«والله.. ما في شي»
ناصر الظاهري
هل يمكن أن يختصر الإعلام الجاهل والغائب عما يجري في بلد كسوريا من أحداث يومية، ومظاهرات شعبية تعم مدنها، ويخرج ليقول للناس دون خجل: “والله ما شفنا شي.. والله ما في شي”، ولكن إعلاماً مثل هذا لا يمكن أن يظهر غير نواب لـ”الشعب” شعراء ومتشاعرين وشويعرين وناظمين مدرسيين سذج لأبيات مهلهلة تدعم وتساند وتعاضد وتتمسك بالرئيس، فكاد أن ينقلب مجلس الشعب إلى سوق عكاظ، حتى ظهر كبيرهم الذي علمهم السحر والشعر، وقال مخاطباً الرئيس بشار: “والله أن العالم العربي صغير عليك لتحكمه، لازم أن تحكم العالم”، لقد كان حرياً بالرئيس بشار كقيادة شابة وإصلاحية كما يشاع عنه، وفي هذا الوقت العصيب الذي يعرفه كل العالم أن يطرد ذلك الأفاق من المكان، ثم يمنعه من أن ينوب عن الشعب ويمثله.
مثل هؤلاء النواب عند تحدثهم إلى الإعلام سيعملون على زيادة تقوقع البلاد وانعزاليته، فمئات الألوف من المتظاهرين وفي المدن السورية المختلفة يمكن أن يقول عنهم إنهم جموع من الشعب ذاهبة تحيي القائد الراحل في ضريحه أو يمكن أن يكونوا من فرط نشاطهم مبكرين للعمل في المشاغل الوطنية والحقول الوطنية التي تخدم الثورة وتوجهاتها القومية، وأن الجرحى من المتظاهرين ومشاهد الدم على ثيابهم، ما هي إلا حلقة من حلقات تمثيل مسلسل بيت الحارة أو البيت الدمشقي، استعداداً لرمضان الذي على الأبواب، والدليل الزجاج المليء بمعجون الطماطم الذي وجد في أيادي بعض ممثلي الكومبارس، وأن عشرات الآلاف من المحتشدين بلافتاتهم التي تطالب بالحرية والكرامة وأشياء كبيرة، ما هم إلا حفنة وقلة وشرذمة من المخربين المندسين الذين لا يعدون من الشعب العربي الأبي.
يمكنه أن يقول عن وجود هواتف نقالة في أيدي بعض من مثيري الشغب تحمل شرائح غير سورية، ما هي إلا دليل على الصلات مع جهات أجنبية، مما يعني تخابرهم واتصالهم بجهات خارجية لا تريد للوطن العافية ولا لسوريا التقدم، يمكنه أن يقول عن شهداء الجمعة “الحزينة” الذين بلغوا 113 شهيداً، ومدرجة أسماؤهم في لوائح ما هم إلا نعوش مغتربين سوريين قضوا نحبهم في زلزال اليابان الأخير أو هم ممن ساقهم حتفهم للوقوع بين أرجل الجماهير الشعبية المندفعة لتحية العلم أو هم من ضحايا الإمبريالية المندسة والصهيونية البغيضة التي تعمل في الخفاء، يمكن أن يظهر خبير “رسمي” ووسيط “موظف بصوت عال” واستراتيجي “غير هام” ومحلل “بائع كلام” ليحلل لمشاهدي الفضائيات عن ما يجري في سوريا فلا نفهم من كلامه ذي البعد النفقي، والأفق الاتساعي، والارتفاع العامودي الشاقولي، ناصحاً من يريد معرفة ما يجري أن ينظر للأحداث بعينين اثنتين!!