آلان غريش: الصراع الطائفي يُنهي العراق وسورية
حاورته إيمان عبد المنعم
يرى المفكر والكاتب الفرنسي، آلان غريش، أن هناك محاولة لصياغة شرق أوسط جديد، تتوقف ملامحه النهائية على إرادة شعوب “الربيع العربي”، والذي يعتبره غريش، نكسة لسياسات الإدارة الأميركية والغرب في الشرق الأوسط.
ويشدد رئيس تحرير النسخة العربية من مجلة “لوموند ديبلوماتيك” الفرنسية، في حواره مع “العربي الجديد”، على أن الانقلاب الذي وقع في مصر سيفشل، لأنه لا يملك مشروعاً، ويستمد بقاءه من دعاوى “الحرب على الإرهاب”. غير أن غريش يدعو، في الوقت نفسه، جماعة “الأخوان المسلمين”، إلى التخلي عن مطلب عودة الرئيس المعزول، محمد مرسي، والنظر إلى المستقبل.
وعلى عكس الشائع الذي يرى أن مصر محكومة اليوم من قبل العسكر، يعتبر غريش أن “دولة الاستخبارات” هي من يحكم مصر.
ويرى غريش في ضعف الإقبال على الانتخابات المصرية، دليلاً على رفض الشعب للنظام الجديد، وهو ما يفسر، بحسب غريش، إحراج المجتمع الدولي من الاعتراف بالنظام الجديد.
في الوقت ذاته، ذهب غريش إلى اعتبار أن إخفاق “الربيع العربي” صب في مصلحة الرئيس السوري، بشار الأسد، وطالب الثوار بإعادة صياغة مشروع جديد.
* هل تعتقد أنه ما زال هناك مستقبل لـ”الربيع العربي” في ظل الإخفاقات التي يشهدها؟
هناك إعادة رسم للخريطة الداخلية لكل بلدان الشرق الأوسط بفعل “الربيع العربي”، وهذا له تأثير على العلاقات بين الدول، وكذلك الحدود الجغرافية. هذا التغيير، الذي بدأ أواخر 2010، أدى إلى موجة من التظاهرات في غالبية البلدان العربية، وأظهر أن هناك مشاكل داخلية في تلك البلدان تتعلق بهيمنة الدولة على المواطنين، وتنامي دولة الاستخبارات، وافتقاد المواطن للاستقلالية. وكانت هناك أوهام بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، في مصر، وزين العابدين بن علي، في تونس، حول أن التغيير سيكون سهلاً، وخصوصاً أن الانتفاضات نجحت في إسقاط هاتين الديكتاتوريتين، في غضون أسابيع. لكن المشكلة أن هذه الأنظمة، بلا استثناء، قديمة ومتوارثة، وتتمتع بدولة عميقة متجذرة، لذلك فإن تغييرها مسألة صعبة، ويحتاج لوقت طويل، والملامح النهائية لهذا التغيير، وصناعة الشرق الجديد، يتوقف على إرادة الشعوب.
* كيف تنظر إلى مستقبل الحراك الشعبي الذي تشهده المنطقة؟
– التغيير في يد الشعوب التي تريد حياة مختلفة على صعيد الحرية والكرامة، والصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن أن يحدث تغيير في البنية الحياتية والحريات، من دون تغيير على تلك الصعد. لا يزال هناك أمل في “الربيع العربي”. فمن كان يصدق أن الشعبين، المصري والتونسي، سيتخلصان من حكامهما؟
لكن لا بد من إدراك أن الثورة تعني تغييراً كاملاً على كافة مؤسسات الدولة، وهذا لم يحدث حتى الآن، وأتوقع أن يكون مسار التغيير طويلاً كما حدث في الثورة الفرنسية، التي لزمها 100 عام حتى بات هناك دولة متكاملة.
* ذهب بعض المحللين إلى اعتبار أن تدهور مسار “الربيع العربي” دليل على أنه مؤامرة من الغرب.
