يوتيوب’ السوري حضن الكوميديا الآمن/ ملاذ الزعبي
أربع محاولات كوميدية سورية ظهرت في “يوتيوب” تباعاً في الأسابيع الأخيرة، اثنتان منها قاربتا الأوضاع السياسية فيما فضلت اثنتان مقاربة مواضيع بعيدة عن السياسة بالمطلق، وجميعها اعتمدت على “الستاند أب كوميدي” الذي يخاطب فيه الكوميديان الكاميرا بدلاً من جمهور المسرح أو الصالة.
أكثر هذه المحاولات تحقيقاً لنسبة متابعة عالية عبر “يوتيوب” كان مع الممثلة الشابة ديمة سلوم التي قدمت أولى حلقات برنامجها الخاص “مع ديمة سلوم” بعنوان “البنات”، حصدت الحلقة الوحيدة لغاية كتابة هذه السطور أكثر من 33 ألف مشاهدة، وحاولت سلوم من خلالها انتقاد تصرفات شائعة بين الشابات وطالبات الجامعة تحديداً.
تنوعت ردود الفعل على تجربة سلوم بين مشجعين لهذه البداية أو مرحبين بالفكرة وبين منتقدين بقسوة لإطلالة سلوم وأدائها واستخدامها “الردح” الشعبي أحياناً لتفنيد ما وصفته بأنه “عقد” البنات. ردحٌ شهد رواجاً مع الجزأين الأخيرين من مسلسل “باب الحارة” قبل سنوات في مشاهد كان معظمها مقحماً وبدا حينها أنه يدغدغ طلباً جماهيرياً. ناقضت الممثلة الشابة أيضاً ما حاولت تعريته ونقده من قولبة وتصرفات معيارية لدى الأنثى العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص، فظهرت هي أيضاً بمكياج “معياري” وبأسنان ناصعة البياض تلهث بدورها وراء “الهوليوود سمايل”.
لم تكتف سلوم بذلك، بل عمدت إلى “اقتباس” و”استعارة” أفكار وحتى جمل بعينها من فيديوهات الأردنية روسن حلاق التي بدأتها مع “خرابيش” في أيلول/ سبتمبر الماضي، والتي حاولت فيها حلاق أيضا انتقاد سلوكيات شائعة وسط الفتيات في الأردن. ولم تفعل سلوم سوى “دمشقة” بعض الجمل والمصطلحات الواردة أساساً باللهجة الأردنية من دون أي إشارة إلى المصدر (على سبيل المثال لا الحصر، قامت الفنانة السورية بنقل فج لمقطع في فيديو لحلاق تنتقد فيه تقرب بعض الفتيات من شبان جامعيين قبيل الامتحانات بهدف الحصول على مساعدة غير شرعية).
على المنوال ذاته، أتى برنامج “إي لا”- “Eh La Show” الذي يعده مصطفى حداد ويخرجه علاء داود ويقدمه محمد التنجي، فالحلقة الأولى التي حملت عنوان “بصبصة” ابتعدت بالمطلق عن السياسة وعن الأوضاع الحالية التي تمر بها سورية، وفضل القائمون على البرنامج تقديم موضوع عام معتمداً على فيديوهات متفاوتة القدم لنجوم ونجمات غناء عرب، ومع محتوى منحاز لقيم ذكورية سائدة.
وكما سابقه أيضا، تفاوتت هنا ردود الفعل، لكن الحلقة الأولى لم تحصد سوى أكثر من 7500 مشاهدة بقليل، وعلى الرغم من مضي ثلاثة أسابيع على بثها، إلا أن الحلقة الثانية لم تر النور حتى الآن، ولم يتضح ما إذا سيكون بث الحلقات شهرياً أم غير منتظم.
في شباط/ فبراير الفائت، أطلقت مؤسسة دراويش برنامج “طلاع من راسي” الذي تشرف عليه مجموعة من الشباب السوريين يعملون بأسماء مستعارة، وقدموا لغاية اللحظة ستة فيديوهات ثلاثة منها للحديث عن الجدل المتجدد للعام الثالث على التوالي بخصوص موعد انطلاق ذكرى الثورة السورية. وفيديوهين لمؤتمر جنيف-2 (كان ثانيهما بعنوان كلاسيكو جنيف أكثرها احترافية ونجاحاً مع تخلص المقدم من لهجته الضائعة بين الحورانية والشامية ومقاربته اللافتة لأسلوب المعلق الرياضي التونسي عصام الشوالي، وإن عابه أيضاً الانتقاد الذكوري لسفير النظام السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري والمستشارة الإعلامية لونا الشبل).
الحلقة الثالثة التي حملت عنوان “حالش”- المصطلح الذي ابتكره السوريون كإشارة إلى حزب الله اللبناني، فشلت في تفكيك الخطاب الطائفي للحزب، وكرس المقدم معظم وقت الفيديو القصير للتعليق على طقس اللطميات الديني الرائج بين المسلمين الشيعة.
أواخر شهر شباط أيضاً انطلق برنامج “بسيطة” لتناول الأخبار المتسارعة في الشأن السوري، من تقديم ثائر الوالي، فيما شاركت الإعلامية ولاء خرمندة في تقديم فقرة ضمن حلقتين من ثلاث حلقات تم عرضها لغاية اللحظة، وعلى عكس البرامج الثلاث السابقة، ابتعد “بسيطة” عن الخطاب الذكوري، بل إن خرمندة عملت في فقرتيها على تسليط الضوء على قضايا متعلقة بجوانب متعددة من أوضاع المرأة بدءاً من “فيمن” وصولاً إلى اضطهاد المرأة للمرأة.
وعلى الرغم من امتلاك مقدم البرنامج لكاريزما تفوق ما أظهره مقدمو البرامج الثلاثة السابقة، بالإضافة إلى الإيقاع الأسرع لحلقات البرنامج بشكل عام مقارنة بسابقيه، إلا أنه حصد المتابعة الأقل بينها جميعاً في “يوتيوب”، فسجلت الحلقة الأولى نحو 3500 مشاهدة فقط (مقابل نحو 12 ألف مشاهدة لأولى حلقات طلاع من راسي).
تجارب مختلفة للكوميديا “اليوتيوبية” السورية، جزء منها محترف، وجزء آخر تجريبي، لكن المؤكد أنها كلها وجدت في البيئة الحرة للموقع حضناً آمناً لأعمالهم ولشكلها ومضمونها.. من دون أن يلغي ذلك الحاجة المستمرة لتقييم هذه التجارب وتطويرها في ظل زخم الأحداث الحالية في سوريا، والتي يمكن أن تنتج كوميديا سوداء أغنى وأعمق.
المدن