«الحثالات والرعاع» هم من يؤجج الثورة في سوريا!!
رشيد شاهين
كغيري من المهتمين، كنت أتنقل ما بين المحطات الفضائية المختلفة لمتابعة ما يجري في سوريا الشقيقة، فبعد ما يزيد على الشهرين من بدء الثورة هناك، لا زالت وتيرة العنف تتصاعد وجرائم القتل تمارس بشكل يومي، برغم ما قيل عن إلغاء حالة الطوارئ، وعن تغييرات “وهمية” وإصلاحات “مبهمة”، سوف يتم العمل على تطبيقها في اقرب وقت ممكن.
الإصلاحات التي تم الحديث عنها منذ اغتصاب بشار أسد للسلطة في هذا البلد، والتي كثر الحديث عنها بعدما تفجر غضب الشعب السوري نتيجة عقود من الظلم والطغيان، والآن وبعد أسابيع سبعة من بداية الأحداث، ورغم سقوط ما يزيد على ألف من القتلى، واعتقال الآلاف وجرح وتشريد أضعافهم، لم ير العالم من هذه الإصلاحات أي شيء حقيقي على أرض الواقع، حيث ما زالت أجهزة الأمن المتعددة، تمارس أشد أنواع الجرائم ضد المحتجين، الذين من الواضح أنهم غير مسلحين بشيء سوى الإيمان بقضيتهم وتشبثهم في الحصول على الحرية والديمقراطية.
بعد ما يزيد على الشهرين من بدء الأحداث، فشل النظام برغم كل ما جيشه من مطبلين ومدعي وطنية وكتاب ومثقفين للترويج لمقولاته أو “شبيحة سياسة” كما وصفهم احد الأصدقاء، كما فشل النظام و”شبيحته” في إثبات أي من الاتهامات التي يحاول هؤلاء إلصاقها بأبناء الشعب السوري.
ما يثير الاشمئزاز هو عندما يخرج علينا من يتم تقديمه على أنه أستاذ جامعي يحمل درجة الدكتوراه، ويعمل أستاذا في جامعة دمشق أو غيرها، محاولا الاستهتار بعقولنا حين يصف أن هؤلاء الذين يخرجون إلى الشوارع، ليسوا سوى مجموعات من «الحثالات والرعاع وخريجي السجون»!! ويكرر الأمر مرات عدة. وفي الوقت الذي يعترف النظام وسيد النظام، بأن هنالك عنفا، وأن هنالك أوامر بعدم إطلاق النار، ينفي هذا “الدكتور وغيره من الشبيحة” الأمر، ويصرون على أن إطلاق النار لا يتم إلا من قبل الإرهابيين والسلفيين والمتآمرين على سوريا، ويؤكدون بأن لا أحد يقتل في المظاهرات وأن الذين يتم قتلهم هم من رجال الأمن ومن أفراد الجيش. وإذا ما اقروا ذلك، فهم إنما يفعلون ذلك على سبيل التمويه وذر الرماد في العيون ليس أكثر، ويصر هؤلاء ان أعداد القتلى من أفراد الجيش هم اكبر بكثير ممن سقط من المدنيين.
خلال اليومين الماضيين، عرضت القنوات الفضائية صورا للطفل الشهيد حمزة الخطيب، الذي قيل انه اعتقل في جمعة الغضب في سوريا، وبحسب أقوال أحد أقاربه فإن الطفل اعتقل مع العشرات في ذلك اليوم، وإنه تم إحضاره جثة هامدة مشوهة إلى درجة قطع عضوه التناسلي، وقد كانت آثار التعذيب جلية على جسد الطفل الغض. قبل يومين، وعلى فضائية مؤيدة للنظام، أقسم الطبيب الشرعي الذي عاين الجثة أنه تسلمها في مستشفى بدمشق يوم 29- 5- 2011، وأصر مع القسم على أن اسمه حمدي وليس حمزة، وهذا يشير إلى ان الطفل تم قتله مباشرة خلال التحقيق معه بعد اعتقاله، لأنه اعتقل حيا في ذات اليوم وإلا لماذا يتم تسليم الجثة في مشفى دمشقي وليس في درعا؟.
الغريب في الأمر أن الصور التي شاهدها العالم لم تحرك ساكنا على أي مستوى من المستويات السياسية أو غيرها في سوريا “الصمود”، وكأن من قتل وعذب وشوه جسده ليس طفلا سوريا، وكأن الحادث لم يقع أصلا، علما بان صورا مماثلة كانت كفيلة بأن تهز الضمير العالمي، وربما ذكرت صور الطفل حمزة كثيرين في هذا العالم بصور محمد الدرة أو الطفل العراقي الذي شاهدناه خلال الحرب على العراق وهو مبتور اليدين.
التزوير الذي تتم ممارسته من قبل الإعلام السوري ومن يطبل له، أصبح يدعو إلى الشفقة على النظام وعلى من هم وراء هذا الترويج الفج وغير المفهوم للكذب، فمع بداية الانتفاضة تم الترويج من قبل نفس أجهزة الاعلام الرسمي ومن يساندها، أن الشيخ أحمد الصياصنة إمام الجامع العمري في درعا، ليس سوى أحد السلفيين، وأنه كان في طريقه إلى الإعلان عن إمارة سلفية في المدينة، وتم تصوير الرجل على أنه كان من ضمن مجموعات إرهابية تستهدف البلاد والعباد.
