أبعد من خطة أنان لسوريا
ستيفن هايدمان
هناك اقتناع متزايد بأن خطة انان تساعد نظام الأسد على إعادة تثبيت سلطته وبأنها فشلت في الحد من الاستخدام العشوائي للعنف وبأنه يجب الاعتراف عاجلاً أو آجلاً بأنها فاشلة.
خلال أيام من وصول طلائع مراقبي الأمم المتحدة إلى سوريا للإشراف على تطبيق خطة السلام التي جرى التوصّل إليها بوساطة من مبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي أنان، فقدت هذه الخطة جدواها بسبب الظروف على الأرض. يبقى أن نعرف كم سيستغرق المجتمع الدولي من وقت للإقرار بفشله والمضي قدماً في جهوده الجماعية لتحقيق انتقال ديموقراطي في سوريا.
يمكن أن تكسب الولايات المتحدة الكثير عبر أخذ زمام المبادرة والإعلان بأن خطة أنان وُلدت ميتة، والضغط على نظام الأسد من أجل التعجيل في انهياره.
لكن لن يكون من السهل الإقرار بهذا الأمر. فعلى الرغم من أن عدداً قليلاً من المسؤولين الغربيين أو العرب عقدوا آمالاً كبيرة على خطة أنان، أو أخذوا على محمل الجد التزام نظام الأسد تطبيقها، ظهر ميل قوي بعد انطلاق تنفيذ الخطة لمنحها مزيداً من الوقت كي تحقّق نتيجة، وتجنُّب أخذ المبادرة بسحب الدعم عن الإطار الديبلوماسي الوحيد الذي حصل على الدعم الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي.
بيد أن تكاليف عدم التحرّك مرتفعة وتزداد يوماً بعد يوم. فقد قتلت قوّات النظام مئات الأشخاص منذ بدء تطبيق ما يُعرَف بـ”وقف النار” في 12 نيسان الجاري. وفي 17 من الشهر نفسه، تعرّضت مدينة حمص لأكبر وابل من القذائف يسقط عليها في يوم واحد منذ بدء الانتفاضة المستمرّة منذ عام. وقد أثار الدعم المستمرّ للخطة تساؤلات عن عمق التزام مجموعة “أصدقاء سوريا” الانتقال الديموقراطي في سوريا، وما إذا كانت مستعدّة بالكامل للثبات على موقف واحد يعتبر أن نظام الأسد غير شرعي، وأنه على الأسد نفسه الرحيل. كلما أمّن “أصدقاء سوريا” التغطية لخطة أنان لوقت أطول، ازدادت هذه التساؤلات حدّة.
بما أن الانتظارات من الخطة لم تكن مرتفعة، يجب أن يكون سلوك نظام الأسد كافياً لتجاوز الرغبة في منح خطة أنان مزيداً من الوقت. لقد كان ازدراء النظام للخطة كبيراً جداً، حتى إنه فاجأ بعض الديبلوماسيين المحنّكين الذين اعتادوا تاريخ دمشق الطويل في الإخلال بتعهّداتها. وعلى الرغم من زعم الحكومة السورية بأنها سحبت قوّاتها من المدن الكبرى، تؤكّد صور الأقمار الاصطناعية أنها لم تفعل سوى نقل وحدات جديدة إلى مواقع هجومية جديدة. وهناك أيضاً تقارير عن تزايد استخدام سلاح الجو السوري، بما في ذلك المروحيات القتالية، في شنّ هجمات على مواقع مدنية.
