صفحات الناس

لبنان تحت ضغط مليوني لاجئ سوري

 

 

الخسائر تتخطى ما حدث في حرب تموز.. والحكومة تتجه لتطبيق سياسات «جديدة وحازمة»

بيروت: بولا أسطيح

يتخطى عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان المليون و25 ألفا، بحسب مفوضية الأمم المتحدة. أما عددهم الإجمالي (أي المسجلين وغير المسجلين) فيلامس المليونين، بحسب مصادر رسمية، ما يشكل ضغطا سياسيا وأمنيا واقتصاديا على البلاد، بالإضافة إلى التداعيات الإجتماعية. وبعد ان تعدت لبنان «عتبة المليون»، أعلنت تركيا أمس انها أيضا باتت تستضيف مليون لاجئ سوري.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين والذين يعيشون في لبنان منذ النكبة في عام 1948 نحو 460 ألفا، مما يعني أن مجمل عدد اللاجئين بات يوازي نصف عدد سكان لبنان، الذي أعلنت مفوضية شؤون اللاجئين أنّه بات يسجّل أعلى نسبة كثافة نازحين في العالم في التاريخ الحديث مقارنة بعدد السكان، مع وجود نحو 230 نازحا سوريا مسجلين مقابل كل 1000 لبناني.

وقد تضخم عدد اللاجئين السوريين المسجلين بشكل لافت خلال العامين الماضيين، فبعدما سجّل شهر أبريل (نيسان) 2012 دخول 18000 لاجئ سوري إلى لبنان؛ وصل العدد إلى 356000 بحلول أبريل من عام 2013، ليصل في الثالث من الشهر الحالي إلى مليون شخص. ورفضت الحكومة اللبنانية في الأعوام الثلاثة الماضية إقامة مخيمات للاجئين السوريين خوفا من تكرار تجربة اللجوء الفلسطيني بحيث لا يزال نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني يستقرون منذ عام 1948 في 12 مخيما موزعة على المناطق اللبنانية.

ويعيش اللاجئون السوريون إما في شقق استأجروها أو في غرف صغيرة أو لدى عائلات لبنانية مضيفة، وإما في مخيمات عشوائية منتشرة على الأراضي اللبنانية تفتقر لحد أدنى من مقومات العيش.

* سياسة لبنانية جديدة

* وقد استنفرت أجهزة الدولة مؤخرا للتصدي لتداعيات أزمة اللجوء السوري والتي طالت كل القطاعات، وباشرت لجنة حكومية يترأسها رئيس مجلس الوزراء تمام سلام إعداد خطة جديدة وحازمة للتعاطي مع الملف. وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى أن هذه الخطة سترتكز بشكل أساسي على تنظيم الدخول السوري إلى لبنان، متسائلا «ماذا يفعل ابن الحسكة ودرعا ودير الزور في لبنان؟ نتفهم أن يأتينا نازحون من حمص وحماه ويبرود والنبك وغيرها من المناطق الحدودية، لكن ليس سوريين من مناطق حدودية مع الأردن وتركيا».

ولفت درباس في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه بعدما أغلقت الدول المذكورة أبوابها في وجه اللاجئين بات لا مفر لهم إلا اللجوء إلى لبنان حيث الأبواب دائما مفتوحة من دون قيود، وأضاف «في السابق كنا نتحدث عن بضعة آلاف لبضعة أشهر، أما اليوم فنحن بصدد بضعة ملايين لبضع سنوات، وبالتالي فإن التعاطي مع الملف كما كان يتم سابقا لم يعد مسموحا».

وأشار إلى أن المطلوب اليوم إيجاد وسيلة لحث اللاجئين السوريين على العودة إلى مناطقهم خاصة أن هناك ما بين 700 و900 مخيم عشوائي منتشرة على الأراضي اللبنانية، وهي مخيمات تضم 17 في المائة من النازحين الذين لا يخضعون لأي نوع من الرقابة. وقال «المطلوب البحث جديا عن إنشاء أماكن استقبال للاجئين عند الحدود السورية كتوطئة لعودتهم إلى قراهم، على أن تهتم الأمم المتحدة بحماية هؤلاء اللاجئين وتأمين كل احتياجاتهم».

وشدّد درباس على أن القضية ليست قضية لبنانية بحتة بل قضية عربية – قومية، لافتا إلى أنه على الدول العربية وانطلاقا من جامعة الدول العربية إنشاء خلية أزمة لمعالجة القضية، خاصة أن «الوضع بات ينذر بإمكانية تحول اللجوء السوري إلى ما يشبه اللجوء الفلسطيني، مع اعتماد سياسة تطهير مناطق كاملة في سوريا لإخلائها بشكل تام من السكان».

