الإنزال البري في سوريا/ كرم يوسف
لم يعد اليوم مستقبل الأزمة السورية موضوعاً يهم فقط أبناء هذا البلد، ولا دول الجوار، التي من الطبيعي أن تكون متأثرة بحالة حرب يشهدها بلد جار لهم.
هذه الأزمة اليوم باتت تلقي بأعبائها على أمكنة عديدة في العالم، مما جعلها أزمة عالمية على خلاف ما شهدته دول أفريقية أو آسيوية أو في أمريكا الجنوبية من حروب أهلية، ربما طالت سنين عديدة وانتهت كما حال الحرب الأهلية في سريلانكا، أو ما تشهده السودان حتى بعد استقلال شطره الجنوبي، حيث أن كل هذه الحروب لم تتجاوز أبعادها أكثر من دول جوار تدعم طرفاً على حساب آخر.
كثير من العوامل جعلت من هذه الأزمة عالمية؛ ربما أهمها أنها جاءت في زمن اندلعت فيه حروب كثيرة في الشرق الأوسط والعالم العربي، جعلت الاصطفافات العالمية تزداد أكثر وتقوى، بالإضافة إلى موقع هذا البلد وعلاقات نظامه الحالي مع بلدان كإيران، التي لديها اليوم الطموح في خريطة شيعية في المنطقة، وروسيا التي لم يبق لها حلفاء فيها، ناهيك عن وجود رؤية منظمة من قبل الغرب لإشباع المنطقة بالفوضى، التي كان من نتائجها أزمة عالمية تعلقت بشكل خاص بالملف السوري، كبروز تنظيم «داعش» وأزمة اللاجئين.
كان للأزمة السورية كلام مختلف بالنسبة للكثير من التحليلات التي توقعت نهايتها، على غرار ما سبق أو توازى معها من أزمات، حيث أنه مع كل مرحلة كان متوقعاً فيها توجه هذه الأزمة إلى الحل كان يبرز مسار جديد لها يجعلها معقدة أكثر، إلى درجة أن أي مؤتمر عُقد أو يمكن أن يعقد لأجل حل أزمة هذا البلد نتائجه مربوطة بالفشل. ورغم قرار الاتفاق على الحل السياسي – للدول التي ترى نفسها معنية بالشأن السوري، فإن الأمر يبدو بعيداً إلى الآن- فإن هناك موضوع جماعات إرهابية عالمية، وعلى رأسها «داعش» وجبهة النصرة التابعة لـ»القاعدة» التي تسيطر اليوم على أكثر من نصف سوريا. وهذان التنظيمان لا يُمكن أن يُقبلا كجزء من أي اتفاق، والحرب عليهما تتطلب وقتاً طويلاً، وإلى أن يتم القضاء عليهما ستكون هناك أزمة جديدة، فهذه الجماعات العابرة للقارات معروفة بأنها ترد خارج سوريا على أي دولة تدخل في الحرب عليها. إلى أن تم القبول بتوجه دولي عسكري لمعالجة وجه من هذه الأزمة، وهو «داعش» استغرق الموضوع أكثر من سنتين، واليوم مرت أكثر من سنة على الحرب الجوية، التي يشنها التحالف الدولي بقيادة أمريكا على هذا التنظيم، بدون أن تكون هناك نتائج ملموسة تتعلق بتحجيم قوته أو القضاء عليه، على العكس فإن التنظيم يتمدد في مناطق أخرى ولا يخسر إلا القليل.
