آصف بيات.. ثورات المفاجأة والميادين المضادة/ معاد بادري
يبدو مشروع آصف بيات، أستاذ علم الاجتماع في “جامعة إلنوي” الأميركية، كأنه يدور في فلك أطروحة مركزية واحدة، تتشعّب وتتطوّر ويضاف ويعدّل عليها، مع مرور الوقت ومع كل مؤلَّف جديد لـالأكاديمي الإيراني المقيم في الولايات المتحدة.
إذ إنه ومنذ أن ظهرت بوادر اهتمامه وتركيزه على الحركات الاحتجاجية، والحركيّة والحزبيّة السياسية (الإسلامية منها على وجه الخصوص) في المنطقة العربية وجوراها الإقليمي، ظلّ وفيّاً لها سواء في كتاباته أو مداخلاته ومحاضراته.
فكتابه “ثورة من دون ثوريين: فهم الربيع العربي”، الصادر حديثاً بالإنكليزية عن “منشورات جامعة ستانفورد”، يعتبر جزءاً تفسيرياً جديداً ضمن قائمة إصداراته، خصوصاً في كتابيه: “الحياة سياسة: كيف يغيّر بسطاء الناس الشرق الأوسط” (2009)، و”ما بعد الإسلاموية: الأوجه المتغيّرة للإسلام السياسي” (2013).
ومن المرجّح أن تفكيره في هذا الكتاب يعود إلى أربع سنوات سابقة، حينما نشر مقالته المطوّلة في آذار/ مارس 2013، بعنوان “ثورة في أزمنة سيئة”، في “مجلة اليسار الجديد” New Left Review. إذ إننا سنجد فكرة هذا المقال موسّعة ومفصّلة في الكتاب الجديد، كما أن فصله الأول يحمل عنواناً مقارباً للمقال السابق “ثورات الزمن الخطأ”.
يدور الكتاب حول فكرة أساسية تقول إن “الثورات تقع هكذا ببساطة”، دون أن يعي الناس قبل اللحظة الثورية أن ما يقدمون عليه هو فعل ثوري، بل حتى قد لا يملكون أدنى فكرة عن أنهم مقدمون على شيء. غير أنه وفي المقابل، وجود فكرة واضحة عن الثورة من عدمها هو الذي يحدد بشكل حرج مسار الثورة والنتائج التي قد تترتب عنها. وهو من أجل ذلك يعود بمقاربة مقارنة إلى نماذج تاريخية سابقة.
في هذا الصدد، يقول بيات في المقدمة: “هذا الكتاب هو عن ثورة دون أفكار ثورية، إنها ثورات حُكمت بشروط عصرنا النيوليبرالي. سأركز فيه على ثورات الربيع العربي، وهي للمفارقة الساخرة، ثورات أتت في لحظة كانت قد تبخرت فيها فكرة الثورة نفسها”.
وهذا الاستهلال ضروري ربما، إذ إنه يزيح ومنذ البداية، فكرة أن هذه الثورات كانت هكذا، وآلت إلى ما آلت إليه، بسبب خصوصية عربية ما، أو لأن الأحزاب والحركات السياسية العربية فقدت بوصلتها الثورية دوناً عن مثيلاتها في العالم. إنه ينزع عن الحالة العربية استثنائيتها، ويضعها في سياق أوسع، في حالة نيوليبرالية أعم تشمل الكل، قولبت واستطاعت استيعاب كل الأفكار الثورية، والأحزاب والحركات اليسارية، وإخمادها بشكل مثير للانتباه.
هذه الفكرة الرئيسية (ثورات عربية في غياب فكر ثوري)، يؤمثل لها بيات ويفصّلها على امتداد أحد عشر فصلاً جاءت عناوينها كالتالي: “ثورات الزمن الخطأ”، و”ماركس في الثورة الإسلامية”، و”الثورة في اليوميّ”، و”ليست ثيولوجيا تحرير”، و”مدن المعارضة”، و”الميدان والميدان المضاد”، و”ربيع المفاجأة”، و”نصف ثورة، لا ثورة”، و”بواعث الاجتماعيّ الجذرية”، و”سكرات الانتقال”، ثم أخيراً “الثورة والأمل”.
العربي الجديد