آخر اليأس
عناية جابر
مع العنف المتنامي، يغدو العالم كما هو أصلاً، عالماً بدائياً يحكمه القتل وشريعة الغاب، عالماً يلعب فيه الخوف الدور الأهم. الأجواء مفعمة بالتوتر، ولا وجود لما يمكن التنبؤ به للغد. وقد خلقت نواة المجتمعات البدائية الطليقة هذه شهوات حادة، انفعالات حادّة، وفضولاً عصبياً حاداً.
ليس ثمة ما يؤخذ تسليماً، فكل يوم يتطلب اختباراً جديداً للطاقة البشرية، حسّاً جديداً بالقوة أو بالفشل… وهكذا حتى نختنق بأنفاسنا اللاهثة.
كان لدينا إحساس حقيقي بالحياة، كنّا أبرياء، وأقصد هنا، الذين حالفهم الحظ منّا ولم تُفسدهم شهوة القتل، الأحرار في اكتشاف الأشياء بأّم عين كل منهم.
ثمة في البراءة الماضية شيء أحاول اليوم سبر غوره، شيء لذيذ بغموض، مُرعب ومُحرّر، شيء مقرون بالولادة الأولى. أفكرّ في شريحة أخرى من الناس، تذهلني قدراتهم على العنف، يتنفسونه أمام وجوهنا فنغرق بكثير من خيبة الأمل، مقدار دنوّ انتهاء العالم.
في هذه الآونة العربية الملتهبة بالعنف، كل شيء ملوّث بالدم، واضح انه لا خلاص من هذا المصير، والمدن العربية هي أرفع شكل للجنون، وكل شارع مهما صغر وتفرّع منها، هو تعبير عن هذا الجنون نفسهُ.
أن تتمشى بلا معنى وبلا خصب خلال التلألؤ البرّاق للدم، أن تفكر بصوت عال وأنت في عزلة تامة على شفا الجنون، أن تكون في آخر لحظة من لحظات الكون ولا تشعر بأنك جزء منه، يعني أن تصبح شيئاً من الحجر الميت، من الخرافة المرعبة، من الحركة غير المفهومة، من الأشياء المهملة التي لا توزن ولا تحصى من الكمال السرّي لكل ما هو غير موجود، وتحت الصفر. أن تمشي وروحك تكابد، يأس يتسرّب حتى أخمص قدميك، لتكون وحيداً حتى آخر اليأس، في رقصة حياة باردة كالثلج، داخل تجويف من خيبات الأمل.
بين هذه اللحظات المجرمة، في شقوق الحلم، تحاول أن تستردّ شيئاً من براءتك، لكن منطق الحرب لا يفيد كدعامة لهذه البراءة، وباعتبارك فرداً، باعتبارك من لحم ودم، تجاهد كل يوم كي ترفع حياتك الفردية الخاصة، بمقدار جزء صغير فوق بحر الموت السحيق هذا، ويجب أن يكون لك من الإيمان ما يفوق إيمان المسيح، وحكمة أعمق من حكمة أعظم الأنبياء.
السفير