هذه الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي، دخلت مرحلة من الاختبار الحقيقي مع دخول روسيا في الحرب الجوية، وهذا خلق موازين جديدة للحرب الأهلية في سوريا، حيث كان هناك الاعتقاد الأمريكي باقتصار دعم روسيا لنظام الأسد بالأسلحة، لكن دخول روسيا على خط المواجهة، جعل أمريكا والتحالف الدولي معها مرغمين على الاتفاق بخصوص الأجواء السورية. ربما يمكن اعتبار دخول روسيا إلى الأجواء السورية والاتفاق المكره الذي وقعته أمريكا في هذا السياق، من أكثر المراحل حساسية بخصوص هذه الأزمة، لاحتمال التصادم عسكرياً، وكانت النتائج سريعة بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية -لاتزال تداعياتها إلى اليوم مستمرة – حيث أن أمريكا كانت سباقة في دعم تركيا في حماية أجوائها، ومن الممكن القول إن تركيا ما كانت قادرة لوحدها على إسقاط هذه الطائرة، لولا أنها أخذت موافقات أمريكية بسبب حدوث خرق طائرات روسية سابقة لأجوائها، ما كان يستدعي توجيه رسالة إلى روسيا عبر تركيا التي هي عضو في حلف يضم أمريكا معها، حلف توجد بين أعضائه اتفاقات بدفاع الأعضاء عن أي عضو يتعرض لتهديد. رغم إشارات أمريكية سابقة وعلى لسان رئيسها باراك أوباما بأن بلده لن ينجر إلى المواجهة البرية مع روسيا في سوريا، لكن ما يجري يساعد على القول في أن تلك التصريحات كانت سياسية، وصارت من الماضي بحكم إرسال أمريكا 50 عسكرياً إلى مدينة كوباني للمشاركة في تدريب القوات الكردية هناك، وهذا الوجود الأمريكي البري هو الأول من نوعه على مر كل مراحل الحرب في سوريا، بالإضافة إلى تصريحات على لسان مسؤولين كبار منهم قادة في البنتاغون بإمكانية زيادة عدة هذه القوات لمواجهة تنظيم «داعش». مقابل الوجود الأمريكي القليل جداً في سوريا، الذي صار حقيقياً، يوجد هناك وجود روسي ليس فقط في الأجواء السورية، إنما من خلال قواعد عسكرية يوجد فيها من دون شك المئات من الجنود، إن لم يكن العدد أكبر، حيث لا توجد إلى الآن أرقام دقيقة عن حجم هذه القوات باستثناء عدد الطائرات الروسية المشاركة في القصف، التي كانت 28 وتم التصريح من قبل مسؤولين روس بأن عددها سوف يزداد.
ككل تحرك على الأرض تسبقه تصريحات إعلامية، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بالحاجة إلى وجود قوات برية مساهمة في الحرب على تنظيم الدولة، رغم أن لافروف خلال تصريحه هذا ذكر بأن المجتمع الدولي ككل عليه المساهمة في هذه الخطوة، لكنه يعلم بأنه لا جدية أو استعداد لهذا الأمر، سوى بلده الذي يغامر بكل شيء دفاعاً عن مصالحه، وهنا يجب القول بأن القرار الروسي في هذه الحرب هو الأكثر وضوحاً وعملياً وحقيقة من بين قرارت كل الدول التي ترى نفسها معنية بالحرب أو تشارك في القصف كقوات التحالف الدولي.
لن يكون مبالغاً كخلاصة لهذه التصريحات القول إنه سيكون هناك إنزال ووجود بري أكثر لروسيا من جهة، وامريكا وحلفائها من جهة أخرى في سوريا، خاصة أن روسيا تعلم أن ضرباتها الجوية لم تأت بالكثير من النتائج الملموسة على الأرض، وهي بحاجة لئلا تخسر موقفها في جعل حليفها بشار الأسد منتصراً في حرب توجد فيها، ودفع فيها أبناء روسيا وشركاتهم ضريبتها، ومنها الضرائب والعقوبات على تركيا التي بسببها صار وضع اقتصاد روسيا غير المستقر اساساً أسوأ، مقابل روسيا التي ستتوجه إلى مرحلة جديدة في تثبيت قدميها على الأرض السورية من خلال الاشتراك برياً في المعارك مع الجيش السوري، لن تلتزم أمريكا الصمت بدون شك.
كل من يتابع المشهد السوري يعرف أن روسيا لا تستهدف «داعش» بشكل أساسي، بل أن تصريحات أمريكية أكدت أن القسم الأكبر من هذه الغارات التي تشنها روسيا هي على مواقع المعارضة، أكثر مما هي موجهة للتنظيم ما يعني أن روسيا دخلت هذه الحرب بخيار واحد وهو خيار محاربة كل من يقاتل الأسد، ولولا ذاك فما الذي يجبرها على دفع هذه التكاليف العالية يوميا في الحرب الجوية. وبدون شك فإن روسيا في مرحلة المشاركة البرية ستواجه أيضاً قوات المعارضة التي تدعم أمريكا فصائل منها، أي أن روسيا ستقوم بقتال حلفائها برياً. أمريكا لم تسكت وتضطر لابتلاع الهزيمة الآن أمام قوة القرار الروسي، إلا بسبب قرب الانتخابات الأمريكية وعدم بقاء كامل القرار في هذه الحرب في سوريا بيد أوباما، بل بيد خلفه الذي ستكون له كلمتها حينذاك، كلمته التي ربما تكون مدعومة بمزيد من الجنود الذين سيكونون حينها يحاربون في سوريا.
٭ كاتب من سوريا