الجميع يعلم أن مثل هذه التهمة، لا بل ما هو أقل منها بكثير سوف تودي بصاحبها إلى التهلكة لا محالة،- وإلا فما معنى أن يقتل الطفل حمزة بالطريقة البشعة التي قتل بها-؟.
قبل أيام قليلة، وتحديدا مساء الخميس 26- 5، أجرى التلفزيون السوري حوارا مع من قال إنه الشيخ الصياصنة، وقيل إن الرجل قام بتسليم نفسه للاستفادة من مهلة العفو التي منحها النظام “للخارجين على القانون”، وقد قال الشيخ بأنه أدرك أن هنالك مؤامرة على البلد.. الخ، مما يمكن أن يقوله رجل اضطر لتسليم نفسه ووافق على الخروج على شاشة التلفزة السورية.
قصة الشيخ الصياصنة، كانت قد أثيرت على صفحات داعمة للثورة السورية، وتم التحذير قبل حوالي أسبوع من مثل هذا السيناريو فيما يتعلق بالشيخ.
ما لم يقله الشيخ في تلك المقابلة، هو انه قام بتسليم نفسه بعد ان تم اعتقال اثنين من أقربائه وتهديد حياتهما ان هو لم يفعل، كما انه لم يقل ان ابنه أسامة كان قد تم قتله على أيدي العصابات الأمنية السورية لرفضه الإفصاح عن مكان وجود الوالد.
وفي ذات السياق فلقد شاهد العالم العديد من الصور التي توثق قتل المتظاهرين او الجرحى بالهراوات على أيدي جلادي النظام، في الوقت الذي يتسابق مرتزقة نظام بشار أسد إلى نكران ذلك، والدفاع عن هذه الممارسات،التي تنم عن عقلية إجرامية سادية امتهنت القتل وسيلة لإسكات كل صوت معارض.
ان ما تقوم به الأجهزة الأمنية السورية من ممارسات قمعية ليس دليل قوة بقدر ما هي دليل ضعف وإفلاس، حيث لم يعد بإمكان هذه الأجهزة ان تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، خاصة في ظل تنامي موجات التحدي من قبل أبناء الشعب السوري، الذي من الواضح انه مصر على الاستمرار في انتفاضته حتى تحقيق أهدافه في الحرية والديمقراطية، علما بأن ذلك لا يتنافى أبدا مع ما يدعيه النظام من مقولات ثبت بطلانها حول الممانعة والتصدي والمقاومة.
إن حصول أبناء الشعب السوري على الحرية والديمقراطية، لا يتناقض أبدا مع رغبتهم في تعضيد مساندة الدور السوري في المواجهة والتحدي، وان من يقف مع الثورة في سوريا لا يلغي وطنية هؤلاء بحجة المؤامرة على هذا البلد، فلقد قيل الكثير عن ثورة مصر وتونس، كما أن هذا لا يعني بحال من الأحوال استدعاء الأجنبي إلى التدخيل في الشأن السوري.
أن يركب موجة الثورة في سوريا المرتزقة أو الفاسدون من أمثال بعض رموز النظام- الذي لا بد أن يجلب مخفورا ومكبل اليدين إلى محاكم الثورة فيما بعد على ما ارتكبه من جرائم-، فهذا ليس ذنب الثورة ولا الثوار، كما أن قيام الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب الاستعماري بذلك، أيضا ليس ذنب المنتفضين.
إن ما يستدعي التدخل الأجنبي، ويعطي المبررات لهذا وأمثاله لركوب الموجة، هو هذا الاستمرار في الإيغال بالدم السوري، وهذا النكران لحق أبناء سوريا في العيش بحرية وكرامة، وعليه فإن هذه النغمة في التخويف والتخوين ممن يطبلون للنظام وتبرير ممارساته القمعية يجب التوقف عنها، وعلى مدعي القومية والوطنية أن يتقوا الله في دم أبناء سوريا الأحرار، الذين جل همهم هو التخلص من نظام قمعي جثم على صدر هذا البلد لعقود أربعة، مورست خلالها كل أنواع الموبقات والبطش والفساد والإفساد، والآن وعندما طلب منه إعطاء الناس فرصة للتنفس وبعض نسمات الحرية، فانه يقوم بكل هذا القتل والفتك بأبناء من يقول إنهم أبناء الشعب، وها هو النظام الذي يريد الإصلاح يمارس القتل لكل من طالب بصدق، بالحرية لسوريا ولشعبها.
والسؤال، هو كيف يمكن الوثوق بنظام ظلت دباباته مخبأة في المخازن ولم تظهر إلا مع أول حركة للجماهير، علما بأن إسرائيل لم تتوقف عن استفزازه وهدر كرامته في أكثر من مناسبة ولا زالت تدوس على ذات الكرامة “إن وجدت” من خلال احتلالها للجولان؟!.