ولم يُظهر النظام أي اتّجاه نحو التخفيف من وطأة حملة القمع التي ينفّذها منذ عام. فإلى جانب استمرار حصيلة القتلى المدنيين في الارتفاع، تشير المعلومات الواردة من سوريا إلى موجات من الاعتقالات والإجراءات العقابية الأخرى بحقّ المتظاهرين والناشطين المعارِضين. فضلاً عن ذلك، إذا كان النظام السوري يكذب بصورة منهجية مدّعياً التقيّد بسحب قوّاته والتوقّف عن اللجوء إلى العنف، فهو لم يحرّك ساكناً على الإطلاق للتجاوب مع النقاط المتبقية في خطة أنان، والتي تشمل الإفراج عن السجناء السياسيين، والسماح لوسائل الإعلام بدخول سوريا، واحترام حق السوريين في التظاهر سلماً. وأنان نفسه يلتزم الصمت بطريقة غريبة حول عدم تجاوب سوريا بتاتاً مع هذه البنود. ولذلك لا عجب في أن أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، توقّع أن حظوظ خطة أنان بالنجاح “لا تتعدّى الثلاثة في المئة”.
وفيما يتّهم المسؤولون الروس حكومات لا يسمّونها و”قوى خارجية” (“الغارديان” 2012/4/17) بالسعي إلى تقويض خطة أنان – متجاهلين مسؤولية نظام الأسد عن فشل الخطة – تتخوّف المعارضة السورية وأنصارها من العكس تماماً، أي إن الحكومات الغربية انجرفت وراء مبادرة ليست مشوبة بالعيوب وحسب إنما خطرة أيضاً؛ وهي أخفقت في وضع معايير واضحة لتقويم تطبيقها؛ فضلاً عن أنها لم تحدّد جدولاً زمنياً توجّه من خلاله رسالة جليّة بأن الدعم لخطة أنان لن يستمرّ إلى ما لا نهاية.
في المقابل، يُنظَر إلى الغرب على أنه وافق، في إطار مجهود مضلَّل لإقناع الحكومة الروسية بالحدّ من دعمها لنظام الأسد، على مبادرة تقوِّض التزامه الأساسي تنحية النظام، وتفرض قيوداً على انخراطه مع المعارضة، وتحوِّل تركيز الديبلوماسية العالمية بعيداً من محافل مثل مجموعة “أصدقاء سوريا”، وتنقله إلى مجلس الأمن الدولي حيث تتمتّع روسيا الراغبة في التعطيل بسلطة نقض على المبادرات التي يطرحها الغرب والجامعة العربية. سواء كانت هذه التصوّرات دقيقة أم لا (في واشنطن على الأقل، يصرّ المسؤولون الأميركيون على أن خطة أنان لم تؤدِّ إلى جنوح الولايات المتحدة عن سياستها حيال سوريا) هناك اقتناع متزايد بأن الخطة تساعد نظام الأسد على إعادة تثبيت سلطته، وبأنها فشلت في الحد من استخدام النظام العشوائي للعنف، وبأنه يجب الاعتراف، عاجلاً وليس آجلاً، بأنها فاشلة.
تملك مجموعة “أصدقاء سوريا”، لحسن الحظ، بدائل من خطة أنان. وتشمل تطبيق الالتزامات التي قطعتها المجموعة في 2 نيسان الجاري بتوسيع الدعم للمعارضة السورية، بما في ذلك من خلال مقاربة منظَّمة لعسكرة الانتفاضة السورية (هايدمان، فورين بوليسي، 22/2/2012)، وكذلك زيادة الانخراط مع المعارضة الداخلية. وتشمل أيضاً بذل جهود لبناء الدعم الدولي وكذلك الدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو) لشنّ عمليات دفاعية حليفة، مثل إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود الشمالية لسوريا من شأنها أن توفّر لتركيا التطمينات التي تسعى للحصول عليها كشرط مسبق للقيام بخطوة من هذا القبيل. والعنصر الآخر في هذه المقاربة قد يتمثّل في بذل جهود للقضاء على سلاح الجو السوري. كل هذه الاستراتيجيات أكثر قدرة بكثير على ممارسة ضغوط فاعلة على نظام الأسد، وعلى التعجيل في الجهود الهادفة إلى تحقيق انتقال سياسي من طريق التفاوض في سوريا، وهذا ما لا تؤمّنه الخطة المشوبة بعيوب خطيرة التي قدّمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة.
النهار