صفحات العالم

آلة التعذيب في سوريا


المصدر: الغارديان, 13 ديسمبر 2011, جوناثان ميلر

خاص صفحة أحفاد الكواكبي

ترجمة الحفيد Mazen Sand

تقارير مراسل القناة الرابعة للشؤون الخارجيّة من سوريّا على مجموعة الأدلة المتزايدة على أن الدولة منخرطة في أعمال وحشيّة على نطاق واسع ضد مواطنيها .

من بين رشقات الطلقات النارية لأسلحة رشّاشة وأصوات الإنفجارات المدويّة, السماء المرصعة بالنجوم فوق الحدود السوريّة لتقدم إلهاءً أثيريّا. إنّها الثالثة صباحا وبلدة تل كلخ, أقل من ميلين نحو الشمال-فقط داخل الجمهورية العربية السورية- تحت هجوم متواصل والتي سكانها يرفضون تسليم مجمموعة صغيرة من المنشقين الذين يتحصنون هناك, محاولين الهرب ل”لبنان” للإنضمام للمتمردين.

كل ماحولهم جبال التي من خلالها تحاربت الجيوش القديمة منذ آلاف السنين, وأدناه, في تل كلخ المحاصرة, كمركز غربي في محافظة حمص المضطربة, الجيش السوري مرة أخرى يتعامل بقسوّة, قاتلا شعبه. تل كلخ شعرت بكامل قوّة القمع العنيف عدّة مرات منذ اندلاع الثورة السوريّة في شهر مارس. يوما ما, ستظهر تل كلخ بدون شك في قائمة الشرف الثوريّة. إلى الآن, هذه البلدة التي تعدادها 80000 ألف نسمة لم يخصص ذكرها حتّى في دليلي الإرشادي(السياحي).

نحن لا نقتل شعبنا” كما قال الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي في مقابلة مع قناة أميركيّة. “ليس هنالك حكومة تقتل شعبها إلا إذا كان من يقودها شخص مجنون”, هؤلاء الذين يجرؤون على معارضة الأسد لا يعتقدون أن رئيسهم مجنونا, مخبول, ربما. ولكنهم اليوم يرون مباشرة من خلاله. إنهم تعبون من الأكاذيب. لقد رأوا الكثير.

بين أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر, كنت واحد من اثنين فقط ممن منحوا تأشيرة كصحفي رسمي لهذه الدولة البوليسية القمعيّة. قضيت تسعة أيام في دمشق, عاصمة جمهورية الخوف الأسدية, كضيف للحكومة. هنالك, وجدت نظام متحدٍ غير آبه, قوي وحازم وغير نادم. في وقت سابق من هذا الربيع العربي, أمضيت ستة أسابيع في ليبيا. هنالك أصداء ومحاكاة للقذافي في عبادة شخصية الأسد, ولكن أجهزة سوريا السياسيّة والأمنيّة أسوء وأكبر من أي شئ يمكن للقذافي أن يحشده. لا أقصد التقليل من معاناة الليبيين, ولكن سوريا أربع أضعاف سكان ليبيا والمخاطر أكبر بعشرة أضعاف.

على مدار تلك الأيام التسعة, قابلت ثلاث مسؤولين حكوميين, جنرال في الجيش ورئيس بلديّة مدينة متمردّة, لم أسمع شيئا سوى نفي أن قوات الأمن تطلق النار وتقصف وتعذب المدنيين. الحكومة تلقي اللوم على “العصابات المسلحة” وال”الإرهابيين” وتستدعي شبح المتمردين الإسلاميين, تماما كما فعل أتباع القذافي. ومثلهم, يرون مؤامرات مدعومة من الغرب. إنهم يتحدثون عن حرب إعلامية حيث المحطات الفضائية العربية والغربية تبث “أكاذيب” و “فيديوهات مفبركة” .