– هذا غير صحيح. الإدارة الأميركية والحكومة الفرنسية أيدتا الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، حتى آخر لحظة، كما ساندتا الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حتى الأنفاس الأخيرة. وما حدث في الشرق الأوسط من تغيرات، بفضل “الربيع العربي”، شكّل نكسة للسياسات الأميركية والفرنسية، وللغرب عموماً.
لا ننكر أن هناك تدخلاً من الغرب في شؤون الدول التي تعيش “الربيع العربي”، ولكن القوى الأساسية للثورة المضادة تتمثل في السعودية والإمارات، إلى جانب وجود قوى داخلية في كل بلد، لذلك فالتغيير الحقيقي، والقدرة على إحداثه، بيد الشعوب.
* هل ما زالت الشعوب قادرة على إحداث هذا التغيير؟
– تختلف الأوضاع من بلد لآخر. فما يحدث في سورية يجعل من التغيير صعباً، في ظل تفكك الدولة، وسقوط مئات الآلاف من القتلى. ولكن ما حدث في مصر مع سقوط الرئيس المنتخب، كان خطوة للوراء كبيرة وانتكاسة للديمقراطية. إلا أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية المصرية، تشير إلى عدم قبول الشعب لهذا النظام المنقلب على الرئيس المنتخب. وهذا لا يعني أن القطاع الكبير الرافض للنظام الجديد مؤيد لـ”الأخوان المسلمين”، ولكن الحقيقة أن الشعب أدرك، على مدار الشهور التسعة الماضية، أن تلك الحكومات ديكتاتورية، وهي امتداد لنظام مبارك، وهذا ليس مقبولاً عند قطاع كبير من الشعب، خصوصاً الشباب.
* كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى هذا الامتناع عن التصويت؟
– الإعلام والمؤسسات المصرية جميعها، تقوم بدعاية وتسويق للنظام الجديد، بشكل أسوأ من الدعاية في عهد مبارك. ورغم ذلك، فشل هذا الإعلام في حشد الجماهير، وهذا يعني أن الامتناع منح أملاً لشباب الثورة، بعد حالة الانكسار والاكتئاب التي عاشوها خلال الفترة الماضية، كما وضع العديد من البلدان في حالة حرج.
النظام المصري الجديد هش، لا يملك برنامجاً سياسياً أو اقتصادياً، وقد تلقى أول ضربة قاسمة بعزوف الشعب عن انتخابه، لذلك سيحاول البقاء من خلال الحديث عن الحرب على الإرهاب، ومواجهة “الأخوان”.
تحدثت من قبل عن خطأ التيارات الإسلامية في تصدر المشهد السياسي. هل ترى أن عليها العودة لمواقع المعارضة مجدداً؟
أحد تحديات الانتفاضات العربية، هي موقع الإسلام السياسي، ولا يمكن أن تقام ديمقراطية في العالم العربي من دون الإسلام السياسي، إلى جانب التيارات الأخرى، بمعنى أن يكون شريكاً في الحكم.
في الوقت ذاته، على “الأخوان المسلمين” أن يعيدوا التفكير في سياستهم، وموقعهم في المجتمع والخريطة السياسية، والعمل على احترام تعددية مجتمعاتهم. هناك تيارات إسلامية ويسارية وعلمانية، وهناك مسلمون ومسيحيون، ولا بد أن يكون هناك مساواة.
فكر “الأخوان” كان أكثر انفتاحاً وقبولاً بالتعددية، في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ولكن بعد التعذيب الذي تعرضت له قيادات الجماعة، في فترة الستينيات، وفي السنوات الماضية، فتح “الأخوان” حوارات داخلية حول الديمقراطية والتعددية والمواطنة، وعليهم استكمال هذا المسار.
