آن أوان التسوية السورية؟
عناية جابر
كانت الحرب الأهلية السورية تتابع مجراها المأساوي الطبيعي الى أن ظهرت فجأة في مطالع هذا الاسبوع جملة من التطورات توحي وكأن شيئا جديداً قد حصل. الجديد بدأ مع تصريحات نسبت الى نائب وزير الخارجية الروسي يشير فيها الى إمكانية انتصار المعارضة على نظام الحكم السوري المدعوم دوليا من مجموعة من الدول على رأسها الجمهورية الروسية. بدا التصريح الذي جرى تكذيبه بدون أن يكذب تماماً وكأنه حجرة رميت في مياه راكدة. فما يجري على الأرض حسب المعلومات المتوافرة لا يشير الى ما يشبه الانهيار للقوى الموالية للنظام على الرغم من الإشاعات التي كانت تملأ الإعلام عن قرب سقوط دمشق بأيدي القوات المعارضة واحتمال استعمال النظام المتهاوي واليائس لأسلحته الكيماوية ضد شعبه.
في غضون ذلك كانت صحيفة بيروتية يومية تعلن عن بعض المقاطع من مقابلة أجرتها مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع يدعو فيها الجميع الى التعقل والبحث عن تسوية تاريخية تنقذ سوريا الوطن. مواقف المسؤول السوري اثارت بدورها لغطا وتساؤلات متعددة لا تنبع فقط من صدورها عن مسؤول سوري رفيع بمستوى الشرع ، ولو كان حالياً خارج إطار المسؤوليات المباشرة، بل من محتوى التصريح كذلك. فالشرع أقر بعدم قدرة أي طرف سوري سواء في المعارضة أم في السلطة على حسم المعركة لصالحه مما يدفع بحسبه الى ضرورة التفتيش عن تسوية سورية-سورية برعاية الدول االمعنيةب عربيا وإقليمياً ودولياً.
ولم تكن تجف حروف المقابلة المهمة هذه حتى أُُعلن عن عودة الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي وطلبه تحديد موعد من قبل الحكومة السورية لكي يزورها حاملا مشروعا جديدا للتسوية على قاعدة ما كانت سوريا قد وافقت عليه في إطار مبادرة جنيف التي تنص على تأليف حكومة موسعة تضم كافة الأطراف بصلاحيات كاملة في ظل رئاسة بشار الاسد. في مقابل ذلك وقبله حتى كانت الولايات المتحدة الامريكية قد طالبت الائتلاف الوطني السوري، وخلال مؤتمر ااصدقاء سورياب الذي انعقد بغياب هيلاري كلينتون المريضة، بفك التحالف مع جبهة النصرة التي وضعتها اميركا على لائحة المنظمات الإرهابية.
تسلسل ما يجري وترابطه لم يمر مرور الكرام. فالتوزيع على ما بدا أوركسترالي عالي التنسيق والإنسجام والحرفية. وإذا صح ذلك فإن كل طرف قد تراجع خطوة صغيرة وعلى لسان مسؤولين غير مسؤولين وفي أعلى المناصب. الجميع قرأ االنوتةب المكتوبة بعناية والجميع حتى الآن تراجع واحتفظ بخطوط التراجع عما تراجع عنه. الشرع قدم تنازلا شبه رسمي سلفة للروسي الذي عاد بدوره فسلّفها للامريكي الذي كان قد سبقه الى الموقف من جبهة النصرة. لكن الحذر سيد الموقف لدى الجميع ذلك أن اللعبة صارت معقدة ومتشابكة الأطراف. فإذا صح التوافق الاميركي-الروسي على تسوية معينة لم ترفضها سوريا فالصحيح أيضا أن لائحة الأطراف المعارضة المعنية طويلة الى حد يجبر الامريكي على تحضيرها وإرضائها بهذا الشكل أم ذاك لامتصاص امتعاضها من نتائج هذه التسوية المرة.
أول المعترضين كان بدون شك الإئتلاف السوري بكافة أطرافه والذي عبر عن استيائه ورفضه لفك التحالف مع جبهة النصرة وفق ما يطالب به الامريكي. تحفظ المعارضة السورية مفهوم لجهة التقاطه الرسالة التي تضمنتها الدعوة الامريكية. فالدعوة الى فك التحالف مع ما صار يعرف برأس الحربة العسكرية ضد النظام، جبهة النصرة، ما هي إلا دعوة الى قبول تحجيم قوة المعارضة العسكرية من أجل تحضيرها نفسيا ومعنويا لكي تتقبل التسوية المعروضة.
يدرك الامريكيون حتما أن تحفظ الإئتلاف السوري كما المجلس الوطني، كما عبر عنه في مؤتمر مراكش السيدان معاذ الخطيب وجورج صبره، إنما هو، على الأغلب، اعتراض قطر والسعودية وفرنسا وإلمانيا وتركيا طبعا. اعتراض يحول حاليا دون إتمام الصفقة الامريكية-الروسية التي تلوح بوادرها بوضوح. ولهذه الأسباب يتقدم الجميع بحذر كلي. فلا أحدا يريد ان يحرق أوراقه قبل الاستحقاق الفعلي. وأمام التسوية ما يزال متسع من الوقت هو الوقت الواجب على الامريكي لكي يقنع حلفاءه الخارجيين والسوريين بضرورة القبول بها. هذا بالطبع إذا كان فعلا يدرك ضرورتها.
من المبكر ربما القيام بتحليل يشرح ويفسر الأسباب التي دفعت بالأميركيين الى الإقتناع الآن بضرورة قبول تسوية لم يقبلوا بنودها منذ فترة غير طويلة. وإذا كانت نتائج الصراع العسكري على الأرض، حتى الآن، وسقوط أوهام الحسم العسكري السريع وتفكك النظام من الداخل، ما يفسر بعضا من هذه الضرورة، فإن التخوف من توسع المسألة السورية الى ما بعد حدود سوريا وانتشار الحركات السلفية الاسلامية على نحو كبير، وبخاصة بعد الاضطرابات التي عادت لكي تهدد حكم الإخوان المسلمين في مصر، ما يجعل الامريكي يعيد على الأقل طرح الاسئلة على نفسه وعلى حلفائه في المنطقة.
أن يواجه المشروع الإخواني في مصر إعتراضات جادة وحادة ليس شأنا بسيطاً يقتصر على مصر وحدها. فبعد التفاهمات التي ظنها الأمريكي طويلة المدى مع هذا الفريق الشعبي الجديد على حكم المنطقة، من تونس الى المغرب فمصر وليبيا واليمن، جاءت الانتفاضة الثانية في مصر لتمنح الامريكي فرصة ربما للتفكير بقدرة تلك الأطراف التي التزمت بهذه التفاهمات على احترامها.
من الناحية المنطقية تكاثر المجهول في السياسة يستوجب الحذر سواء من المراقب أم من اللاعبين فهل سنشهد قريبا وبناء على ذلك العودة الى تهدئة اللعبة ابتداءً من سوريا ؟
القدس العربي