هل تعتقدون حقا أننا نقبل بالتعذيب؟ سُئلت بشكل مريب من قبل بثينة شعبان-مستشارة الرئيس ومسؤولة بارزة في الحكومة- عندما حاججتها بالإدعاءات الدائمة, وآخرها موثق بشكل مفصّل من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.قالت,”ليس لسوريا أي سياسة للتعذيب على الإطلاق”, “ليس لدينا غوانتانامو أو أبو غريب, هذا أمر غير مقبول على الإطلاق من قبلنا, غير مقبول بتاتا”. وشكا كل مسؤولي الحكومة من الأجندة الخارجيّة ضد سوريا. حيث يتجاهلون التجاوزات الهمجيّة “للعصابات المسلحة”, الذين على ادعائهم, كانوا قد عذبوا وقتلوا وقطعوا أوصال 1400 جنديّا سوريّا.

إن سوريا هي طرف في معاهدة الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب, هذه الإتفاقيّة تعرّف “التعذيب” أنّه أي فعل متعمد يلحق ألم شديد أو معاناة شديدة, جسدي أو عقلي, بهدف الحصول على معلومات أو من أجل اعتراف أو معاقبة لفرد على شئ قام به أو اشتبه أنّه قد قام به.

يقول السيّد نديم الحوري, “إنّه متفشي”, نائب رئيس مراقبة حقوق الإنسان للشرق الأوسط وشمال افريقيا المقيم في بيروت, والذي حصل على شهادة من مئات حالات التعذيب من سوريا,”وفي حال تم اعتقالك, سوف يكون لك معاملة سيئة ومن المرجح أن يتم تعذيبك. نعلم حول 105 حالات من الناس الذين عادوا من عهدة الأجهزة الأمنية كجثث في أكياس إلى ذويهم … وهؤلاء فقط الذين نعرف عنهم” السيد الحوري يقول أنه يملك دليل على أن عشرات الآلاف من السوريين اعتقلوا بصورة تعسفيّة على مدى أشهر.

وأضاف: “ولكننا قد وثقنا أيضا ما يمكن أن أسميه”التعذيب بلامعنى”, إذا كان هنالك أي شئ, إنّهم سيحصلون على كل المعلومات ولكنهم يريدون أن يعلموك درسا. أعتقد أن هذا الدرس”عليك أن تخاف مننا” والشئ اللافت للنظر الذي رأيته أنّه رغم التعذيب, الناس لم تعد خائفة. جدار الخوف قد تم كسره”.

عند القيادة لمسافة قصيرة بالسيارة من الحدود, على طول الطرق الجبليّة, ونقاط التفتيش اللبنانية السابقة حيث جنود ودودن مرتعدون, حيث بيوت سوريّة آمنة. ليس هنالك كهرباء, المكان مليئ باللاجئين, هنالك أطفال ينامون في كل مكان. في غرفة في طابق علوي, بجانب موقد صغير من الخشب, سائق تراكتور ناجٍ من تل كلخ -في الخمسينات من العمر- يجفل بينما تضرب الآلام جسده المحطّم, متمددا على فراش موضوع على الأرض, محيطا نفسه بكومة من الوسادات ويشعل سيجارة. إنّه مرتاح لهربه إلى لبنان ولكنه يتوق للعودة إلى بلده. على الرغم من أنّه لا يستطيع. ساقه اليمنى تنتشر فيها الغنغرينة من تحت الركبة, بالكاد يمكنه الحركة. وحتّى الآن لديه فقط العلاجات الطبيّة الأساسيّة.

قبل شروق شمس صباح أحد الأيام, قال لي, عندما حاصرت القوّات بلدته, تم اطلاق النار عليه مرتين من قبل الشبيحة, المليشيات الموالية للأسد.ولم يستطع الهرب, قد تم جمعه, ضربه, وقيادته على طريق حمص مع كثير من المعتقلين, تعرضوا للضرب على طول الطريق. خلال الأسابيع القليلة المقبلة, جراحه جراء الأطلقة الناريّة تفاقمت, كما يقول, وأثناء تعرضه لتعذيب متطرف اعتبر ماحدث له يترك هؤلاء الذين يستمعون منا مذهولون ويشعرون بالغثيان. خلال الفترة التي قضاها في الإعتقال, قد تم أخذه إلى خمسة فروع مختلفة تابعة للأمن والمخابرات الأسديّة الساديّة.