* كيف يمكن ذلك في ظل محاولات الإقصاء الكامل التي يتعرض لها “الأخوان”؟
– الحقيقة أن الانقلاب على الرئيس محمد مرسي كان سيئاً، وضد القانون. لكن “الأخوان”
يتحملون بعض المسؤولية في ذلك، لعدم تحالفهم مع القوى الثورية والشبابية، وعليهم، الآن، العمل على فصل الدعوة عن السياسة، وإتاحة المجال للشباب، وهذه مشكلة كبيرة تواجه الجماعة، ولو رأينا الاتجاهات الحالية في تركيا وتونس والمغرب، سنجدها جميعاً نجحت في الفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي، ونحن ندرك أنه من الصعب أن يكون هناك حوارات ومراجعة في صفوف “الأخوان” الآن، ولكن لا بد منها.
في الوقت ذاته، لا يمكن إقصاء “الأخوان”، ولا يمكن أن يكون هناك نظام سياسي في مصر من دون أن يكونوا جزءاً من معادلته.
* ولكن، هل يعني ذلك التخلي عن مطلب عودة الرئيس مرسي؟
– إسقاط مطلب عودة مرسي أصبح ضرورة. لا توجد أي إمكانية لذلك، على الرغم من وصف ما حدث في مصر بالانقلاب. على القوى السياسية، بما فيها “الأخوان”، أن تفكر بالمستقبل، والخروج من الحكم الآني. قوة “الأخوان” في المجتمع المصري كانت 25 في المئة، ولكن بعد عام من حكم مرسي، كان هناك رفض لهم في المجتمع، وهذا يعني ضرورة العمل على نيل ثقة المجتمع والقوى السياسية الأخرى، وخصوصاً أن هناك عزوفاً سياسياً عن التحالف مع “الأخوان” حالياً.
* هل ترى أن مبادرات بروكسل والقاهرة، هي مقدمة لتحالف ثوري جديد؟
هذا صعب، ولكن لا بد من بناء اتفاق تدريجي كي يزيل حالة عدم الثقة المتبادلة بين القوى السياسية المصرية. ويتعين أن تكون هناك أهداف مشتركة صغيرة تجمع الشباب، كمقدمة لبناء برنامج وطني جامع.
* هل تتفق مع القول إن الرئيس بشار الأسد أكثر من استفاد من إخفاقات “الربيع العربي”؟
– ليس وحده، بل هناك الكثير من الحكام في الخليج يستفيدون مما يحدث في سورية. هم يروجون، الآن، لخطاب إعلامي يقول للشعوب لو أردتم التغيير فالمصير سيكون كسورية. وما يزيد الأمر تعقيداً غياب الموقف الموحد للبلدان العربية حول سورية، كما أن غياب مصر يؤدي دوره في امتداد الثورة السورية زمنياً.
* هل تعتقد أن ثوار سورية مطالبون بالتنازل الآن؟
– الجميع في مأزق. ولكن بات من الصعب اليوم أن يكون الهدف إسقاط النظام. وعلى “الائتلاف السوري” المعارض البحث عن صياغة مشروع مختلف، وأن تكون البداية إخراج كافة المقاتلين الأجانب من سورية.
* كيف ترى قرارات بريطانيا الأخيرة تجاه “الإخوان”؟
واضح أن موقف الحكومة البريطانية كان نتيجة ضغط من السعودية والإمارات. ولكن من الصعب اتخاذ مواقف ضد “الأخوان”، لعدم ثبوت استخدامهم للعنف بشكل كبير. ولكن يوجد في الدول الأوروبية نقاش حول وضع مصر. هناك اتجاه يرى أنه لا بد من طي صفحة الماضي والتعامل مع النظام الجديد. وهناك من يرى أن هناك اعتقالات وتعذيباً وانقلاباً عسكرياً لا يمكن التعامل معه.
*كيف ترى مستقبل إيران في المنطقة؟
المشكلة أن الصراع بين ايران والسعودية تحوّل من منافسة بين دول، إلى صراع طائفي بين السنة والشيعة، وهذا خطر كبير جداً على المنطقة، ومن الممكن أن يؤدي لانتهاء دول مثل العراق أو سورية، وأرى أنه من المستحيل أن يكون هناك تحالف استراتيجي بين أميركا وإيران، لكن سيكون هناك تفاهمات بينهما مع الرياض.
العربي الجديد