الروائي السوري خيري الذهبي: الجغرافيا تنتقم من بلادي
اسطنبول ـ «القدس العربي» من مصطفى محمد: يتعدى حضور الروائي السوري خيري الذهبي، الكتابة نفسها، فهو يواصل تجربته كأنها انتقام من حاضر أسود تعيشه بلاده. شيء من الحنين والكثير من اثبات الصوت، في محاولاته التي انتقلت إلى قراء غير عرب.
يعتبر، الذهبي، ان الجغرافيا «ظالمة»، وأن الأطراف المتصارعة على سيادة آسيا الوسطى (طوران) أيضاً لم يتغيروا، وما استقواء «الأسد» بإيران إلا «تأريث للغضب».
الذهبي خصّ «القدس العربي»، في لقاء، وهنا نص الحوار:
■ بين ظلم الجغرافية ودموية التاريخ كيف تقيمون ما يجري في سوريا؟
□ الجغرافية تنتقم من سوريا التي عصت طغيانها عليها منذ بداية التاريخ. سوريا التي خضعت لطغيان الجغرافية حين مزقتها بين جبال ووديان وبواد، وشواطئ وبحار، هذه الجغرافيا نقمت على سوريا قيام الغرب بإقامة دولة لا سابق لها فيها، وحتى حين قام الغرب بإقامة هذه الدولة متحديا صعوبتها، إن لم يكن استحالتها جغرافيا وثقافياً «دينيا وعرقيا ومذهبيا»، فقد اضطر الغرب إلى تقديم تنازلات إلى الموارنة، لتأسيس دولة لبنان الكبير متحدياً الصراعات الثقافية الصغيرة بين مكوناته.
وما الثورة القائمة الآن إلا تحدي المكون الأسدي الظالم حتى التطرف لبقية المكونات الأخرى في البلد، وها هي الجغرافية تتململ من الظلم الواقع على السوريين، وما استعانة الطاغية بالفرس مرة، وبالروس أخرى على شعبه إلا تأريث للغضب الذي لن تسكّنه بعد اليوم الاعتقالات والمعتقلات والحصارات والتجويع.
■ وكأننا نتحدث هنا عن يقظة الأوطان الطائفية والعرقية، بعد كل هذا كيف يرى الذهبي شكل سوريا المقبلة؟
□ على عكس الشائع فلم تقم في سوريا بما فيها لبنان دولة طائفية، أو دولة عرقية لذلك اعتقد أن حقنة إقامة دول طائفية أو عرقية التي حقنتنا بها الدول الاستعمارية لا مستقبل لها ولا أظنها تتحقق.
■ وصفت الصراع السوري الحالي بأنه امتداد للصراع على طوران، بين الأتراك والفرس»، إذن لماذا يدفع السوريون فقط ضريبة هذا الصراع ؟
□ تاريخ ما قبل الإسلام هو تاريخ الصراع بين إيران وطوران، وما ملحمة الفردوسي «الشاهنامة» إلا تسجيل للصراع بين إيران الآريين (الفرس)، وطوران على من سيكون سيد آسيا الوسطى، فلما جاء الإسلام وقضى نهائياً على دولة فارس حولوا صراعهم إلى صراع معرفي ضمن الإسلام ثم سياسي، فاستولوا على الدولة العباسية تحت مسمى «الإدارة والقلم».
■ ما هي النقاط التي يلتقي عليها السوريون اليوم كهوية جامعة لهم؟
□ سوريا لموقعها الظالم بين القوى العالمية الكبرى منعت تماماً من تشكيل دولة، أي دولة، وكلما أنجزت دولة عوقبت بالدمار الشامل، وتذكروا معي «دولة تدمر» ونهايتها المأساوية، و«دولة الأنباط» التي أخفوها بعد دمارها إلا من حجارة لم تكتشف إلا منذ قرنين فقط، ودولة الأمويين التي دمرها الفرس متشحين بالراية العباسية، حتى ليقال إن أكثر السوريين قد أبيدوا في ذلك الزمن على يد أبو مسلم الخراساني وجنوده الذين كانوا يحملون راية عليها «يا لثارات القادسية»، وأخيراً وهذا ما نشهده بعيوننا الباكية من تدمير لسوريا على يد الفرس والروس والطاغية المحلي، سوريا صنعتها عقول غربية، وها هي تختفي تحت النار والدمار على أيدي وعقول الغرب أيضاً.
■ بعيداً عن التاريخ والصراعات في المنطقة، وبالانتقال إلى الحديث عن اصطناع النظام السوري لرجال الدين، تتحدثون كثيراً عن دور سلبي لرجال الدين وكثيراً ما يتردد على لسانك مصطلح «سندويتش الشاورما» عند الحديث عنهم؟
□ سندويتش الشاورما كناية عن المكاسب التافهة جداً التي اشترى الطاغية بها رجال الدين الإسلامي في سوريا، والحق أن رجال الدين الإسلامي عموماً كانوا دائماً جاهزين للبيع إلا ما ندر، فباستيلاء الطغيان على الحكم، ولانعدام وجود حــزب، هيـــئـة، منظــــمة، تحمي وتنتقي رجال الدين الحق بيعوا واشتروا من كل الطغاة.
■ لماذا اختار الكثير من المثقفين والفنانين السوريين الوقوف إلى جانب النظام، ولم يختاروا الوقوف إلى جانب الثورة؟
□ بعد الانقلاب المشؤوم عام 1963 أصدر المنتصرون كتاباً سموه «الثامن من آذار» ووضعوا في هذا الكتاب قائمة بالصحافيين والمثقفين والأكاديميين من أبناء المدن، وحرموهم من حقوقهم المدنية، فهاجر الكثيرون منهم إلى كل أصقاع الأرض بعد أن صادروا الصحف في سوريا، وطردوا كل ضابط مديني الأصل وجاءوا بمعلمي ابتدائية فجعلوا منهم ضباطاً، وهم من حاربوا بإخلاص ونصروا سوريا بعد أربع سنوات فقط من الانقلاب، أي في العام المشؤوم «1967»، ووهبوا العمل في الصحافة والأدب لشبان من جماعة النظام، فتعلموا «البيطرة في حمير النور» وحفظ هؤلاء وأبناؤهم الفضل للنظام، فظلوا على ولائهم له متنكرين لدماء شعبهم.
القدس العربي