم هذه الوصفة، فليُبْشر فيها.
أنا أعتقد أن من سيكون له اليد الطولى أو العليا الأولى يتحكم بمفاوضات 3 قارات. ستأتي اللحظة التي تبيع فيها روسيا هذه الورقة مقابل تقديم أوراق اعتماد تجاه الغرب أن تُعطى فرصة وأن يتم انتخاب (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين لمرة رابعة رئيساً. هذه بعض الملامح التي قد تعطي فسحة لسوريا وشعبها أن تعود للحياة.
القدس العربي