“آه… وآه” ألبوم ثانٍ ليولا خليفة السعيدة بتجدّدها:
“حزن وشفافية” وملامسة الروح مع مارسيل ورامي وبشار
هنادي الديري
يولا خليفة سعيدة، ولا تتوقف عن الضحك طيلة مدة الحديث الذي يستمر لأكثر من ساعة في أحد المقاهي البيروتيّة. سعادتها مؤثرة وسُرعان ما أكتشف كم هي مُعدية. يولا التي تجلس أمامي اليوم مُختلفة تماماً عن تلك التي إلتقيتها لدى صدور ألبومها الأول “آه”، منذ عامين.
تُعلّق ضاحكة، “هذا الفرح ناتج عن كوني أنجزت الألبوم! لقد تجدّدت، تماماً كما تجدّدت لدى ولادة أحفادي”. نلتقي هذه المرّة لتسليط الضوء على ألبومها الثاني، وقد أطلقت عليه عنوان، “آه…وآه”. تضيف: “(العمل) لا يتخلّله الحزن…هو ليس الحزن بقدر ما هي الشفافية…هو الغوص في الداخل…في الطبيعة…ربما عادت مسحة الحزن هذه الكامنة فيه إلى كونه يُلامس الروح…هي البوصلة الداخلية…ما أن يعود الإنسان إلى الداخل يشعر وكأنه يعود إلى الطريق الصحيح… طريق النقاء والعودة إلى الذات”. أصرّت هذه المرّة ان يكون الثلاثة معها في العمل. والثلاثة هم، زوجها الموسيقي الكبير مارسيل خليفة، وولداها رامي وبشّار. أرادت حضورهم في الألبوم الأول، ولكن كان عليها أن تُثبت علو كعبها قبل أن تطلب منهم بثقة أن يتفرّغوا لها لبعض الوقت، “لا سيما الصغير، بشّار… “نطّرني… حرقصني”. وذات يوم كنت في باريس حيث يقطن، عندما وضع خلسة المقطوعة التي أراد أن يهديني إياها… (وهي المقطوعة رقم 9 في العمل وتحمل عنوان: ترحال). قفزت من الغرفة وهتفت: Waw شو حلوة!…قال لي مبتسماً: بدّك ياها للـcd؟… وهيك صار”. تبتسم مُعلّقة، “كان لا بدّ لي من أن أفرض نفسي بعض الشيء… وأنا أم الشباب… معوّدين عليّي أمهن…التغيير صعب…العلاقة اليوم مهضومة…علاقة حلوة…نقزانين وفي الوقت عينه يريدون المُشاركة”. كان عليهم أن يصبروا قبل أن يعتاد الجميع على العلاقة الجديدة التي بدأت تنمو في ما بينهم. “الآن بدأنا نتعوّد أكثر على العلاقة الجديدة… ومع ذلك ما أن يحتاجني أحد منهم، أو ما أن أشعر ان أي شيء يحصل ضمن العائلة حتى أترك كل شيء، وبنطّ دغري… ما زالت الأولوية لهم”.
عاشت في الظل 30 عاماً قبل أن يصدر الألبوم الأول، “لم أكن في الواجهة… وربما شعروا اليوم(مارسيل، رامي وبشّار) ببعض الراحة لأنهم تعبوا من الواجهة… ولكنني لم أقصد أن أكون اليوم في الواجهة… جلّ ما في الأمر انني شعرت بحاجة ماسّة لأعبّر…وكأنه كان الخيار الوحيد ما بين الحياة والموت… وقد دفعني هذا الخيار إلى أن أخطو هذه الخطوة… كانت مسألة ملحّة من الداخل”. الألبوم يُجسّد رحلتها الداخلية كإمرأة، “في العمل كل الأشعار (بإستثناء شعر لبشّار) من توقيع النساء…المرأة عندي حاضرة بقوّة لأنني إمرأة وأرى ان المرأة مظلومة وهي الأكثر ضعفاً”. خلال هذا العمل الذي تظهر فيه أنغام مارسيل ورامي وبشّار بالإضافة إلى ألحان يولا شخصياً ونساء أخريات، “سمحت لنفسي أن آخذ بعض فسحات… فُسحات من التأمل، والإبداع والحرية… لست مُتفرّغة لفنّي ولكنني أحاول من خلال الكمّ القليل الذي أنتزعه… من هنا وهناك، أن أغوص حتى النهاية… هذه الفسحة تأخذ منّي الكثير ولكنني مُصرّة عليها بكل طاقتي… لا أعرف لماذا، ولكني مُصرّة… حالياً أملك هذا الإندفاع…عندما تخمد النار المُشتعلة في داخلي… نرى بعد ذلك ماذا نفعل؟”.
أرادت أن تبدأ منذ أعوام طويلة، “ولكن كانت ثمة عوامل ذاتية عليها أن تنضج. لم أكن مُستعدة. كان المطلوب منّي أن اختمر كإمرأة وكقوة داخلية لأن ما أقوم به يحتاج إلى القوة الداخلية. كان يُفترض أن أمرّ بكل ما مررت به لأصل إلى ما أنا عليه اليوم…عندي فرح كبير”. في الأسطوانة الجديدة بعض مقطوعات من تلحينها. تضحك بخجل، “صرت عم قول لحّنتٌ!”. تشرح، “ثمة قصائد عاشت معي طويلا. لقد بدأت قراءاتي الشعرية منذ مدة طويلة وكانت هناك مشاريع خاصة تضجّ في رأسي زد إليها بعض أسئلة تطرحها كل إمرأة في طريق الحياة… إمرأة تعتبر نفسها حساسة وواعية… لقد عاصرت الكثير من الأمور التي حفرت نفسها في داخلي وبقيت في رأسي”. راحت تُصرّ بداية على “الشباب” الثلاثة، “لحّنولي، لحّنولي… وهم يضعون الأعمال في الأدراج… لم يقولوا لي لا، ولكن كانت لديهم أولوياتهم…لم أزعل منهم ولكنني كنت أشعر أن الوقت يمر من دون أن أتقدّم… ولكنني فعلياً كنت أتقدّم”.
لم تجلس أمام الورقة البيضاء، عندما جاء دورها لتُلحّن، “ولكنني خلال المشي… أنا أمشي دائماً على البحر… وتماماً كإنخطافي الذي أعيشه في الطبيعة التي لا أتنفس بعيداً منها… كانت المسألة أشبه بعجن العجين… وفجأة بتفرخ هالعجينة… فجأة بدوري وجدتُ نفسي أغني القصائد التي عاشت معي طويلاً… فإذا بي أركض إلى المنزل لأسجّلها بصوتي”. وعندما سمعت العمل كاملاً، “شعرتُ كم أنني قوية من الداخل… هذا العمل أعادني إلى ذاتي”. تضحك عالياً قبل أن تُنهي، “هلّق صار فيني آكل لأنّي حكيت!”.
النهار