في ظل خفوت الشموع, قال لي بتفاصيل بشعة عن الضرب انّه قد تلقى بالهروات والكوابل الكهربائية ضربا على باطن قدميه(تقنية تدعى الفلقة). وقد تم تعليقه من ركبتيه, مشلول الحركة داخل اطار مطاطي ملتوي, معلقا من السقف. يداه ورجلاه مقيدتان ومعلقا رأسا على عقب لعدّة ساعات-بساط الريح المخابراتي سئ السمعة-. ثم تم تعليقه من قبل معصميه “تشبيح”, وجلده بالأسياط وتعذيبه بالعصي الكهربائية.

عندما كان لا يتم تعذيبه, كان يتم حشره ضمن زنزانات مع ما يقارب ال80 شخصا, من دون غرفة للنوم أو الجلوس, ادّعى, أنه تم إيقافهم جائعين, عراة, وخائفين في الظلام, وسط قذارتهم, بدون غسيل, تذكّر الرائحة الكريهة وتذكر سماعه لأصوات الآخرين الذين يتردد صداهم خلال الزنزانة القذرة. وعن ماتم رميه لهم من الغذاء المتعفن.

“رأيت ما يقارب المئتي طفلا بعضهم في عمر العاشرة”,وقال.”وكان هنالك رجال كبار السن في الثمانينات, شاهدت واحدا سحبوا أسنانه بواسطة كمّاشة”.في غرف التعذيب السوريّة,العمر ليس له أهمية, على مايبدو. ولكن بالنسبة للمدنيين الذين ثاروا ضد الأسد, كان التعذيب-والوفاة أثناء الإحتجاز- للأطفال بشكل خاص أكثر ما يسبب الإشمئزاز بالنسبة لهم.

تحدث سائق التراكتور عن الإستجوابات الإعتياديّة,وعن اعترافات قسريّة(حول جرائم لم يرتكبها), تحدث عن سكاكين وقطع أصابع الآخرين, عن كمّاشة و عن الحبال والأسلاك و الماء المغلي, الحرق بالسجائر واقتلاع الأظافر, والأسوء من ذلك, المثاقب الكهربائية, وقال كان هنالك اعتداء جنسي, ولكن كان هذا كل ماقاله عن ذلك.

ومن مجرد انتهائه من مكان ما, يتم نقله إلى فرع آخر للمخابرات حيث يبدأ كابوسه مرة أخرى و كل شئ من جديد. وبما أن الضرب يحصل كل يوم, ساقيه وأخمص قدميه أصبحا مسلوخي الجلد وملوثتان. كان ذلك عندما تم اجباره ليسير على الصخور المالحة. قال لي , وبشكل واضح, ووبطء, “عندما تنزف ويأتي الملح على اللحم, إنّ ذلك يؤلم بشكل أكبر, لقد أجبرت على المسير جولة بعد جولة لأشعر بمزيد من الألم”.

أشعل سيجارة أخرى, ثم قال:”على الرغم من معاناتنا من التعذيب, إلا أننا لم نعد نخاف شيئا بعد الآن. ليس هنالك خوف. لقد اعتدنا الخوف من النظام, ولكن لم يعد للخوف مكانا بعد الآن”. إذا كان القصد من التعذيب هو الإرهاب, فإنّ له في الأشهر الأخيرة تأثير معاكس. يبدو أن كل تصرف وحشي قد عزّز من الشعور المتنامي بالغضب والظلم وأثار تمردا واسعا أكثر من اي وقت مضى.

قابلت ناجين آخرين في بيوت آمنة أخرى وكل واحد منهم أيد الآخر. صيدلاني, تم خطفه على يد ميليشيا من المستشفى الذي كان فيها بعد أن أصيب بطلق ناري. تجربته في التعذيب كانت في كل جزء منها سيئة كما في تجربة سائق الجرّار.وصبي في السادسة عشر من عمره, ضرب, وتم صعقه كهربائيا لدرجة اعتقاده أنّه سيموت, ثم هُدّد بالإعدام, يواجه الآن مشاكل في النوم.

