يصطادونهم في لبنان
سناء الجاك
يواصل الرئيس السوري بشار الاسد تسجيل الاهداف في مرماه، منذ اندلاع الثورة ضد نظامه، كأنه يعجل في اسقاط نفسه. آخر اهدافه الارتدادية التهديد بزلزال “الارهاب الافغاني” الذي يفترض انه يشكل البعبع رقم واحد للغرب. بالطبع لم يحمل التهديد جديداً عن الطغاة الذين سبقوه الى التهلكة، والذين حسبوا انهم ممسكون بمكامن وجع المجتمع الدولي الذي استخدمهم حتى آخر ورقة تين أسقطتها شعوبهم عنهم.
المستزلمون للنظام من حاملي الجنسية اللبنانية، سارعوا الى المزايدة على معلّمهم ملوّحين بآلاف الصواريخ تنهال على اسرائيل اذا عبرت طائرة للناتو سماء سوريا. المهين ان اسرائيل تستحق أكثر من ذلك لمن يملك اليه سبيلاً، ليبقى المؤسف في مقايضة أمان اسرائيل ببقاء النظام، ولتصدأ الصواريخ في مخابئها اذا تحقق المطلوب.
في الوقت الضائع بين التهديدات بالزلازل والمحاولات المحدودة للجامعة العربية، ينشط الشغل الوسخ على الارض، في سوريا وفي لبنان. المهم قتل أكبر عدد من الثوار حتى يستمر النظام، وذلك بأسلوب عنصري يمارسه من يحسب ان الممانعة تبرر اللاإنسانية، ولمن يحسب ان كل عامل سوري في لبنان متهم باعتناق الثورة ما لم يقف عند باب السفارة السورية ملوّحاً بصورة الاسد ومن معه على الخط. فقد رست جهود الذين يستقوون بالمقاومة، على اصطياد كل عامل سوري يقع بين براثنهم، وينقضّون عليه بقلة اخلاق وقلة دين وقلة حياء، ليفرغوا فوق رؤوس هؤلاء العزّل الباحثين عن لقمة العيش بطولاتهم الوهمية.
انسحبت هذه الجهود على الذين يأكلون خروفاً على الترويقة وعجلاًً على الغداء وسمكة قرش على العشاء، ليتمتع الواحد منهم بالاعتداء ولو بالكلام، على كل سوري لم يوفر له نظامه فرصة العمل والعيش الكريم منذ عقود، ليسألوه اذا كان مع بشار او ضده. ويا ويل العامل الذي يقع بين ايديهم اذا طلع من حمص، فلا بد له من تقديم براءة ذمة مضاعفة وممهورة من مختار الحي وهو يرتجف خوفاً تحت وطأة التهديد. فأصحابنا انحرفوا بقضيتهم عن العدو الاسرائيلي ليكدوا في التأكيد ان بشار لا يمكن ان يسقط، وان المنشقين من الجيش السوري اكثر عمالة من جيش لحد وان المتظاهرين إما عصابات مسلحة ارهابية وإما لا يشكلون اي نسبة من الشعب السوري الذي خرج بالملايين تأييداً لحاكمه، وبالطبع من دون ان يتعرض ايٌّ من هذا الجمهور الوطني الممانع الى ضربة كف او اطلاق نار او اعمال شغب من العناصر الارهابية التي تكتفي بالتعرض للثوار.
الأنكى من مشهد المعتدين المحليين، مشهد الشبّيحة السوريين الذين وسّعوا نشاطهم الى ديارنا، ولم يجدوا غضاضة في التبجح بأن كل عامل سوري معارض مصيره لن يعرفه الذباب الازرق. وتطاولوا حتى على اللبنانيين ليذكّروهم بالعيون والآذان الحاضرة للتعقب والخطف. وقالوا: يا عنتر من عنترك؟ فأجاب: لم اجد أحداً يردّني.
فالمعلومات المتوافرة تشير الى ان جهات غير رسمية تستدعي عمالاً سوريين في المناطق وتأخذ بصماتهم وأرقام هواتفهم، وان عدداً من البلديات في المنطقة ورؤساء بلديات “يتولون هذا الأمر أيضاً”، وان احدى السفارات الاجنبية “سلّمت لبنان صورا جوية عن الانتهاكات السورية التي حصلت في الآونة الأخيرة، تبرز ان الانتهاكات حصلت داخل الاراضي اللبنانية غير المتنازع عليها، والتي لا تحتاج الى اي ترسيم، وتؤكد توغّل السوريين مسافة متقدمة الى داخل أراض لبنانية مئة في المئة، وهو الأمر الذي أحرج الحكومة اللبنانية”.
ببساطة، وفي حين يسجل نظام الاسد الاهداف في مرماه ويصل الى درجة التخبط فيقتل بعشوائية المنتحر، نجد ان نظام غلبة السلاح وحلفاءه في لبنان لم يكتف بتحويل البلد حديقة خلفية لقمع الثوار السوريين، انما قرر ان نتصدر واجهة الحدث السوري، فسخّر اجهزتنا الامنية لتصبح اجهزة شبيحة، ولا استغراب اذا ما تبيّن ان مؤسساتنا الامنية خصصت لكل لغم زرع على حدودنا عنصراً لحمايته. الاهم انهم يصطادون الثوار السوريين في لبنان، تماما كما يفعل الصيادون غير الشرعيين في الغابات الافريقية.
النهار