التحدي الأميركي بعد بن لادن: حلّ الصراع العربي ـ الإسرائيلي
جيل كيبيل
لو أن بن لادن لقي مصرعه إبان ولاية جورج دبليو بوش لكان عومل على أساس انه الشهيد ـ الأيقونة لكل الحركات المعادية للغرب في العالم الإسلامي. بيد أن تلك الأيام ولّت. المواقع الالكترونية الجهادية تندب معلمها المقتول، فيما قلة فقط في الشارع العربي تكترث لرجل لم يجلب الى المنطقة سوى الفوضى والخراب، ودفع الولايات المتحدة إلى شن حرب، وفوق ذلك كله عزز حضور غالبية الحكام ممّن تمنى الإسلاميون الراديكاليون إطاحتهم.
مُدِّدت أعمار الطغاة العرب غداة 11 أيلول: فبن علي (رئيس تونس السابق)، على ما فكر البعض، أفضل من بن لادن. إلا أن الدكتاتوريين ـ زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر ـ أطيحا، في حين أن نظراءهما في ليبيا والمملكة العربية السعودية متشبثون بالسلطة من خلال لعب ورقة النفط العربي الرابحة. من ليبيا الى البحرين مروراً بسوريا وصولاً الى اليمن، يشكل السعي الى نظام سياسي تعدّدي، الهدف الذي تصبو إليه طبقة متوسطة شبابية – مدنية أضناها النظام القديم.
في النهاية بن لادن لم يفِ بوعده. فقد دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى فخ اجتياح العراق واحتلاله، لا لشيء سوى رؤية العراق يتحول إلى ملعب للقادة للشيعة في إيران، ما أثار غيظ كل من المحافظين الجدد في واشنطن والراديكاليين السنّة الذين يشكلون عصب القاعدة. لم يجد بن لادن شيئاً ليقدمه يتجاوز بث مشاعر الكره ضد الغرب.
فقد أتاح تراجع أهمية القاعدة والشرعيات السلطوية نافذة سياسية لثورة الياسمين في تونس وانتفاضة ميدان التحرير في مصر. الإسلاميون والمتعاطفون معهم في آن انخرطوا في التحركات المعادية للحكومات. بعضهم ممّن تأثر في السابق بميثولوجيا القاعدة، إلا أن غالبيتهم تسعى الى دمج الديموقراطية والتعدّدية بعقائد الحضارة الإسلامية. فالمثال التركي الناهض على قاعدة دولة علمانية ذات نكهة إسلامية يستدر النقاش في الإعلام العربي، أكثر بكثير مما تفعل الرؤية الجهادية للقاعدة.
وبما أن الشخصية الأكثر كاريزماتية للإرهابيين العالميين رحلت: هل يعني ذلك أن الشبكة المرتبطة بها ستهوي في اليأس، أم أننا سنتوقع عنفاً أكثر من قبل أيتامه؟ في شهر نيسان نشر الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الطبيب المصري أيمن الظواهري، شريط فيديو من مخبئه في باكستان مدته ساعة كاملة، أشاد فيه بعبود الزمر، ضابط المخابرات السابق الذي وفر الرصاصات التي قتلت الرئيس المصري أنور السادات في 1981. وحاول الزمر، الذي أطلق سراحه بعيد سقوط مبارك، إدارة حزب إسلامي يتبنى قانون الشريعة.
إلا أن الجهود اليائسة للزمر، للقفز فوق عربة الثورة المصرية، لم تلقَ سوى صدى قليل. لعل التحدي الأكثر إثارة للمشاكل يتمثل في الجهود المستمرة لمجموعات القاعدة المتناثرة في كل من أفريقيا الشمالية وشبه الجزيرة العربية. لكن، من غير المحتمل أن تتحول أية خطوات إرهابية مستقبلية إلى كرة ثلج. للإرهاب اقتصاده السياسي الخاص به: لكن عندما يتكرر كثيراً بلا فائدة تفقد عملياته تأثيرها وتعطي نتائج عكسية.
أغلب الظن أن ورثة بن لادن ما زالوا قادرين على نشر الخراب، لكنهم فقدوا زخمهم السياسي. وفي حقل الإسلام الحركي، تتمحور المعركة الدائرة الآن ما بين السلفيين المعتنقين لنسخة صارمة وحرفية من الشريعة، والإخوان المسلمين المبعثرين، والموزعين ما بين جيل جديد يجد قواسم مشتركة عديدة مع معاصريه العلمانيين، وأصحاب «العمائم القديمة» الذين يمسكون بزمام المشهد. شرخ آخر يقسّم هؤلاء الإسلاميين ما بين راغبين بأن يكونوا جزءاً من حياة سياسية تعدّدية، وهؤلاء الذين ما انفكوا يرون إلى الانتخابات فرصة لامتلاك السلطة، بحيث لا تكون ثمة حاجة إلى التخلي عنها لاحقاً.
البيت الأبيض بدا، عن حق، متحمساً لتجنب أي عراضة للانتصار على الطريقة الهوليوودية. فالرئيس اوباما متحفز جداً لتجنب أي رد فعل عنيف، وللاستفادة من الحدث بما يتناغم مع التاريخ العربي البازغ. كما أعادت الغارة التي قتلت أسامة بن لادن ترتيب العلاقات الأميركية الباكستانية، على الرغم من أن الاستخبارات الباكستانية خسرت سفينة مقايضة كبيرة وستخرج أكثر ضعفاً. وبالنسبة إلى أفغانستان، أحد أفراد الأسرة المالكة في السعودية نصح أميركا قائلاً:
«اقتلوا بن لادن وارحلوا وحسب». لعلّه من المجدي الآن أخذ هذه النصيحة على محمل الجد.
ويكمن التحدي اليوم في الاستفادة من مقتل بن لادن، عبر الدفع في اتجاه إيجاد حل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي: الغيمة التي تلبّد سماء الديموقراطية العربية.
قد يكون أمام الرئيس أوباما فرصة نادرة كتلك التي لاحت أمام بوش الأب بعد حرب الخليج الفارسي في 1991، عندما قام بـ«ليّ» أيدي كل من اسحق شامير وياسر عرفات لإرسال ممثلين عنهما إلى مؤتمر سلام في مدريد.
الرأسمال الرمزي المتشكل من جراء مقتل بن لادن لن يدوم إلى الأبد، يجب استثماره في أقرب فرصة. فبعد كل شيء، التاريخ التراجيدي للشرق الأوسط فرصة لم تستغل بعد.
[ أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في معهد الدراسات السياسية في باريس، والشريك في تحرير كتاب: القاعدة بكلماتها الخاصة.
عن الـ«نيويورك تايمز» 7/5/2011
ترجمة: حسن الحاف