ووصف وزير الشؤون الاجتماعية لبنان في كنف الظروف الحالية بأنها «قنبلة نووية بشرية موقوتة»، مما بات يستدعي استنفارا دوليا.

* الخسائر الاقتصادية

* وترك اللجوء السوري بصمات كبيرة على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية والصحية والاجتماعية في لبنان، وتخطى حجم الخسائر الاقتصادية التي مني بها لبنان في السنوات الثلاث الماضية، بحسب دراسة أعدها البنك الدولي، 7.5 مليار دولار، مما يعني أن الخسائر نتيجة النزوح السوري تخطت حجم خسائر حرب تموز، كما تؤكد مصادر رسمية. وأفادت دراسة البنك الدولي، التي أجريت بطلب من الحكومة اللبنانية نهاية العام الماضي، بأن المصاريف المباشرة للخزينة اللبنانية لتأمين الخدمات الإضافية للنازحين السوريين بلغت 1.1 مليار دولار، ونبّهت إلى أن 170 ألف لبناني سيكونون تحت خط الفقر في إطار التداعيات السورية على لبنان، علما بأن 40 في المائة من اللبنانيين هم أصلا تحت هذا الخط.

ولفت الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان إلى أن تكلفة النازح السوري الواحد على لبنان تتراوح ما بين 1700 و2000 دولار أميركي لتأمين الخدمات الصحية والتعليمية والطاقة والمياه وغيرها، مشيرا إلى أن لبنان بحاجة اليوم لما يقارب المليارين و200 مليون دولار أميركي لتغطية تكاليف النازحين الموجودين على أراضيه.

وأوضح أبو سليمان، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن المدارس الرسمية اللبنانية تستقبل حاليا 450 ألف تلميذ سوري مقابل 350 ألف طالب لبناني، مشيرا إلى أن الإشكالية الكبيرة التي تشهدها البلاد هي لجهة منافسة اللاجئ السوري المواطن اللبناني بسوق العمل، باعتبار أن اللاجئ يتقاضى نحو 16 في المائة أقل مما يتقاضاه اللبناني. وقد قدرت منظمة العمل الدولية نسبة البطالة في لبنان بنحو 22 في المائة في عام 2013، فيما يقدر البنك الدولي هذه النسبة بنحو 34 في المائة. وكشفت منظمة العمل الدولية، في تقرير لها بعنوان «اتجاهات العمل العالمية لعام 2014»، أن تدفق النازحين السوريين إلى لبنان قد يزيد حجم القوى العاملة بنسبة 30 إلى 50 في المائة.

وأشار أبو سليمان إلى أنه عندما تزيد البطالة ترتفع تلقائيا نسبة الفقر خاصة في بلد تخطى الدين العام فيه الـ64 مليار دولار في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بزيادة 400 مليون دولار عن نهاية عام 2013. ولفت إلى أن لبنان وصل للذروة في ما يخص موضوع اللاجئين، وعليه دق ناقوس الخطر كي تتحرك المنظمات العالمية لإغاثته «فهو يعيش في حالة كساد منذ نشوب الأزمة السورية، وقد انخفضت وارداته 6 في المائة في مقابل ازدياد النفقات 5.5 في المائة جراء انعدام النمو».

* التكلفة الصحية السنوية

* ويشكل الملف الصحي أحد أبرز التحديات التي يواجهها لبنان مع بروز أمراض جديدة لم يعرفها من قبل، مما استدعى استنفار وزارة الصحة والمنظمات العالمية المعنية لمنع انتقال الأمراض المعدية إلى المجتمعات اللبنانية المضيفة. ولفت الدكتور بهيج عربيد، مستشار شؤون التخطيط في وزارة الصحة اللبنانية، إلى أنه تم تسجيل 110 حالات سل في صفوف اللاجئين السوريين في لبنان، وأكثر من 1300 حالة من اللشمانيا (حبة حلب) في عام 2013، وأكثر من 220 حالة في العام الحالي، وهو داء لم يعرفه لبنان من قبل، وقد يتسبب في تشوهات.

