السيطرة على حلب هي المفتاح للحل السياسي
يصعب عدّ المرات التي توقفت فيها أنفاس السوريين من اجل الحل، والنتيجة كانت أن الهواء الذي حشروه في رئاتهم خنقهم. أمس ايضا، في لقاء لندن، بين ممثلي الدول الداعمة في سوريا ـ اسم غريب للجنة ليس واضحا أي سوريا تدعم ـ تم طرح صيغة اخرى للحل السياسي للحرب الدائرة منذ خمس سنوات ونصف.
إن هذا اقتراح مناسب ظاهريا، يشمل المفاوضات لمدة نصف سنة. ولأول مرة توافق 30 «منظمة معارضة، السماح للأسد بالبقاء هذه الفترة في الحكم. وخلال هذه الفترة ستبذل الجهود لتشكيل حكومة انتقالية تستمر 18 شهرا، بدون الأسد في هذه المرة. وستصيغ هذه الحكومة دستورا جديدا وقانونا للانتخابات وتقوم بالاعداد للانتخابات حسب الدستور الجديد. في المرحلة الثالثة تنتقل السلطة إلى الحكومة المنتخبة التي ستكون ديمقراطية وتنفيذية وتمنح النساء على الاقل 30 في المئة، وتعطي تمثيلا ملائما لجميع الاقليات والطوائف».
إن الاقتراح الذي يشمل 25 صفحة، يقول إنه على طول فترة المفاوضات السورية، يسود وقف اطلاق النار. وبعد اقامة الحكومة الانتقالية يضع الجميع سلاحه بشكل دائم. هذا اقتراح معدل للاقتراح الذي قدم ورفض في السابق، لا سيما بسبب الجدال حول مكان الأسد. الآن وبعد أن وافق ممثلو المعارضة بالسماح للأسد بالبقاء ستة اشهر، يمكن أن يحظى الاقتراح بتأييد أوسع.
وعلى الرغم من ذلك، فان الاقتراح أبعد ما يكون عن التطبيق. ليست جميع جهات المعارضة توافق عليه، والمتمردون في الميدان لم يعطوا رأيهم. ومن قدموا الاقتراح هم اعضاء المعارضة التي قامت برعاية سعودية وليس «رؤساء تحالف جهات المعارضة». ليس فقط بين هذين القطبين يوجد خلاف، بل ايضا بين من يقدم الرعاية. في الوقت الذي تؤيد فيه السعودية طرف، فان تركيا تؤيد الطرف الآخر، ويمكن أن ترفض إيران الاقتراح كونه جاء من جهة مدعومة من السعودية. ولكن حتى لو تبنت جميع اقطاب المعارضة الاقتراح، فليس من الواضح بعد إذا كانت المليشيات التي تعتبر منظمات إرهابية مثل جبهة فتح الشام، التي تحارب داعش، أو المليشيات الكردية التي تحاربها تركيا، ستكون شريكة في المفاوضات.
يكمن هنا ايضا جزء من الخلاف بين واشنطن وموسكو والذي لم يُحل بعد، لا في محادثات جون كيري وسرجيه لافروف، ولا في اللقاء بين بوتين واوباما. أوضح بوتين أنه «ما زال من المبكر الحديث عن اتفاق اطار، لكنه على يقين من أن الاتفاق سيتحقق». الولايات المتحدة لا توضح ما هي النقاط الخلافية الاخرى، لكن حسب محللين عرب، فان مسألة حصار حلب والسيطرة عليها هي جزء أساسي من الخلاف. تسعى روسيا إلى تحقيق انجازات لنظام الأسد في حلب، من اجل خلق نقطة تحول عسكرية تظهر للمتمردين أنه من الافضل لهم الاستسلام. أما الولايات المتحدة فتطلب وقف الهجوم على حلب والتوصل إلى وقف لاطلاق النار، وبعد ذلك فقط مناقشة مسألة حلب كجزء من المفاوضات السياسية. من هنا، فان السيطرة على حلب ليست مسألة تكتيكية فقط، بل يكمن فيها مفتاح الحل السياسي: ستؤثر على مكانة روسيا في المفاوضات السياسية وتحدد قدرة المتمردين على طرح انجاز حقيقي، ميداني، كرافعة لانجازات على طاولة المفاوضات. النتيجة هي أن كل اقتراح للحل السياسي يتحول إلى أسير التطورات في حلب.
تركيا دخلت إلى هذا الخلاف، عندما وضعت حقائق ميدانية جديدة باحتلالها قطاع بطول 90 كم على حدودها مع سوريا. وهي تنوي تعميق سيطرتها في مشارف حلب. تركيا تطلب من جديد اقامة منطقة عازلة في الاراضي السورية للفصل بين القوات التركية وتمكين نقل اللاجئين الموجودين فيها إلى الاراضي السورية. إن التعاطي المرن من قبل سوريا وإيران مع دخول تركيا يشير إلى أنهما تعتقدان بأن الاتفاق سيحتاج إلى نقاش المسألة الكردية بطريقة ترضي تركيا، وأن تركيا لا تنوي البقاء لفترة طويلة في سوريا. ولكن تركيا لا تنوي الانسحاب في الوقت الحالي، ومن اجل ارساء شرعية دخولها فقد أعلن اردوغان أنه على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة لاحتلال مدينة الرقة، عاصمة داعش. وبهذا لن تعود حاجة للاعتماد على القوات الكردية.
إن تركيا التي سجلت حتى الآن نجاحا كبيرا في محاربة قوات داعش في الشمال مع جيش سوريا الحر، أثبتت الفشل في الحرب التي شنتها القوى العظمى ضد هذا التنظيم. وبنظرة إلى الوراء، فان تدخل تركيا يوضح أن الحرب في الميدان من قبل جيش منظم ومسلح جيدا، كان يمكنها كبح داعش في مراحل سيطرته الاولى في عام 2014. ولكن حسابات تركيا قد تتحطم على ضوء تبلور قوات محلية كردية وأبناء طوائف اخرى، التي اقامت هذا الاسبوع منظمة «المقاومة الوطنية السورية»، التي تهدف إلى محاربة القوات التركية حرب استنزاف.
في ظل هذه الخلافات يبرز توافق واحد واضح بين جميع الاطراف: التوصل إلى وقف اطلاق نار قبل عيد الاضحى في 12 ايلول. ويجدر التذكر أن قداسة عيد الاضحى وأعياد اخرى لم تمنع حتى الآن القتل في سوريا.
تسفي برئيل
هآرتس 8/9/2016
القدس العربي