رجل آخر, وُضع فيما يسمى “تابوت كهربائي”, الذي يجبر المعتقل على الإستلقاء داخل صندوق خشبي, يتم تمرير من لوحين معدنيين التيّار الكهربائي. رجل في الثالثة والسبعين من عمره تم جلده بلا رحمة, وصعقه بالكهرباء وضُرب بسبب نشاط ابنه المعارض في الخارج, تحدّث عن مئات المعتقلين المرميين في زنزانات وهم عراة ومهانين. وتحدّث لاجئ آخر تم تعذيبه عن جهاز يسمى”الكرسي الألماني”,سمي, على ما يبدو, لأنه كان يستخدم من قبل الستاسي(جهاز المخابرات الألمانية الشرقية). وفيه, يوضع المعتقل بشكل منحني إلى الوراء حتّى يشعر أن عموده الفقري سوف ينكسر.

ما ظهر كان نمطا من الوحشيّة الهمجيّة, يدور باب الإرهاب الذي من خلاله مر آلاف الناس في الأشهر الأخيرة, هذه هي آلة التعذيب في سوريا.

بينما كنّا في سوريا, عشنا في فقاعة, لم نرى شئ من القتل والوحشيّة المتطرفة الذي كان النظام السوري مشهورا بها, كان يتم أخذنا إلى مسيرات حاشدة, حيث الآلاف من المناصرين المسعورين يقبلون صورا لبشّار الأسد أمام كاميراتنا ويردّدون شعارات في تحد لعقوبات جامعة الدول العربيّة.

لمدّة يومين, لم نمنح تصاريح للتصوير-وربما ليس من الصدفة أن أحد هذه الأيام كان يوم الجمعة-, وهو اليوم حيث يضمن اندلاع المئات من المظاهرات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد بعد صلاوات الظهيرة. في أحد الأيام, حينما كنّا نصوّر بشكل قانوني في أحد الشوارع, مرافقنا الحكومي –على الرغم من امتلاكنا وثائق رسميّة مختومة من وزارة الإعلام- اعتقل من قبل عملاء غاضبين للمخابرات. لم نتبيّن لماذا كان هذا الموقع بالذات حسّاسا للغاية. مرافقنا أعيد, ولكنه كان مصدوم بشكل واضح, بعد 15 دقيقة, قال لنا:”لا يمكننا التصوير هنا” “هيّا نذهب” .”

على الرغم من الطلبات اليوميّة, تم رفض وصولنا إلى مدن مثل حمص أو حماة حيث سكانها ينشرون مقاطع فيديو تظهر دبابات تطلق النار بشكل عشوائي على مناطق مدنيّة. عندما تم أخذنا أخيرا إلى درعا, المدينة الجنوبيّة التي كانت مهدا لهذه الإنتفاضة, سافرنا بصحبة أربع مرافقين حكوميين, وعندما حاولنا التحدث إلى أي شخص, نجد أنفسنا محاطين بعناصر المخابرات الذين أوعزوا لمن كنّا نقابلهم أن يقولوا أن كل شئ طبيعي, كان أمرا خانقا للغاية.

على الرغم من هذا, عدد مذهل من السوريين لفتوا انتباهنا بمهارة وبشكل هادئ ليقولوا لنا أنّ كل شئ لم يكن كما بدا, وأنهم يكرهون هذا النظام وأن هنالك الآلاف مثلهم. رجل ما أمسك ذراعي عندما وقفت في وسط مسيرة حاشدة في وسط دمشق, المحاطة تماما بصراخ مناصري النظام. عند النظر من حولي, نظر في عيني وقال ببساطة كلمة “بشار” وأشار بسبابته داخل حنجرته قبل أن يختفي بين حشود الموالاة, لو كان قد تم رصده فمن المرجح أنّه قد وقّع على مذكرة وفاته الخاصة.