وأوضح عربيد، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن ازدياد أعداد اللاجئين وكثرة حركتهم يعقدان الأمور لجهة مراقبتهم صحيا ومنع انتقال الأمراض إلى لاجئين آخرين أو إلى اللبنانيين. ونظّمت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمات صحية عالمية 4 حملات للتلقيح ضد شلل الأطفال بعد ظهور 60 حالة في سوريا و220 حالة أخرى غير مؤكدة، علما بأن هذا المرض لم يعرفه لبنان منذ أكثر من 12 عاما. وتستهدف الحملة الرابعة التي انطلقت يوم الجمعة الماضي نحو 600 ألف طفل سوري ولبناني وفلسطيني لا تتعدى أعمارهم خمس سنوات. وأشار عربيد إلى أن الظروف السيئة التي يعيش بكنفها اللاجئون تجعلهم عرضة لكل هذه الأمراض وسواها، لافتا إلى أن الأمراض الأكثر شيوعا حاليا بينهم هي: التيفويد، الحمى الملطية (التهاب الكبد)، والتهاب السحايا. ولم تتسلم وزارة الصحة اللبنانية أي مبالغ مالية لإغاثة اللاجئين منذ 3 سنوات وحتى اليوم باعتبار أن المنظمات الدولية فضّلت تقديم الخدمات الصحية بشكل مباشر أو عبر جمعيات محلية وأهلية.

ونبّهت منظمة «الأمم المتحدة للطفولة» (اليونيسيف) في فبراير (شباط) الماضي إلى أن هناك قرابة ألفي طفل سوري لاجئ في لبنان يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج فوري كي يكتب لهم البقاء على قيد الحياة. وأشارت «اليونيسيف» إلى أن أشد فئات أطفال اللاجئين السوريين ضعفا في لبنان، خاصة الأطفال دون سن الخامسة الذين يعيشون ظروفا عصيبة، هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بسوء التغذية.

* تحذير من صراع لبناني ـ سوري على لقمة العيش

* وتخشى مصادر رسمية من انفجار أزمة اللجوء السوري على شكل صراع لبناني – سوري على لقمة العيش، لافتة إلى أن معظم الدول التي تعرب عن نيتها لتقديم مساعدات للاجئين السوريين باتت تعي تماما أن هذه المساعدات يجب أن توزع وبالتساوي على اللاجئين والمجتمعات المضيفة نظرا للحساسية الكبيرة التي تتزايد بين المجتمعين اللبناني والسوري.

وأشارت المصادر في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن الأمور حتى الساعة لا تزال مضبوطة لكنها قد لا تبقى كذلك خاصة أنه باتت للسوريين مجتمعاتهم الخاصة في لبنان، مدارسهم ومؤسساتهم التي لا توظف إلا السوريين. وقد قدمت ألمانيا نهاية الشهر الماضي 5 ملايين دولار أميركي للحكومة اللبنانية لدعم المجتمعات المستضيفة للاجئين السوريين، على أن يتم ذلك من خلال إدخال مشاريع تنموية تعمل على تطوير بنى الإنتاج المحلي، مما يؤمن عملا لائقا يساعد اللبنانيين على الصمود والمواجهة واحتضان اللاجئين.

ولفتت الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في بيروت جويل عيد إلى أن المفوضية كما الدولة اللبنانية دقت ناقوس الخطر بعدما تخطى عدد اللاجئين السوريين المليون في دولة هي الأصغر في العالم التي تستوعب هذا العدد من النازحين. ونبّهت عيد في حديث مع «الشرق الأوسط» من تداعيات جمّة لملف اللاجئين على مجمل القطاعات اللبنانية خاصة على الاقتصاد، مشددة على وجوب وقوف المجتمع الدولي إلى جانب لبنان في هذه المحنة، خاصة أن وتيرة النزوح لا تزال على حالها مع توقعات بأن يتم تسجيل مليون و500 ألف نازح سوري في لبنان نهاية العام الحالي.

وشددت على وجوب أن يبقي لبنان حدوده مفتوحة على الرغم من كل الصعوبات التي ترافق ذلك باعتبار أن اللاجئين هم مدنيون فروا مضطرين من القتال الدائر في سوريا ولم يجدوا خيارا آخر إلا الهروب، داعية المجتمع الدولي لإيجاد حلول طارئة للأزمة خاصة في ظل غياب القرار السياسي اللبناني بإنشاء مخيمات لهم. وأشار مصدر دبلوماسي أوروبي في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن أكثرية الدول الأوروبية كانت تدعم ومنذ اندلاع الأزمة السورية إقامة مخيمات للاجئين في لبنان على غرار ما حصل في تركيا والأردن، باعتبار أن ذلك يتيح «إدارة أفضل لملفات الصحة والغذاء والتعليم والأمن».

ولفت المصدر إلى أن قرار الحكومة اللبنانية السابقة كان نهائيا لجهة رفض خيار المخيمات، مما جعل الأمور تتفاقم على كل المستويات.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى