«بشار للعيادة وماهر للقيادة»!
عبد الرحمن الراشد
«لقد مر علينا أسوأ ثمانية أشهر في تاريخ سوريا الحديث؛ حيث فقد فيها بعض السوريين رشدهم وشارفوا على ارتكاب أسوأ آثامهم، ومع ذلك ما زال هذا الوطن واقفا على ساقيه بقوة شرفائه وتماسك جيشه، وليس بحنكة حكومته وحصافة قيادته.. لم نعد نرضى بما تقدمه لنا السلطات السورية؛ فالوطن يهرب من بين أيدينا ولن ننتظر أن نرى جلد الثور الأسود منشورا كي نبادر إلى الدفاع عن أرواحنا التي كلفنا الخالق بحمايتها قبل أن يكلف بها حكومتنا».
أول ما يتبادر لكم أن القائل هو إما برهان غليون وإما هيثم المالح وإما أي من رموز المعارضة السورية. الحقيقة أن كاتبه أحد رجال النظام ومن أكثرهم غلوا في الدفاع عنه، كتبه نبيل صالح في أحد المواقع السورية. أما لماذا يهاجم الحكومة؟ فلأنه يعتبر الرئيس السوري بشار الأسد متخاذلا، ولم يرتكب ما يكفي من الجرائم في سبيل حماية النظام. فقد عنون مقاله بصرخة استغاثة: «يا حافظ الأسد»، واختتمه بإعلان خلعه لبشار قائلا: «وللحق أقول لكم: إنه بدءا من الآن وحتى نهاية الأزمة، أو نهايتي قبل انتهائها، أعتبر أن رئيسي حافظ الأسد، وافهموها كما تشاءون».
لقد فهمنا ما يقول؛ حيث أعلن هذا الرجل عن خلعه بشار. وفهمنا ما هو أعظم من ذلك؛ بشار خسر الطرفين، بل خسر كل الناس وخسر كل شيء. المعارضة تعتبره مجرما قاسيا مسؤولا عن قتل آلاف الأبرياء وإصابة وسجن مئات الآلاف الآخرين، ومؤيدوه يعتبرونه قائدا متراخيا فشل في إجهاض الثورة وأن عليه التنحي. من داخل النظام السوري يقولونها علانية اليوم، يحرضون على خلعه؛ لأنه لم يرتكب ما يكفي من الجرائم، مرددين: «بشار للعيادة وماهر للقيادة»! يطالبونه بالتنحي والذهاب لعيادته، وتنصيب أخيه ماهر، صاحب السمعة الأسوأ، قائد الفرقة الرابعة، الذي ظهر في مقاطع فيديو وهو يشرف على قتل المتظاهرين، كما يقال.
إذا كنا نعتقد أن بشار باطش وأعمى البصيرة، كما أصاب العمى حاكم ليبيا المخلوع معمر القذافي، فإننا نكتشف الآن أن هناك من هم أكثر تطرفا، وربما هم الذين يدفعونه للهاوية بسرعة أكبر.
على بشار أن يتنحى، وألا يتوقع من المجتمع الدولي أن يتفهم وضعه؛ فقد خسر المعركة وخسر المؤيدين أيضا. هناك من يجلس على يمينه، من أقاربه والمحسوبين عليه، ينتقدونه لأنه متهاون مع الاحتجاجات والمعارضين، ويتهمونه بأنه تنازل عن الكثير إرضاء لهم، وعلى يساره من ينتقدونه لأنه يتعامل بقسوة مع المعارضة ويتهمونه بأنه لم يتنازل بما فيه الكفاية. العالم يرى أن مصير بشار اقترب من نهايته لأنه فشل على الضفتين. لم يرض مصاصي الدماء من جماعته، ولم يرض الشعب الذي طالبه بالإصلاحات. ولو بقيت من نصيحة تنفعه فإنها أن يتراجع ويعلن الحرب على مؤيديه من الرافضين للإصلاح ويتنازل في إطار مصالحة يسلم فيها الحكم لمن يختاره الشعب السوري. هذه هي النهاية العقلانية لهذا الوضع المجنون.
الشرق الأوسط