طريق يتلوى فوق صخرة قاحلة من جبل قاسيون الذي يطل على دمشق وفي يوم مشمس, من على ارتفاع 1000 متر, هناك مشهد بانورامي رائع في أنحاء العاصمة. من هذه النقطة الممتازة, إذا كنت تعرف ما الذي تبحث عنه, فمن الممكن اختيار مالا يقل عن سبعة مواقع حيث بإمكانك القول مع درجة جيّدة من اليقين أن الناس يتعرضون للتعذيب في كل لحظة, الفكرة تفسد المشهد.

كل واحدة من الأعمدة الأساسيّة للمخابرات-المخابرات العسكريّة, المخابرات الجويّة, الأمن السياسي, ومديرية الأمن العام- لديهم مقراتهم في المدينة, ولكل منها فروعها الفرعيّة, الأمن العام لديه ثلاثة بما فيها فرع فلسطين, ولدى المخابرات العسكريّة عدّة فروع, من بينهم الفرع سيئ السمعة 235, لايبدو أن أحدا يعرف ماالذي يعنيه هذا الرقم, كل من هذه الوكالات هي امبراطورية داخل إمبراطوريّة, مع ماكتب على طول واتساع سورية. منذ بدء الثورة, أماكن الإحتجاز لم تقتصر على مباني المخابرات المعروفة, المخابرات استخدمت ملاعب كرة القدم في العديد من المدن لاعتقال وتعذيب المشتبه بهم. وفي المدن والقرى الأصغر, وساحات السوق التي تفي بالغرض. ويعتقد أن وكالات الإستخبارات الرئيسيّة خاضعة وبشكل مباشر تحت سيطرة الرئيس.

في حين يواجه الأسد عصيانا مسلحا متزايدا من أولئك الذين يشعرون بالقلق من الحياة في عالمه. السلاح الأقوى في أيدي المعارضين هو الهاتف المحمول. اللقطات لأعمال العنف القمعيّة –واللقطات للذين عذبوا وقتلوا من قبل النظام- تم تحميلها وإعادة بثها على ملايين من الجمهور العالمي.

هذه الفيديوهات تعرض مشاهد مؤلمة, في أحدها, أم تبكي على جثة ابنها -27 عاما- الذي تم تسليمه ميتا, وبعد أسبوع من اعتقاله. لديه كدمات وعلامات على كل أنحاء جسده, وهنالك جرح رصاصة. وتنتحب المرأة “الله ينتقم من كل الطغاة” “من كل شخص ظالم, من بشار وأعوانه, يا ربي, انتقم منّو”.

كمثل هذه اللقطات سببت ضررا لا يمكن اصلاحه بنظام الاسد. ولكن وزراء الحكومة الذين تحدثت معهم حول هذه الفيديوهات رفضوها على اعتبار انها مفبركة و مصوّرة في مكان آخر وفي وقت آخر. إذا تم التحقق منها, مثل هذه اللقطات ستقدم أدلة هامة على جرائم النظام الذي أصبح موضع اتهام من قبل لجنة تحقيق حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. الحجم الهائل لهذه المواد-ما يزيد عن 30000 فيديو تم نشرها على الإنترنت من قبل نشطاء المعارضة السوريين- حفزّت القناة الرابعة للبدء بتحقيق وثائقي.

وظّفنا فريق من الخبراء الطب الشرعي لفحص لقطات الفيديو, وإخضاعها لبروتوكول تحقيق صارم. تحققنا بشكل مستقل, عندما يكون ذلك ممكن,من مصادر هذه المواد, باحثين عن خيوط زمنيّة محددة, ثم فحص تفاصيل الموقع والسوريين من هذه الأماكن. حوادث معينة تم فحصها والتأكد منها من مصادر مستقلة. أعضاء سابقين منفيين من قوى الأمن السوري تحققوا من المركبات السوريّة, الأزياء الرسميّة والشارات العسكريّة. عدد متزايد من هذه الفيديوهات تظهر جنود يرتكبون فعليّا التعذيب, يصورون بشكل مفتوح بعضهم بعضا. إنّه أمر مخيف: لا يظهر أن أحد منهم قلقا من أن يتم التعرف عليه.

لقد تم الإستماع بعناية إلى اللهجات. وقد تم فحص تسجيلات الفيديو المحمّلة من أجل الوثوقيّة. سعينا لنصيحة طبيب اختصاصي من مشجعي الحريّة من التعذيب. استخدمنا طبيب في الطب الشرعي, البروفيسور ديريك باوندر, لفحص الأدلة في الفيديوهات لأولئك الذين يدّعون أن أقاربهم قد قتلوا تحت التعذيب.

والنتيجة هي خلاصة وافية بشعة من مواد الفيديو المتحقق منها والتي نعتقد أنها تقدّم دليلا ظاهرا دامغا بارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة.

متحدثا إلي عن هذه المواد, باوندر يقول أن الفيديوهات تظهر”أدلة دامغة على العنف الجسدي الصريح, الخنق, القتل, إطلاق النار والإعتداءات العامة, هنالك نمط واضح للغاية من العنف الجسدي بشكل متطرف”. قال, “إن ذلك يوحي بأن ما كان يحدث كان يحدث على نطاق واسع, وأن ما يحدث كان يحدث بدون خوف من العقاب, ليس هنالك أي عاقبة لهم حتّى لو توفر دليل واضح يدينهم”.

أحد الليالي, عندما كنت أجري مقابلات مع ضحايا التعذيب في لبنان, كان هنالك اضطراب كبيرة. منشق من الجيش السوري, الذين يقودون المقاومة في حي بابا عمرو في حمص-المدينة التي يطلق عليها السوريّون “عاصمة الثورة”- تم حمله إلى منزل آمن من قبل أربعة رجال. لقد أصيب تسعة مرات وبطريقة ما نجا, ولكنه كان في حالة ألم فظيع, لقد تم تهربيه مؤخرا من تل كلخ إلى لبنان.

في الصباح التالي, كان جيّدا بما فيه الكفاية ليتحدث لفترة وجيزة, كان لقائي الأول مع عضو سابق في قوّات الأمن السوريّة. قال لي: أن الإعتقال الجماعي والتعذيب الشديد كانا شائعين. “عندما كان الجيش ينفذ حملة اعتقالات” قال, “إنهم يبدأون تعذيب المعتقل حتّى وصول الأجهزة الامنيّة, حيث يأخذوه إلى فرع الأمن العسكري, الذي يمكن تشبيهه بمسلخ بشري. معظم الناس الذين يتم اقتيادهم إلى هناك يتم إخراجهم قتلى”.

أثناء قيام قائد فصيل في الجيش ويرافقه عدد من الضباط بالبحث من منزل إلى منزل عن رجال مطلوبين في حمص.قال, “عندما لم يجدوا هدفهم, قاموا باغتصاب نساء, وقتل أطفال” وسمّى الضباط المسؤولين والضابط المسؤول عنه, وقال أنّ جميعهم من الطائفة العلويّة,التي ينتمي إليها الرئيس. وعندما لم يفلحوا في العثور على أحد الرجال المطلوبين, ادعى, أنهم قد أخذوا ابنه, قطعوا رأسه وعلقوه في باب بيت الأسرة. تحدّث بطريقة متلعثمة كما لو كان يكافح من أجل ايجاد الكلمات, وعندما قالها, سالت الدموع على وجهه, ولكنه كان مصابا بطريقة سيئة, لذلك لم يستطع مسح الدموع, قال, هذا ما دفعه على الإنشقاق.

قلت له أن الأمم المتحدة قد رفعت تقديراتها ل4000 مدني قد قتلوا منذ شهر مارس.(هذا الأسبوع ازداد الرقم حتّى 5000), نظر إلي بجحود. وقال , الرقم لابد أن يكون أكبر بكثير. بعد أربع عقود من حكم الأسد, رجل واحد يعتبر مسؤولا عن هذا القمع الدموي المتعطش: القائد العام للقوّات المسلحة ورئيس الإستخبارات السوريّة, رئيس الجمهوريّة نفسه. و في سؤالي لنديم الحوري إن كان الأسد حاول إيقاف كل هذا, قال”لا أعرف جوابا لهذا” “ولكني أعرف أنه لم يحاول أبدا ايقاف ذلك” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى